|
عن ماذا سكت ابو هريرة!!
مهدي النجار
الحوار المتمدن-العدد: 2271 - 2008 / 5 / 4 - 10:18
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لايشكُ احدٌ بأن اباهريرة (عبد الرحمن بن صخر بن دوس اليماني) الراوي المشهور ومن اكثر الناقلين لاحاديث النبي الكريم، يشكل مصدراً من اهم مصادر الفكر الاسلامي بشقيه التقليدي والمتشدد ومن اهم منابع تشكل الثقافة الاسلامية المعاصرة، فالشائع ان ابا هريرة روى 5374 حديثاً، وان هذه المعلومة تداولها المهتمون بشأن الحديث قديماً ومعاصرةً ومصدرها الاساس ابن الجوزي في كتابه: "تلقيح فهوم اهل الاثر" المطبوع في الهند. الا ان الدكتور مصطفى بو هندي في كتابه "اكثر ابو هريرة" الصادر في الدار البيضاء/2003 يذكر انه روى حوالي 8740 حديثاً من جملة 62169 حديثاً مُثبتة في الصحاح، وهو ما يساوي نسبته حوالي 14 بالمائة من مجموع الاحاديث. ان هذا العدد الهائل مما رواه ابو هريرة من احاديث جعله موضع شبهة واتهام فالشيخ الازهري الفقيه محمود ابو رية (1889 – 1970 ) في كتابه "اضواء على السنة النبوية" يذكر: " ان عمر بن الخطاب (رض) ضرب ابا هريرة بدرته لانه اكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ويذكر في موقع آخر نقلاً عن تاريخ ابن كثير بان الخليفة عمر هدد ابا هريرة بالنفي، فعن السائب بن يزيد اذ قال: "سمعت عمر بن الخطاب يقول لابي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله او لالحقتك بارض دوس او بارض القردة" وعن ابي هريرة نفسه قوله المشهور: "ما من اصحاب النبي (ص) احد اكثر حديثأً عنه مني الا ما كان من عبد الله بن عمر، فانه كان يكتب ولا اكتب" صحيح البخاري ج2 /كتاب التهدج. وفي حديث آخر يقول: " حفظت عن رسول الله (ص) وعاءين، فأما احدهما فبثثته واما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم" صحيح البخاري ج1 /كتاب العلم. ان ما يثير الدهشة في هذه الشخصية الفذة والمُقلقة هو استطاعتها خلال فترة زمنية قصيرة لمصاحبة الرسول (لم تزد على السنة وتسعة شهور) ان تبث هذه البضعة الآف من الاحاديث. على ضوء ذلك صار من الصعب اختراق منظومة الحديث التي اسسها ابو هريرة وتفكيك المواضيع المسكوت عنها بحجة ان ذلك يمس الثوابت الاسلامية ويُربك ذهنية عامة الناس التي ترسخت فيها تلك الاحاديث وما احيط من حولها من مهابة وقدسية دون النظر فيها او اخضاعها للتمحيص والتحليل. الا ان السيء في الامر يكمن بالرضوخ التام لكل شاردة وواردة (مهما كانت عقيمة وغير مجدية وانتهت صلاحيتها) في منظومة تلك الاحاديث وسحبها من تلك الازمنة العتيقة وزجها في الحياة الراهنة حتى لو كانت تتقاطع مع التصورات والمفاهيم الحديثة، وذلك باخضاع ما قيل في الازمنة الغابرة لآلية التاويل والترقيع حتى يصار الى حالة التلائم دون التقاطع او التصادم مع الحقائق والاكتشافات والمتطلبات المعاصرة وفق مبدأ ان كل ما قيل ورويَّ عن الاسلاف الصالحين هو صحيح لا يخضع للنقاش او المجادلة او المقايسة، بيد ان هذه الآلية تلغي التطور وتهدر عنصر الزمن في الحياة لان الأحوال تختلف باختلاف الظروف الاجتماعية من حيث ازمنتها وامكنتها وامكانياتها، فنحن غير مُلزمين حسب قناعاتنا المعاصرة بما قاله اشياخنا السالفين، فبالتكيد لهم همومهم ومشاكلهم ولنا همومنا ومشاكلنا، لهم ظروفهم واحتياجاتهم ولنا ظروفنا واحتياجاتنا، لهم ادواتهم المعرفية البدائية ولنا ادواتنا المعرفية المتطورة المذهلة. فمثلآ ما كان يُرصد في قبة السماء آنذاك هو عن طريق العين المجردة فحسب وكانت حدود الكون في تصور الانسان القديم هي بضعة الآف من النجوم لا غير كما كان تصور شكل الكون على هيئة لوحة سوداء محدبة مثبتة عليها تلك النجوم المتلألئة، اما الآن فيتم الرصد بواسطة المراصد (الميكرسكوبات) الحديثة الفائقة التطور وتَضاعفَ حجم الكون المرئي(المرصود ) بآلاف المرات كذلك اصبح عدد النجوم المرئية بالملايين. ان السئ في الامر هو ان نُخضع احاديث اسلافنا لمنظوراتنا وتصوراتنا الراهنة، فنفتري عليهم ظلماً تصورات لم يكن بامكانهم تصورها ومفاهيم لم يكن بمقدورهم بلورتها، لان ما قيل في السابق قيل وفق ظروف وواقع بعينه يختلف كلياً عن ظروف وواقع انسان اليوم. وحتى لا نذهب بعيدأً عن مقام