أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شذى توما مرقوس - خائِفة .......















المزيد.....

خائِفة .......


شذى توما مرقوس

الحوار المتمدن-العدد: 2278 - 2008 / 5 / 11 - 08:26
المحور: الادب والفن
    



( قصة قصيرة )

2006
....... كيف تجمّع غباء العالم كُلّهُ بين كفيها هكذا فجأةً ؟ ..... هي لا تعلم .... هل لا زالت تلك المرأة نفسها التي كانتها في وطنِها .... أم أن شيئاً وأشياءاً في روحها وكيانها قد تغيرت وربّما كيانها برُمتهِ قد أنقلب ؟ ...... وبعضٌ من الثقة بالنفس أين هو الآن ؟ هل ودعّت هذا البعض حين خطت بقدميها حدود بلادها .....أو نسيت أن تحشُر هذا البعض في حقيبةِ سفرِها فأغلقتها من دونهِ ؟! لم تعُدْ ردود أفعالها تجاه الأحداث تزيدُ عن ردودِ بلهاء ..... لقد أصبحت بلهاء ..... والآن أدركت الصلة القوية بين البله والثقة بالنفس .... فبمُجرد أن يفقد الأنسان ثِقتهُ بنفسهِ ينقلِبُ الى أبله ..... في وطنِها كانت سريعةُ البديهة وكان لها من الفطنة الحظ الوفير ...... أين هي الآن من كُلِ هذا ..... فكرت أن تُفتش في حقيبةِ سفرِها عن كُلِ هذهِ الأشياء فلرُبّما وجدت شيئاً منها ..... لكنّ حقيبة سفرها لم تعُدْ موجودة فلقد رمى بها واحِدٌ من المُهربّين الأدلآء اللذين قادوا الأخرين معها الى هُنا في النهر حين كان عليهم عبور الحدود الى البلد التالي المحطة الأخرى في طريق الهجرة .....ومن كُلِ بُدّ جاءت دون هذهِ الأشياء ..... أفتقدت كُل هذهِ المعاني في حياتها وفقدتها .... تذكُرُ أنّها في وطنِها أمتلكت من الثقة بالنفس والأستعداد والمُحاولة
ما يكفي لتُساعِد الأخرين وتُعينهم ولتكون ردود أفعالها تجاه الأحداث سريعة وفطِنة ورحيمة ..... هل تحولّ كُلُ ما بداخِلِها الى قسوة ؟! لم تعُدْ تفهم ..
..... فقبل أيام في طريقها الى منزلها .... في شارعٍ مُكتظ بالناس وعلى مقربةٍ منها جداً فقدَ أحدُ المارّين وكان يبدو في منتصف العمر توازُنهُ فوقع أرضاً وصارَ يتخبط في مكانِهِ مُحاولاً النهوض ولم ينجح الا بعد أن لمحتهُ امرأة عجوز من بُعد فأسرعت نحوهُ وأعانتهُ على الوقوف وألتقطت حقيبتهُ التي أفلتت من يدهِ مسافةً ما فرفعتها اليهِ.... كان الموقف كُلّهُ مؤلماً ..... المرأة العجوز بضعفها وخطواتها المُتثاقلة البطيئة هرعت لنجدتهِ وفعلت شيئاً ما .... وأما هي المُمرضة التي تمرست على حُب المُساعدة والرحمة سنيناً طويلة وقفت هُناك كبلهاء فاغرة الفاه بعيونٍ مُمتلئة حيرة وشكاً
ما عسى هذا الرجُل أن يكون ..... وهل وقع حقاً أم إِنّهُ أختلق هذا المشهد ؟! .... هل هو مريض ؟! .... هل هو سكير ..... أم إِنّهُ مدمن مخدرات ؟ لرُبّما يكون خطراً أقترابها منهُ .... لرُبّما تقتربُ منهُ لمساعدتهِ فيُمسِك بها ويطعنها بخنجر أو يدّقُ برأسها على ذلك الحائط خلفيّهما .... أو رُبّما سيضحكُ منها الأخرين لو ساعدتهُ على النهوض
وهي الغريبة عن هذهِ الديار..... أو قد يكونُ تدخُلاً
منها في شؤونهِ فيرفضُ ذلك الرجُل مساعدتها فتمتلئ خجلاً لمُبادرتها وهي الأجنبية التي لا تعرِفُ الكفاية عن ديدنِ الأشخاص وأفكارهُم وأسلوبهُم في العيش هُنا ..... و حتى جاءت المرأة العجوز لمعونتهِ بقيت هي جامدة في مكانِها فاغرةُ الفاه مُمتلئة بالشك تُصارِعُ أفكاراً كثيرة .... فكرة تنطحُ أخرى .... وفي عينيها تتجلى ألف وألف علامة أستفهام .... وحين أنتهى الأمر ووعت الى نفسِها شعرت أن الجميع في هذا الشارع المُكتظ يرمقُونّها بنظرات فيها من التساؤلات والأحتقار والأستهزاء والأستنكار لموقِفِها كفايةً لطعنةِ ألم في الروح وكأنّ الجميع كانوا يسألونها : أين رحمتكِ ياملاك الرحمة ؟ .....
أين روحُ المساعدة فيكِ ياأيتُها المُمرضة هل نشفت منكِ ؟ ..... هل نزفتِ هذهِ الروح في طريقِ رحلتكِ الى هُنا يا أيتُّها الأنانية ؟ ...... أيتُّها البلهاء الغبية
ماذا بقي لديكِ مما كان لكِ ومما كُنتِ تملكين ؟!
وأذا بصوتٍ في رأسِها يصيحُ مُدافعاً عنها : مهلاً ...
