أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - إبراهيم إستنبولي - الولايات المتحدة الأمريكية والهيمنة على العالم















المزيد.....


الولايات المتحدة الأمريكية والهيمنة على العالم


إبراهيم إستنبولي

الحوار المتمدن-العدد: 707 - 2004 / 1 / 8 - 04:00
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


 تقديم  وترجمة إبراهيم استنبولي   

في الوقت الذي يهلل البعض للديموقراطية القادمة في دبابة أمريكية  وينفخ في البوق الامريكي معلنا بداية حقبة من الازدهار والحرية بالنسبة لشعوب المنطقة .. في هذا الوقت بالذات يجب على الجميع أن يتمعن في حقيقة المجتمع الامريكي وجوهره ، وفي ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بالحق الأخلاقي لكي تنصّب نفسها مدافعا عن حريات الشعوب وحريصاً على تقدم الأمم .. فمجتمع قام على إبادة السكان الأصليين لأمريكا لا يمكنه أن ينتج سوى الحرب والدمار ..

لكن في الوقت ذاته ، أليس من واجب الحكام وحاشيتهم في البلدان المستهدفة من قبل أمريكا أن يسارعوا إلى الانفتاح على مجتمعاتهم بكل أطيافها وشرائحها من اجل إصلاح حقيقي وليس مجرد تزييني وترقيعي .. ألم يحن الوقت لكي يدرك حكامنا أن التاريخ لن يسامحهم .. وسيعاملهم كما عامل صدام حسين الذي اغلق عقله واضطهد شعبه وبدد ثروات العراق العظيم .. انظروا ماذا حلّ بيوغوسلافيا و إندونيسيا والسودان  و ماذا خطط ويخطط لروسيا . اتعظوا ، أيها السادة .

ليعلم الجميع أن زمن البطولات الفردية وعنترية الزعامات قد ولّّى ولا بد من الاعتماد على الشعوب .. وعلى العقل والثقافة . على التعامل الموضوعي مع قضايا العصر والوطن .. وليس بالتشاطر على الوطن والمواطن  ، وليس بالقوانين الاستثنائية والقرارات التعسفية . خصوصا وأننا في زمن  الانترنيت وثورة الاتصالات والانفتاح الكوني .. وأننا أمام أعداء أذكياء ولديهم الخبرة والقدرة والعنجهية .

هنا ترجمة ( بتصرف ) لفصل من كتاب " الحرب النفسية ـ الإعلامية الثالثة " الذي صدر في نهاية القرن الماضي لمؤلفيه ليستشكين و شيليبين  باللغة الروسية . 

 

            بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي في حرب المعلومات تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من بسط سيطرتها بشكل منفرد على العالم . فالولايات المتحدة الأمريكية تمتلك مخزونا هائلا وخبرة كبيرة في حرب المعلومات ، لديها احدث الأسلحة الفتاكة والدقيقة ، ولديها إمكانيات مالية ضخمة تسمح لها بضرب اقتصاد أية دولة بلا استثناء عملياً .  مستخدمة هذه العوامل الثلاثة ، تخوض الولايات المتحدة الأمريكية الصراع من اجل تحقيق سيادتها المطلقة على العالم . 

            لكن الأمر ليس بهذه البساطة وبتلك المباشرة في ذلك الصراع . واكثر من ذلك ، يمكن القول انه يلاحظ بدء مرحلة جديدة . فمثلا في روسيا ، إن الحملة الدعائية " للقوى الإصلاحية " عبر وسائل الإعلام ،  المشوِّهة لتاريخ روسيا  والتي أريد بها إذلال وازدراء أبطال الماضي ، وبالمقابل الهادفة للتهليل وكيل المديح إلى كل ما هو قادم من الغرب ، راحت بالتدريج تعطي نتائج معاكسة لما هو مخطط لها . فقد استيقظ في المجتمع اهتمام غير مسبوق بالتاريخ الحقيقي وأفعال  " الديموقراطية " الغربية .

