اولاً : تواجه منطقه الشرق الاوسط بشعوبها ودولها وانظمتها وضعاً محرجاً وصعباً لم تالفه من قبل على الاقل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ويعيد المراقبون ذلك الى الصفة الانتقالية للمرحلة وأوان الاستحقاقات بعد انتهاء الحرب البارده ووحدانيه القرار الامريكي على المستوى الكوني وبدايات تشكل نظام دولي جديد يبحث عن مكان له في منطقتنا عبر اعادة ترتيبها على الصعيد الجيوساسي والتي اثقلت كاهل صانعي القرار وواضعي الوصفات والحلول من القوى العظمى الى درجه الحيرة احياناً والتردد اكثر الاحيان بعد احداث 11 سبتمبر / 2001 وتعثر عمليه السلام الفلسطينية الاسرائيليه وتفاقم مشكلة القوميات .
ومن الملفت أن بؤر التوتر ومصادر الازمة تكاد تنحصر في دائرة قضايا القوميات وساحات التحرر الوطني من فلسطين الى العراق مروراً السودان وهي نفسها التي – تغري – القوى الخارجيه وتفتح لها الطريق للتدخل أولا وقبل كل شئ من اجل تعزيز وتوسيع مصالحها الاستراتيجيه وخاصة منها النفطيه مع توفر فسحة لها لممارسة هامش من المناورة عبر الادعاء بحماية الشعوب والقوميات المغلوبة على امرها والمحرومة من الحقوق الاساسية والدفاع عن حقوق الانسان والديموقراطية ومواجهة الارهاب والدكتاتورية . والقيام بدور الوسيط أو الراعي لعمليات الحوار السلمي بين الاطراف المتخاصمة .
لاشك أن القوى السائدة في منطقتنا والتي بيدها مفاتيح الحل والربط والحكم والسلطات السياسيه والاقتصادية والعسكرية والامنية في مقدمة من يتحمل مسؤوليه مآل الوضع العام الناشئ ، اما بخصوص الساحات الاكثر تعرضاً للمخاطر وخاصة العراق وفلسطين والسودان ومن ثم الجزائر وسورية وايران فان انظمة الحكم السائدة والدساتير المعمول بها منذ الاستقلال والقوانين النافذه تشكل بمجموعها اسباب الازمة ولب المشكله ، وفي وقت عجزت فيه هذه التشكيلات – الدستورية القانونيه الادارية – السلطوية – عن ايجاد الحلول لقضاياها الوطنية ، امعنت اغلبيتها في الدكتاتورية وحكم الحزب الواحد والادارة الامنية تحت ظل قانون الطواري والاحكام العرفية وخنق الحريات . وانتهاك حقوق الشعوب والقوميات وعدم الاعتراف بوجودها بل والامعان في اضطهادها وتطبيق قوانين التعريب والتهجير والاسرله فيما يخص الشعب الفلسطيني بحقها مما أفرزت وبمرور حوالي نصف قرن مظاهر غريبه مثل عمليات – الارهاب –
( الدولتي والفئوي ) واعمال الابادة باسلحة الدمار الشامل ضد شعوبها وتنظيم فرق المرتزقه للاعتداء على الاخرين واحتلال الدول الاخرى أو الاعتداء عليها وتهديدها .
كل ذلك رأت فيه القوى العظمى – ضالتها المنشوده – واسباباً جوهرية للنفاذ والتدخل والتواجد العسكري في المنطقه بأسم الحمايه والاتقاذ والتغيير ودفع الشر واعادة التوازن والاطمئنان .
وهنا نستخلص القول بأن الشعوب المقهوره والقوميات المهدده في هذه البلدان لم تجلب – الاجنبي – ولم تتحول الى مرتزقه وطابور خامس ولاتتحمل بالنهاية اية مسؤوليه سوى مسؤوليه الانقاذ . وبدعم اقليمي ودولي وانساني .
