صلاح سرميني باريس
الحوار المتمدن-العدد: 2281 - 2008 / 5 / 14 - 11:25
المحور:
الادب والفن
أفترضُ, بأنّ المُولعين السابقين/أو الحالييّن بالسينما الهندية, ما زالوا يتذكرون, والابتسامة على شفاههم, الفيلم الهندي (Junglee).
عندما أدمنته مراهقاً في صالات مدينة حلب, لم يكن يهمني من طاقم العمل غير الأيقونة شامي كابور(Shammi Kapoor), ورائعة الجمال سايرا بانو(Saira Banu).
منذ أيام, غمرني الحنين لمُشاهدته مرةً أخرى بعين المُحترف المُغرم (ولتذهبَ توجهاتي السينمائية الطليعية إلى الجحيم), فعرفتُ بأنه من إخراج(Subodh Mukherji), وإنتاج عام 1961, و(Junglee) تعني المُتوحشٌ, أو الشرس.
ليس من السهل اختصار أحداث فيلم هندي, ولهذا سوف أحوم حولها, وأسجل ما تيسر منها..
يعود شيكار(Shammi Kapoor) من الخارج ليتسلم, أو يُكمل مهامه في الشركة الكبيرة التي ورثها عن أبيه, كما العبوس, والتجهم إلى حدّ الفظاظة, هي تقاليد عائلته الأرستقراطية التي يعتقد بأنها السبب في نجاحه.
تحظى صورةٌ كبيرةٌ للأبّ الراحل (جسداً) بمكانةٍ بارزة في قصر العائلة, وتهيم روحه بقوة في العقول, والأذهان, وتشارك أفراد الأسرة تفاصيل حياتهم اليومية.
بدوره, الابن (شيكار) نسخة مرعبة من الأبّ, يُرهبُ الجميع بمعاملته القاسية إلى درجة الافتعال, واختلاق المواقف المُضحكة رغماً عنه, حتى يلتقي بالحلوة راج (Saira Banu) التي تغيّر حياته, وتجعل منه شخصاً مختلفاً, وبالفعل, ينقلب (شيكار) رأساً على عقب ـ بالمعنى الحرفيّ للعبارة ـ, فبعد أن كان يمطّ شفته السفلية, ويرفع حاجبه الأيسر, ويُبالغ في تجهمه, حوّله الحبّ إلى حملٍ وديع, ولم تعدّ الضحكة تفارق وجهه, حتى بدأ المُقربون منه ـ بدايةً بأمه(Lalita Pawar) ـ يعتقدون بأنه فقد عقله, وبتصنعٍ ظاهر, بدأ يفتعل الجنون فعلاً كي يُبعد عنه الفتاة التي تخيّرت أمه تزويجها له, معتقدةً بأنها أميرة من عائلةٍ مماثلة طبقياً .
يتضمّن هذا الفيلم ـ المُلون في أدقّ تفاصيله ـ معظم العناصر الدرامية المُشتركة في أفلامٍ هندية كثيرة :
ـ يعود البطل الوسيم من الخارج, ويتسلّم مؤسسةً كبيرةً ورثها عن والده.
ـ ينتقل الشاب الثريّ ابن المدينة في رحلةٍ قصيرة إلى الريف.
ـ يلتقي صدفةً بفتاة ريفية فقيرة, ويحبها (هو يملك كلّ شئ إلاّ الحبّ).
ـ تنطلق علاقتهما في أحضان طبيعة عذرية خلابة (أنهار, جبال, بساتين, ثلوج, وكوخ صغير...) بعيداً عن صخب المدينة.
ـ يحول التباين الطبقيّ دون زواجهما .
ـ تسعى الأمّ الصارمةٌ, والمُستسلمة تماماً لتقاليد العائلة الأرستقراطية, لتزويج ابنها من فتاةٍ تعتقد بأنها أميرة(وفيما بعد تنكشف حقيقة عائلتها المُفلسة).
ـ يتمرّد البطل على التقاليد الموروثة أباً عن جدّ.
ـ تدور الأحداث في مكانيّن مختلفيّن طبقياً, يعيش (شيكار) في قصرٍ فاخر, بينما تحتمي (راج) مع أبيها الطبيب في بيتٍ ريفيّ متواضع.
