• حاوره: عدنان حسين أحمد/ أمستردام
• القاص فهد الأسدي لـ ( البيان )
• المبدع عود بخور لا يعطي ضوعه من دون احتراق
كرّس القاص فهد الأسدي جزءاً مهماً من حياته لكتابة القصة القصيرة منذ أوائل الستينات وحتى يومنا هذا. وقد كان صبوراً حينما قرر أن يحفر بئره الإبداعية بإبرة الهدوء والتأني، فهو لم يكترث ذات يوم بالكم، وإنما كان جلّ اهتمامه ينصّب على النوع الذي يتوفر على قدر كبير من الإبداع لا تخطئه العين النقدية الفاحصة. فخلال أربعة عقود لم ينشر القاص فهد الأسدي سوى ثلاث مجاميع قصصية، ورواية مخطوطة تنتظر النشر، ومشروع رواية ثانية لم ينتهِ منها بعد. ومع ذلك فقد كان من الأسماء الأدبية البارزة في المشهد الثقافي العراقي. وقد حظيت مجاميعه القصصية باهتمام النقاد والدارسين، إذ كتب عن تجربته القصصية أبرز النقاد العراقيين أمثال ياسين النصير وفاضل ثامر وباسم عبد الحميد حمودي، كما ترجم له العديد من المستشرقين نماذج من قصصه القصيرة إلى لغات كثيرة من بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والمجرية والكرواتية. وقد أثارت قصصه اهتمام عدد من المخرجين المسرحيين والسينمائيين الأمر الذي دفعهم إلى تحويل قصصه إلى مسرحيات وأفلام مهمة، مثل مسرحية ( مطر يمّه ) وفيلم ( الشبيه ). وللتعرف على تجربته الإبداعية إلتقته ( البيان ) وكان لنا معه هذا الحوار:
• بالرغم من ندرة نتاجك القصصي إلاّ أنك حفرت اسمك في ذاكرة القصة العراقية، وما يزال اسمك مهيمناً على المشهد الثقافي العراقي. كيف يفسر القاص فهد الأسدي ندرته الإنتاجية وذيوع شهرته في الوقت ذاته؟
- ندرة النشر لا تعني ندرة الإنتاج، فحين تتوافر شروط الكتابة الإبداعية من تجربة عميقة، ومناخ صحي لن يبقى لأي كاتب عذر للإنعتاق من قهر الصمت وإعلان الحرب كتابة على سلطة القهر. حرصت منذ بدايتي في الستين على الكيف دون الكم، ورفضت سلوكية بعض من كتّاب اتخذوا من سياسة ( الإغراق ) وسيلة لطرح أسمائهم في ( سوق ) الأدب سعياً للشهرة، فكانت تلك الأسماء كشهب لمعت في سماء المشهد الثقافي فترة قصيرة ثم انطفأت. لقد آمنت بالحكمة العظيمة ( أما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) واستفادة من معلمين عظام كأزوبري وكافكا وفوكنر ومالك بن الريب وابن زريق البغدادي مثلاً وجدت أن ( الصمت ) أحياناً يعني الكتابة في المشهد الثقافي حين يكون الكابوس هو الواقع. جاهدت كي تتخطى قصة اليوم عندي قصة الأمس. لا أمسك القلم إلاّ حين أكون خارج دائرة التجربة والاحتراق. وأؤمن أن المبدع عود بخور لا يعطي ضوعه من دون احتراق. والكاتب الذي يكتب خارج عصره ومعاناة شعبه يخون شرف الكتابة، ولن يجد من يقرأ له ويحترم نتاجه. تبقى إلى جانب هذه الشروط الموضوعية أسباب ذاتية منها شرطي الحياة القاسي. لقد قيدت نفسي ضمن التزامات عائلية ومهنية في خضم ظروف معروفة للجميع. لقد صرت مثل ذلك الطائر الأسطوري الذي نمّى جسمه على حساب جناحيه فلم يعد قادراً على التحليق بعيداً في أجواز السماء، ومع هذا فأن أي مقدار من الأسى لن يهزم قدرتي على الأمل بالانعتاق إلى سماء الإبداع.