            وكمثال نموذجي على تحليل تاريخ والوضع الراهن للولايات المتحدة الأمريكية نورد دراسات وكتابات  أو .  أ . بلاتونوف ،  وهو الذي تجول في طول أمريكا وعرضها وتحدث مع مئات الأمريكيين من مختلف الشرائح الاجتماعية ،  قام خلال سنوات طويلة بدراسة اقتصاد وتاريخ أمريكا. وهنا نقدم مقتطفات مميزة من كتابه ( 62 ) : " يجري الحديث عن أن نظاما مخالفا لله ، غير إنساني ، و في أقصى درجات التوتاليتارية ، لا يحق له أن يعيش كأية إمبراطورية للشر . إن منظومة الحياة الامريكي ، أي نمط الحياة الطفيلي على حساب ثروات الآخرين ، العنف ، الخداع ، استغلال وسرقة الدول الأخرى ، يجب أن يتم القضاء عليها عن طريق تضامن جهود البشرية كلها .  بخلاف ذلك لن تتمكن البشرية من البقاء . فأمريكا ليست دولة ولا أمة . إنها ببساطة ارض شاسعة حيث يعيش بشكل مؤقت متحدرون من أصول وبلدان مختلفة . والمهم هو أن أمريكا ينقصها الأساس العميق ( الأصيل ) للدولتية المتينة ـ النواة القومية ، الشعب ـ الأمة . إن  ما يسمى بالشعب الامريكي ، لا يشكل وحدة موضوعية وفريدة في نوعها ، و إنما مجرد كتلة ( خليط ) اصطناعية مؤلفة من أفراد غرباء عن بعضهم ، تجمعهم رغبة مشتركة في الاستهلاك والربح وكذلك خوف غريزي بسبب مسئوليتهم عن جرائم عامة أمام البشرية . إن مثل هكذا خليط لا يمكنه أن يعيش بشكل متراص سوى على مدى فترات زمنية محددة . فالولايات المتحدة الأمريكية قد نشأت كدولة على حساب نظام العبودية والاستغلال البشع  و الإجرامي  للزنوج . إن الأمة الأمريكية قد تشكلت على دماء ، عظام ، أراضي و أملاك اكثر من 100 مليون من الهنود ـ الأصحاب الحقيقيين لتلك البلاد ،  الذين تم تعذيبهم أو قتلهم .

            إن وسائل الإعلام حتى يومنا هذا توحي لنا كما لو أن أمريكا قد تم إنهاضها بأيدي المستعمرين البيض . الحقيقة هي أن أغلبية الأراضي كانت مستثمرة ومزروعة من قبل الهنود أنفسهم . أما البيض فقد تصرفوا كمحتلين ، لصوص و كقطاع طرق ، أسسوا رخاءهم على موت ومعاناة عشرات الملايين من الهنود والعبيد " .  في الـ / 62 / يذكر بشكل مفصّل  تاريخ العبودية والقضاء على الهنود الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية . لقد كانت تجارة العبيد قائمة على النحو التالي :

1-     أقيمت على أراضي أفريقيا محطات للأشخاص الذين يمتهنون تجارة العبيد ، والذين كانوا  بكل الطرق ( بالعنف ،  بواسطة الكحول وبالخداع ) يقومون  بإلقاء القبض على الزنوج ، وقاموا بتقييدهم بالسلاسل ..

2-     جاءت السفن من أمريكا ، وهي تحمل الكحول ، وعليها كان ، بعد أن يتم تفريغ السفن من حمولات " المياه النارية " ، يساق المقيدين المساكين حيث يلقى بهم في عنابر ثم تغلق عليهم . كانوا يقدمون لهم الطعام من خلال فتحات ضيقة بحيث لا يقدر الشخص أن يزحف من خلالها . قبل إبحار السفينة كان القبطان ـ ملاك العبيد يحاسبون التجار . كانوا يدفعون مقابل الزنجي الواحد 400 لتر من الكحول المدد ( على شكل روم بشكل أساسي ) أو 40 كغ من البارود أو 18 – 20 دولار . 

3-     كانت السفن تعود محملة بالعبيد إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث كان يجري توزيع الزنوج للبيع عبر شبكة من التجار منتشرة في كل البلاد . كان يصل سعر العبد حوالي 2000 دولار . ومع حلول منتصف القرن الثامن عشر اصبح كل سادس شخص في الولايات الشرقية هو من الزنوج ـ العبيد . وفي الواقع ، كان يبلغ شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية فقط واحد من كل عشرة . فقط خلال الفترة 1661 ـ 1774  تم نقل من أفريقيا إلى أمريكا حوالي مليون زنجي أحياء ،  بينما الذين ماتوا في الطريق تجاوز تسعة ملايين ..

