|
ملف : جان دمو الساطع كصلاة صباحية / رؤيا اخرى وقصائد ضائعة
عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2272 - 2008 / 5 / 5 - 10:36
المحور:
الادب والفن
1 يروي الشاعر حسين علي يونس : أنَّ السيدة حكمية جرار، صاحبة دار الأمـد ، التي تبنت طـبع مجموعة جـان اليتيمة : " اسمال " قد اقترحـت على جـان أن يتفرغ للكتابة ، بمنحـه يوميا مبلغـا من المال ، مع قنينة خمر ، اضافة الى المبيت في نفس الدار : كان حجم القصائد ، وعددهـا غيـر مقنع ، من وجهة نظرهـا ، كي تصـدر فـي كتاب ، ولابد من حثّ جان على أن يكون جـادا ، إمـا باستذكار عـدد اضافي مـن قصائده الضائعـة ، أو بكتابة قصائد جديدة ، لكن أيا من الأمـرين لـم يحـصل في النهاية ، فالشاعر عـنده – هكذا يبدو لي ، مثلما كان يعتقد جـورج حنين – يتلازم منذ البداية مع المفكر : " ليس الرسام ، والنحـات ، والكـاتب في خـدمة مفهوم بعيد ولامبال الى ما لا نهاية له . انهم يصغون الى إمـلاء : الامـلاء الذي يتلقاه وعيهم الصافي من طرف الكـائن ، حيث يرتطم أولا العالم المحسوس : إن البنى التي يقيمها العقل على هذه المعطيات المباشرة الاولى ،لا تبدل أصل العمل الفني و لا المقصد منها . الأصل حركة غامضة للـ " أنا " لكنها آمرة . المقصد إرضاء هذا الالحاح النفسي : الانتقال من القلق الى الاكتمال .."
واضح جدا ، من هذه الرواية ، مدى اخلاص جان لشعره ولقلقه ، فـفيما كانت مقهى حسن عجمي : مقهى الادباء آنذاك ، قد تعهدت بتوفير شعراء يدبجون قصائد تسلك في خدمة قائد النظام مقابـل دنانير معدودة ، كان جان يستثمر مشروع جرار ، لتحقيق عزلته الباذخة ، في معاقرة الخمرة و القراءة ، وهو على يقين من أنَّ ذلك لن يدوم طويلا ، فسرعان ما سيجد نفسه ، ذات يوم ، مقذوفا الى الخارج ، حيث الهامش الذي تشيـّأ في رحمه .
في مقابل ذلك يروي الصديق الكاتب ، والمخرج المسرحي ، قاسم حميد فنجان ، أنَّ جان دمو في صيف عام 1994 كان قد شاهد أحد عروضه المسرحية في كركوك حـيث مسقط رأسه ، فتفاعل مع العرض : " إن هناك سحر ، وسر خاص في كل مَن يحمل اسم فنجان " قال له ، على هامـش الامسية تلك ، ثم جلس معه الى طاولة واحدة ، يشرب ماتيسر له ، منهمكا بكتابة قصيدة ، تـرك ورقتها على الطاولة : " إنها لكَ الان " .
يعني ذلك ايجـابية جـان كمثقف متابع ، لايفوته كتاب ، أو معرض تشكيلي ، أو فوتوغرافي ، أو عرض مسرحي ، أو سينمائي : متابع جيد ، ومن نوع خاص ، وعلى طريقته ، التي يكـون فيها تعليقه المميز هو سيد الموقف . إنه مثقف لم يكـف عن ممارسة دوره النقـدي بطـريقة المعـارض الايجابي . ففي الوقت الذي كـنا – ولازال البعض مـنا – يتبجح بانعزاله عن الحياة الثقافية ، التي امسك بخناقها البعثيون ، كـان جان موجودا في مركزها : لم ينجُ من وقاحته وزير ثقافة ، أومدير عام ، أو مسؤول ، أو شاعر أو قاص أو .. ببساطـة : لم يسلم من سلاطة لسانه اي فرد قادر على أن يغيـّر حياته ، ويدفعـها بعيدا عن المستنقع ، كما لم يتوقف عن دفع ما أمكنه دفعه مـن نصوص مكتوبة او مترجمة للنشر .
لكن ما السحر في شخصية جان دمو ؟!
2
مرة ، كتـب عبد القادر الجنابي : " الشلل الذي يرائي به دمو الى اليوم : احتقاره لممتهني الشعـر ، فهاهـو عنصر هائم بين " جماعة كركوك " يهزأ بكل قصيدة تقرأ أمامه ، متوعدا الجميع بأنـه سيكتب القصيدة الكبرى : شاعـرية دمـو حقيقية : مـظهره ، قرفه من الشعـراء المعتبرين ، الذين تنهار ثقتهم بأشعارهم ما أن يحضر ، تشرده ،وقصائده الصغيرة الغريبة جدا ( ... ... ) كل هذا التصرف البذيء ، المنطوي عـلى استهتار بهيبة شعراء يسطلون رؤوسهم ليل نهار مـن اجـل " قصيدة " ، تغذي عند الاخرين رجاءً وهميا ، كان جزءأ من من الاوكسجين الذي تنفسته الحركة الشعرية العراقية ، بفضل مجموعة كركوك ، التي لا أرى مآتيها الجذرية الا في ظاهرة دمو ، حيث الاحتقار بذرة ابداعية يجب أن تغرس في تربة كل شاعر اصيل " .
لكن ذلك قد يبدو متناقضا مع الصورة المسرنـمة ، التي رسمها الشاعرفـاضل عباس هـادي ، فـي شهادته عن حياة جان دمو في بيروت ، غير أن تلك كانت البداية لا غير: البداية التي عمّقت فيـه شعورا فطريا على التمرد والاحتقار، عندما حدّق عميقا من داخل حجرة البراءة التي كـان يقطنها ، وتفحص وضعه البشري ، كمطرود من الجنة التي هاجر اليها ، أو عندما حصل وأن وجد نفسه مقذوفا خارج أحلامه ، تحت أنظار شعراء ومثقفين ، حـيث الرؤوس شبـه الفكرية ، تجلد عميرة افكارها .
لا تناقض إذن ، بل لايمكن أن تُحذف صورة جان البريء ، لصالح صورة نريدها له .