• تحتفي ( طيور السماء ) بالبؤرة المكانية الجنوبية. ما الذي تحاول القبض عليه من خلال تفاصيل هذا المكان، وإحالة القارئ إلى الأمكنة العائمة فوق مياه الأهوار تحديداً؟
- إن هناك قدراً جغرافياً يمارس سلطته على الكاتب إضافة لقدره التاريخي. سبق وأن أعلنت أنني جزء من عجينة الواقع التي أُقتطعت منها، وأنه لا يمكن أن أفصل ذاتي عن طينتها، إلاّ أنني ودون خيانة لهذا الانتماء، وكي أخرج من الخاص إلى العام من دون تنكر له، تخطيت هذا المكان بأن صيرته رمزاً، فلست من أنصار ( الطبيعية ) في الكتابة. ولا أريد أن أؤسر كتاباتي ضمن تفاصيلها و ( منمنماتها ) الدقيقة. لقد جهدت أن أجعل من تلك البؤرة المكانية الجنوبية قاعدة للوصول إلى العام من خلال توحيد العالم مع تجربتي مؤمناً أن لا شيء يوحد الإنسان سوى الألم والأمل، الأمل بأن الجراحات التي تنزفها بيئتي تظل نسغاً لشجرة الأمل. لدي إحساس عميق آمل ألاّ أكون مبالغاً فيه بأن صخرة معاناة ( أناسي ) هي أثقل من صخرة سيزيف، وأن جراحهم أعمق – ولا أقول أشرف – من جراح الحسين، وأن صلب أمانيهم هو أقسى من صلب الحلاج، وأن صبرهم هو أطول من صبر أيوب! تيارات مياه تلك الأهوار القديمة حفرت في ذاتي أخاديد، ومن خلال تلك البيئة التي جمد الزمان فيها منذ أنكيدو، ولد احتجاجي على هذا الجمود!
• تعتمد في أغلب نهايات قصصك على الضربة أو عنصر المفارقة لمفاجأة القارئ وبث الدهشة بين جوانحه. ما السر في اعتمادك على هذا المنحى الأسلوبي في الكتابة؟
- قد يبدو ذلك للقارئ، إلاّ أنني لا أستهدف هذا الأسلوب منهجاً في الكتابة. حين تختمر ثيمة القصة في ذاتي تجرني إلى طرحها على الورق بأيما أسلوب، فأنا لا أخطط لعملي في أثناء الكتابة، بل أترك القصة في بعض الأعمال طويلاً ثم أعود إليها معدّلاً أو مُضيفاً. وقد تجرني تجربة ما على طرح قصتي خلال ساعات. لا أعني العفوية و الانقياد لمخزون اللاوعي كلية فيما أريد تحقيقه من فعلي الكتابي. أقرّ بكوني أحمل شيئاً من ذلك ( الخبث الملائكي ) الذي يكفيني لتغليف موضوعي، وأحتاج إلى ذلك القارئ الذي يكسر ( جمجمتي ) ليرى ما وراء قشرتها، لا أقصد إدهاشه أو مباغتته عند النهاية، بل أسعى لمشاركته شقائي في الخلق وأوجاعي عند الوضع، وربما فرحي بالآتي.
• تحفل مجاميعك الثلاث بشخوص إشكالويين، وتبتعد كثيراً عن الشخصيات المسطحة. هلاّ حدثنا عن الأسباب التي تشدّك إلى الكتابة عن الشخصيات المدورة والمستغلقة بعض الشيء؟
- لا أنكر أن بعضاً من شخصيات قصصي يحملون هذه السمات، وستجد ذلك حتماً حين يتحول الواقع لديّ إلى كابوس، وحين يعزّ شرط ( الحرية ) أو تقف جملة كوابح وقيود فتتحول الشخصية القصصية إلى رمزٍ مستعصٍ على الفهم المباشر. أعتقد أيها الصديق أنك تلمّح إلى قصص مثل ( وجه الكلب ) و ( قيامة الرجل الذي دُفن في الثلاجة ) وغيرها، وأنا أهرب من لعنة الغموض وأؤمن بالرأي القائل إن وراء الغموض قد يختفي الكاتب العظيم أحياناً، ولكنه في أغلب الأحيان يخفي الكاتب التافه، وقد وطنّت نفسي في أغلب أعمالي على الإيمان بأن أغلب الأعمال العظيمة بسيطة أسلوباً وعميقة غوراً ابتداءً بالإنجيل وانتهاءً بأي إبداع سهل ممتنع، ولكن حين يعّز شرط الكتابة بوضوح تام ليس أمام الكاتب سوى اتجاهين، إما الصمت السلبي أو استعارة ذلك الاستغلاق لحين، ومع ذلك ( فالضبّ تفضحه عيونه ). تجهد أية قصة ناجحة لأن تكون مقروءة من الكل، ولكل واحد تفسير رمزها على قدر إدراكه وفلسفته في الحياة.
