|
الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 1 )
كريم الهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 2269 - 2008 / 5 / 2 - 03:10
المحور:
المجتمع المدني
في محاولة لقراءة الحياة البرلمانية في الوطن العربي ، أخذنا نتساءل : يا ترى كم واحد من أعضاء مجلس الأمة قرأ دستور بلاده ! وإذا قام بقراءته هل فهم أو استوعب روح المواد الدستورية ؟ هل توصل إلى أن الديمقراطية في مجملها النهائي تعني العدالة والإنسانية واحترام الجميع واحترام معتقداتهم والدفاع عن حقوقهم ؟ وأن العدالة تعني المحبة ، محبة الجميع وليس فقط محبة من يمتلكون حق التصويت وإيصاله إلى كرسي البرلمان ؟ وهل يعرف هذا المرشح بأن هذه الشرائع هي بنية علم السياسة الأساسية ؟ هل سمع ذات يوم بمونتسكيو مؤسس علم السياسة ؟ هل سمع بأفلاطون الذي أكد أن السياسة هي موضوع علم ما ، والبرهان على ذلك هو أن هذا العلم يزودنا بمعرفة الجمهورية ورجل السياسة والقوانين ؟ وهل يعلم بأن أشد الميتافيزيقيين ، مثل ليبنتز ، يقصي علم السياسة أو التاريخ عن الله ، هذين العلمين اللذين يبدوان كترابط لأعراض المصادفة ولأوامر الحرية الإنسانية . لكننا لانضع أبداً بين يديّ الله سوى الأخطاء التي ارتكبها الإنسان . وقد كان ليبنتز يعزو لله كلياً الفكرة الإنسانية عن علوم الإنسان . إما بالنسبة للوضعيين والأخلاقيين وفلاسفة الحق ورجال السياسة ، وسبينوزا نفسه ، فلم يشكّوا لحظة واحدة بإمكانية معالجة العلاقات الإنسانية كعلاقات فيزيقية . فلم يرى " هوبز " سوى فارق واحد بين الرياضيات والعلوم الإجتماعية : الأولى توحّد البشر والثانية تفرقهم . وذلك لسبب وحيد وهو أن حقيقة البشر ومصلحتهم لاتدخلان في تعارض في مبحث الرياضيات ، أمّا في الثانية ففي كل مرة يتناقض فيها العقل مع الإنسان ، فإن الإنسان يتناقض مع العقل . إن سبينوزا يريد ، هو أيضاً ، معالجة العلاقات الإنسانية تماماً كما نتصرف مع أشياء الطبيعة وبنفس الطرق . وأن هلفيسيوس يقول عن مونتسكيو بأنه يمتلك " عقلية " مونتاني . أنه يتمتع بنفس الفضول ويضع لنفسه نفس المادة للتأمل . كان التاريخ بأسره ، تاريخ كل البشر الذين عاشوا يشكل موضوع تأمله ، مثل مونتاني وأتباعه جميعاً الذين كانوا يجمعون الأمثلة والوقائع التي كانوا يبحثون عنها في كل الأمكنة وكل الأزمنة . ولم يخطر على باله هذه الفكرة بالصدفة . يقول مونتسكيو عن روح الشرائع : " ان هذا العمل يتخذ الشرائع موضوعاَ له وكذلك العادات والتقاليد المختلفة لجميع شعوب الأرض . يمكن القول ان هذا الموضوع واسع جداً لأنه يشمل كل الدساتير التي تقبّلها الناس " – دفاع عن روح الشرائع ، الجزء الثاني – ويقول لوي ألتوسير في " مونتسكيو – السياسة والتاريخ " بأن هذا الهدف بالضبط هو الذي يميّزه عن جميع المؤلفين الذين حاولوا قبله جعل السياسة علماً إذ لم يسبق أن تجرّأ أحد قبله على التفكير في عادات كل الشعوب وشرائعهم . إن تاريخ " بوسّويه " يدّعي الشمولية : لكن شموليته تكمن في القول بأن " التوراة " قالت كل شيء وان التاريخ كله يتعلق بها ، كشجرة البلّوط بثمرتها . وهناك " بوسّويهات " آخرون موجودون في كل الأديان أشد تطرفاً من " بوسّيهنا " هذا الذي ذكرناه حيث قدسوا أسماء جديدة وصنعوا أصنام تمت اضافتها للأصنام القديمة وليس هنا مجال لذكر كل ذلك . نعود لموضوعنا ونقول لقد اتهم مونتسكيو بالإلحاد وبمذهب التأليه : " مذهب يقّر بوجود الله وينكر الوحي والآخرة " ، وبأنه ألغى فكرة الخطيئة الأصلية وبّرر تعدّد الزوجات ..