إنه لأمر مؤسف حقا ان يُنظر الى جان على أنه ذلك المشرّد السكير ، الذي يصرخ بوجـه الجميع ، عدا قلة قليلة جدا : " قحبة ، كلبة .. " : إن ذلك يساعد كثيرا في اخفاء الطاقة العنيفة من الوعي التي يتمتع بها ، والتي تميّز – حتى وهو في اعماق غيبوبته – بين فريقين ، أحدهما يستحق الشتم والسباب ، والاخر يستحق الحنو والتقدير . هذان الوجهان : البريء والخشن ، ينطـويان ، في نفس الوقت ، عـلى وعـورة فـي معـنى حياته ، وهي تـتـبدى واضحـة في القصائد أدنـاه ، حـيث تتوازن ، وتتساوق متدفقة ، الثنائيات الكـبرى : المعنى واللامعنى ، الخـشونة والعـورة ، الـوعي والـلاوعي ، بل أن صورتي البريء والخـشن تنسحـبان هنا من المشهـد ، لتحـل محـلهما صـورة مكثفة للشـاعر، بالمعنى الذي وصف فيه شـار رامبو ، وليـس بالمعنى الـذي اشاعـته الثقافـة العـراقية الرسمية وقتذاك ، حين عـرضت الشاعـر كطبال ، مدّاح ، مروّج لأناشيد الحروب ، ومهرّج في بلاط الخليفة . لكن هذا الإحلال لايمحـيهما ، بل أننا – وهنا انصح القاريء غير العراقي – لايمكن أن نفهم جان ، أو نقترب منه بحميمية من دون أن نضعهما في حسباننا ، وتلك هي احدى ملامح اسطورته ، في زمن نضبت فيه الاساطير.
3
يقـول الشاعـر انتوان آرتو : " في الـوقـت الذي يسعى فيه الاخـرون الى تقديـم الاعـمال الفـنية ، أراني لا اطمح في شيء اكثر من محاولة الكشف عن روحـي ، وعرضها عـلى الناس " و هاهـو جـان يفعـل الشيء نفسه : يسيـل في الشـوارع ، الازقـة ، الحـانات ، والمقاهي ، مثـل نهـر يؤكـد وجوده ، بالانتقال هكذا موجة بعد موجة ، الى أن تصبح بغـداد ، المغـمورة آنذاك بمدائح شعـراء البوابة الشرقية ، جزيرته الـمائية : كـل حـانات بغـداد استقبلت جان بحب واحترام بوصفه شاعرا نبيلا ، الا الحانات الحكومية ، ومنها نادي اتحاد الادباء ، الذي طرد منه لمرات يصعب احصائها ، وليس ثمة مفارقة اطلاقا ، بل ليس ثمة ظلم ايضا ، بل أن التوقف او الحديث عن هكـذا مفارقة أو هكذا ظلم سوف يحجبنا عن رؤية جان دمو الحقيقي ، يضللنا بحيث لايمكن أن نميّز بين الوجه البريء ، الـذي تكلم عنه الشاعـر فـاضل عـباس هادي ، والـذي يتبدى جليا وواضحا في الحانات الشعبية ، حـيث لاسباب ولاشـتـيـمة تبـدر من جـان ، في مكان – هنا ذروة المفارقة – تشيـع فيه الشتيمة ، وبين الوجـه الخشن ، الذي يتجلى في نادي الاتحاد ، حيـث يطـلق جـان العنان لشتائمة وسبابه . الاشكالية واضحة ، لغير العميان ، ممن يعرفون جان جيدا ، فليس المقصود هو المكان انما رواد المكان ، وطبعـا نحـن نعتذر عن العمومية الظاهـرة في وجهة نظرنا ، إذ ليس معقولا ان لايكون هناك هما شاغلا لجان سوى السباب ، وهو ينقل جسده الضامـر الى نادي الاتحاد ، لكن المقصود منه هو هم اولئك الادباء الرسميين الذين تستفزه رؤيتهم : مجرد رؤية واحد منهم – وما اكثرهم ـ كافية لاطلاق النار .
ثمة مـن يسوّق ذلك كله على انه مـوقف سياسي من جان ، والحقيقة ان مايحـصل هو تضـاد بيـن موقفين في غاية التناقض : موقف السلطة السياسي وموقف جان دمو الشعري . موقف ينطلق من ايمان مزيف أزاء موقف مستخلص من شك حقيقي ، وبالضبط : اعتقاد جامـد أن الشعر سلاح في المعـركة – أي معركة !! - يقابله موقف " الشعر ســلاح في الهـزيمة " لكـنها هـزيمة تـخـرج عـن مـألوفات السياسي ، لو استبطنا لغته ، وصولا للى تمـزيق الشعـارات الرسولية ، التي كانت تعلق ويقرا تحتها " الشعراء " . انها معـركة غير متكافئة أبدا ، لأن ادوات السياسي غير ادوات الشاعر ، ولذلك علينا – من اجـل فهـم جان دمو ، مرة اخرى – أن نـضع فـي النتائج أن عدم التكافؤ هذا هو لصالحه دائما ، نتيجـة استراتيجية الاحتقـار العنيف ، التي مـارسها طوال تلك المجابهة ، ونتيجة شكه الحار ، الذي يقود الى العدمية ، كما عند كلوديل ، متجليا بعبارة انسي الحـاج التي التقطناها منه : " أنا يائس ، فـمـم أخاف ؟ ".
4
قال الشاعـر السوريالي جورج حنين ، مفرّقا بين السياسي والشاعر : " إن عملا أدبيا ليس اعلانا انتخابيا ، وهذا لايعني أن الادب لاعلاقـة له بالسياسة ، فلاشيء اقل صحة من ذلك ، ان ما ينبغي قوله هو : إن الادب يحتفظ بحق التماس مع كل عناصر الحياة ، لكن الاشياء تفسد ، حين لايلتفت الكاتب الى السياسة ، ولايراقـب الحـياة الاجـتماعية ، الا لصالـح حـزب وبرنامـج . انه يقوم اذن بالدعاوة . في وسعه ان يقوم بها ببراعة او بصورة بائسة ، لايهـم . من المفترض أن الكاتب جاثم على قمة يقوّم من فوقها بحرية المجتمع والسياسة والانـسان . والحـال أن الدعـوي – أي السياسي – لايحكم من الاعلى الى الاسفل ، بل من الاسفل الى الاعلى : لايرى في السياسة غير الحـزب ، ولايرى في الانسان غير المحازب ، يبقى دائما تحت الانساني " . لايفوتنا ان نذكر ان حنين قد كتب ذلك دفاعا عن اراغون ، وهو ما يتناقض مع موقف جـان دمو الذي كان متطرفا باحتقاره له الى الابعد ليشمل شعراء عالميين كنيرودا وما يكوفسكي ، إذ لم يشفع لهذا الاخير ، ولم يجد انتحاره اي حظوة لديه ، لأنه جاء من ضمن دعايته لنفسه ، كما كان يعتقد ، وكأنه تبنى – أي دمو - ضمنا رأي الشاعر الفرنسي سيرج سيرتو : " يصبح الشاعر مثيرا للريبة عندما يتحول الى مدير دعاية لنفسه " ومن هنا مصدر ارتيابه ، وبالتالي عدم احترامه ، واحتقاره المرير لكثيرمن الاسماء ، التي كان نقيقها طافيا على سطح البركة الراكدة ، كموكب من الضفادع : " ها يا كلبة .. " يصرخ جان بوجه " الشاعر " وكأنه ضبطه بالجرم المشهود ، بعينه الباطنية التي تقرأ الاشياء من الاعلى الى الاسفل – حسب حنين – فيلوذ هذا بالفرار من امامه ، أو يداري خيبته بابتسامة تحاول ان تكون درعا واقيا ضد نبال دمو المنطلقة ، لكن هيهات .