• لماذا لم يكتب القاص فهد الأسدي نصاً روائياً حتى الآن بالرغم من قدرته الكبيرة على الرصد والالتقاط والتصوير. وهل استطاعت القصة وحدها أن تستوعب قلقك الوجودي الكبير؟
- لا، بل كتبت، ومازلت في سبيل انجاز عمل روائي. لقد كتبت رواية ( الصليب حلب بن غريبة ) وهي من المعين نفسه الذي استقيت منه قصة ( طيور السماء ) وحاولت فيها أن أفضح العلاقات البطرياركية التي ظلت سائدة في مجتمعنا رغم الثورة، وقد جرت عدة محاولات لإعداد هذه الرواية للسينما رغم كونها مازالت مخطوطة آخرها مفاتحة الفنان الشاب قحطان عبد الجليل واستعارته نسخة من النص ليبدأ محاولة جديدة سبقه إليها الصديق الدكتور عباس الشلاه دون نجاح في المسعى، وأعدّت منها العائلة الفنية الصديقة ( عزيز خيون وعواطف نعيم ) نصاً مسرحياً بعنوان ( مطر يمه ) شارك في مهرجان المسرح العربي ببغداد عام 1990 بنجاح، وظل هذا العمل منحوساً فقد واجهته عدة معوقات رغم أنه حظي بإعجاب النقاد والقراّء، وقد أُجهز على نشره لأسباب فكرية ومتّكل ذلك في نفسي خيبة أمل كبيرة، إلاّ أنني امتحنت صبري من جديد في مشروع رواية جديدة لم ينجز بسبب تسارع الأحداث المصيرية الكبرى وضغط هذا الزمن ( النذل ) اليومي. إن ذلك يحيلنا أحياناً إلى اقتناص اللمحة الشعورية القصيرة بين ركامات الحاضر. القصة القصيرة كلمحة شعورية لا يمكن لها استيعاب قلق الإنسان الوجودي بكامله رغم قدرة الإرهاص عنه فيها، والرواية عمل بحاجة إلى المراجعة والتأني وإمساك الزمن ولو لفترة، وأكبر معوّق لها تسارع الأحداث والانشغال بقلق غير منتج، والاسترخاء على وسادة الدفء العائلي المدمِّر فهذه قد تعيق إنجاز المشروع الروائي. ومع كون فن القصة القصيرة أصعب تناولاً من الرواية في بعض المواضع لاعتماده على التركيز المكثف والرمز العميق إلاّ أنها لا يمكن لها أن تغطي مساحات الصراع الإنساني كافة. ومن هنا تظل الرواية هاجسي الأول. لقد أعلنت يوماً أنني لم يتهيأ لي أن أكتب قصتي الحقيقية بعد. أنا غير راضٍ عن نفسي في هذا المجال.