وفي القرن السابع عشر ، عندما بدأ المستعمرون الأوروبيون استثمار أمريكا الشمالية ، كانت أراضي هذه الأخيرة مسكونة من قبل قبائل هندية كثيرة . لم يهتم المستعمرون لمصالح وحقوق السكان الأصليين للهنود ، بل بالحرف أعلنوا عليهم الحرب حتى اجتثاثهم . بالطبع ، إن الهنود المسلحين بالرمح والقوس ، لم يتمكنوا كما يجب من مواجهة المحتلين .  مقابل كل قتيل من المحتلين كان يسقط في المعارك عشرات الهنود . بعد أن قضوا بهذه الطريقة على جميع الهنود ـ الرجال ، راح المحتلون يهجمون على القرى الهندية ، حيث بقي الأطفال والنساء و الشيوخ فقط ،  وقاموا بقتلهم بدم بارد .  أما تلك القبائل التي لم يتمكن المحتلون من إبادتهم بقوة السلاح ، فقد لجئوا إلى المكر والخسة في سبيل قتلهم . من اكثر الوسائل التي كان يلجأ إليها المحتلون في هذا المجال هو بيعهم للهنود أغطية ملوثة بالحصبة السوداء أو أمراض أخرى رهيبة ومعدية ،  وكذلك بيعهم فودكا مسممة .  بعد أن يستولوا على أراضي الهنود ، كان المحتلون يعلنون أصحابها الفعليين مواطنين أجانب .  فحسب قوانين الولايات المتحدة الأمريكية ( التي ظلّت سارية حتى عام 1924 ! ) لم يكن الهنود يعتبرون مواطنين في البلاد ولم يكن لهم أية حقوق عليها . إن الحكومة  " الديموقراطية  " للولايات المتحدة الأمريكية كانت تدفع ممثلي القبائل الهندية ، تحت ضغط الخوف من الموت ، من اجل توقيع  اتفاق  " طوعي "  ببيع الأراضي .  هكذا ، وبعد أن جُمِعوا بالقوة 400 من  اصل 17000 من هنود قبيلة التشيروكي في " اجتماع لعموم أفراد القبيلة  " ، قام المحتلون بإجبار " الاجتماع الشعبي العام  " بالموافقة على الاتفاقية ، التي تمت المصادقة عليها بسرعة من قبل الكونغرس للولايات المتحدة الأمريكية .  بهذه الطريقة تم انتزاع 7 ملايين فدان من الأراضي المستصلحة .  وهكذا دواليك .

المهم في الوعي المجتمعي الامريكي هو : المال ، الشيء والسلعة . إن الحياة ليدهم تخضع لسباق لا ينتهي من اجل أشكال جديدة وجديدة من الخدمات والسلع . فحمى الاستهلاك و تحويل الإنسان إلى " آلة ،  لتحصيل النقود " ـ  هو القانون الرئيس للمجتمع الامريكي . إن نمط الحياة الامريكي يجتذب إلى سباق الاستهلاك بأي ثمن مئات الملايين من الناس ، محولاً إياهم إلى مجرد عبيد في منظومة حياتية تافهة وفاسدة ، تتناقض مع الطبيعة الروحية للإنسان ، إذ تحوله إلى كائن ساذج وفارغ .

إن الولايات المتحدة الأمريكية هي النموذج الصارخ في التاريخ العالمي للطفيلية الاقتصادية . بينما هي تشكل فقط 5 % من جميع سكان الأرض ، إن الولايات المتحدة الأمريكية تبتلع 40 %  من كل الموارد الاستهلاكية في العالم .  مستحوذة من البشرية على الجزء الأكبر من الموارد ، إن هذه البلاد لا تقدم عملياً بالقابل الشيء المهم . بل اكثر من ذلك ، تترك طبيعة جرداء ، تسمم الأنهار والهواء .  إن ثلث التلوث العالمي للبيئة يتم بسبب الولايات المتحدة الأمريكية . كل أمريكي يستهلك اليوم ما يعادل ثمانية أفراد من سكان الأرض .. فالأزمة البيئية هي ناتجة عن الخلل الحاد للتوازن بين الإمكانيات الحقيقية للطبيعة والضغط عليها من قبل الاقتصاد الاستهلاكي للولايات المتحدة الأمريكية ... و المجتمع الدولي مطالب بأن يحمّلَ الولايات المتحدة الأمريكية ضريبة خاصة تساوي الضرر الذي تلحقه بالطبيعة على كوكب الأرض .