.... كان الجميعُ مثلكِ تماماً ينظرون واقفين لم يُحرِكوا ساكِناً ..... فقط هذهِ المرأة فعلت ما نسي الأخرون فِعلهُ ..... رُبّما ساعدتها خبرتها الطويلة في الحياة ..... ورُبّما مُعاناتها مع الشيخوخة علمّتها أن تكون أكثر قُرباً من الأخرين ..... كان الجميع واقفين لم يُحرِكوا ساكِناً ..... الجميع الأجانب منهم وكذلك من ولِدوا من رحمِ هذا البلد.
...... فلماذا كان عليها وحدها دون الأخرين أن تُقدِم شيئاً ؟ ..... ولكن لماذا عليها أن تكونَ كالأخرين ؟
..... لقد مارست الرحمة والمعونة طويلاً في مهنتِها الى درجة أنّ الأسراع لنجدة الأخرين أصبح أمراً تلقائياً في روحِها ..... لم تُفكر لحظةً فيما مضى بما سيكونُ عليهِ الأمر ..... لم تتردد أبداً عن المُبادرة مهما كان الأمر ..... وكيفما كان الوضع ..... لم تُفكرْ يوماً في حمايةِ نفسِها قبل أقدامها على المُساعدة .... كانت حقاً رحيمة وهدفها دائماً أشار الى الأخرين لا اليها .... فما بالها اليوم وقلبها يملئهُ الشك نحو الأخرين وثقتها بهم وبنفسِها قد غادرتها بعيداً ..... ولماذا خوفها الكبير هذا والذي لم تعرِفهُ أبداً في حياتِها الماضية من خوضِ غمارِ الحياة العملية مرةً أُخرى ..... ومنذُ أن غادرت بلادها وفي كُلِ مجالٍ حاولت العمل فيهِ أعاقها خوفها ففشلت ...
..... رُبّما صُدِمت في صميمِ كيانها أذْ لم يعُدْ بأمكانها مزاولة مهنتها التي شكلت دائماً كُل حياتها.... رُبّما؟ ....هل هذا ما تورِثهُ الغُربة ..... البله والغباء وعدم الثقة والشك والألم والحيرة ..... أم أنّ المُشكلة ليست في الغُربة بل فيها هي كأنسانة .... رُبّما تفتقِرُ الى المرونة ....رُبّما لم تتعودْ كفايةً في حياتِها على تقبُّل الأمور مهما أشتدت وصعُبت ......
تذكُرُ أن أحدَ الأشخاص هُنا قبل أشهُر أغتصب معونتها أغتصاباً فهي وكما لفّها شكها وخوفها وبلهها وغبائها وكلَ ما يُمكن أن يُقال عن قسوتها وأشياء أُخرى غيرها في حادثة الرجُل الذي فقدَ توازُنه فوقع أرضاً ..... كذلك جرى لها مع هذا الشخص حين طلبَ مُساعدتها وهو يتلوى آلماً في تشنُجٍ حاد لعضلاتهِ أعجزهُ عن الحركة تماماً وعن كُل شئ الا الصُراخ آلماً ..... أختلقت أعذاراً كثيرة حتى لا تهرع لمعُونتهِ لكِنّهُ لم يترُك لها مجالاً للهرب حتى أضطرت لمُساعدتِهِ..... فقدمت لهُ مُساعدةً خجلى وأعانتهُ على مدى أسبوع بقدرِ ما أستطاعت
وخوفها يتربصُ بها وشكها يُلاحِقها حتى تعافى تماماً وقال لها : كنتُ واثقاً ومُتأكِداً من أنّكِ أنسانة
تفعلُ الكثير لأجل الأخرين طيبةً ورحمة .... أنتِ أنسانة رائعة حقاً .
هل عرِفَ إِنّهُ أغتصب معونتها أغتصاباً ؟..... هل حقاً هي هذهِ الأنسانة التي قال عنها ؟ ...... لم تعُدْ
قادرة على تصديقِ ذلك ...... إِنّها تشتاقُ ثقتها بنفسِها وتفتقِدُ فِطنتها وسُرعة بداهتها ..... إِنّها تفتقِدُ رحمتها ...... إِنّها تلمُسُ بوضوح خوفها وشكها وقسوتها وبلهها وكذلك غبائها ..... لم يعُدْ هُناك شيئاً مما أمتلكتهُ من ذاك الماضي ..... أبتلعتهُ مياه النهر مع حقيبة سفرِها .... روحها أصبحت
فقيرة رغم أن الجميع هُنا يشيدون بخصائِلِها ..... أين هي المُشكلة ؟ ..... من أين تبدأ ؟ ..... وأين تنتهي ؟ ..... رُبّما من حدودِ بلدِها الذي قررت يوماً تركهُ رُغماً عنها وبدونِ رغبةً منها ...... رُبّما عند أرضِ هذا البلد الغريب عنها والذي وطأتهُ قدميها لأولِ مرة ...... رُبّما .......
وقفت مُعلقةً عينيها بزُجاجِ أحدى العيادات الطُبية في ذلك الشارع المُزدحم مُراقبةً حركة المُمرضات في تلك العيادة ...... لقد كانت يوماً واحدة من هؤلاء ....... واحِدةً منهُنّ........

آب ـــ 2006
مُلاحظة : ـــ { خائِفة } قصة قصيرة من ضمن مجموعتي القصصية ( حكايات جدُّ صغيرة .... كبيرة ) عن الغُربة .




#شذى_توما_مرقوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بجميلِ ضحكاتِها ........
- إِرثٌ لي .....
- الآ ....... فأنظُرْ
- رُبّما
- فوق كُرسيهِ المُريح .....
- على الطريق ......
- كوكب ......
- رجُل .....
- دافِئة ..... كالمحبة


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شذى توما مرقوس - خائِفة .......