وفي مثل هذه الظروف الدقيقة يبرز دور المثقف والاعلامي والمفكر في مسألة قول الحقيقة واظهارها والمساهمة في توفير الحلول للازمة التاريخية المتفاقمة خاصة ما يتعلق الامر بمصادرها وساحاتها وعنوانها الرئيسي الذي يشكل مفتاح الحل واعني به المسألة القومية في هذه – البلدان المأزومه – على وجه الخصوص . والقضية القومية الكردية كمثال موضوعي اسوقها لاننا جميعاً – كرداً وعرب – معنيين بها وخاصة في العراق وسورية والتي تحولت جزء من الازمة العراقية وفي الوقت ذاته مفتاحاً لحلها ، فبدلاً من مطالبة الحاكم – المسبب للازمة والمعادي للصداقة العربية الكردية والمصير المشترك والمصادر لحقوق الاكراد – بتغيير موقفه والالتزام بميثاق هيئة الامم المتحدة والمبادئ الانسانية والديموقراطية والاعلان عن تراجعه بالاعتراف للشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره كيفما يشاء وهذا بحد ذاته تعزيز للوحده الوطنية والوئام الداخلي وصيانه للاستقلال من جهة وقطع الطريق على الاجنبي والمتدخل والمتعدي من جهة اخرى اقول بدلا من ذلك يوجه بعض المثقفين والاعلاميين العرب اصابع الاتهام الى الشعب الكردي وحركته الوطنية التحررية على انهم – جنود تحت الطلب – رهن اشارة الاجنبي والبعض الآخر يطالب الكرد بأن يكونوا – وطنيين – ولايخونوا الوطن لقاء الاعتراف لهم بفولكلورهم وبحقوق – المواطنه – اما بعد ذلك فلكل حادث حديث .
القسم الاول لايستحق الرد ، والاخير الذي مازال يربطنا به نحن الوطنييون الاكراد العديد من الوشائج والخطوط نقول لهم بان الكرد ليسوا – جنود مرتزقه تحت الطلب – وفي الوقت ذاته ليسوا – وطنيين تحت الطلب – لاهذا ولاذاك ، هل مقياس العلاقات الكردية العربية كامتين وشعبين أن يتحول الكرد الى حماة للانظمة الجائره ام ان يتفاعل مع الحركة الوطنية الديموقراطية العربية النابعه من ارادة الشعب العربي الشقيق ويقفوا بخندقها لقد التزم الكرد شعباً وحركه تحرريه بالمبادى الوطنية في مراحل الاستقلال والبناء ومنذ حوالي القرن ولم يبادر أي حاكم الى الاعتراف بحقوقه ووجوده وهويته كما ، هو مطلوب ورغم كل ذلك لم يقايض الكرد يوماَ من الايام وطنيتهم لقاء الاعتراف بهم وبحقوقهم .
اما تكرم هؤلاء المثقفين بالاعتراف – بحقوق المواطنة – للكرد فلايعد – فتحاً مبيناً – وهذا الطرح بما يحمل من افق فكري وسياسي ليس متقدماً على ايديولوجيه الحكام ولايحمل في طياته أي جديد وبالتالي لن يكون البديل الافضل لمواجهة تحديات الحاضرو المستقبل ان الواجب الوطني يقضي بأن يرفع الجميع اصواتهم في وجه الحاكم ليعود عن غيه ويفك الحصار عن الشعوب ويحتكم الى الديموقراطية ويعترف بحقوق الاخرين قبل أن ينادوا الى الجهاد ضد العدوان الاجنبي او يحرضوا الشعوب على السكوت على
الضيم ووضعهم قسراً امام خيارين اما مع الحاكم الجائر أو خيانة الوطن ، وبعيداً عن هذه النظرة التعسفية فإن الطريق واضح للجميع اذا ارادوا سلامة البلاد والعباد والعرب والاكراد .
