أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - هايل نصر - مفتاح لا يعلوه الصدأ بفعل الزمن














المزيد.....

مفتاح لا يعلوه الصدأ بفعل الزمن


هايل نصر

الحوار المتمدن-العدد: 2274 - 2008 / 5 / 7 - 11:07
المحور: القضية الفلسطينية
    


أمام عدسات المصورين في المحطات الفضائية أخرجته. مفتاح ملفوف بعناية ورعاية. قبل لفه اقفل باب بيتها آخر مرة, قبل ستين عام بالتمام والكمال. مشكول على وسطها من يومها. جدة فلسطينية. جابت به, لجوءا, دول الجوار. عرفت فيها شقاء الضياع وفقدان الديار. على وجهها حفرت الثمانون أخاديدها, وتركت آثارها المميزة والخاصة بأصحاب المعاناة. في غير وجهها, ووجوه الفلسطينيات مثيلاتها, لا تتجاور وتتمازج وتتفاعل وتتحد دون أي تنافر, أعباء الشيخوخة وإثقالها بالكبر والتحدي والصمود والإصرار . لعلها خاصية استثنائية فلسطينية. صنعتها مأساة استثنائية, لا شبيه لها في تاريخ البشرية, يتطلب حملها جهودا فوق بشرية.
الجدة الفلسطينية تدرك ان مفتاحها المصنوع لباب بيت موروث عن أجداد وأجداد , لم يعد يفتح نفس الباب. ولم يعد الباب هو نفسه, ولا البيت هو نفسه, ربما أصبح عمارة, مغتصبة, أو متجرا, حراما, أو باحة لهو للجدد من القادمين لا تعرف من أين. ولكنها تعلم أن الأرض التي كان يقوم عليها بيتها لا ترحل, و لا تهجر, ولا تُنبت غير ما كانت تُنبت, موقعها في مكان معروف في فلسطين. وفلسطين قائمة وثابتة ودائمة, جغرافيا وتاريخيا, وصبرا وانتظار. وتعرف أن الملكية مقدسة, منذ فجرا لتاريخ. قدستها الأديان, بما فيها اليهودية, والقوانين والأعراف, وجعلت انتهاكها من الجرائم التي يُعاقب عليها بأشد العقوبات. فكيف إذا كان هذا الانتهاك اغتصاب, تبعه قتل, وطرد, وتشريد, للمالكين ولأجيال وأجيال من الورثة. و تدرك أن ما قام على باطل هو باطل. وان الحقوق تُؤخذ وتُستعاد.
الجدة الفلسطينية, قد تكون مثل الكثيرات الكثيرات من الفلسطينيات, لا تملك غير مفتاحها ميراثا لأولادها أو أحفادها. ولكنها به تودعهم رمز وذاكرة القضية.
الجدة الفلسطينية تملك مفتاحا حقيقيا لا يستطيع حمله بصدق إلا ابن القضية, وريث الجدة. فيه التصميم على العودة, والنضال من اجل العودة, وصولا إلى العودة.
مفاتيح مزيفة, لا تفتح شيئا, حملها الكثير, رماها البعض يأسا. وأودعها آخرون عند غير أهلها. وادعى حملها, عقودا طويلة, حكام وحكام, وأحزاب وفروع أحزاب, ومنظمات وفروع منظمات, وملحقات, قومية, أممية, وطنية, قبلية, عشائرية, عائلية, أبوية. تجار مفاتيح ودعاة فتح. لا يحمل أي منها مفتاح كمفتاح الجدة. ولا يُخيف أي منها الغاصب كما يخيفه مفتاح الجدة.
جدة تبرز مفتاحها أمام العالم دون انفعال, دون صراخ. دون تهويل مفتعل وضجيج, تعرف بالتجربة الطويلة, أن الأكثر صراخا هم من أضاعوا المفاتيح, هم من لم يتحملوا حملها طويلا فسلموها لأول دعي بالمقدرة واحتكار المقدرة على إعادة لكل باب مفتاحه. لتجار القضية من الداخل والخارج والجوار.
تنظر بصفاء وصدق في عيون الآخرين. كثير من الآخرين لا ينظرون في عينيها إلا خلسة ومواربة و رفة جفون عندما يتحدثون في حضورها عن القضية. يُقرأ في عيني الجدة أحداث عصر و "شهادة على العصر", وتجربة على محكها يُفرز النضال عن زائفة, وتبان معادن الرجال.
الجدة ليست من قارئات الفنجان, ولا ممن يركن لاستنفار الإنس والجان لتحرير الوطن والإنسان. تسمع خطبا نارية, من كل الاتجاهات وبكل الألوان, تصم الأذان, ترددها كل المحطات الأرضية والفضائية, الثورية وشبه الثورية, والساخطة على طريقتها, التحريرية, والمتحررة من كل شيء. خطب بفصيح العربية وبلاغة الأعراب, قبل سواد العامية, وقرأت شعرا, وقرأت نثرا, ووعودا مع أغلظ الأيمان بان العودة ستكون مطلع الفجر, ومع صياح الديكة, وبفضلها. ضجيج من الثمانية والأربعين, كلام, نفس الكلام, ولكن تبقى حقيقته, رغم الزمن, وان اختلفت الصياغات واللهجات وتغير القائلين " ماكو أوامر".
رأت أفلاما ومسلسلات حررت كل المغتصب من أرضنا, وأعادت كل المهدور من حقوق امتنا , مسلسلات تجمع دون خلاف كل فئات شعوبنا حول التلفاز, لتخلو الشوارع ويتوقف كل شيء عن العمل, حتى التفكير. مسلسلات تحرير وانتصار القضايا العادلة, وحل المشاكل, كل المشاكل, يخرجها المخرج كما يريد الجمهور. وينام الجمهور على أمل أن لا ينتهي المسلسل أو أن يتبعه آخر.
لكن الجدة قارئة جيدة للتاريخ, تدرك أن كل هذا لا يعيد مفتاحها لبابها. قرأت كيف تعود الحقوق لأصحابها مهما طال الزمن وبلغت شراسة الغاصبين. وحتى لا نذكر كل ما قرأته من التاريخ قديمه وحديثه نذكر فقط أنها قرأت الثورة الجزائرية بوعي المناضل , وعودة الجزائر للجزائريين بعد 130 سنة متحدية فرنسا التي أرادتها فرنسية. قرأت سقوط النظام العنصري في جنوب إفريقيا بكفاح شعب متحد ونضال مانديلا ..
قرأت أن الحر وحده القادر على التحرير, ووحده من يساند ويناصر الأحرار وحاملي القضايا العادلة مساندته للحرية نفسها, وللحق, والعدالة, فهي من الإنسان جوهره. قرأت ورأت بأم العين وقوف كل أحرار العالم مع الزعيم الأسود مانديلا في نضاله ضد التمييز العنصري. وتعاطف كل أحرار العالم مع الشهيد العربي المسلم ياسر عرفات رافع القضية ورمزها وشهيدها؟.
جدة ترى في مفتاحها رمز قضيتها, ودون وهم ترى فيه الحق والعدل وكل قيم الإنسانية ومفتاح للسلام وحقوق الإنسان.
جدة لا يستطيع أي حر في هذا الكون, مهما كان أصله ولونه ودينه وجنسيته, إلا أن ينحني أمامها إكبارا وإعجابا, ويقبل هامة تحدت ولم تنحن
تصدأ كل المفاتيح و مفتاح الجدة لا يعلوه الصدأ.