• لم نلمس أي أثر للكتّاب العالميين في نتاجك القصصي، هل يعني هذا أن مرجعيتك عربية فقط، أم أنك تحاول أن تؤكد ذاتك من دون الاتكاء على الآخرين؟
- لا أدعي أنني لست تلميذاً لكل إبداع عالمياً أو عربياً، لقد قرأت للكثير منهم، وتتلمذت على مدارس الفن الكبرى. لا أقرّ ان لي مرجعية في القصة لأن كتاباتي لا تؤمن بالتقليد، وبعيداً عن الكوزموبوليتية، واعترافاً بأن فن القصة جديد عليناً أقول إنني لم أتعلّم هذا الفن على يد كتاب عرب رغم احترامي لأسماء كبيرة في هذا الفن. لست انتقائياً، ولست تابعاً، والكتابة لديّ تنبثق من تجربتي ذاتها فأضوائي تصدر عن هذه المجرة، إذ ما جدوى أن أنسج بنول الآخرين؟ أطمح أن يكون لي صوتي الخاص. لقد قرأت للكثير من المبدعين وإن وفقت لتحقيق صوتي الخاص أو الحصول على رؤية أبعد منهم ( ضمن إدعاء الغرور ) فذلك لأنني ظللت أقف على أكتاف من سبقوني في هذا الفن، وحمداً لأنك لم تلمس أي أثر لهم في نتاجي، فتلك شهادة لثبات مبدئي في الكتابة بألا أكون صورة مستنسخة عن الآخرين. فالاستنساخ في الفن كارثة حتى لو شابه نشيد الإنشاد!
• إذا كان جيل الخمسينات قد وضع اللبنات الأساسية للقصة القصيرة في العراق، فإن جيل الستينات هو الذي شيّد صرح القصة العراقية وارتقى بها إلى فضاءات جديدة. كيف يقيّم القاص فهد الأسدي جهود أقرانه ومجايليه في صياغة المشهد القصصي آنذاك؟
- كما هي الحالة في أي تجربة إنسانية فناً أو علماً يطمح الجيل الجديد إلى رؤية أبعد من سابقه كونه يقف على كتفيه. لقد طرح الخمسينيون قصة عنت بالمضمون على حساب الشكل، فقد كان الهم الاجتماعي والسياسي يحتل الصدارة انسجاماً مع طروحات ما قبل الثورة. وبعد قيامها ظل البعض منهم يراوح حبيس هذا الانتماء ولم يتجاوزه إلى فضاءات جديدة، لا، بل أن الكثير هجروا الساحة وكأنهم وجدوا لا جدوى الكتابة في ظل الظرف الجديد، وهذا الانكفاء أخلى الجو لجيل جديد ركب سفائن التجريبية، وغامر في بحار المجهول. كانت عرى الانتماء قد تفككت لدى الكثير من كتاب هذا الجيل بسبب خيبات كثيرة، وبسبب التأثر بمدارس ذاتية في الفن. طمح هذا الجيل أن يبحر في مياه جديدة، وهو طموح مشروع لولا أن تياراً منه قطع جذوره عن تجربة شعبه، وتاه في ضباب ( الشكلية ) وعوالم الفنتازيا وأعلن ( عقوقه ) بأنه جيل بلا أساتذة! إلا انه ومن خلال المنجز القصصي أفرزت ( التجريبية ) تيارين: تيار ظل متمسكاً بنبذ الشكلية لذاتها والغموض مرتقياً بفنه إلى فضاءات جديدة تعبّر عن هموم إنسانية وانتماء حقيقي، ووجدت على يديه القصة الستينية العافية فأكدت أسماء فيه وجودها، وما فتئت تضئ وإن اختلفت مدارس وأساليب. وتيار آخر ظل مفضلاً الإغراق بمنهاجه الشعري المنفلت عن أصول فن القصة مُلغياً الحدث والشخصية والموضوع فاختفى عن سماء القصة العراقية، إذ انطفأ البعض منهم انطفاء شهب لمعت للحظات، وتهيأ للفريق الثاني منه استيعاب الواقع الجديد استيعاباً جيداً فلحق بالتيار الأول كي تترسخ قيم جديدة لهذا الفن شكلّت ما يُطلق عليه بصرح القصة العراقية الذي اعتمدته أجيال جديدة كقاعدة للإضافة والتطوير. عن هذا الرأي لا يعني مصادرة النقد المطروح بأن للقصة العراقية أمراضاً عليها الشفاء منها كي تنطلق إلى سماوات عالمية أكثر إشراقاً وشهرة.
