عبير حسن العاني
الحوار المتمدن-العدد: 2270 - 2008 / 5 / 3 - 11:16
المحور:
الادب والفن
عندما أستذكر طفولتي القريبة البعيدة،أرى أمامي وجوها وأشياء ومواقف كثيرة ورغم أن الطفولة ترتبط في كل العالم بالألوان المبهجة الزاهية، الا انها ترتبط معي بذكرى سوداء..ليس لأنها قاسية وحسب،بل لأنني حين أتذكر أمي وجدتي (رحمهما الله) وكل أقاربنا وجيراننا لا أرى سوى الألبسة السوداء!!
العراق بلد سوداوي بكل شيء..فحين نتجول في الأسواق نرى أن أغلب الملابس والأقمشة والحقائب وحتى الأحذية سوداء..بل أن حتى ملابس الحفلات (الراقية) غالبا ما تكون سوداء.
وبعدما كبرت، وبدأت أسمع الأغاني العراقية التي تطرب والديَّ وتطربني بطبيعة الحال وراثة ووعيا،وجدتُ أن جميعها سوداء قاتمة.. وحين نضجتُ أكثر وأزددت ولعاً بالشعر والقصة والأدب وجدت مشاعري تتجه نحو الكتابات السوداء فقط.
حاولت أن أتخلص من عقدة السواد هذه.. وكنتُ أحاول المرح والتفاؤل،وأخلق في العائلة وما خارجها جوّا حيويا مبهجا خاصا.. ولكن ما أن أفعل حتى أجد من يفرح ويضحك يضع يده على صدره ويرنو بنظره الى السماء ويقول: يا رب ضحكة خير ان شاء الله.. الله يستر لم أضحك منذ زمن طويل!!
نحن العراقيين نخاف الضحك.. نخاف الفرح.. نخاف الحياة..لم نعتد على خلق عالم بلا سواد.. ينتظر أطفالنا العيد بكل لهفة وحب، وحين يأتي نأخذهم في أول صباحاته الى المقابر لنستقبل العيد بدمعة ووجع واستمتاع بحزننا الأزلي،فيتربى الطفل(بلا وعي) على الحزن والألم والسوداوية.
وها أنذا كلما أحاول الخروج من دائرة السواد،وقتل عقدتي الكبرى،أرى استحالة ذلك،ليس لعجزي بل لأصرار كل ما حولي عل ابقاء العراق بلد السواد للأبد، وكأن سماءه لبست ثوبا اسودا أزليا.
لكن الغريب في الأمر.. أننا لا نجد أنفسنا الا تحت هذه السماء التي نحبها ونتغزل بها مستذكرين المفردة التي يواسي بها العراقيون حزن نسائهم وهم يرددون لهم(( من لبس السواد سبى العباد))!!
عبير حسن العاني- عمّان
8- 8-2007
E- mail: [email protected]
#عبير_حسن_العاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