في كتابه المثير " انتوان آرتو : الرجل واعماله " يكتب الناقد الانجليزي مارتن آيسلن ما يلي : " بامكاني سماع ارتو وهو يقرأ كلماته العاثرة العنيفة ، ويكرر صرخاته الوحشية الحادة التي تعجز عـن الافصاح عن مشاعـره الدفينة ، اضافـة الى التركيز المتفجـر بالالـم ، الذي يكمـن وراء تلك الكلمات ، التي تجمّد العروق ، فيبدو وكـأن كل معاناته واحباطاته ، وكل غضب الانسان اساسا ، فضلا عن صور العذاب والكرب ، قد تجمعت في تلك الصرخات الوحشية المؤلمة " . وانا اعتقد ان ذلك ينطبق تماما على جـان ، الذي عرفتُ ، أكثر من انطـباقها على اي انسان آخـر ، خاصة اولئك الشعراء الذين يتبجحون بما كابدوه من الم : اولئك الحائزون على أوسمة وجوائز شعرية منافقة ، باعتبارهم منكوبي طوفان الألم العراقي ، وهم – للمفارقة – كانوا يهزّون سريـر السلطة بـ " قصائد " طالما نظر جان اليها واليهم باحتقار، يخلو من الاشفاق .
إن الصورة التي يرسمها آيسلن عن آرتو تتشابه من نواح عدة مع صورة جان دمو ، ربمالأنهمـا ينحدران من الهم نفسه ، ولعلهما سيصبحان أكثر شبها ، لو عرضنا بعض اراء آرتو ، ومنها تلك التي تتضمن بذرة الاحتقار في تربة جان دمو . يقول آرتو : " الكتابة قذرة كلها ، وقذرون هم اولئك الذين يغامرون ، في تدوين كل مايمـر فـي أذهانهم ، على وفق عبارات دقيقة رصينة " . ربما صرّح جان دمو في ساعات غاضبة بمثل هذا الراي ، وربما اكتفى – عندما يتجرأ احدهم ويقرأ له قصيدة ما رديئة – بالتحديق اليه . وفي هذا الصدد ينقل ابسون عن ارتو : " إن نظرات الانسان يمكن ان تنطوي ، او تعبر ، عن جوهره " ، ولكن من قرأ هذه النظرات في عيني جان الصغيرتين ، وفهم مغزاها ؟
مرة ، أجبـرته الظروف أن يسكن في بيت عاهرة ، لبثت في حالها وهو في حاله طرفا طويلا من الزمان ، الى أن اضطرت الى طرده لسبب هو من جنس جان الحقيقي ، القابع خلف قناع كثيف ، إذ هي لم تحتمل أن يكون الى جوارها هذا الحطام ، لكن المكابر، الى هذه الدرجة ، كما أن جـان ، هو الآخر ، كان مشغولا عنها بـ ... " هناك ، في مكان ما بعيدا ، تدور حرب . حرب الكل ضد الكل . حرب اللا أحد ضد لا أحد . حرب اللاحرب " ولعله من فرط انهماكه بالغوص عميقا داخل نفسه ، وفي نقل خطواته بحذر في حقل الغامه ، لم يكن بقادر على أن يعـرّف نفسه ، عندما عاد الى مسكنها ، ذات ليلة ، ثمـلا ، في وقت متأخر ، و طرق الباب ، فصاحـت من خلفه :" مَـن هناك ؟ " ولم يجـبها ، لعدة مرات ، حتى فتحـته أخيرا ، و وجدت جان ، فكان أن سرّحته في الصباح ، معتذرة عن استقباله في بيت ليس له فيه الا فـراشا ينام عـليه ، مبررة ذلك : " انـه يتصرف كطفل كبير " ، أما جان فقد قال مبررا : " لم أكن اقـوى على أن اقول لها : أنا " .
5
غير اننا نخطيء حين نكـتفي بهذا التجـريد : أي بالنظر الى صـورتي البريء والخشن ، دون أن نضع جان نفسه في سياق حركة الحداثة الشعرية في العراق ، والحركة المضادة لها : آن الكف عـن النظر الى جـان ، كممثل شرعي لسـلالة الكحوليين في بغداد ، على ما في هذا التمثيل مـن امتياز باهر ، وإذا كـان لابد من ذلك فيجـب أن يوضع كل هذا في سياق حـداثة شعرية ، مفتوحة الافاق لم تعد تكتفي بالمكتوب والمدوّن ، لتتسع الى شعرنة السلوك ، وقبول المواقف اليومية على انها مواقف شعرية باهـرة ، مثلما نريد أن يحـصل مع الشاعـر الراحـل حـسين مردان الـذي كـان مزاجه ، تصرفه ، سلوكه اليومي وبالتالي نثره المركز ، جزءا من حركة الحداثة الشعرية ،حتى ان اي حديث جاد ، عن قصيدة النثر العراقية ، وعلاقتها بحركة الحداثة ، لايجب ان يغـفل حسين مردان ، الذي ربما كان غياب جهده النظري وعدم ممارسته لصالحه ، كشاعر فطري ، أكتشـف لوحده امكانية شعرية جديدة ، عبر استخدام النثر كوسيلة له . ولكن من اين نبدأ مع شاعر مارس اهمالا متطرفا لكل فعل كتابي ، لكل تدوين مارسه ، فقصائده ، تراجمه ، وآرائه ، متناثرة هـنا وهنـاك ، على طاولات الحانات ، المطاعم ، الفنادق ، الازقـة ، وجيوب اصدقائه ، ومن بينها هذه القصائد التي وجدتها منشورة في كتيب متواضع الطبع ، والتي يعود تاريخها الى منتصف السبعينات ، كما يقول صاحب الكتيب : قصائد تركها عنده ، على أمل أن يعود اليها فيما بعد ، وما أكثر ما فعل ذلك .
