أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - يحيى فكري - النظام المصري ورياح التغيير















المزيد.....

النظام المصري ورياح التغيير


يحيى فكري

الحوار المتمدن-العدد: 705 - 2004 / 1 / 6 - 05:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


في عام 1999 وقع عدد من الشخصيات العامة تجاوز المائة على بيان أعلنوا فيه رفضهم لتولي حسني مبارك فترة رئاسة جديدة. نشر البيان وقتها في عدد من الصحف غير الحكومية. وبالطبع لم يكن هناك ساعتها، ممن سمعوا عن البيان أو وقعوا عليه، من يدور بخلده ولو للحظة أن الأمور قد تأخذ مجرى آخر. فالبيان وقتها لم يكن له إلا دورا دعائيا محدودا، اقتصر على إعلان موقف من جانب البعض للتأكيد على أن هناك أصواتا في مصر تطالب بالتغيير.
اليوم وبعد ما يقرب من أربعة أعوام أصبح الأمر مختلفا. الأسابيع الأخيرة شهدت أصواتا عديدة ترتفع مؤكدة على أن التغيير أصبح أمرا لا مفر منه، وأن مصر في حاجة إلى إصلاح ديموقراطي شامل. لا يقتصر هذا على النشطاء السياسيين ومثقفي النخبة، وإنما يمتد ليشمل قطاعات من الجمهور الغير منتم سياسيا. وبالطبع هناك ارتباط ما بين ارتفاع هذه النبرة وبين ما حدث في القاهرة خلال يومي 20 و21 مارس الماضيين. فأحداث هذين اليومين وما تلاهما من قمع لعبت دورا في إطلاق الأصوات. وبالتأكيد فإن مشهد الاحتلال العسكري لميدان التحرير طوال أيام الحرب على العراق، وغيره من المشاهد، كانت مؤشرا واضحا على الفزع الذي يملأ قلوب القائمين على الأمور من أن هناك 18 و19 يناير أخرى قادمة.
لكن الحقيقة أن الرغبة في التغيير ليست فقط وليدة تلك الأحداث. الحرب على العراق وردود الفعل الشعبية المصرية وأحداث القمع أطلقت الأصوات، لكن مصدرها العميق هو محصلة تراكم كل ما جرى خلال السنوات الماضية. النظام المصري يعاني من أزمة مركبة تتفاقم مع الوقت، أدت إلى فقدانه لمشروعيته وقدرته على الاستيعاب، ليس فقط وسط الجماهير الفقيرة والطبقات المضطهدة، بل أيضاً بين أقسام من الرأسمالية والطبقات فوق المتوسطة وقطاعات من مثقفي المؤسسات الرسمية. هذا التراكم يعبر عن نفسه اليوم في أصوات عديدة مبعثرة، إلا أنها رغم تبعثرها تحمل جنين حركة مطالبة بالإصلاح الديموقراطي. ويمكن أن نتوقع أن تشهد الشهور المقبلة مخاضا لهذه الحركة.

كيف فقد النظام مشروعيته؟
في منتصف التسعينات عاش النظام المصري لحظات من الانتعاش حين روجت الدعاية الحكومية لأسطورة مصر النمر الشرق أوسطي الصاعد. الجميع يذكرون مانشيتات الصحف أيامها التي تحدثت عن "نهاية عصر الديون الخارجية" و"المشروعات القومية العملاقة" ..إلخ. والحقيقة أن اندفاع النظام في السياسة الليبرالية الجديدة (الخصخصة، وسياسات السوق) منذ مطلع التسعينات كان قد بدأ يؤتي بعض ثماره بخفض معدلات التضخم وارتفاع معدلات النمو.
