حمزه ألجناحي
الحوار المتمدن-العدد: 2270 - 2008 / 5 / 3 - 07:03
المحور:
كتابات ساخرة
# أتذكر قبل ثلاثون عاما عندما كانت هناك في مدينتي سكة للقطار ومحطة ...كان ذالك القطار عندما يقترب من المحطة بمسافة ينبه العاملين بقدومه بإطلاق صوت منبهاته القوية عندها يعلم أهالي مدينتنا إنها الساعة الرابعة ,ولم يتخلف ذالك القطار وسائقه عن التنبيه بذالك الوقت (الساعة الرابعة)وكأنه من صميم عمله ,وكل من كان في يده ساعة ولقلتهم في ذالك الوقت تراهم وقد نظروا الى ساعاتهم وضبطوها والبعض بدأ يغذيها (يكوكها)في نفس الوقت لتستمر في العمل ..
قبل ثلاثون عام كان العراقيون يهتمون بالوقت ودقته ولا يفرطون به رغم بساطتهم ولا تعقيدات لحياتهم كما هو اليوم ...الكل ملتزم بالمواعيد ومن يتخلف يطلقون عليه السيد عرقوب تيمنا بعدم الالتزام بالموعد ولا أعلم كيف عرف أجدادنا هذه التسمية ومن اين لأنهم لم يذهبوا يوما الى مدرسة أو إلى الكتاتيب ...هذا هو الوقت عند العراقيين الذهاب الى المدرسة من قبل التلاميذ بالوقت فعند الساعة السابعة وخمسة وأربعون دقيقة ترى الشوارع المؤدية الى المدرسة قد فرغت من مارتها التلاميذ لأن المدراء كانوا يغلقون الابواب عند ذالك الوقت ولايسمح بدخول المتأخرين ..ولو أن جدتي كانت دائما تطلب مني الذهاب مبكرا الى المدرسة للعودة مبكرا الى البيت لأنها لاتعرف ان كل شيء بوقته كانت تقول لي (بيبي ليش كاعد لسه تروح لمدرستك من وكت حتى تجي من وكت) ضنا منها ان الذي يذهب قبل التلاميذ يأتي قبلهم حتى جدتي على بساطتها والتي ليس للوقت شأن عندها ولا يعنيها وليس لديها مراكب في البحر انه الوقت التي تلتزم به تلك المرأة وعلى طريقتها وحسب معرفتها بأهميته...
والدوائر هي الاخرى الوقت فيها سيفا فعند الساعة الثامنة بالتمام والموظف الذي يتأخر كما اخبرني والدي عليه ان يقدم عذرا مكتوبا لمديره ويجب اقناعه ,,,
مرت الايام والسنين وبدأت الحرب مع الجاره ايران وفجأة سمع أهالي مدينتي ذالك اليوم صوتا غريبا يصدر من قطار سريع قبل الساعة الرابعة الجميع والذي في معصمه ساعة نظر لساعته وتسارعت الاسئلة بين الناس كم الوقت الان واحدهم اراد يلقم ساعته ويغذيها فناداه صديقه (يمعود اشجاي اتسوي هسة مو بالأربعة)وكأن قدسية الساعة الرابعة في تلك المدينة قد انتهك وبما ان المحطة قريبة وعلى مشارف المدينة خرجنا وكانت اقدامنا الصغيرة تركض وتطوي الطريق طيا لتعبر الجسر بأتجاه المحطة لنرى ماذا جرى للساعة الرابعة وماهذا الدخيل وصلنا المحطة فوجدنا قطار لم نألف شكله ممتلئ بالجنود وهم حاملين بنادقهم عدنا أدرجنا لنخبر الاباء والاجداد المنتظرين لمعرفة الامر اوالذين قضوا سنوات من عمرهم وهم يضبطون الوقت على ذالك القطار لنخبرهم ان هذا الدخيل ليس قطارنا وأن الساعة الرابعة لم تحن بعد وبدأت عقارب ساعة والدي تقترب من الرابعة بعد ساعتين من مرور ذالك القطار الغريب وكنت ارى والدي والجميع منتبه له وهو يحدق بساعته السوسرية السور وبين الفينة والفينة يرفع يده ويضع تلك الساعة عند اذنه ليتأكد من انها تعمل بشكل طبيعي أنها الساعة الرابعة ولم يمر ذالك القطار الحبيب على قلوبنا ...