إن الانقسام الدولي هو نتيجة السياسة العدوانية ـ الاستغلالية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه البلدان الأخرى ، التي يدرك مواطنوها الطابع الطفيلي لأمريكا . ويزداد عمقا التناقض بين الولايات المتحدة والغالبية الساحقة من الدول الأخرى ، دون أن تتمكن أمريكا من إزالة هذا التناقض بسبب بنيتها الداخلية . فكما تبين دراسات الرأي في بلدان مختلفة ، إن الغالبية العظمى من سكان الأرض تكره أمريكا والأمريكيين ، وهم يعتقدون أن الحل العادل يكمن في اختفاء الولايات المتحدة الأمريكية ... فالاقتصاد الامريكي كالآلة المندفعة من أعلى المنحدر بدون فرامل ، لا يمكنها أن تتوقف لأنها لا تمتلك آليات كبح ذاتي . لم تعد متوفرة إمكانيات التطور الأفقي ، ذلك أن اكثر التقنيات تطوراً قد أصبحت بمجملها متخلفة عن عملية نضوب الموارد بسبب حمى الاستهلاك . ولذلك من اجل إشباع جشع الاقتصاد الاستهلاكي ، إن الولايات المتحدة الأمريكية مضطرة لانتزاع المزيد من الآخرين ، وهذا يصبح اكثر واكثر صعوبة .

إن الاعتماد خلال عقود على نهب اقتصاديات الدول الأخرى ، التلاعب بالأسعار العالمية وبالقيمة الفعلية للدولار ، جعل الولايات المتحدة الأمريكية تفقد باضطراد موقع الريادة في التقانات المتقدمة .  فإذا كانت حصة الولايات المتحدة في بداية السبعينيات من القرن الماضي حوالي 30 % من الصادرات العالمية لمواد التقانات العالية ، فقد انخفضت في الثمانينات إلى 21 % ، ومع نهاية التسعينات أصبحت حوالي 5 – 10 % . في حين أن دور القيادة في صناعة التقانات العالية قد انتقلت إلى اليابان ودول أخرى في آسيا " .

إن مجموعة الآراء والمواقف التي تم إيرادها أعلاه ، والتي تعتقد بها نسبة معينة من المجتمع ، هي تلقى تدريجيا رواجا وقبولا اكثر بين أعداد كبيرة من الناس . وفي روسيا يساعد على ذلك نشاط " الإصلاحيين " المدعومين من قبل أمريكا ، والذين وعدوا المواطنين بالجنة مع اقتصاد السوق ، لكنهم أوصلوا البلاد إلى الانهيار ، وقد تحول اكثر من ثلثي السكان إلى فقراء معدمين ، وأدى ذلك إلى ظهور كتلة من العبيد الفعليين الذين يعملون بدون اجر ، وكادوا أن يسببوا إنهاء العلم والثقافة والطب .

بالطبع ، ونحن نتكلم عن الولايات المتحدة الأمريكية ، لا يجوز أن نسكت عن دورها العظيم في تطور الحضارة الحديثة ، عن النتاج العالي الجودة ، عن الثورة في وسائل الاتصال والإعلام ، عن التنظيم الدقيق للعمل ، وكذلك عن دورها القيادي في تطوير منظومات المعلومات. كما يتمتع باحترام كبير العلماء و الاختصاصيين ، الذين يعملون في مختلف مجالات المعرفة . إلا أن العمليات الجارية داخل البلاد وفي العالم ،  وكذلك الأفعال القصيرة النظر للقيادة الأمريكية ، تشكل تهديدا جديا للولايات المتحدة الأمريكية نفسها . و لا يجوز السكوت عنها من اجل مستقبل الشعب الامريكي بالضبط .

في الوقت الحالي يمكن الحديث عن الهيمنة الأمريكية على العالم وكذلك عن عدم الاستقرار في نفس الوقت . وهذا يتعلق قبل كل شيء بالوضع المالي . فالدين الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية  يبلغ رقما خياليا ، كما تم طبع كمية كبيرة جدا من الدولار ، الذي هو في الواقع قد تحول إلى عملة عالمية .  عدا ذلك ، حدث افتراق واضح بين الرأسمال المالي والرأسمال الإنتاجي . ففي السوق المالية يجري تداول كمية هائلة من الأوراق النقدية من دون رصيد .  بفضل هذه الأموال  الصورية ، إن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة ، من جهة أن تفجّر أي منافس عملياً ، ومن جهة أخرى يمكن أن تهب عاصفة مالية على الولايات المتحدة ذاتها .