بشكل متزايد حدث اندفاع تجاه الخصخصة واقتصاديات السوق. صاحب ذلك بالطبع انتشار واسع للفقر واتساع للهوة بين الفقراء والأغنياء. إلا أن النجاح الاقتصادي المؤقت سمح للنظام بخلق أمل وهمي بأن الزمن الصعب على وشك الانتهاء. ساعتها انتظر الفقراء الفرج وشعر أصحاب الاستثمارات ببعض الاستقرار ونما لديهم طموح في التوسع. ولكن بين عشية وضحاها انهار الحلم الكاذب فوق رأس الجميع. فلم تمض إلا سنوات قليلة ليدخل بعدها الاقتصاد المصري في أزمة شديدة ـ بدءا من عام 1998 ـ تزداد حدتها بمعدلات سريعة.
قد تكشف لنا بعض الأرقام عن التدهور الحاد الذي أصاب الاقتصاد المصري في السنوات الأولى من الأزمة: فقد انخفض معدل النمو من: 5.58% عام 1998، إلى: 2.5% عام 2001. وارتفع العجز في ميزان المدفوعات من: 1.01% عام 1998، إلى: 5.05% عام 2001. وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من: 2 مليار دولار عام 2000، إلى 330 مليون دولار عام 2001. كما شهد عام 2001 انهيار سعر الجنيه أمام الدولار، حيث فقد أكثر من ثلث قيمته في الفترة من يناير إلى ديسمبر من ذلك العام (فقد البنك المركزي 4 مليار دولار عام 2001 وحدها في محاولاته اليائسة للمحافظة على سعر الجنيه) ووصل مجمل الانخفاض في سعر الجنيه مع بداية تعويم سعر الصرف عام 2003 إلى ما يزيد عن 80% من سعره عند بداية الانهيار عام 2000. وإذا أخذنا في الاعتبار أن مصر يزيد حجم وارداتها عن 17 مليار دولار سنويا بينما تقل صادراتها عن 4 مليار دولار سنويا، فإن انخفاض مثل الذي حدث في سعر الجنيه يعني كارثة فيما يتعلق بأسعار جميع السلع والخدمات الأساسية بالنسبة للفقراء ومحدودي الدخل.
ذكرت مجلة الإيكونوميست (أحد أهم الدوريات التي تعبر عن تقديرات دوائر الرأسمالية العالمية) في مقالة لها عن مصر في عدد يناير 2002 "مصر التي وصفت في منتصف التسعينات بالنمر الاقتصادي، تبدو الآن كتمساح تساقطت أسنانه، فعبر انهيار سعر الصرف، وأسعار الأسهم والعقارات انخفض حجم الثروة في مصر بمقدار النصف خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وأدى هروب رؤوس الأموال والسياسات الخاطئة إلى انهيار الاستثمارات الأجنبية بمقدار الثلثين بينما ارتفعت البطالة لتصل إلى 20% وفقا للتقديرات غير الرسمية ومن المنتظر أن تزيد بسبب الأزمة الاقتصادية وبالتالي لن يجد 800 ألف يدخلون إلى سوق العمل سنويا أي فرصة عمل". (معدل البطالة يرتفع بين الخريجين الجدد ليصل إلى 36% بين الذكور، و50% بين الإناث).
وبالطبع فإن التدهور الاقتصادي الحاد صاحبه انهيار في الخدمات والضمانات الاجتماعية. وإذا أخذنا مؤشرا واحدا مثل الأحوال الصحية للتعرف على حجم الكارثة الاجتماعية في مصر فسنجد أن معدل وفيات الأطفال تحت 5 سنوات في مصر يأتي كسابع أسوأ معدل في العالم (الأسوأ من مصر في هذا المعدل هي: اليمن والسودان والصومال وموريتانيا وجزر القمر والعراق) ولا يختلف الأمر في معدلات متوسط العمر أو سوء التغذية أو وفيات الأمهات. وتعتبر مصر ثاني أقل البلاد إنفاقا على الصحة في العالم، كما تأتي رقم 15 من حيث اتساع فجوة الرعاية الصحية بين الأغنياء والفقراء. هكذا الأمر في كل المؤشرات الاجتماعية الأخرى: الدخول، مستويات المعيشة، التعليم، الضمانات الاجتماعية ..إلخ.
