|
موسم الجراد
عامر بيبو البابيري
الحوار المتمدن-العدد: 2280 - 2008 / 5 / 13 - 09:24
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
تفاجئ لحظة دخوله حينما سمع ذلك الصخب الذي ينبعث من المبنى، بدأ يستفهم الوجوه عن ما الذي يجري ورود، زينة، عطور تملئ الأجواء وابتسامات تحلق هنا وهناك، إنها ليست مناسبة وطنية، هل الحفلة مقامة على شرف حظورهِ؟ مع إن أحدا من هؤلاء لم يرى وجهه من قبل، ربما أنهم قد سمعوا بقدومه رغم كتمانه لكل ما يقوم به، فهو يهوى المفاجآت وتحت أي ظرف كان. لم يستطع يوما ً أن يطرح سؤالا واضحا وما زال الشك ومنذ نعومة أظافره يعبث بأفكاره القاتمة وكثيرا ما دفع ثمن تقديراته الخاطئة، حتى عندما احترق جسمه بالماء أيام طفولته، كان السبب انه لم يستطع أن يميز بين صمام المياه الباردة و صمام المياه الحارة الذي كان بدرجة من الحرارة أقعدته أكثر من عشرون يوما قبل عودته إلى المدرسة التي تمنى أن يصاب بأي مرض آخر أو يحرق مرة أخرى على أن لا يعود أليها، فقد كان يكره حتى الشارع الذي يؤدي لبوابتها لما كانت تبعث في نفسه من ريبة. الشئ الوحيد الذي كان يتقنه هو حصوله على ما يريد أينما كان ومتى ما أراد وكيفما شاء، فأخاه البكر هو احد كبار ساسة الدولة، وعلى عاتقه تقع كل أمنياته التي لا تنتهي، وقد أحب التبرج الذي كان من بين الوسائل الفعالة التي طلت سنوات فشله والذي علمه أيضا كيف يسقط خصومه الذين يصنعهم بيده الواحد تلو الآخر. كانت العطور تملا أجواء المبنى عندما بدأت أقدامه تسير به حيث لا يدري، لكنه شعر بالغثيان عندما رأى ذلك الشاب قادم نحوه وهو يسأله بلطف عما يريد لأنه كان يردي (باجـاً) كباقي زملائه مكتوب عليه عنوانه العلمي. كان مدير المبنى في هذه الأثناء يصافح من حوله ويودعهم وقد غمرته سعادة لا توصف عندما وجد نفسه أمام هذا التكريم والتقدير لما قدمه لهم في سنوات خدمته العشرة، فقد جعل منهم عائلة واحدة، حتى انه أصبح كأب روحي لهم، أما المراة التي أحبته منذ ثلاثة أعوام والتي كثيرا ما حاولت استدراجه إليها قد شعرت اليوم بمدى غبائها وأيقنت أخيرا ً انه لم يكن يعاملها سوى كأبنة له غير أن تواضعه اللا محدود هو الذي أثقلها بـهذه المحبة اليتيمة. كان الزائر قد علم بما يدور في أروقة المبنى غير انه لم يكن يتصور أن نهاية مروان (المدير) ستكون بهذا الشكل المثير لغيرته وحقده المتأصل. لقد تمنى انه لم يصل الآن وانه لم يشاهد هذا الرابط العظيم الذي يجمع هؤلاء لأنه شعر بمدا التفاهة التي تكمن بداخله. حاول الاسترخاء، فكر وللحظة تائهة انه سيتغير وانه سيعمل جاهدا ً من اليوم أن يحتضن الذين من حوله وانه سيبتعد عن القالب المقرف الذي نشأ عليه.. وعد نفسه بأن يكون (كمروان) وان يكسب شيئا ً من محبة الآخرين التي طالما افتقدها. حلقت هذه الأفكار في مخيلته لترسم على وجهه أول ابتسامة صادقة. شعر بشئ من الاطمأنان لأنها لحظات هادئة لا تداعبه إلا نادرا ً. لم يكن يعلم أنها لحظة كاذبة فحالما وقعت عيناه على ذلك الرجل وهو يهم بالخروج تغيرت ملامحه واندس بسرعة في غرفة قريبة من دون أن يشعر، انتابه شعور متناقض أدى به إلى صراع صراع نفسي كاد يخنقه، شعر برغبة في قتله أمام هذا الحشد، تمنى له الموت في هذه اللحظات لكنه تمنى أيضا أن يرتمي ً بين أحضانه، أراد أن يقبل جبينه بل حتى أقدامه. لما قام به مـن فعل قذر تجاهـه حينما أوعز لأخيه (السياسي الفذ) بنقله من مبنى المخازن هذا إلى أي مكان آخر. فتش عن غرفة الإدارة بعد أن سار بضعة خطوات خلف الجمع اللذين أصروا على أن لا يتركوا مديرهم إلى أن تمضي به السيارة التي ستقله، وفي هذه اللحظات وجد ما يبحث عنه وقد اخذ مكانه خلف كرسي المكتب واخذ يتيه بين الوعود التي قطعها على نفسه قبل قليل وبين تراكمات نشأته المشوهة واستعداده النفسي المظلم. عندها دخل بعض العاملين إلى الغرفة لرفع الزينة والحاجيات الأخرى التي استعملت للحفل. صعقهم، قبل أن يتفاجئوا من طريقة ومكان جلوسه بأن طلب منهم اجتماعا ً فوريا ً بعد أن اخرج إليهم كتابه الرسمي الذي يوضح فيه انه المدير الحالي لهذه الدائرة. لقد أصر على أن يجلب الكتاب بنفسه بعيدا ً عن البريد الرسمي لأنه أراد به أن يذل مروان ويخبره بأن "النفوذ هو من يصنع الوجود وليست الشهادات العلمية وانه يستطيع نقله مرة أخرى لو أراد ذلك". لكن ما شاهده حال دون ما أراد.. بعد أن بدأ الاجتـماع بترحيب متبادل مقتضب، بات عليه أن يفرض جبروتـه و منذ هذه اللحظة بأي شكل كان، كي لا يبقى مستصغرا حينما يعلموا بأنه ناضل عشرة سنوات وهو يكمل دراسته الابتدائية و انه بالكاد يستطيع القراءة و الكتابة، فكانت توصياته و منذ ساعته الاولى انه منع ارتداء (الباجات) اعتبارا من تلك اللحظة.. بينما كان هو يتلذذ بانتصاره الجديد، كانت الأيام تمر ثقيلة عل الآخرين، فقد بداء يبحث عن أية ذريعة كي يطلق تهديداته الوقحة تجاههم، أما الذين تنسبوا حديثا و اللذين أتى اغلبهم عن طريق أقاربه أو معارف له فقد كانوا على استعداد عظيم ليتحولوا إلى ثلة من المخبرين الذين بدئوا يتسارعون و يتصارعون للإدلاء أمامه بأي حديث قد يهمس بحقه !!!!.
#عامر_بيبو_البابيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلم في حضرة البشر
-
العقرب
-
نسيج متناسق ام خلطة نشاز؟
-
تحت المطرقة
-
لحظة هاربة
-
نكوص 180 درجة
-
تزاوج الاضداد
-
عودة النبي
-
سنابل فارغة
-
نزوة أبدية
-
الأنثى بين الواقع و الافتراض
-
من وحي طرزان
المزيد.....
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|