وإن لم تساعد هذه اللمحات المُتفرقة من الأحداث على تذكر الفيلم, فإنّ من شاهده منذ زمن بعيد/ أو لم يحظَ بعد بمشاهدته, ربما يتذكر هذه الكلمات(Aai Aai Aa Sukoo Sukoo) من تلك الأغنية التي تنطلق من جبال كشمير المُغطاة بالثلوج بعد أن تجرأ (شيكار), وكشف عن عشقه ل(راج), وفي الكوخ الذي احتميا فيه من العاصفة, قرأ لها أشعاراً.
من المُثير للانتباه, والضرورات الدرامية تتطلب ذلك, بأنّ الأغنيتين الأولى, والثانية من الفيلم, غنتهما الأخت مالا(Shashikala), وحبيبها جيفان (Anoop Kumar) ـ نعرف فيما بعد بأنهما متزوجان سراً ـ بينما بدأ (شيكار) أغنيته الأولى بعد ساعةٍ, وربع من بداية الأحداث, وبالتحديد, عندما كشف عن حبه ل(راج), وفي تلك اللحظات, ووسط ثلوج جبال كشمير غنى لها chaahe koyi mujhe junglee kahe)) .
عادةً, المشاهد الأخيرة من الأفلام الهندية ُمسرحيةٌ بامتياز, وفيها تلتقي معظم الشخصيات الفاعلة, والمُؤثرة, الطيبة, والشريرة, وتبدأ الاعترافات المُتوالية, والدروس الأخلاقية, والتحولات المصيرية .
فبعد انكشاف أغراض عائلة الفتاة التي أرادت الأم تزويجها لابنها (شيكار) متوهمةً بأنها أميرة, وعرف الجميع بأنّ الهدف الحقيقي هو ابتزاز المال, يرّق قلب الأمّ القاسية, وعندما ينتصر ابنها على الشقيّ أخو الفتاة الذي أراد الهروب بمحفظة النقود, تبتسم لأول مرة, تستدير نحو ابنها, تأخذ منه حفيدها, وتُعانقه.
في تلك الأثناء, يتصنع (شيكار) الإغماء, وباقتراب (راج) منه للاطمئنان عليه, يلتفتُ فجأةً بحركةٍ مسرحية, ويعود بنا المخرج فوراً إلى لحظات العشق التي عاشها البطلان في جبال كشمير خلال العاصفة الثلجية, هناك حيث غنى :
اعتبريني وحشاً إذا رغبتِ
المهم, بأنني وقعتُ في غرامك.
في هذا الفيلم, وجد السيناريو حلاً سينمائياً للتقارب, والتصالح ما بين الطبقات الثرية, والفقيرة, وانتصر الحبّ على الكراهية, والطيب على الشرير, وتناست الأمّ تقاليد العائلة, واقترن الشاب الغنيّ من الفتاة الفقيرة,... وعاش المتفرج الهندي أحلام يقظته, وبالوكالة حققت شخصياتٌ سينمائية كلّ أمنياته .
وعلى الرغم من كلّ هذه الحسنات بالنسبة لملايين المشاهدين في العالم, وكلّ المعجزات التي تُجسّدها, لم تدخل الأفلام الهندية قلب المتفرج الغربي, ولم تغير من نظرته (الحادّة) نحوها, ولم يستوعب أحداثها المُتعارضة مع ثقافته.
على سبيل المثال, لن نجد شاباً غربياً يرضخ لتقاليد عائلته الصارمة, أو المُنفتحة, ولن تكون الأمّ عقبةً في طريق اختياراته العاطفية, وخاصةً زواجه من الفتاة التي أحبها, ولن تتزوج الأخت من حبيبها, وتنجب منه طفلاً, ويبقى الأمر سّراً لمدة عامين, ولن تستطيع عائلة تدعي أصولاً أرستقراطية الاتفاق على زواج مرتبٍ بهدف الابتزاز.
المتفرج الغربيّ, لا يقبل هذه المُبالغات, وهي بالأحرى تُزعجه, وتُنفره, وتصبح مادةً للضحك, والسخرية, إن لم تكشفَ عن سلوكٍ استعلائيّ, ورفضٍ لثقافةٍ أخرى مُغايرة.
الطريف في الأمر, بأنّ السينما الهندية قادرة على الاكتفاء بأسواقها الداخلية, ولا تبحث عن رضى المتفرج الغربي عنها, تاركة له إعجابه ببعض مخرجيها المختلفين أمثال : ساتياجيت رايّ, ميرنال سين, ميرا نائير....
#صلاح_سرميني__باريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