يعلق المفكـر الفرنسي إدغـار موران ، على عـبارة ادورنو التالية : " ليس الفرد قادرا على الفكر الذي يحـتاج اليه التطبيق الثـوري ، إلا إذا نفى نفسه من الممارسة العامة " بـ : " أي أن يخضع الفكر لمسألة الحاجات الاساسية للبشرية ، وليس لحاجات الممارسة الثورية " . وهو طبعا يقصد فكر الحداثة ، في مقابل الحركة المضادة له ، ثم يمضي في تقرير نتيجة هامة ، ستساعدنا – عنـد التطبيق - على وضع جـان دمـو داخـل سياق الحداثة ، وحـركتها الشعـرية في العراق . يقول موران : " وإذا كـان هذا الفكـر – أي فكر الحـداثة – لايستطيع ان يتكـون في اطار الفروع العلمية التي تحوّل المعـرفة مـزقا ، وإذا لم يكـن يستطيع التكـون انطلاقـا من البرهة التي يعد فيها العلم والفلسفة مجالين لايقارن بينهما ، بل أسوأ من ذلك لا اتصال بينهما ، وإذا كـان لهذا الفكر أن يناضل في مـبدئه بالذات ، ضد العادات العقلية والنماذج السائـدة ، فـمن الواضح إذ ذاك ، أنَّ مثل هذا الفكـر إذا استطاع ان يجـد جـذوره في اماكن متعـددة ، بما فيهاالاكـاديمية الرسمية ، فـإنه لا يستطيع ان يجـد غـذائه الثقـافي الحـقيقي الا لـدى الهـامشيين والمهمـشين والهراطـقة والمنحرفين والمنفيين والمنشقين " . ونحن نعتقـد أن هذا صحيـح جدا ، خـاصة إذا نظرنا الى كوكبة الاسماء التي تبنت ، وساهمت في حمل افكـارالحداثة الشعـرية في العراق ، ونقـلتها من اطارها النظري الى حيز التنفيذ ، و تحديـدا في تحوّلات النص الشعري ، والدأب الباسل في تحويل مصطلح قصيدة النثر الـى واقـع رؤيـوي حديث ، واحـيانا كـثيرة كـبديل عن قصيدة الوزن ، لوجـدنا أن تلك الكوكبة كانت نموذجـا باهـرا لهامشيين وهراطقة ومجذفين ، من وجهة نظر النظامين الاجتماعي والثقافي ، سابقا ولاحقا . ما أحوجنا ، على ضوء مقولة موران اعلاه ، الى مقدمة جديدة في الثقافة العراقية تسمي الاشياء باسمائها ، بعيدا عن التضليل والشخصانية : بلا نوازع دون كيشوتية ، ولاميول نرجسية مريضة ، تقـصي الحقيقة وتزوّق الخـطأ بالخـطأ : إن التاريخ الحـقيقي لقصيدة النـثر العراقية كمظهـر من مـظاهر الحـداثة ، لابـد أن يتضمن ، في داخله ، عبق تلك الارواح المنحدرة مـن قـيعان منسية ، ومناطق مكبوتة ، فقـصيدة النثر في العراق لم تولد نتيجة ترف فكري اساسا ، وانما نتيجة هاجس بأن ثمة شيء ليس على مايرام ، وهذا الهاجس ، عـادة ، ما ينتاب الارواح التي تحمل في داخلها بذرة الانشقاق عن الأنظـمة والعـادات ، بكافـة اشكالها ، ابتداءا مـن اعلى قـمة في هــرم السلـطة الى البيت ، مـرورا بالمـدرسة وبالعـائلة ، ولعـل جان دمو كان نموذجا مثاليا لهذه الكائنات ، التي عانقـت الهامش ، وتوّلت مهمة مصـافحة خيباتها : لعـق الجراح بالملـح ، في عالـم ليس مرجـوا منه كل هذه النذالة والقسوة ، المتخفية خلف تعاليم وفتاوي ، سياسية واخلاقية واجتماعية ،تحول الاحلام الى نقيصة كبرى .
6
يقول الشاعر فيرناندو بيسوا : " في داخل كل واحد منا كائنان . الأول: الحـقيقي، ذاك الذي يتبدى في رؤانا وفي أحـلامنا ، ذلك الذي نمى في الطفـولة ، ويستمر كـل الحياة . والثـاني : الزائــف ، المتجلي في التمظهرات، وفي خطاباتنا ، وأفعالنا، وحركاتنا " وبدون شك ، بيقين تام : أن الكائـن الاول الحقيقي هو الذي كان ظاهرا مـن جان ، على عكس الاكـثرية ممن نعرف ، بضمنهم بعض اولئك الذين جـرجـروا الشعـاع الناصع في سيرته ، لتبرير ظلاميتهم ، عـصابهم ، ودونيتهم ، أما الكائن الاخـر المزيف في دمو فقد اخلى مكانه ، وتلاشى تماما : غضب جـان ، هندامه ، ضحكته التهكمية ، فرحـه وحزنـه : شعـره المندفـع نحو تخـوم غير مكتشفة ، كان حـقيقيا ، كنابه الوحيد ، أما صعلكته فلم تكن مظهرا تكميليا : لم تكن اندفاعا مدرسيا ، يستلهمه من شعراء الانفاق ، أو من صحبة عابرة ، لا تخلف ورائها سوى غبارا ثقيلا : جعجعة فارغة من الجوهر ، كجمجمة الفراغ : مغامرة جان فردية محضة ، ليست مشتقة من الوان عدة ، وأجمل مافيها – وهو الاعنف – أنهـا مربكة لكل سكون ، ولأية مهادنة : مغامرة لا اجرأ منها في الشعرية العربية ، خاصة عند تلك البلدان التي تنعم بقدر ما ، واسع او صيق ، من فضاء الديمقراطية : ان يكون المرء هو نفسه في بلاد ترتدي بدلة العسكر ، ومسيـّجة حدائقها بالثكنات : بلاد تشنق أبنائها علنا ، وتعلق أجسادهـم على اعمدة الساحات : أن يكون الشاعر نفسه يحتفظ بها ككنز مخفي ، كتميـمة قادرة ، بمعجـزة ، أن تصد كل انواع الخراب من أن تصل اليها : إنه الظفـر الشعري الساحـر ، وهو التجلي الناصع لذلك الكائن الحقيقي في جان : الكائن العاصف ، الهائم على وجهه صوب المطلق : هذا هو مـا اكسـب شخصيته ملمحا ملهما ، ، رسوليا خاصا ، ليـس في تلك الدورة اليومية ، بين الحـانات أو المقاهي : ليس في بوهيميته ، وتماهيه في صفع الحياة : الكلبة النائمة التي تستيقظ من سباتها مـا أن يمـر على الارصفة ، فتطـارده جـرائها ، فـي الفنادق ، الساحات ، والازقـة ، وإنما في اثـرها المدهش ، المحفـز ، المستثير ، الذي خلّـفته في اعماق هامشيين جدد ، لم يبخل بهم المجتمع ، ولا الثقافة العراقية الحقيقية ، فقد ساعـدهم أثر شخصيته النبيلة ، وشجعهـم على الهرب نحـو مصائـر مقترحـة من قبلهم ، لا من العائلة أو السلطة . اعتقد ان الكائن الحقيقي – حسب بيسو - في اعماق كل موهبة حقيقية ، لابـد له يوما ، أن يتجلى خارجا ، وهذا التجلي قد يطول ليشمل حياة بأكبرها ، كما عند جان ، وقد يتناوب ظهوره ، بين مرة ومرة ، كما نلاحظ في اكثرية ، تمارس حياة شعرية على الورقة ، أما في الحياة فالواحد منها عبارة عن مصاص دماء : وهي تلك النماذج التي تدعي طليعية الموقف ، بل هي ، من شدة دهاء الكائن المزيف فيها ، تعرف متى وكيف ترتدي قناع الكائن الاصلي لتتصرف بحنان الشاعر أو بجنونه .