ببساطة مصر واحدة من أكثر البلاد تخلفا، ويعيش شعبها على واحدة من أدنى مستويات الدخل، ويحصل على واحدة من أقل الخدمات الاجتماعية على مستوى العالم. وبعد أكثر من عشر سنوات من بداية تطبيق برامج "الإصلاح" الاقتصادي تجاوز عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر العالمي 48% من المصريين، بعد أن كانوا 35% عند بداية تطبيقه. والمأزق الذي يعيشه النظام في مصر أنه على الرغم من هذا القدر الهائل من الإفقار، والتدهور الحاد في حياة فقراء المصريين بسبب سياساته، فإنه لم يستطع في المقابل أن يحقق أي قدر من النجاح الاقتصادي لصالح الاستثمار الرأسمالي والاندماج في السوق العالمي. فبلد مثل كوستاريكا (التي يقل عدد سكانها عن 4 مليون نسمة) يتجاوز حجم صادراتها بكثير ما تصدره مصر. بينما يتجاوز حجم صادرات باكستان خمسة أضعاف، وتايلاند عشرة أضعاف، وتركيا خمسة عشر ضعف، حجم صادرات مصر (باكستان وتايلاند وتركيا وغيرها تعتبر من البلاد المتخلفة والمأزومة اقتصاديا، ومن فئات البلدان الأقل قدرة على الاندماج في السوق العالمي) أما اقتصاد بلدان مثل كوريا الجنوبية أو المكسيك فهو بالنسبة لمصر طموح لا يمكن حتى أن تحلم بالوصول إليه (منذ ما يقرب من خمسين عاما كانت المؤشرات الاقتصادية في مصر هي نفسها في كوريا والمكسيك. واليوم بينما لم يتجاوز حجم الاستثمارات الأجنبية في مصر في أفضل الأحوال 2 مليار دولار سنويا، يزيد حجمها في المكسيك عن 90 مليار دولار سنويا. أما كوريا فقد أصبحت تصنف من بلدان العالم المتقدم).
وما يزيد الطين بلة الانتشار الهائل للفساد في كل ربوع الحكم في مصر، مما يسفر عن فقدان ثقة وعدم استقرار يدفعان إلى المزيد من هروب الاستثمارات، وبالتالي إلى تفاقم الأزمة. لقد أدت سياسات الخصخصة و"الإصلاح" الاقتصادي إلى إفقار متسارع للجماهير، نجم عنه غضب متصاعد وفقدان لأي أمل في تحسن الأحوال في ظل الظروف الراهنة. بينما أدى فشل النظام في تحقيق خطته لـ "الإصلاح" إلى شيوع حالة من الغضب وميل إلى الانكماش والهرب في أوساط الرأسماليين وأصحاب المصالح. ومع استمرار الوضع هكذا لسنوات مع التردي الدائم، أصبح هناك إحساسا باليأس لدى جميع الفئات والطبقات في إمكانية الإصلاح من داخل النظام نفسه.

النظام بين مطرقة الإمبريالية وسندان الجماهير
من المؤكد أن عام 2000 لم يكن عاما سعيدا بأية حال على الطبقة الحاكمة المصرية. فبعد فشل مفاوضات باراك ـ عرفات، انهار مشروع السلام الصهيوني الإمبريالي، الذي استمد منه النظام المصري طوال التسعينات جزءا مهما من مشروعيته. فبصفته عرابا لذلك المشروع ووسيطا رئيسيا فيه راهن عليه وروج له كفرصة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ولإنجاز مصالحة تاريخية بين الأنظمة العربية وإسرائيل، في ظل هيمنة كاملة للإمبريالية تفتح الباب ـ من وجهة نظره ـ لمزيد من التنمية!! لذا كان انطلاق الانتفاضة الفلسطينية وحركة التضامن الواسعة معها بداية لتقويض ما تبقى من مشروعية للنظام المصري.