الشكل الآخر لعدم الاستقرار مرتبط بحقيقة أن رفاهية وسلامة الولايات المتحدة الأمريكية يقومان على ابتكار دائم للتقنيات المتقدمة . هذا يتطلب وجود مخزون ( احتياطي ) علمي ، وإذا قصدنا المستقبل ، فإنه مخزون علمي في مجال العلوم الأساسية قبل كل شيء . أما قضايا التطبيق فهي متاحة بشكل جيد في الولايات المتحدة كما في عدد من  البلدان الأخرى  . من هذه الزاوية ، إن أفعال إدارة كلينتون الداعمة لجهود " الإصلاحيين " الروس من اجل القضاء على العلوم في روسيا ، تبدو منحرفة على اقل تعبير .

الآن ،  إن أمريكا قررت الاعتماد على استخدام القوة ، على التعسف والترهيب . لكن هذه السياسة يمكنها أن تكون مؤثرة لفترة وجيزة وقد تؤدي إلى انفجار الكراهية وعدم الاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها .

وإذا ما أردنا الحديث عن الآفاق المستقبلية البعيدة فإن المجتمع الاستهلاكي لا بد سيدخل في تناقض مع الوضع البيئي للكرة الأرضية . ويبدو كما لو إن الولايات المتحدة الأمريكية تدفع العالم اكثر فاكثر نحو حافة الهاوية . واليوم مطلوب اكثر من أي وقت مضى أيجاد استراتيجية واضحة للخروج من التناقضات العالمية للحضارة البشرية المعاصرة .

عندما تراقب تصرفات محددة للإدارة الأمريكية فستجد أنها مشغولة فقط بالأهداف القريبة ، تسير وفق خطة قاسية ومحددة ، دون أن تدرك معطيات الواقع الجديد  . من هذه الناحية ، إن قيادة الحزب الديموقراطي التي تحكم أمريكا تذكّرنا إلى حد ما بـ ليونيد بريجنيف مع فارق واحد هو انه بدلا من قرارات إنسان عجوز تبرز في الواجهة نزوات  من صنف آخر . وقد تم الحديث عنها في وسائل الإعلام الأمريكية . وهنا سنورد مقتطفا من مقالة في جريدة " Argumenty e facty  " الروسية  / 64 / : " لم يذكر المتقدمون في السن حادثة مشابهة أن كانت الصحف الأمريكية الموجهة للقراءة العائلية مضطرة لان تبدأ مادة ما بتحذير عن أنها ليست للأطفال . هذا ما حصل عندما تم نشر تقرير القاضي المستقل كينيت ستار . ففي ذلك التقرير المؤلف من 453 صفحة تذكر بالتفصيل قصة العلاقة الجنسية بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وليام جيفرسون كلينتون والمتدربة الشابة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي . لقد استمرت تلك العلاقة حوالي سنة ونصف واقتصرت على ممارسة الجنس per os  والتي كانت تجري في الممر بين المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ومكتب آخر صغير بجانبه . تم استخدام ذلك الممر لأنه لم تكن هناك نوافذ . وقد روت المتدربة السابقة في معرض شهادتها ضد كلينتون أنها قامت " بخدمة " رئيس الولايات المتحدة الأمريكية 9 مرات . وانه في المرات الـ7 الأولى لم يكن كلينتون يسمح لها بإيصاله إلى الاورجازم . لكن الفتاة أصرت وتمكنت من ذلك في المرة الثامنة ... باقي القصة معروف .. الملفت للنظر انه بعد نشر التقرير تم استقبال كلينتون في الأمم المتحدة بعاصفة من التصفيق .. وراحت وسائل الإعلام الروسية تكرر كلماته حول ضرورة العيش وفق قوانين الديموقراطية والسوق ،  بل إن أحد رجالات روسيا الحالية أعلن أن كلينتون رجل رائع وانه ، أي الشخصية الروسية ، يحسد مونيكا لوينسكي ، وذلك دون أن يلاحظ إمكانية الفهم المزدوج لحماسه بالنسبة للمحيطين به .. حسب المقتطف / 64 / من الصحيفة المذكورة .

إن قصة  كلينتون ـ لوينسكي يمكن أن تخدم كمؤشر إلى حالة الوعي الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية . غالبا ما تجري المقارنة بين هيمنة أمريكا وهيمنة روما في العصور القديمة . هناك وهنا تسود قيم الفردانية ( أو القيم الفردية ) : " الخبز والمشهد " .

