|
فأغرقناه و من معه جميعاً ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2279 - 2008 / 5 / 12 - 08:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لم يعد يكفي أن تمشي بجانب الحائط ، أو حتى بداخله ، لكي تصبح في مأمن من سطوة الأجهزة الأمنية و العاملين فيها و المستقوين بها ، فلم يعد البعد عن الخوض في عالم السياسة ، و صولاً إلى أقصى درجات الخوف بالإمتناع عن الكلام فيها ، يضمن لك أن تُحترم آدميتك ، و تأمن على ممتلكاتك ، و يصان عرضك ، و لا يُهتك شرف زوجتك أو أمك ، و لا تنتزع روح ولدك ، و لا تقيد حريتك.
لم يعد يكفي أن تختار أن تسلك سلوك الخوف و الحذر ، لكي تضمن سلامة حياة أفراد أسرتك و سلامتك ، و تأمن على عرضك و مالك ، فيكفي أن تكون مالك لقطعة أرض ، تملكتها بالجهد و الشقاء ، أو ورثتها عن أسلافك ، و لكنها أصبحت ذات قيمة ، و غدت محل مطمع أحد أصحاب النفوذ في هذا العصر اللصوصي الأغبر ، أو تكون رجل أعمال ناجح و ترفض أن يشاركك في ربح جهدك عنوة أحد أفراد الأسرة الحاكمة أو من يستظلون بظلها ، لتتعرض إلى ما لا يسر ، مثلما يكفي أن تكون سائق سيارة أجرة ليتنمر عليك ضابط صغير ، أو يبتزك أمين شرطة ، أو تكون مجرد مواطن بسيط من أمثال أغلبنا ، أو صبي يتيم و أمك بلا حول أو قوة ، و يشك فيك ضابط مباحث ، و يريدك أن تعترف بتهمة لم ترتكبها ، ليستخدم معك التعذيب وسيلة لتحقيق مأربه ، و هو آمن من أن يد العدالة لن تطاله حتى لو زهقت نفسك تحت التعذيب.
أعتقد أنه لا حاجة للإفاضة في ذكر تجاوزات أفراد الأجهزة الأمنية ، فالجميع يسمع بها ، و ربما شاهد بعضها ، أو حتى تعرض لها ، فهدفي ليس هو ذكر تلك التجاوزات - على أهميتها - فهناك ليس فقط كلمات سطرت من قبل عنها ، بل مشاهد مصورة بالفيديو لبعضها ، و بلاغات رسمية من بعض الضحايا ، و غير ذلك ، إنما هدفي هو بيان سبب إستفحال تلك الظاهرة.
أعتقد أن أحد أسباب هذا الطوفان من التجاوزات الأمنية ، و على كل مستوى ، هي تلك الظاهرة التي أبتدعت في بعض البلدان التي تحولت للديمقراطية ، عبر صفقات عقدت بين بعض السياسيين المعارضين ، و الأنظمة المستبدة ، و التي عرفت أن وقتها قد غرب ، و آن أوان الرحيل ، فإختار الطرفان عقد صفقة ، يتم بموجبها ، تسليم السلطة طواعية ، و لكن مع العفو عن رموز النظام السابق ، و الإكتفاء بمحاكمات هزيلة هزلية لبعض المذنبين المتوسطين ، مع العفو على الرتب الصغيرة ، بدعوى إنها تنفذ الأوامر لا غير ، و أعتقد أن الأرجنتين و تشيلي هما مثالان جيدان لتلك الظاهرة ، فحتى الأن لم تصل العدالة بهما إلى أخر أشواطها ، لتنصف تماما كل ضحايا الطغيان أو ذويهم.
في مصر ، لا أشك أن هناك وعي داخل سلك الأجهزة الأمنية على إختلاف مسمياتها ، بهذه الحقيقة ، و أنه بناء عليها قد تم تلقين أعضاء السلك الأمني ، و بخاصة الضباط من شاغلي المراكز الدنيا و المتوسطة ، بإضافة لصف الضباط و أمناء الشرطة ، مبدأ تجاوز كيف شئت ، و أفعل ما بدا لك بأفراد الشعب ، و إنطلق في غيك بلا ضابط أو رابط ، و نفذ كل الأوامر التي تُلقى إليك و لو خالفت كافة الأعراف و القوانين ، فأنت في مأمن مهما إرتكبت من فظائع ، و مهما زهقت تحت وطأة تعذيبك نفوس ، مادم ذلك تم برضى من هم أكبر منك ، فحتى لو تغير النظام الحالي أو سقط ، فأنت لست إلا رتبة صغيرة ، أو متوسطة ، و سوف يحميك ذلك ، و سيقال أنك لست إلا منفذ أوامر عليا.