مظاهرات التضامن مع الانتفاضة التي شهدتها مصر في أكتوبر ونوفمبر عام 2000 فتحت صفحة جديدة في الحياة السياسية. فمن ناحية أعادت الجماهير المصرية إلى المشهد، ومن ناحية أخرى أعادت الأمل لأقسام واسعة من النشطاء السياسيين من مختلف القوى بعد سنوات الركود، ومن ناحية ثالثة استقطبت أجيالا جديدة من المناضلين إلى الساحة. إلا أن أهم ما حققته هو أنها أطلقت موجة جديدة من العداء للإمبريالية ولتحالف النظام المصري معها في أوساط الجماهير، وأعادت القضية الفلسطينية إلى قلب الحياة السياسية وحركة الجماهير في مصر. هذا بالطبع وضع النظام في مأزق آخر، فالهتافات المعادية للصهيونية والتي تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل تتحول بسرعة إلى هجوم على السياسة المصرية. ومحاولات الأمن لقمع المظاهرات تنقلب بسرعة إلى هجوم على النظام والاستبداد الأمني، وهكذا.
ويبدو أن عام 2000 أصر ألا يمضي قبل أن يقلب جميع التوازنات الحرجة للنظام المصري، ويتركه عاجزا تماما عن المناورة. فشهدت نهايته بداية صعود اليمين المتطرف في إسرائيل (تولى شارون الحكم في فبراير 2001) كما شهدت صعود اليمين المتطرف الأمريكي بقيادة بوش وعصابته. وقبل أن يتولى بوش السلطة رسميا بدأ أفراد طاقمه يطلقون سهام نقدهم الحادة على النظام المصري، بصفته مسئولا ـ من وجهة نظرهم ـ عن انتشار العداء للإمبريالية في مصر والعالم العربي بسبب فشله في خطط "الإصلاح" (الإصلاح على الطريقة الأمريكية بالطبع، أي حرية مطلقة للاستثمارات، وإفقار متسارع للجماهير). هكذا مثلا صاغت كوندوليسا رايس نقدها لسياسة الإدارة الأمريكية السابقة تجاه الشرق الأوسط. فمن وجهة نظرها ورط كلينتون أمريكا في محاولة الوصول إلى حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي تراه صراع غير ناضج للحل الآن!! بينما مشكلة أمريكا الحقيقية في المنطقة هي ردود الفعل الشعبية المعادية لها في بلاد مثل مصر والسعودية. وعلى أمريكا بالتالي ـ من وجهة نظرها ـ أن تسعى إلى تغيير الأوضاع في تلك البلاد حتى تمتص موجة العداء، وتترك لإسرائيل الفرصة لتفعل ما بدا لها مع الفلسطينيين حتى تخلق شروطا ممكنة للحل في المستقبل!!