• لقد تُرجمت قصصك إلى الفرنسية والإنجليزية. ما تأثير هذه القصص المترجمة على الوسط الثقافي الأوربي؟
- تُرجم بعض من نتاجي القصصي لا للفرنسية والإنجليزية حسب، بل لعدة لغات أوربية منها الألمانية والروسية والمجرية والكرواتية ( اليوغسلافية )، ولم ألمس ردود الفعل على ذلك لانقطاع الصلات، وخاصة مؤخراً عن الأدبيات الدورية والمترجمة، وما أسمعه ليس سوى أخبار متناثرة تجئ لي بين حين وآخر. لقد قرأت مرة رأياً إيجابياً للمستشرقة الألمانية د. فيبكة فالتر ( من جامعة هالة ) في قصتي ( صلوات الانتظار ) التي ترجمتها ضمن مشروع كتابها عن القصة العراقية، وفرحت برأي الدكتور المستشرق اليوغسلافي رادوفيتش لدى ترجمته بعض قصصي للغة الكرواتية لدى لقائي به في مهرجانات المربد الأولى. كما أن الصديق شاكر نوري كان فخوراً بي ،والعهدة عليه، حين أخبرني بأن قصتي ( الشبيه ) لدى ترجمته لها إلى الفرنسية عن مجلة ( الآداب ) قد أحدثت أثراً جميلاً لدى مخرج سينمائي أمريكي إلتقاه في أحد مهرجانات ( كان ) ووصفها بكونها لها ثيمة عالمية، وطلب منه الاتصال بي حول مشروع إخراجها سينمياً، وفعلاً فقد أُعد سيناريو فيلم عن القصة لا أعرف مصيره الآن! كما أن الصديقة الإذاعية المغتربة والوجه التلفيزيوني المعروف ( اعتقال الطائي ) قد شاركت بترجمة قصتي ( قيامة الرجل الذي دفن في الثلاجة ) في مجلة ( ناغي فيلاج ) إلى الهنغارية، وقد صرّحت بأنها كانت سعيدة بترجمة هذه القصة للأثر الإيجابي الذي تركته. أما مدى تأثير تلك القصص المترجمة في الوسط الثقافي الأوربي فلا يتوافر ما يؤكد ذلك أو ينفيه. وقد طرق سمعي عن طريق أخبار من الصديق الفنان د. عبد الكريم عبد الحسين أن ندوة للقصة العالمية والعربية عُقدت في لندن عام1998 قد كرست حيّزاً لدراسة نتاجي القصصي ضمن أماسيها.
• منذ الستينات وحتى الآن وأنت تكتب القصة القصيرة، ما حجم التغيرات التي طرأت على أشكال ( القص ) ومضامينه، وكيف تتوقع أن يكون شكل القص خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؟
- منذ صيحة التجريب المدوية في فضاء القصة العراقية بداية الستينات وفن القص يتجه إلى ارتياد عوالم جديدة أو المغامرة وسط أساليب متعددة بمضامين منتمية وأخرى منفلتة عن أي انتماء. لقد أعلن هذا الجيل ابتداءً أنه جيل بلا أساتذة، وهيمن هذا ( الغرور ) لديه فترة أبحر خلالها العديد من مرتاديه في بحار المغامرة في الشكل ضمن مضامين ( هلامية ) و بلا لون أو هدف انقياداً مع تيارات قُدِّر لتجاربها أن تُترجم متأخرة فتحدث ما يسمى ( الموضة ) ونتيجة لضباب الوعي وعدم استيعاب الواقع في حينها زُيّن للبعض لأن يرتدي أو يتقمص هذه الموضات فشهد ( سوق الغرور ) حينها كرنفالاً من أعمال أُطلق عليها قصصاً مجازاً، وحين استقرت لعبة اللهاث وراء الأصلبة والشكلية وتبلور مفهوم تقدمي للحداثة بفضل مراجعة الذات القاسية، ووضوح الرؤية، وطرح دراسات نقدية جادة تخلصت القصة العراقية الحديثة من الكثير من ( أمراض النفاس ) وأسفرت وجهها عن أعمال عبرّت عن مضامين إنسانية ضمن أساليب متقدمة أوجدت للقصة حيّزاً في ساحة القص العربي والعالمي، فكان ذلك في رأيي المتواضع إضافة إلى تاريخ القصة عندنا على حداثته، وكانت عودة حميدة للوعي بمهمة الأدب. إن تحديد شكل معين لقصة الغد لا يمكن التكهن به ما لم يتوافر الدارس على جملة معطيات، فالفكر نتاج الواقع، وحين ستتهيأ لنا رؤية واضحة عنه لابد حينذاك من بلورة وعي أو إرهاص عما ستكون عليه قصة المستقبل. لست عرافاً ونحن في عصر العلم كي أرسم شكلاً للقصة في عالمٍ هلاميٍّ متغير، ونبوءتي الوحيدة أنه يظل كذلك، لا يمكن أن ترى تخوماً أبداً. ينتهي درس الإبداع لدي بحقيقة وهي ما أن نمسك إبداعاً حتى يظهر لنا إبداع. من أنا لكي أحكم على هذا الجنس ( الإلهي ) الذي ولد قبل آلاف السنين، حفر وزرع وغنى وأنتج وصارع. فلن تنتهي قصة الأمس كونها ما زالت مستمرة في الغد، ولكل عصر أغنيته، وهذا مذهبي.
