|
الشخصية المصرية المعاصرة
عصام عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 2267 - 2008 / 4 / 30 - 11:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
في إحدي لمحاته الذكية ، يشير المفكر والعالم الدكتور محمود عودة في كتابه العلامة : " التكيف والمقاومة .. الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية " ، إلي دراستين ميدانيتين مهمتين ، تلقيان الضوء بقوة علي ما يحدث اليوم ، رغم صدورهما في التسعينيات من القرن الماضي . الأولي صدرت عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، كتب تقريرها النهائي د. أحمد زايد ، بعنوان : " المصري المعاصر ، مقاربة نظرية ، وإمبيريقية لبعض أبعاد الشخصية القومية المصرية " . والدراسة الثانية نشرها زايد أيضا تحت عنوان " خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري " . وهما إضافة إلي المزايا النظرية والمنهجية تنطويان – حسب المؤلف – علي مادة علمية هامة جمعت وحللت بطريقة منهجية منظمة ، ومن ثم تتسم بالابتعاد عن الأحكام العامة ، والاستنتاجات الانطباعية ، التي وسمت معظم دراسات الشخصية المصرية ، والطابع القومي ، إضافة إلي حداثة هذه المادة العلمية ، مما يتيح للباحث والمحلل وصانع القرار فرصة مناقشة قضية الاستمرار والانقطاع في الشخصية المصرية ، وتناقضاتها وتمفصلاتها. تبنت الدراسة الأولي مفهوم الشخصية المنوالية الذي صاغه " رالف لنتون " في محاولة للكشف عن الجوانب الكمية للظاهرة ، ومن ثم استندت إلي استبيان جري بناؤه ، من خلال المقابلات المتعمقة والمناقشات المفتوحة التي تستهدف تجميع الخصائص والسمات الأكثر تكرارا مثل : الشك ، الثقة ، التدين ، العلاقة بالسياسة ، والتوكل والتواكل ، الصبر ، الفكاهة والمرح ، التفكير الخرافي . وطبق الاستبيان علي عينة روعي أن تتوافر لها شروط التمثيل الكامل للجمهورية وسكانها بمستوياتهم التعليمية المختلفة ، وفئات السن والنوع ومكان الإقامة وغير ذلك ، وبلغ الحجم النهائي للعينة 1340 حالة . ومن أهم النتائج التي انتهي إليها البحث ، أن المصري في كل أرجاء مصر من شمالها إلي جنوبها ، ربما يميل إلي التفاعل مع الأشخاص الأقرب منه نفسيا ، ومعيار التفاعل مع الآخرين هو الدين والأخلاق بوصفهما الأهم في تنشيط هذا التفاعل وتكثيفه . أما من حيث الشك والحذر من الآخرين فإن ما يحكم سلوك المصري ليس الشك علي إطلاقه وإنما الحذر والروية قبل التفاعل المكثف والمبادرة إليه ، وأن السلوك الحذر يتبدي كلما عبر دائرته الخاصة إلي الخارج ، فهو أكثر ثقة في الأقارب فالأصدقاء فالبلدات وأخيرا زملاء العمل ، وهذا يعني أن ثمة درجة من الشك وعدم الاطمئنان في الآخر غير القريب ، تتزايد بتزايد الابتعاد عن دائرة الفرد الشخصية ، ولا يؤثر التعليم أو التغير الاجتماعي في هذه الخاصية ، والخوف والشك من الغرباء أكثر منهما من الأعداء الصريحين والمباشرين ، فالعدو معروف ، لكن الغريب مجهول وذلك هو الأقرب إلي تفسير هذه النتيجة . أما علاقة المصري بالسياسة فهي تنطوي علي ازدواجية بين الرأي والسلوك ، فالقوانين تطاع بغض النظر عن الرأي في خطئها أو صوابها ، لا لأنها شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي ، أوالضبط الاجتماعي يلتزم به الجميع ، ولكن لأنها صادرة عن سلطة عليا هي سلطة الدولة ، الأمر الذي يصور الدولة كجهاز رادع ، ينتقد نعم ، لكن أوامره ينبغي أن تطاع . ورغم قناعة المصري أن الحكومة تسير في طريق ، ومصالحه في طريق آخر ، وأنه من الصعوبة بمكان أن يحصل المواطن علي حقوقه بسهولة من الدولة أو الحكومة ، فلا تكشف البيانات استعدادا للثورة أو التمرد ، بقدر ما تكشف عن الميل إلي القدرية والتدين . ومن ثم ينخفض معدل المشاركة السياسية ، الذي لا يرجع فقط إلي أن المشاركة القسرية غير واضحة الهدف ، وإنما الوعي بأن المشاركة عديمة الجدوي ولا فائدة من ورائها . أما الدراسة الثانية ، الجديدة في منهجيتها ، فتكشف عن جوانب مهمة من جوانب الشخصية المصرية المعاصرة ، فثمة ظواهر جديدة أفرزتها تطورات العقدين الماضيين في خطاب الحياة اليومية ، بدأت ملامحها في التشكل اليوم وهي : 1- خطاب الحرفيين ، الذين أخذوا يحتلون وضعا اقتصاديا متميزا ، ويطورون لأنفسهم رؤية للعالم ، وخطابا يميزهم عن العمال من ناحية وعن أبناء الطبقة الوسطي من ناحية أخري ، ويقوم علي الإعلاء من شأنهم ، والتحقير من شأن التعليم والشهادات والوظائف ، وينطوي علي قيمة نفعية لا ترتبط بأي إطار أخلاقي واضح . 2- خطاب الهجرة ، وينطوي علي لامبالاة بالوطن والارتباط الروحي بمكان المهجر ، والثقافة الاستهلاكية ، والحديث عن العملات الأجنبية وأسعارها ، والأجهزة الكهربائية ، وهو خطاب الاغتراب الحقيقي . 3- خطاب الاقتصاد الانفتاحي ، وهو خطاب شريحة أصحاب الأعمال الجدد ، وهو يرتبط بالخطاب الحرفي المشار إليه ويتسم بالسعي نحو الكسب المادي دون اعتبار لأية قيمة ، ويدعو إلي الاستثمار في أنشطة ناقلة للثروة مولدة لها كالإسكان والمطاعم والفنادق ، ويتخذ موقفا من التعليم أقرب إلي الخطاب الحرفي ، وإن كان يميل إلي التواصل مع العلم والتعليم لتحقيق أهدافه ، كما يتسم بالاستخدام النفعي للدين كالسلوكيات المظهرية الدينية . 4- الخطاب الاستهلاكي ، وهو من أكثر العناصر الجديدة شيوعا في الخطاب اليومي في مصر ، وهو يرتبط بخطاب الهجرة ويستند إلي مبدأ الاستعراض والمحاكاة ، ومن خصائصه التفاخر بالاستهلاك ، والربط بين التميز الطبقي والقدرة الاستهلاكية ، وهو يظهر لدي الطبقات المختلفة بطرق مختلفة كما يحقق تفاعلات من نوع جديد بين الطبقات والشرائح الطبقية المختلفة .
#عصام_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آليات الشخصية المصرية
-
للصبر حدود .. وللتسامح أيضا
-
الفوضي أم الاستبداد ، قدر المنطقة ؟
-
الجغرافيا بين السياسة والثقافة
-
شهادة المرأة في حقوق الإنسان
-
2008 .. عام المنع والممانعة
-
في الثورة والفورة
-
أدب المنفي ، أو الحضور الغياب
-
الدبلوماسية الوقائية
-
أحفاد جاليليو والبابا بنيدكت
-
البحث اللاهوتي السياسي
-
البابا شنودة والكاردينال جيرسن
-
مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط
-
في ذكري ابن رشد
-
المفارقة التاريخية
-
الحكمة الجماعية
-
الشرطة الدينية
-
أرض الأحلام
-
باقة ورد إلي الحوار المتمدن
-
أصل الدستور الأمريكي
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|