ثانياً : منذ بداية الستينات في الحالة الكردية وبداية الثمانينات في حالة جنوب السودان أي ما يقارب النصف قرن في الحاله الاولى والعقدين في الثانيه وحروب الانظمة والحكومات المتعاقبه لم تتوقف تحصد الارواح وتستنزف الطاقات وتجلب الكوارث البشرية ولم يتقدم العرب مجتمعين ومنفردين بمبادرات لوقف النزيف أو مشاريع لحل الازمة التي دارت ومازالت تدور حول حق الشعوب في تقرير المصير ومطالب مشروعة لحركات تحرر وطنيه اتخذت الشكل القومي في الحالتين ، كردستان العراق ، وجنوب السودان . واقتصرت المواقف المعلنه على ترديد شعارات براقه دون محتوى على غرار : مع وحدة البلد وضد التقسيم والانفصال ، وتقزيم الموضوع وربطه بمؤامرات خارجيه ضد العرب بادوات كردية وجنوبية .
في حين كان الاولى بجامعه الدول العربية ان تتقدم – بمبادرات – حلول طوال هذا الوقت لانها تقع في صلب مهامها . كما كان من المسلم به ان تتبادر احزاب ومؤسسات ومنظمات المجتمع الاهلي العربي الى طرح برامج ومقترحات لمعالجة مثل هذه القضايا التي لاتتجزأ عن العملية الديموقراطية والتقدم الاجتماعي والتحولات الفكرية والثقافية ، وتحقيق الاستقرار المجتمعي . ومن تحصيل الحاصل ان يكون مثل هذا الموضوع في اولى اهتمامات المثقفين والمفكرين والكتاب العرب يدرسونه عبر اقلامهم وكتاباتهم وابداعاتهم بهدف تنوير الرأي العام وطرح الحقائق ، واقتراح البدائل والخيارات على المعنيين وصناع القرار . من اجل بلورة المفهوم الديموقراطي لرؤية الآخر من غير العرب والاعتراف بحقوقه وتاريخه وشرعية مطالبه .
ان مؤسسة مثل – مركز دراسات الوحدة العربية – في بيروت تقوم بجهود عظيمة في العديد من المجالات ومنها قضايا الحوار والعلاقات العربية – التركية ، والعربية – الايرانية فتقيم من اجل ذلك الندوات ، وتطبع المجلدات ، ولكنها ليست فقط تحجب مثل هذه المبادرات عن الشعب الكردي والذي هو الاقرب صلة وقربى بل تمتنع حتى عن نشر الابحاث والمقالات في مجلتها الشهرية عن الكرد والقضية الكردية والعلاقات الكردية – العربية بموجب قرار صادر عن لجنة – امنائها - .
قبل اشهر قدم الكورد في كردستان العراق مقترحاً حول " الدستور الفدرالي العراقي ودستور اقليم كردستان الفدرالي " وهو موقف مطروح للمناقشة يعبر عن وجهه النظر الكردية حول مستقبل العراق والتعايش بين قومياته وفئاته ومسألة التغيير وهو بحد ذاته برنامج متكامل لحل المسألة القومية الكردية في العراق على اسس ديموقراطية سلمية في اطار عراق حر ديموقراطي موحد ، ومن الصفات المميزه لهذا المشروع عدم اقتصاره على وضع ومستقبل القومية الكردية بل يشمل كل العراق بجميع قومياته ومناطقه وفئاته وطوائفه وهو خير تعبير عن المضمون الوطني والابعاد الديموقراطية والوجه الحضاري لحركة التحرر الوطني الكردستاني والتوجه الكردي السليم في المساهمة بانقاذ العراق .
واذا كانت ردود الفعل على هذا المشروع اقتصرت على افراد لايتعدون اصابع اليد الواحده على صعيد العراق فان المثقفين العرب ورجال الصحافة والاعلام لم يولوا أي اهتمام يذكر ولم يساهم احداً – حسب
علمي – في دراسة وتقييم هذا المشروع الذي يعتبره الشعب الكردي انجازاً عظيماً في طريق حل المسألة الكردية في العراق ونموذجاً لحلها في بلدان اخرى ، وقد قيل أن المشروع لاهميته كان ضمن الوثائق التي وضعت على طاولة المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في الجوله الاخيره التي نتجت عنها " بروتوكول مشاكوس " وذلك كتجربه جرى الاستفاده من بنودها .