عند الحديث عن الخبز ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة في المحافظة على مستوى عال من الرفاهية لمواطنيها على حساب باقي العالم . أما بخصوص الفرجة ، فإنها معروفة جيدا البطولات الجنسية لقياصرة روما والموقف المتعاطف معهم للمجتمع الروماني ، وما موت الناس من جراء قصفهم بالقنابل وبالصواريخ الأمريكية ، والذي نراقبه جميعا عبر شاشات التلفزيون ، سوى صورة بديلة عن تمزيق الأسرى من قبل الأسود ، وذلك على مرأى من الجمهور في روما القديمة . 

يمكن اعتبار عام 1998 حداً فاصلاً في تاريخ الحروب . ففي جميع الحروب السابقة كان يجري الصدام بين قوتين ، وكانت المشاركة في المعارك ترتبط بالخطر وتتطلب شجاعة معينة . لكن الوضع قد تغير على أبواب القرن الحادي والعشرين : خلال الهجمات الصاروخية على كل من السودان وأفغانستان والعراق ، لم تلحق بالولايات المتحدة الأمريكية أية خسائر بشرية ، ولم يهددها أي خطر . لقد كان ذلك مجرد إطلاق النار على الناس من بعيد وتدمير البنى التحتية . بكلمة أخرى ، جرى إطلاق النار على العراقيين كما لو انهم كلاب شاردة .  ولم تحل دون ذلك قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي اللذين استبدلا بدكتاتورية الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ يقوم رئيسها بإعطاء الرخصة لقتل الناس .

من الملفت للنظر وضع الوعي الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها . فالناس هناك يعيشون ، بدرجة كبيرة ، في عالم افتراضي غير واقعي مخلوق  بواسطة الكمبيوترات و وسائل الإعلام .  بالنسبة لهم : إن إطلاق النار على الناس ، منظر قطعت يده أو امرأة تتألم بسبب جرح مميت ، ليس اكثر من لعبة كمبيوتر . لذلك ليس غريبا أن يرتفع ريتينغ الرئيس الامريكي بعد كل هجمة صاروخية  أو عقب عملية قصف بالقنابل . في الظروف الحالية إن هكذا وعي مجتمعي يمكن أن يشكل مصدر خطر للبشرية كلها . لا شك أن الإدارة الأمريكية تتحسس حالة الرأي العام ، لكنها تجري وراء المصالح اللحظية . ربما ينجح ذلك على مدى فترة محددة من الزمن . لكن على المدى الطويل هذا سيؤدي إلى المأزق ، إلى الكارثة ، وهذا يخص الولايات المتحدة الأمريكية في الدرجة الأولى .

هكذا إذن ، لقد نشأ نظام عالمي جديد ، طبقا له قد يسقط الموت والدمار على أي بلد في العالم بأمر من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في أية لحظة . إن بلغراد أو طهران مشتعلة يمكنها أن ترفع من جديد ريتينغ الرئيس الامريكي وبالتالي إعادة انتخابه . إن التهديد الشامل بالانقراض قد اصبح مسلطا فوق روسيا أيضا . حسب تصرفات الإدارة الأمريكية ، إن ذلك سوف يحدث فورا بعد تحييد القوات المسلحة الروسية  من داخل البلاد . ومن اجل الإطباق على شعوب روسيا والقضاء عليها يجري استخدام التأثير الإعلامي ، الذي عن طريقه يشوه وعي الناس ، تُنصب الرايات ـ الإشارات النفسية والمعلوماتية في الوعي . ومن ثم وبعد " تحديد الطريق لنا بتلك الرايات ،  يبدءون ضربنا بقوة ،  من كل بد " ( من أغنية فلاديمير فيسو تسكي ـ المترجم ) . بينما الناس " يلهثون بجنون "  في الاتجاه المحدد  . إن سبيل النجاة سيكون في الخروج من دائرة التصورات الكاذبة والمزروعة في وعينا من قبل منظمي الحرب الإعلامية وطابور هم الخامس ـ الاصلاحيون المنافقون .     

 



#إبراهيم_إستنبولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبادئ الحرب الإعلامية
- دروس من التاريخ : من الوثائق السرية للجنة المركزية للحزب الش ...


المزيد.....




- آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد ...
- الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي ...
- فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
- آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
- حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن ...
- مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
- رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار ...
- وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع ...
- -أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - إبراهيم إستنبولي - الولايات المتحدة الأمريكية والهيمنة على العالم