هذا الكائن الأصل / الحقيقي قد يجد طريقه الى الخارج لوحده ،لكن عبر رياضات نفسية وروحية ، كما عند الروحانيين والمتالهين : إنه يشق طريقه نقيا ، بعد عزلة وجهادين عنيفين ، وقد ينصع هكذا كشمس قوية ، عندما تظهر اليد النبيلة ، الحارسة ، التي لوحدها تستطيع ان تزيح من امامها الغيوم ، ونمـوذج ذلك يتضـح امامي الان ، في الاثـر الرسـولي الذي تـركـه سركـون بـولص في جـن دمو ، عندما قـدح فيه شـرارة الشعـر ، فحصلت تلك الاستـنارة الداخـلية ، مـن جانب ، ومن جانب آخر ارى ذلك في الاثر، الذي تركه جان في مجموعة كبيرة من الشعراء :منهم الشاعرحسين علي يونس ، مع مجموعة كبيرة من الشعراء والمثقفين العراقيين ، إنما لابد من التأكيد هنا عـلى أن نبل جان لم يكن ينحسر عن العطاء ، حتى مع اولئك ، الذين كانوا يوالون النظام بهذه الدرجة او تلك ، فمهمته كانت ابداعية محـضة ، وليست سياسية ، وهي ستحقـق له ولهم أخيرا ، خيارهم الصحيح على ضوء الاستنارة الداخلية التي تحدث لهم . الشخصيات الرسولية هـذه نادرة لكنها تتكرر بشكل قدري ، لا تخلو منها أي ثقافة ، غير أن ذلك لا يعني انني لا اومن بقتل الاب ، كما قد توحي هذه القناعة ، فأهم ميزة لهذه الارواح المشعة في علاقتها الواعيـة بحـركة الحداثة ، هي صدودها عن ان تكون معبودة ، فهي لاتـؤمن بالتقليد حتى في السلوك ، قدر ايمانها بالابتكـار الجديد : على عكس الكائنات ، التي يتركز دأبها وتجاهد على أن تقدم نفسها بوصفها فوق تاريخية ، فـتمارس اصولية يحسدها عـلى قذارتها ، واستلابها ، ابشع الاصوليين : هكذا ربما آن الحديث عن " اصوليي الحداثة " في العراق ، المصابون بعقد يصعب عـلى العلم تسميتها ، تلك النمـاذج التي إن شمّت - مجرد شـم - أن ثمة مَـن في طـريقه الى وثبة ابعد ، اعمق ، واخطر من وثباتها ، هيأت المسرح لتصيفتها ، عبر استدراج الشتامين لتذبح لكـن ليس بسكاكينها . لذلك لا يمكن قراءة جان دمو ، أو الاقتراب من حداثته ، الا بوضعه خارج حقل اصوليي الحداثة ، وبعيدا عن مثقفي الشتيمة ، وذلك بهضم حياته ، كتابته ، وعصيانه ، على انها سيرة مبشـّرمـن نوع خاص : سيرة ضمـّنها وثبات خارقة ، تتضمن انحرافا عميقا عن مجرى التيار، الذي كـانت تؤسس له ثقافة حزبية مهلهلة ، ومضادة لحركة الحداثة ، لا تتوانى عن خنق كل هواء نقي يطير في سمائها . عندئذ لا يمكـن أن نقـرأ التغيير الديموغـرافي ، الذي حصل في بغداد : تلك العـمـارة الباردة القلب الجاثمة على صدر ساحة الميدان مثـلا ، على أنها جزء من حركة الحداثة العمرانية ، بقدر ما هي قلع لبذرة الانحراف ، التي غرستـها الحـداثة الشعرية هناك ، حيث كانت المقـاهـي الستينية حبلى بجنين جان دمو ، الذي ولد فكان له أن يمارس يتما مبكرا ، سيعوضه بذكاء خـارق باجتراح اتباع ، يلتقطهم بعناية ، من بين مخالب الثقافة الاصولية ، ويطلقهم نسورا يحلقـون على شاكلته . من المناسب هنا ان نقرا زعمه بكتابة قصيدته العظيمة يوما ،على أن ذلك تبشيرا بعصر القصيدة الكبيرة ، معلنا نهاية عـصر الشاعـر الكبير : الشاعـر الذي صنعته المافيات الثقـافية ، والسياسيـة والاعلامية . القصيدة الكبيرة هي تلك التي يمكـن أن يكتـبها شاعر مجهول ، لم يسمع به أحـد من قبل ، وقصيدة جان دمو الكبيرة هـي حياته ، التي لا تشبه شعريتها اية حياة تعرفنا اليها عن قرب أو عن بعد . وهنـا نقدم قراءة اخرى ، تستند على قراءة ابسن العميقة لحياة انطـوان ارتـو وسيرته ، فـإذا كـان جان لم يقدم عملا شعريا متماسك الملامح ، كما يزعم البعض ـ أو كما كتب القاص الراحل جليل القيسي في رسالته الى دمو – فإنه تـرك لنا سيرة شعرية ، تضج بطاقة عظيمة ، لازالت تمارس تأثيرها وستمارسـه في اجيال شعـرية كثيرة لاحقـة ، كمـا هو رأي الشاعـر صادق الصائغ ، في حوار سننشره قريبا .
وليكن . ربما لم يقدم جان ماكان مرجوا منه، وهذا ليس رأيي قطعا ، لكنه قدم سلوكا مشعرنا ، تحولت فيه حياته الى استعـارة شعـرية كبيرة ، محملة بطاقـة عـظيمة من الرؤيا ، وهنا يمكن اعتباره مصدر الهام للاخـرين ، اكثر منه موجها في هذا المجـال ، وهو في هذا الاتجـاه :" يمثل تلك الشخصيات العظيمة ،التي حين لاتقدم نمطا فكريا حقيقيا يمكن التثبت منه ، تتصرف باعتبارها ادوات تحفيـز للاخـرين ، عن طـريق فتح مجـالات التأمـل عندهم ، وتوجيه انتباهم الى صيغ رؤيوية ونبؤات مستقبلية لخلق تلك الرؤى " ولقد لمستُ شخصيا مثل هذا التأثير ، واقشعر كل جسدي ، خشوعـا له ، مـرة ، عندمـا كنت اقدم محاضرة عن الشعـر العـراقي بين حـربين ، في ايران ، وفوجئت بمداخلة من شاعرعراقي شاب هناك ، وهو يسألني عن سبب اغفالي لذكر جان دمو ، وعدم قراءة نماذج من شعره ، اسوة بباقي النماذج التي التي اخترتها لشعراء عراقيين . لم يكن ردي عليه مقنعا ، على الاقل بالنسبة لي ،لكنني على هامش تلك المحاضرة التقيت بكوكبة من عشاق جان دمو ، في مكان لايمكن ان يخطر لأحد في العالمين أن يجد مثلهم . هؤلاء صاروا فيما بعد مفتاحي الى شوارع الثقافة والسياسة الخلفية هناك .