مؤخراً توصلت الحكومة السودانية والحركة الشعبية الى اتفاق تحت رعاية عملية – ايغاد – للسلام وباشراف مبعوثين من الولايات المتحدة الامريكية وايطاليا والنروج وبريطانيا . وأعلن عن – بروتوكول – وملحق يتضمنان توافقاً على مسألتي – الدين والدوله – وحق تقرير المصير وهما من اصعب المسائل واعقدها طوال الصراع منذ عقدين وكذلك حول تقاسم السلطة والثروة ، ومن الواضح ان هذه التطورات استحوذت على دعم وتأييد مختلف قطاعات الشعب السوداني في الشمال والجنوب وعلى مساندة دولية واضحة .
علي الصعيد العربي – الرسمي والشعبي – ظهرت الشكوك والحذر وحتى الرفض والادانة وذلك تباكياً وحرصاً مزعومين على – وحدة السودان – وهذا خير تعبير عن الحالة السائدة المتسمه بالسلبية والعزلة والهامشية . وهنا نبحث مرة اخرى عن ذلك الدور المفقود والغائب للمثقف العربي ورسالته ازاء عملية التغيير والتقدم والبناء والسلام . وهل سيسجل التاريخ ان النخبة الثقافية العربية والفئات المتنورة والطبقة الحاكمة عجزت عن ايجاد الحلول لمسألة الشعوب والقوميات وادت بعجزها الى تسريع وتحقيق التدخل الخارجي و " التدويل حميداً كان أم خبيثاً " على حد قول السيد الصادق المهدي . والذي يحمل المشاريع السياسية البديله بيد والعصا الغليظة باليد الاخرى .
قضايا الشعوب والقوميات التي تتعايش مع الشعب العربي مثل – الاكراد والبربر وجنوب السودان – والتي تجاهلتها التقسيمات الاستعماريه وجوداً وحقوقاً ومعاهدات واتفاقيات الحلفاء خلال الحربين العالميتين وبعدهما تاركة هكذا كقنابل موقوته . ان هذه القضايا لن تحل في القرن الحادي والعشرين وعصر العولمة وزمن تصاعد واشتداد التمسك بالهويات والخصوصيات بوصفات عفى عليها الزمن مثل وصفة " حقوق المواطنه " و " المساواة الشكلية " التي افقدت الانظمة الجائره صدقيتها وشوهت مضامينها . بل يمكن حلها عبر الاعتراف بصوت عال بحق تلك الشعوب في تقرير المصير ودون أية شروط او قيود وفي هذه الحالة من المنطق ان تتداعى بتقرير مصيرها ضمن الاطر الديموقراطية التي تضمن وجودها وسلامتها وحقوقها ولن تختار العيش في ظل انظمة دكتاتورية شوفينية مهما كانت هويتها خاصة وانها لن تقبل دون توفر ضمانات دولية لمستقبلها ان كانت من جانب هيئة الامم المتحدة أو القوى العظمى وهذا امر محتمل التحقيق في عصرنا الراهن لان الهيئات والمؤسسات الاقليمية القائمة في مناطق – الازمة – مثل – الجامعة العربية – و منظمة المؤتمر الاسلامي – ليست اكثر من عاجزة عن التحرك وطرح المبادرات فحسب بل تدفع باتجاه التصعيد – من حيث تدري أو لاتدري – في اكثر الاحيان بسبب سياساتها الفاشله. وفقدانها لاية برامج ومشاريع جادة تؤهلها للقيام بدور الوسيط – النزيه في عمليات السلام والانقاذ والتفاهم بين الشعوب . وفشلها يظهر في عدم نجاحها حتى الآن في حل اية ازمة عربية – عربية أو اسلامية . –