لهم جميعاً نقول : أنتم واهمون ، فأنتم لدينا كجند فرعون موسى ، الذين مثلما خدموه ، و نهلوا من خيره ، أو أكلوا من فتاته و بقايا مائدته الحرام ، في حياته و حياتهم - مهما كان حجم هذا الفتات - فإنهم كذلك غرقوا معه جميعاً ، كما نقرأ في القرآن الكريم : فأغرقناهم أجمعين ، الزخرف 55 ، فأغرقناه و من معه جميعاً ، الإسراء 103 .
كذلك إعلموا أنه لن يقبل لدينا عذر الإستضعاف ، فالمستضعفين لهم نفس جزاء الكبراء ، مادموا إتبعوهم في ضلالهم و غيهم ، غافر 47 و 48 .
و مثلما لن يُقبل لدينا عذر الإستضعاف ، فإنه لن يُقبل لدينا كذلك عذر الفقر و الحاجة ، فمثلما تجوع الحرة و لا تأكل بثدييها ، فأن الحر يجوع و لا يأكل بسرقة - أو المساعدة في سرقة – ممتلكات الأخرين ، أو بحرقها أو تخريبها ، أو بهتك أعراض المواطنين و تعذيبهم ، و تقييد حرياتهم ، وتلفيق التهم لهم و تلويث شرفهم ، أو بإزهاق نفوسهم ، و هناك ملايين المصريين الذين فضلوا حياة الفقر و الحرمان ، و العيش في المقابر ، و البحث عن طعامهم في القمامة ، و حرمان أطفالهم حق التعليم و اللعب و الإستمتاع بالطفولة ، على أن يدخلوا جوفهم ، و جوف أفراد أسرهم ، طعام حرام ، أو أن يكسوهم بمال حرام ، و إن غُلف بغلاف خدمة الشرعية الزائفة.
يوم حساب الشعب المصري للمجرمين بالقانون المصري المدني العادل ، و بقضاء نزيه - و إن تأخر - سوف يأتي ، و لن تُقبل في ذلك اليوم أعذار ، و جميع المجرمين سيان ، آل فرعون الحاليين ، مثل أصغر فرد ينفذ أوامر سادته الإجرامية ، فكلهم سواسية في ضرورة تلقي الجزاء ، كل حسب جرمه .
كلهم أجرموا عن وعي ، و كلهم فعلوا ما فعلوا بإرادة حرة ، فلا أعذار ستُقبل ، و عليهم ألا يأملوا في عفو يصدر .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فأغرقناه و من معه جميعاُ ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
أمريكا على طريق روما ، طريق إلى حرب باردة ثانية
-
لماذا لا تنضم غزة إلى مصر ؟
-
إنهم الخوالف و الأعراب في ساعة العسرة
-
إنها ثورة الشعب المصري ، لا حزب العمل
-
ليبيا مصرية
-
إخلع محراثك اليوم ، فقد آن أوان الثورة ، آن أوان الحرية
-
إنها كنعان و ليست فلسطين ، و هم الكنعانيون ، و ليسوا فلسطيني
...
-
لنحبط معاً إقامة مؤتمر ويكيبيديا بالأسكندرية
-
روسيا تحتاجين إلى حلفاء ، فالردع النووي لا يكفي
-
إنتصار ماراثون ، إنتصار لكل الإنسانية
-
لنقيم جنازات شعبية رمزية لشهداء السادس من إبريل
-
تحية إلى محلة الثورة ، و تحية إلى كل أبطال ثورة 2008
-
التغيير سيكون مصرياً ، لا إخوانياً
-
معاً من أجل يوم و نصب المعتقل المجهول
-
لنجعل من السادس من إبريل علامة تحول ، و بداية عهد ، و عيداً
...
-
الخبز قبل المفاعلات ، يا لويس مصر
-
جريمة السويس ، لقد حدث ما حذرنا منه
-
عليك بحماية مدخراتك زمن الشدة المباركية
-
معركتك الحقيقية ليست أمام مخبز ، أو كشك لبيع الخبز
المزيد.....
-
مصدر أمني لبناني لـ CNN: حزب الله اشترى أجهزة -البيجر- المتف
...
-
أجهزة الإعلام الروسية وأذرعها.. آليات صنع التضليل ونشره
-
بيان مصري بشأن انفجار أجهزة اتصال في لبنان
-
أنباء عن إحباط محاولة اغتيال أفيف كوشافي على يد حزب الله ا
...
-
9 قتلى ونحو 3000 جريح في سلسلة انفجارات أجهزة اتصال بلبنان
-
مصر تبدي استعدادها لتقديم المساعدات اللازمة لعلاج مصابي تفجي
...
-
واشنطن تنفي أي صلة لها بتفجير أجهزة الاتصالات في لبنان
-
سيمونيان تسخر من محاولات الولايات المتحدة تحريض الدول لفرض ع
...
-
الجهاد الإسلامي: واثقون أن المقاومة في لبنان وسوريا سترد على
...
-
إعلام إسرائيلي يحدد نوع المادة الحساسة المستخدمة لتفجير أجهز
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|