7
الشعر والفكر عند جان – وأحيانا الفلسفة – ينطلقان من الاندفاع نفسه ، تماما كما عند المتصوفة والروحانيين : بن عربي والحلاج مثلا . قـلت : من الاندفاع نفسه ، ولـم اقـل إنه مـتصوف ، لمـا يتضمنه هذا الاصطلاح من اشكـاليات مـرجعية واخلاقية ، ولكن مـايصح على جان هو التوّحد ، بالـمعنى الذي تكـلم عنه يـونغ ، حيث الوحـدة ليست بالضرورة عـداوة الرفقة ، إذ لايوجد من هو اكثر احساسا بالرفقة من الانسان المتوحد ، ولاتزدهر الرفقة الا حين يتذكر الفرد فرديته وتشبهه بالاخرين . من هذا التصور يمكن عزل ، ولو مؤقتا ، ما للشعر عن ما للفكر ، فنحن على خطى جـان واثقين من ان الشاعر يسبق الفيلسوف والمفكر ، حيث يجلس الاول مستشرفا الافق ، تاركا الفلسفة ومن بعدها الفكر، لتلحقا به . قلت : إن الشعر والفكر عند جان يملكان نفس الاندفاع ، لكن عدم ادراك هذا الاندفاع :عدم ادراك هذا التساوق عنده بين الفكر والشعر من قبل الاخرين ، أوقعهـم في مـطب الاساءة الى جان ، من حـيث لا يقصدون ، يتجـلى ذلك واضحـا ، في تضمين مـجموعته قـصائد ليست له اطلاقـا ، فـي خـضم الحـماس والحب له : هذا من جـانب ، ومن جـانب آخر تلك القراءات التي اعتنت بظاهـر عالـمه ، ولم تحـفر عميقـا في مغـزى كـحـوليته ، وعلاقتها بالزمن .
أن هناك اساءة ما تلحق بجان ، عندما يتوقـف البعض ، في كتابته عنه ، عند الكحـول ، دون أن يعطي ذلك مغزاه الصحيح ، إذ لم يكن كل هذا الدوار والالم الا اجتراحا لمغامرة شعرية خاصة ، حـيث الكحول هـو الوسيلة للعيش في زمن خاص : زمن ملائكي ، ينسلخ عن الزمن العام ، الذي لا ضمان للازلية فيه ، بعد أن استحوذت دناصير السياسة ، والثقافة ، على هذه الازلية ، كما أن الكحول هو الوسيلة الوحيدة الممكنة لشحذ الحواس ، وللصعود بها الى ايقاع من الممارسة ، كي يصل الشاعر الى اصقاع ومناطق غير مكتشفة ، لم يصلها أحد بعد .
لانملـك نحـن فعل التبرير لأنـفسنا ، لأننا لانريده ، وكذلك جان ، فمما آل اليه وضعنا البشري هو هذا ، وبعد ذلك ليتحمل كل منا خطيئته الشخصية الرائعة ، وليمضي بها الى النهاية .
قيمة هذه القصائد إذن أنها تحمل هذا التساوق بين الشعر والفكر ، حتى ليصح ان نقول من خلالها إن جـان تمكـن من تضليل أكبـر عدد مـمكن مـن المتفـرجين الى مسرحـه ، إبان حياته ، متعمـدا ستراتيجية الالهاء ولفت النظر عما يعتمل في عالمه الداخلي ، وليس ثمة تناقض بين ما قلناه عـن دوره الرسولي ، فالروح المتأملة فيه : روح جان المتعالية ، الخاصة جدا ، ليست عرضة للفرجة : هكذا تركها متشظية في اكبر عدد من القصائد ، التي تعمـّد أن يضيعها هنا وهناك ، لأنَّ قـلة هم مَـن يستحقون معانقتها .
ساطع كصلاة صباحية : قصائد غير منشورة جان دمو
( ...... )
النافذة مفتوحة ، القلب مفتوح ، السماء ، أيضا ، مفتوحة . وهناك ، في مكان ما بعيدا ، تدور حرب . حرب الكل ضد الكل . حرب اللا أحد ضد لا أحد . حرب اللاحرب .
أنسحقُ تحت وطأة الالغاز . وأمام هذا الغسق الذي لم يعد فاتنا كما كان ، تبحثُ ملائكة ذاكرتي عن الأرج الذي كان يلعنها مرة .
نافذة موصدة : قلب موصد ، سماء موصدة : هذه هي مخلفات الصيف . أين الأشباح ... ( كلمتين أو ثلاث غير واضحة )
1974
من أنقاض الامس
أنقاض ٌ . زمن يتجمد . دياجير . حركة ارتدادية تخدم البسيط . وتحت مغناطيس السفر كل الايدي تتصافح ُ : لجوء للفرار : خرائط عريقة القدم .
وحده اللامسمى قادر على أن يحدد قياسا للزمن :
اللامحدد .
المرئيات
الشمس والقلب ديمومتهما أبدية كالحرية .
الماضي الفارغ من الهُـوى ساطع كصلاة صباحية .
الروح والاساطير غصنا شجرة واحدة لكون كلاهما منتم للامنظور .
المنظور ! المنظور ! أي بصر ينفذ الى قدس أقداسك الحافل بالطلاسم .
أيا غياب ! أيا سماء ! أي لون ليس منكما أو ، فيكما .
وأيّ رمز ليس في اللامحدود .
ثروة القلب في فراغه أكثر من امتلائه .
فلنفتح أكثر من سماء في الاتصال لنمس حواف التسامي .
أيا قلب ، تخلى عن اختراق اللامنظور ، لأنه يفضي الى ما لانهاية له من اللامنظورات .
[email protected] شاعر عراقي مقيم في الجحيم
..........................................................................
وثائق
1- رسالة الى جان دمو جليل القيسي يوم 17- 4 - 2003 هتف لي صديق وقال بصوت دامع : " لقد مات جان دمو " ، واضاف برجاء حار : " الا تكتب عنه رثاء .. انه مدينتنا الحبيبة اربخا " شعرت برعشة ، بحزن ، وتذكرت قصيدة الشاعر الاسكندراني كفافي الجميلة ، والموسومة : " من اجل امونيس .."