الخ ، وباختصار ، بأنه أحال الشرائع الى أسباب إنسانية بحتة . يجيب مونتسكيو : " إن إدخال اللاهوت في التاريخ هو خلط للأنظمة ببعضها والغاء للفوارق بين العلوم وهذا ما يشكّل الوسيلة الأضمن لإبقائها في مرحلة الطفولة . " كلا ، إن حديثه لايهدف للعب دور اللاهوتي فهو ليس بلاهوتي ، بل مشّرع وسياسي . إنه يقر بامكانية ان يكون لموضوعات العلم السياسي " أيضاً " معنى دينياً وبامكانية اعطاء رأي في قضية العزوبة وتعدّد الزوجات وإفراط اللاهوتي . لكن هذه الوقائع كلها تعود أيضاً ، وقبل كل شيء ، لنظام غريب عن اللاهوت ، لنظام مستقل ذاتياً له مبادئه الخاصة . اذن ، لنتركه بسلام . بما ان لكل نظام قوانينه ، فهو لايدّعي سوى قوانينه الخاصة . انه يردّ على اللاهوتيين والأخلاقيين بأنه لايوّد سوى الحديث " إنسانياً " عن نظام الأشياء الانساني وسياسياً عن النظام السياسي . انه يدافع هاهنا عن قناعته الأكثر عمقاً : إن علمّا عن السياسة لايمكنه الإستناد إلاّ على مادته الخاصة وعلى الاستقلال الذاتي الجذري للسياسي بما هو عليه . إن فوغان يوضح في كتابه " تاريخ الفلسفة السياسية " حول النظرية السياسية أن جميع المنظّرين السياسيين للقرنين السابع عشر والثامن عشر هم " باستثناء فيكو ومونتسكيو " منظّرو " العقد الاجتماعي " . ماذا يعني هذا الاستثاء ؟ كي نقرّر ذلك من الملائم إلقاء نظرة سريعة على نظرية الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي . وهذا ما سنذكره في المقال القادم ... ولكم محبتي البهية .
#كريم_الهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟
-
الحداثة والبحث عن نظرية نقدية
-
الصبي الذي حطّم أصنام أبيه
-
البذور الجديدة
-
أصنام الكتابات
-
ريثما تطن نحلة أخرى في الدماغ
-
فلسفة الفرح
-
من يمنحنا أجنحة للطيران؟
-
أوغست كومت بعد قرن ونصف من رحيله
-
بهجة الاحتضار ومراوغات الجثة
-
الإرادة : حينما لا أجد شيء يقلقني فهذا بحد ذاته يقلقني
-
خطوة في التوجس . خطوة في اليقين
المزيد.....
-
وزير الخارجية الايراني عراقجي لامين عام الامم المتحدة غوتيري
...
-
وزير الخارجية الايراني عراقجي لامين عام الامم المتحدة غوتيري
...
-
لبنانيون ولاجئون هجّرتهم الغارت الإسرائيلية يروون معاناتهم و
...
-
لافروف يلتقي نظيره الجزائري على هامش الدورة 79 للجمعية العام
...
-
أردوغان يندد بالهجمات الإسرائيلية على لبنان ويطالب الأمم الم
...
-
السعودية تنفذ حكم الإعدام في مواطنين مصريين
-
لبنان.. لجنة الطوارئ تعلن تسيير قوافل مساعدات إلى مراكز إيوا
...
-
الأمم المتحدة تخصص 10 ملايين دولار لتقديم مساعدات إنسانية طا
...
-
مهزوم العصر يدعي النصر
-
إيران تندد بتصريحات نتنياهو بالأمم المتحدة: تهديدات فاضغعة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|