• ثمة تراسل محموم بين الأجناس الإبداعية. هل تعتقد أن القصة القصيرة ستتحول إلى نص مهجّن إن هي استقت بعض مصادر قوتها من الفنون الأخرى، وهل تعتقد أن هناك أشكالاً أو أجناساً أدبية في طريقها إلى الظهور خلال الألفية الثالثة؟
- القصة وهي تعيش هذا التماس بينها وبين الأجناس الأدبية لا تهرب من قدر التأثر والتأثير، ليس في ذلك جديد، فقد ( سطا ) أمرؤ القيس على القصة حين سطا على ( عنيزته ) ومازالت الأجناس الإبداعية كتعبير عن التجارب الإنسانية تتراسل وتتناص وتتداخل، إلا إنني لست مع القول إن القصة القصيرة ستتحول إلى نص مهجّن حين تستقي مصادرها من الشعر أو المسرح أو فنون السينما. للقصة ملامحها الواضحة وإن حاول البعض خلط الأوراق، وكذا للشعر والمسرح والموسيقى وكل إبداع. إن لي الثقة، لا الاعتقاد الجازم فقط، أن التراكم المعرفي والإبداعي لابدّ أن يبدع أشكالاً وأجناساً بداعية جديدة، فمنذ الملاحم وحتى. . وليس انتهاءً بالسينما والقافلة تسير تولد أجناس وتموت أجناس، وكأن الفنون هي أوراق في شجرة الإبداع السرمدية. وحتى لو آمنا بأن هناك سدرة منتهى فلست متيقناً بعد أن للإنسان نهاية، لذا أثق بأنه ليس لأجناس الإبداع نهاية.
• القاص في سطور
• من مواليد قضاء الجبايش/ محافظة ذي قار/ العراق عام 1939.
• خريج كلية القانون لعام1974 –1975 .
• عمل سنوات عديدة في التدريس، ثم امتهن المحاماة بعد تقاعده منه.
• بدأ النشر عام 1960 في مجلة ( المثقف ) البغدادية، ونشر العديد من نتاجه القصصي في الصحف والمحلات العراقية والعربية وخاصة ( الأقلام ) و ) الآداب ) اللبنانية وغيرهما.
• أصدر ثلاث مجموعات قصصية وهي: ( عدن مُضاع ) عن دار الكلمة عام1969،و ( طيور السماء ) عام 1976 و ( معمرة علي ) عام1994 عن دار الشؤون الثقافية في بغداد.
• له رواية مخطوطة بعنوان ( الصليب – حلب بن غريبة ) مُعدّة للنشر.
• له مسرحيتان مُعدتان للنشر بعنوان ( صلوات الانتظار ) و ( ما في الهميان عن دنيا العميان )، وقد أعدّت الفنانة عواطف نعيم مسرحية بعنوان ( مطر يمّه ) عن أحد أعماله.
• يعكف منذ سنتين على كتابة رواية جديدة.
• أُعد عن قصصه سيناريوهان أحدهما ( حلب بن غريبة ) والثاني ( الشبيه ).
• تُرجمت أعماله القصصية للغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والمجرية والكرواتية.