ومع تولي بوش رسميا بدأ الهجوم يشتد على النظام المصري، حتى قبل 11 سبتمبر، عندما جرت مناقشات واسعة في الكونجرس حول جدوى المعونة الأمريكية لمصر (50 بليون دولار منذ كامب دايفيد). وبعد 11 سبتمبر اشتد الهجوم على النظام المصري في الدوائر الحاكمة الأمريكية والصحافة المرتبطة بها بصفته مسئولا عن التطرف والإرهاب في المنطقة نتيجة لفشله في "التحديث". كتبت "الواشنطن بوست" في أحد افتتاحيتها خلال شهر أكتوبر 2001 "أن الحكومات العربية التي تدعي تأييد أمريكا في حملتها على الإرهاب، وتحثها في نفس الوقت على الضغط على إسرائيل وعدم ضرب العراق هي أكبر سبب للتطرف والإرهاب. ومصر مثال واضح فنظامها الاستبدادي مستنفد سياسيا ومفلس معنويا، ولا يملك مبارك برنامجا سياسيا عصريا أو رؤية للتقدم". وفي صيف 2002 كتب فريدمان (الصحفي المقرب من دوائر الحكم الأمريكية) في "النيويورك تايمز" مقالا علق فيه على تصريحات لمبارك ذكر فيها أنه حذر أمريكا من عملية 11 سبتمبر قبل أن تحدث. وحمل المقال هجوما حادا على النظام المصري انطلاقا من أن أمريكا لا تحتاج دعمه بخصوص "القاعدة" لكنها تحتاج دعمه بخصوص مصر!! وأن مصر لا تقوم بدورها الذي تحتاجه أمريكا (!!) كقاطرة للتحديث في العالم العربي بسبب الركود الشديد الناتج عن الحكم الاستبدادي وغياب الديموقراطية، وهكذا. (بالطبع فإن الديموقراطية التي تنشدها أمريكا لمصر هنا هي من نوع ديموقراطية قرضاي في أفغانستان، والجلبي في العراق).
المهم أن النظام المصري بدأ، منذ صعود إدارة بوش إلى السلطة، يفقد كل مساحات المناورة مع الإمبريالية. بينما تتسع الحركة الشعبية المعادية للإمبريالية في مصر وتزداد تجذيرا. فمظاهرات أكتوبر ونوفمبر 2000 كانت حدثا غير مسبوقا منذ يناير 1977. ورغم تراجعها إلا أن حركة التضامن الشعبية مع الانتفاضة في مصر استمرت عبر حملات جمع التبرعات. وخلال عام 2001 ظهر بوضوح أن الجماهير المصرية أصبحت أميل للنضال مع كل أزمة تحدث. تأكد هذا عبر سلسلة من الأحداث بدأت بمظاهرات الأقباط ضد اضطهاد الدولة في سابقة هي الأولى من نوعها، تلاها مظاهرات العاطلين التي اشتعلت في وقت واحد في أكثر من 16 مدينة مصرية، وانتهى العام بانتفاضة بورسعيد التي استمرت لعدة أيام خلال شهر ديسمبر. وفي أبريل 2002 بدأت موجة جديدة من مظاهرات التضامن مع الانتفاضة مع الاجتياح الإسرائيلي، هذه المرة كانت أكثر اتساعا وجذرية من سابقتها. وعلى امتداد هذه الفترة ومنذ نوفمبر 2000 كانت مبادرات النشطاء والقوى السياسية تتفتح وتحاول أن تمد جذورا مع الحركة من أسفل، بدأت بتأسيس اللجنة الشعبية للتضامن مع الانتفاضة وانطلقت بعدها في العديد من المبادرات. هذا الوضع جعل النظام المصري واقعا بين شقي الرحى، حيث الضغوط تأتيه من أسفل (حركة الجماهير) ومن أعلى (الإمبريالية).
في الشهور الأخيرة من عام 2002، وبينما أمريكا تدق طبول الحرب على العراق، أصبح النظام المصري في حالة من الشلل والعجز الكامل. فحركة التضامن مع الانتفاضة داخل مصر تتجمع في اتجاه مناهضة الحرب على العراق وتزداد اتساعا بشكل تدريجي. في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة الاجتماعية بسبب انفلات الأسعار ومعدلات البطالة وانهيار سعر الجنيه. والنظام مضطر لقبول الضغوط الأمريكية وتقديم تسهيلات عسكرية لدعم الحرب، كالسماح بمرور السفن العسكرية في قناة السويس. وأصبحت المواقف الرسمية المصرية المعلنة من الحرب موضوعا للتندر، حيث لا أحد يفهم بالضبط من تلك التصريحات في أي جانب يقف النظام المصري؟!