مرت الساعة الرابعة وبدأت عقارب الساعة تلتهم الوقت حتى وصلت الى الرابعة والربع ولا صوت ,,,الرابعة والعشرون دقيقة..الخامسة والعشرون والجميع ينظر الى ساعته ويسأل بعضهم البعض هل انه سمع صوت القطار من بعيدالى ان ايقن الجميع ان قطارنا لم يأتي اليوم وهذا نذير شؤم ...عند الساعة الرابعة والخامسة وثلاثون دقيقة صدح ذالك الصوت الجميل ابتسمت الوجوه ونظر اصحاب تلك الساعات الى ساعاتهم ليبدأوا وقتا جديدا لذالك القطار
الرابعة وخمسة وثلاثون دقيقة وفي اليوم التالي صدح صوت القطار الدخيل وقبل الساعة الثانية وقطارنا صدح بصوته عند الساعة الرابعة وخمسة وثلاثون دقيقة وبدأت الساعات ترتبك فكل يوم موعد مختلف للقطارين ومنذ ذالك اليوم اصبح اهالي مدينتنا الطيبة لم ينظروا الى ساعاتهم السور الا عند السؤال او الذهاب الى الدوام وبدأ الوقت لدينا غير مهم ولا أحد يأبه به وينظر الى ساعته عند مرور قطار على سكته ومنذ ذالك مات قطار الساعة الرابعة وبدأت الحرب وبدأ شباب المدينة يذهبون الى الجبهات ويركبون قطار الحرب من المحطة ...
مات كل شيء قطار الساعة الرابعة والمحطة وبدأت الأمهات يذهبن الى المحطة لينتظرن أبناءهن وهم عائدون من جبهات القتال والبعض كان يعدن بخفي حنين لأن أبناءهن سيعودون ولكن ليس بالقطار وإنما على سطح السيارة ويلفهم علم العراق والبعض الذي لم يعود بقي هناك لم يأتي لا بقطار الساعة الرابعة ولا على سطح سيارة يلفها علم العراق...
هكذا مات الوقت في العراق منذ ذالك الحين وليومنا هذا قلت الساعات في معاصم ايدي الشباب ذهبت الساعات السور التي كان يضعها بعض الشباب الى جهة داخل المعصم وليس ظاهره ليبين للآخرين انه عاشق ,,
ارتبكت ساعة والدي وكنا نراها غير دقيقة بالوقت حتى اننا وللسخرية كنا نطلق عليها بأنها بدأت تأكل الحشيش وكثرت القطارات التي تمر في مدينتنا وهي تجعر بصوتها الغير جميل ولا أحد يهتم بها حتى انها عندما اختفت ولم تمر على سكتها وهجرت المحطات بعد ذهاب الطاغية الذي قتل الوقت وعشاق الوقت وقتل الساعات لم يهتم أحدا بذالك نادرا ما ارى أحدهم وفي معصمه ساعة لكن الغريب اليوم ان جميع العراقيين يملكون مؤشرات للوقت في جيوبهم فالعرقيين اليوم يمكلون أجهزة الموبايل التي فيها ساعة للوقت لكن الجميع لا يهتم ويحترم الوقت ولا يلتزم بالمواعيد حتى الوظيفية منها والدراسية كل يوم نشاهد التلاميذ ذاهبون الى المدارس وبعد بدأ الدوام عند الساعة الثانية عشر ضهرا او بعد الثامنة صباحا ...
رحم الله قطارات الساعة الرابعة الذي يتزوج فيها الشباب ,,,
رحم الله جدتي التي تريد مني الذهاب الى المدرسة قبل الموعد لأعود قبل الطلاب
رحم الله والدي الذي أهداني ساعته السور بعد ان مات القطار
رحم الله عشاق زمان عندما كانوا يقلبون ساعاتهم ليعلنوا انهم يعشقون
رحم الله عراقنا الذي نزع ساعته المتوقفة لحد اليوم عند الساعة الرابعة وتركها في محطة مدينتي عندما لبس لآمة الحرب وتنكب ببندقيته وذهب الى القتال بالقطار الاخير وترك ابناءه تقتلهم الساعات.
#حمزه_ألجناحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