" يريدون منك ابياتا يارافائيل ، من اجل الشاعر امونيس ، كي ينقشوها على قبره . اكتب شيئا لطيفا ، وأنتَ قادر ، شيئا رقيقا . انك الوحيد القادر على كتابة شيء مناسب . من اجل امونيس الشاعر الذي كان واحدا منا "
اذن .. إن ذاتك التي كانت ممتلئة حتى الشفة جفـّتْ ، وراح كل شيء حولك ، وتتطاير الكلمات من افواه الاحباب كلها : فراشات مضيئة تارة ، وقاتمة تارة في رثائك . اجل في جميع تلك القلوب التي عرفتكَ تصطخب كلمات كرستالية عنك ، وعن حياتك . جان .. مذ عرفتك ، وأنت بعد العشرين من عمرك وحتى موتك ، كنت تبحث عن محطات حلم ، لكن اي حلم ؟ حلم لم يعرفه سواك ، أو ربما حتى انت لم تعرفه ، لأن ذلك الحلم اليوتوبي ، الذي ظللتَ تبحث عنه في صحاري هذا العالم قد اظلكَ ، وتهت رغما عنك في بيداء النجوم . وعندما ارجع الى الى سهوب الشباب ، واتخيل وجهك الوسيم الشبيه بوجه فتاة رقيقة ، وضحكاتك الصهيلية امام البديهيات من الاقوال ، وتألمك الموجع للكلمات التي تضرب القلب ، أو عند استماعك لأبيات شعرية تلامس القلب ، تهتف بصراخ مسرحي باللغة الاشورية : " سللي ريشوخ ". كنتُ حيال ذاك الزلزال العاطفي الذي كنتَ تفجره ، اقول مع نفسي : " إن لدى هذا الشاب الم مبكر للحياة الرفيعة " واذكر ذات مرة ، وأنت تحمل ديوان للشاعر الفرنسي سان جون بيرس بالانكليزية ، كيف ارتعشتَ وساحت الدموع من عينيك ، وأنت تقرأ بشكل مضطرب : I shall with salt revive the dead mouth of desire " بالملح سوف احيي الشفاه الميتة للرغبة " عشنا ومضات سامية ، ونبيلة من السنوات ، وأياما بلورية في صباحات كركوك التاريخية ، وظهرانها الشبيهة بصفار زهور الأشرفي ، وما اكثر ما سهرنا في لياليها الليلكية نتجول في شوارعها الخالية بعد منتصف الليل ؟
اجل عشنا بحرارة في اشعاعات الكتب والافكار والنقاشات : عشنا في جمال اصم من الاماني العريضة والامال .. لكن يا الهي ماذا رايتُ عندما زرتني قبل سفرك الى عمان ؟ وجه متعب ، مخدد بالحفر ، وجه مهزوم فيه اثلام الموت ، وروح حافية ، وفم لم تبق في متاهته سوى سن واحدة فقط .. رأيت هندام جان دمو يسير مثل سفينة ضالة في شوارع كركوك : لا أحد يعرفك ، بعد أن غبتَ عنها اكثر من عشرين سنة .. يا الهي .. هذه الفقاعة البيولوجية المتحركة باهتزاز هو شاعرنا المحبوب جان دمو ؟ هكذا كان البعض يردد . أنتَ كنتَ في الخامسة والعشرين تردد كلمات العالم اليوناني أرخميدس باليونانية : " pa pa , kal tan ,gan ,kino " " اعطني مكانا أقف عليه ، احرّك الأرض " واعطتك الحياة ياجان اماكن كثيرة لتحرك الارض ، لكن ماذا حدث ؟ تآمرتَ على نفسكَ ، وعلى مواهبك ، : ان تحريك الارض كان امواجا من الوهم ، حقا ماذا حدث ؟ هل تهت في صحاري بحثك ؟ أم اقتنعت أخيرا أن اصطياد القصائد العظيمة ، التي حلمتَ بها ، لاتصطاد بشصوص هلامية ووهمية ، وانما بالموهبة العظيمة : لقد كانت احلامك اكبر بكثير من مواهبك وادواتك الشعرية . من هنا كنت دائما تجتر افكارك ، مشاعرك ، عواطفك ، في حركات مسرحية جميلة ، ويستمع اليك شلة من المعجبين بك من الشباب بانتباه لاهب : ان الفنان المبدع ياجان ، والواثق من جدا من أدواته ثقة عظيمة ليس فيه ثمة مجال لسقوط ايكاروس .
حسنا ، ماذا فعلتَ بعد أكثر من ثلاثين سنة من العذاب ؟ جئت بأسمالك اليتيم .. ديوانك الوحيد .. آه .. صدقني ياجان : لايغتبط الا النبيل بنجاح اصدقائه ، وأنت تعلم كم كنت افرح في ارخبيل الزمن الماضي ، وأراك مثل المهووس تقرا ليل نهار ، وتحاول ان تتخطى زمنك . كنت اقول مع نفسي : ان هذا الشاب حتما سيطبق كلمات ارخميدس .. وهرولت السنوات بصمت ، سارقة منك ايمانك الارخميدسي ، وحماستك النارية ، ورغباتك الفوارة ، وحولت لديك كل شيء الى رغوة صغيرة تطيرها الريح بعيدا ، وتركتك اخيرا على استراليا الباردة ، وسط الناس ، بعيدا .. بلا اخواتك الرائعات اللائي كن يعبدنك ، وأخيرا بلا غناء حتى طائر ضال .. آه ، ياجان . لم تجدِ معك كل توسلاتي ، نداءاتي الحارة للاهتمام بشعرك الذي هجرت كل شيء من اجله ، لكن عبثا .. كنت َ مثل ذاك الجوّال يولسيس الذي لم تجد معه نداءات كاليسو الحارة ليبقى في الجزيرة خالدا ، لأن يولسيس خلق ليعيش قليلا ، لكن جوالا ، يغرز قدمه في ارض جديدة ، ويقول : هذا ترابي : موصل ، كركوك ، بغداد ، دمشق ، بيروت ، عمان ، استراليا ، وفي تراب الاخيرة .. رقدتَ . جان ان اروع ماكنت تملك هو بساطتك .. لقد كان الملا صدرا الشيرازي على صواب عندما قال : " البساطة اصل الكل " في اللحظات القصيرة جدا ، وفي تراب الذاكرة ، كإنسان .. تبقى بساطتك ، تلقائيتك ، عفويتك المذهلة ، بوهيميتك ، وحدسك الشعري الجيد ، اما " أسمالك " فهي مع الاسف ليست ثمرة ذهبية متوهجة لعذابات اكثر من ثلاثين سنة ، ولن تعيش امام الشعر الذي يتدفق من العذابات الحارة .. اكتب هذه الرسالة لأنني بحكم السنين التي عشتها معك ، كنت اعرف انك اكثر موهبة بكثير من اسمالك ، ولديك لغة لها طاقات على الشمولية ، ورؤى جيدة ، وحرارة قلب .. والزمن حباك ببطالة دائمة : انك الوحيد ، في جماعة كركوك ، لم تعمل في اية وظيفة أو عمل .. كنتَ دائما عاطلا . ختاما ، مانفع كلمات الحكيم الصيني تاو - 200سنة قبل المسيح - وهو يقول : " المرء يكسب الخسران " . . مازلتَ في قلوبنا : إخلد الى سلامك الابدي ايها الصديق الطيب ، واعلم أن لا احد يسلم من ذاك المنتصر الازلي - الموت .