ومع بداية قصف العراق كان رد الفعل الشعبي المصري مذهلا للجميع، فلم يكن أحد يتصور أن تكون حجم الاستجابة للدعوة بالتجمع في ميدان التحرير مع بداية الحرب بهذا القدر الذي حدث يوم 20 مارس. لكن ما أثار فزع النظام بشكل حقيقي مما حدث يومي 20 و21 مارس هو التجذير الهائل للحركة، فعشرات الألوف هؤلاء كانوا يوجهون كل غضبهم بوضوح واندفاع وقوة تجاه النظام وتخاذله في مواجهة العدوان، وهم يربطون ذلك بتلقائية بشعارات معادية للفساد والإفقار والاستبداد. وخلال الأيام التالية وبينما يحاول النظام سحق الحركة بكل ألوان القمع، تأتي التصريحات من واشنطن عشية سقوط بغداد لتشد الخناق عليه. فنقرأ تصريحا لجيمس وولسي (رئيس المخابرات الأمريكية السابق) يحذر فيه مبارك وآل سعود من أن الأمريكيين قادمون، وأنهم سيقفون إلى صف من "يخشونهم" شعوبهم!!

الأزمة.. الشلل.. والقمع
النظام إذن في أزمة مركبة. الشعور السائد أن الشارع المصري بات أقل بكثير في إمكانيات ترويضه عما سبق. بينما جاء احتلال العراق بأثر لا يمكن تجاهله، حيث يشعر الجميع بأن التغيير في المنطقة برمتها قادم لا محالة (سواء من أسفل بالجماهير، أو من أعلى بالإمبريالية) وأن أمثال صدام سيرحلون. ويبدو أن الطرف الوحيد الذي لا يريد ـ أو لا يقدر ـ على التعامل مع المتغيرات الجديدة هو النظام نفسه. فالكثير من المحللين يلاحظون أن السياسة المصرية لازالت تتعامل بثوابت ما قبل عام 2000، وكأن شيئا لم يحدث!! مما يؤدي بالتبعية إلى المزيد من الشلل والعجز. ظهر ذلك مثلا في الهستيريا التي أصابت الدعاية الحكومية مع تعويم سعر الصرف للتأكيد على سيطرة الحكومة على الأسعار، بينما عمليا تتضاعف أسعار جميع السلع الأساسية!! كما ظهر بالطبع في موقف مصر "الواضح" تجاه الحرب!! الذي كشف عن لخمة النظام وعدم قدرته على التعامل مع الجديد في السياسة الإمبريالية.
هكذا بدأت ترتفع الأصوات للمطالبة بالتغيير، هي أصوات لازالت تتحسس خطاها إلا أن هذا الميل يزداد يوما عن يوم. وطالما كان النظام عاجزا عن توفير الحد الأدنى المطلوب لتحسين الشروط الاقتصادية والاجتماعية، وطالما كان فاقدا لمشروعيته، ويشعر الجميع بفشله، ولم يعد قادرا على إقناع أحد بصحة أيا من سياساته، طالما أن الأمر كذلك لا يبقى أمامه إلا القمع والمزيد منه للاستمرار في الحكم. لكن هذا بالتأكيد سيناريو قصير النفس، فلا يمكن لنظام حكم أن يظل مسيطرا على الأمور بالقمع وحده، وهذه هي عبرة كل دروس التاريخ السابق.



#يحيى_فكري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
- هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا ...
- كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا ...
- غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
- مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر ...
- عاجل .. صافرات الانذار تدوي في حيفا الآن وأنباء عن انفجارات ...
- أوستن: القوات الكورية الشمالية في روسيا ستحارب -قريبا- ضد أو ...
- ترامب يكشف أسماء جديدة رشحها لمناصب قيادية في إدارته المقبلة ...
- البيت الأبيض يبحث مع شركات الاتصال الاختراق الصيني المشتبه ب ...
- قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - يحيى فكري - النظام المصري ورياح التغيير