ابي هريرة فينبغي رصد ذاكرته العجيبة التي يؤكد على صحتها وسلامتها من خلال حديث اسطوري يتعلق بكيفية عملها، فيقول: "قُلتُ يا رسول الله اني اسمُع مِنكَ حَديثاً كثيراً أنساهُ، قال أبسط رداءَك فبسطته فغرفَ بيديه ثم قالَ ضمهُ فما نسيتُ شيئاً بعده" صحيح البخاري ج1 ص40 . ان صمام الامان الذي يبتدعه ابو هريرة هو ذاك الحديث الاعجازي الذي ينسبه الى النبي الكريم ليمنع به اي شبهات او تكذيبات لما يقول او يروي. فاذا قال فينبغي ان يُصدق لان رسول الله غَرفَ بيديه ثم قال ضمهُ فضممتهُ. فكيف بعد ذلك يأتيني النسيان او السهو والخطأ؟!. بهكذا طريقة خلابة وممتعة، ولكنها تخرج عن نطاق العقلي السوي يغلق هذا الشيخ الابواب امام كل من تراوده الشكوك في مصداقية اقواله او يحاول الطعن في صحة احاديثه، وليتخذ بعد ذلك من خلال مهنة الحديث طريقه الى الترف الدنيوي - كما هي الحال عند ممتهني الدين ومُمتهنيه ومن نصب نفسه مدافعاً عن بيضة الاسلام - ولاندري عن ماذا سكت ابو هريرة ولم يكشف عما في وعاءه الثاني؟!بالتأكيد كان في جعبته من الامور الكبيرة والخطيرة جدأً تتعلق بالاسلام ومسيرته والا ما قال ان بثها يوصله الى حد قطع البلعوم، كان الاجدر به ان يقولها ويكشف عن المستور من التزويرات والافتراءات والانتهاكات حتى لو جازف بقطع بلعومه، ولكنه فضل الصمت وحبذ الانتقال من حالة الفقر المدقع الى حالة الغنى والترف حيث كان أبو هريرة من أشد الناس فقرا وينتمي إلى أهل الصفة, وكان أهل الصفة أضياف الإسلام لا أهل ولا مال, إذا أتت رسول الله صدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها شيئا, وإذا جاءته هدية أصاب منها وأشركهم فيها وكما يصف نفسه:" كنت أرعى غنم اهلي وكانت لي هرة صغيره فكنت أضعها بالليل في شجرة وإذا كان النهار ذهبت بها معي فكنوني ابو هريرة" . و ما رواه البخاري واحمد ومسلم عنه أنه قال : "إنني كنت إمرءا مسكينا أصاحب رسول الله على مليء بطني" وحين توفى النبى ولاه الخليفة عمر (عام 20 هـ/641 م) على البحرين بعد وفاة العلاء بن الحضرمى وسرعان ما عزله وولى مكانه عثمان بن أبى العاص الثقفى، أما السبب فى ذلك فكان عندما أجاب الخليفة عمر بأنه ( اي أبو هريرة) يملك عشرين ألفًا من بيت مال البحرين حصل عليها من التجارة (بقوله كنت أتجر( وكان رد الخليفة عمر: "عدوا لله والإسلام،عدوا لله ولكتابه، سرقت مال الله، حين استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ما رجعت بك أميمة (أمه) الا لرعاية الحمير" . ورغم اتهامه (حسبما ورد في تلك الحادثة مع الخليفة عمر) بالفساد المالي (كما في تعبيراتنا المعاصرة) الا انه انتقل الى صف الرجال الاثرياء وظل يناور بطرق ذكية للاحتفاظ بمكانته وليلتصق اكثر واكثر باحزمة المال والسلطة. حسناً فعل ذاك الشيخ الفطن،أذكر اشياخ العرب حين لم يفصح عن المسكوت عنه في تاريخ الآلام والاكراه وأخفى ما في وعاءه الثاني: " والله لواعلمتكم بما في صدري لرميتموني بالقشع" (القشع: الجلد اليابس) وتلاعب بالعقول والافئدة وضحك على كل اللحى واخترق هو وهرته الوديعة تاريخ الاسلام من اوسع ابوابه، فلو نطق بما يعرف لتمت تصفيته جسداً وتاريخاً واصبح نسياً منسياً، وصار من المستبعد (او المحال) ان نتحدث اليوم عن رجل كان اسمه: "ابو هريرة" !!
#مهدي_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من له عينان فليقرأ: أبوال الإبل!!
-
هل أتاك حديث الذبابة!!
-
مظاهر الاستبداد في الحكم الاسلامي
-
اهتزاز القيم الاخلاقية في العالم الاسلامي
-
نريد السماح لنا باحضار جواري!!
-
الرسوم المسيئة للرسول
-
هكذا تكلم الشيخ علي عبد الرازق
-
السلطة السياسية واحترام المثقف
-
مدخل لقراءة معرفية في القرآن
-
مأزق العالم الاسلامي
-
بؤس نقد الوعي: مجلة الاداب نموذجا
-
مدخل لفهم التنوير
-
بدوي اول الفلاسفة المعاصرين
-
الحالمون والازمنة الفاسدة
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق
-
النفري افكار مشوشة وتاريخ غامض
-
معنى الانسان في تصورات ابن عربي
-
الذكرى المئوية الثامنة لميلاد العارف جلال الدين الرومي
-
ايها المتشددون اصنعوا ثمة شئ للعالم
-
السهروردي قتيل الاشراق
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|