ملاحظة : لعله خطأ طباعي في جريدة العراق غدا ، التي نشرت هذه الرسالة ، فجان فارق الحياة في 3- 5- 2003
2- جان دمو : لماذا طردتم هذا الشاعر ؟ فاضل عباس هادي
روّاد مقهى " الأنكل سام " و" مليك بار " في الجامعة الاميركية في بيروت .. كذلك بعض زبائن " روز أند كراون " ( الوردة والتاج ) يعرفون جان دمو ، الشاعر الشاب العراقي : كانت دورته اليومية تبدأ في الانكل سام مرورا بشارعي جان دارك وبلس ، ثم لتعود منتهية في بيت احد اصدقائه الكثيرين ، اذ لم يكن لجان دمو - المنقطع الجذورعن كل ماهو قائم والغائر بطريقة ما ، في تساميه - مكانا يبيت فيه . ذات مرة التجأ الى النوم على سطح احدى البنايات ، وبالتالي كان مضطرا الى الهبوط في الفجر ، قبل ان يستفيق البواب . لمدة ثلاث سنوات تقريبا ، قضاها جان في بيروت ، كان خلالها يتابع قضيته الازلية : الشعر . كان إذا سألته الى متى ؟ يقول لك بكل براءة زعفوية عديمة الاصرار : سأكتب رواية هائلة . بيد أنه ، في احيان كثيرة ، كان يستبدل الرواية بقصيدة ، الا أن جان طرد قبل عدة اشهر من لبنان ، فالقانون كسيطرة طبقية موجهة ضد الانسان ، كان اقوى من مقدرة جان على ايهام نفسه ، بانه من الممكن هنا - خارج العراق - التسكع بطمأنينة ، ولو بالحجة الشائعة ( التي تبدو سطحية ، لكنها عميقة المغزى ) : انه عربي من العراق . ترى هل التسكع ممنوع هنا ايضا ؟ لم يكن جان يمارس هنا شيئا اخر غير هذا التسكع . لايؤذي أحدا ، ولايثقل احدا ، لكن لكونه طريد الواقع الطبقي للعالم العربي ماديا ، وفي التحليل الاخير منصهرا في عزلته وتخوفاته الروحية ، كان حقا ، وفي شكل ما ، اعتداءا على قانون السيادة الطبقية . عندما ذهبت معه الى الامن ( الامن ؟ ) بغية تجديد اقامته ، فوجئت بالسرعة التي ختموا فيها على جواز سفره . جان وضع الجواز في جيب بنطاله الخلفي من دون ان يتأكد من ماهية الختم ، وعندما وصلنا الى مقهى الانكل سام بدات الشكوك تراودني حول طبيعة الختم السريع . قلت له : هل يمكن أن ارى الجواز ؟ وما رايت هو " بلاغ بالمغادرة " مغادرة لبنان خلال 24ساعة . جان اعتقد أن بامكانه دخول لبنان بعد قضاء بضعة ايام في الشام ، الا ان الحدود قد اقفلت وراءه ، وحالما هم بدخول لبنان من جديد منعوه . لم يكن جان البريء يعرف بأن للقانون أيضا حق امتلاك اذن صماء ( كباقي متأدبي المنطقة ازاءه ) ولاستعمال لسانه السليط ليعلن بصراحة متناهية قمعا ، بأنه لامجال للحياة ، ولاحتى للتسكع ببراءة في دنيا سجونها مبنية باحجار القانون ، ومواخيرها بطابوق الدين ( بليك ) . اذ لم يكن يريد في لبنان سوى يوم واحد ، ليجلب كتبه واوراقه ، ويودع من يودع من أصدقائه . هكذا عاد من حيث أتى : حزينا متفجرا في صمته كأحلامه ، ولاعنا القوانين كلها ببصقة على الارض كعادته : عندئذ بقيت الحدود الفاصلة - في بلد عربي ، نوابه وصحفه ، معرضيه ومسؤوليه وكهنته وأئمته ، يطيب لهم أن يتحدثوا باسهاب عن الديمقراطية وحليفتها الوحدة العربية - بقيت هذه الحدود عارا ليس بشريا فحسب ، وانما اتهاما يوميا لهذا الوطن المستبد ، ولكل اولئك الجبناء القابعين وراء موائد الكتابة ليتغوطوا كليمات عن الشعر والحرية وعن حضارة القمع ، اولئك طليعيو الشعر الذين رفضوا شعر جان دمو ، رغم انهم واثقون باعماقهم بأنه يمتاز ، على الاقل ، بالجودة ووفقا لمقاييسهم ، لأن هذا الشاعر كان بائسا ماديا ، وبالنتيجة كان بائس المظهر . لم يكن جان يولي اي اهتمام لذلك ، لأنه كان اكثر عمقا واكثر اخلاصا بانغماسه في بئر ذاته ، ليجد حريته منعكسة بكل ابعادها ، وبالتالي كان يشخـّص منظوره كانسان عليه ممارسة لعبته : الحياة - الشعر . كان جان مقيما مقداما في شارع الحمرا ، ومقاهيه كانت ممنوعة عليه ، اذ كان ومايزال حكيما متخصصا في شؤون الافلاس ، فالليرة التي يعطيها ثمنا للجلوس نصف ساعة في احد مقاهي الحمرا ( حيث الرؤوس شبه الفكرية تجلد عميرة افكارها ) يمكن لها ان توفر له وجبة لائقة في مطعم الامين الشعبي القريب من الهورس شو . لقد حقق جان ، على طريقته الخاصة ، حلم لافارج بالكسل ، وكان يستعين بالاحلام ضد عالم اصبحت فيه الاحلام نقيصة كبرى . من اعماله التي لم تكتب : " حذاء في الجبهة " رواية مضادة لقوانين تجريم الافواه الباصقة في كل لحظة على موائد الحرب ، ورواية بعنوان : " يوميات صعلوك في انطاكية " لأنه يحب الاسم انطاكية ، وله جرس مؤثر في النفس .
الرغبة الاباحية العدد 2- 3/ 1974
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة كمال سبتي في شبابه
-
اغنية عندما يعود السندباد الى بيته
-
اغنية البلبلُ المشرَد
-
كيف خسرتَ الوردة ، كيف ربحتِ العاشقَ ؟
-
بورتريه المخلّص
-
أغنية لتحطيم أنف العالم
-
كمشة فراشات
-
اغنية جمعية الشعراء الموتى
-
اغنية عقيل علي
-
ساحر من ألف ليلة وليلة
-
أغنية حب بغدادية ومدينة الاشارة
-
بورتريه الخطر
-
أغنية الليل تحت عدسة مكبرة
-
ثلاث قصائد
-
النافذة
-
قصيدتان
-
اغنية خاتم سليمان
-
كتاب النبؤات
-
أغنية الفراشة
-
الإله يخذل عبد العظيم فنجان
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|