#هايل_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امة تلفظ شبابها 3
- أمة تلفظ شبابها 2
- أمة تلفظ شبابها
- حق الدفاع في المواد الجزائية 4
- 2 الديمقراطية سعي للمساواة
- السياسة العربية. ممارسة فردية وخارج كل مساءلة.
- الديمقراطية. وبعض أوجه الحريات
- ضمير الأمة خارج فعاليات الأمة. القضاة.
- قتل طفل فلسطيني, خبر. مجرد خبر.
- رسالة من مغترب إلى الوطن
- في الشمولية.
- المرأة. المكانة المنشودة.
- في الطفولة
- من أخطاء القضاء الفرنسي 2/3 l’erreur judiciaire
- من أخطاء القضاء الفرنسي 1/3 l’erreur judiciaire
- في القانون
- الديمقراطية, مؤسسات وتكوين إنسان
- اللجوء إلى أوروبا. فرنسا تحديدا
- الدولة العربية. شخصنه علاقاتها الدولية
- في أدبيات المحامي la déontologie de l’avocat


المزيد.....




- مصر والصومال.. اتفاق للدفاع المشترك
- ترامب يحذر من عواقب فوز هاريس في الانتخابات الرئاسية
- أربعة أسئلة حول مفاوضات الخميس لوقف إطلاق النار في غزة
- بايدن وهاريس يتلقيان إحاطة بشأن التطورات في الشرق الأوسط
- عزيز الشافعي يدعم شيرين ويوضح موقفه من إصدار أغنيتها الجديدت ...
- أمريكا تجدد دعوتها لسوريا للإفراج عن الصحفي -المختطف- أوستن ...
- قصف مدفعي إسرائيلي من العيار الثقيل يستهدف مجرى نهر الليطاني ...
- متهم بالعمالة للحكومة المصرية يتوصل لصفقة مع السلطات الأميرك ...
- في ختام اليوم 313 للحرب على غزة.. آحدث تفاصيل الوضع الميداني ...
- مصراتة الليبية تعلن إعادة تفعيل المجلس العسكري ردا على نقل ص ...


المزيد.....

- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - هايل نصر - مفتاح لا يعلوه الصدأ بفعل الزمن