أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - حوار مع الفنان التشكيلي فاضل نعمة















المزيد.....


حوار مع الفنان التشكيلي فاضل نعمة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 703 - 2004 / 1 / 4 - 11:56
المحور: مقابلات و حوارات
    


• حاوره: عدنان حسين أحمد/ أمستردام
• الفنان التشكيلي فاضل نعمة لـ ( البيان )
- الفنان الحقيقي هو الذي لا يعثر على نفسه، ويرى الذروة في النقص

بالرغم من انفتاح الفنان العراقي فاضل نعمة على أحدث المدارس والتيارات الفنية في العالم، إلا إنه ما يزال متشبثاً بجذوره الرافدينية. ( فالحداثة بالنسبة إليه لا تعني إلغاء الهوية، بل تنطلق منها وتؤكدها ) على حد تعبيره. فهو لا يسعى إلى الذوبان في الآخر، ولكنه يمد خيوط الصلة والتواصل معه. لقد غادر فاضل نعمة المذاهب الفنية القديمة كالكلاسيكية والواقعية، بل أنه أدار ظهره للأساليب الأكاديمية التي تحد من حركته ونزوعه إلى التجريب،ولهذا اطمأن قليلاً إلى المدرسة التعبيرية، والتعبيرية التجريدية، غير أن هاجس البحث والتجريب لم يخفت أبداً، فهو بحق فنان ( مستقبلي ) يتطلع دائماً إلى أمام ليرضي قلقه المستديم، ورغبته الجامحة في القفز إلى فضاء السنوات القادمة ليفض مجهولها وغموضها وسريتها. وللتعرف على أبعاد تجربته الفنية إلتقته ( البيان ) وكان لنا معه هذا الحوار:

• هل نستطيع الإمساك بالشرارة الأولى التي فجرّت في أعماقك هاجس الفن التشكيلي. ما هي الظروف والمكونات الأولى لهذا الهاجس. وهل كانت الدوافع والمحفزات الأولى ذاتية، أم أن هناك أناساً آخرين مهّدوا لك الطريق لولوج هذا العالم الإبداعي؟

- كان أكبر عرض شعبي يقام في المدينة هو التشابيه والدُمى، دُمى مرّد الرؤوس، ومسرح الفرجة، أي تمثيل واقعة الطف كما هي حيث ينزل الفرسان بلباسهم العربي ممتطين جيادهم يمثلون الواقعة. هذا بالإضافة إلى اللوحات الجدارية الكبيرة الحجم والتي عُملت أغلبها كرافيك بطريقة الحفر على الخشب. طبعاً بالإضافة إلى السجاد الإيراني والأفغاني المليء بالرسوم والألوان والزخارف التي كانت تعج به أسواق المدينة المكتظة طوال أيام السنة بالزائرين من كل أنحاء العراق وبعض الدول العربية والأجنبية كالهند وإيران وأفغانستان والباكستان ولبنان ودول الخليج العربي. فضلاً عن هموم الناس، مثلما هو الحال الآن، حزن لا ينتهي، وهمّ مستديم، وجو مفعم بالأسطورة الشعبية والدينية، والأسى الشفيف، والمثيولوجيا، وقصص الأنبياء، والأولياء الصالحين. كنا آنذاك، كما الآن محلقين في جو من الأسطورة والحكاية شخوصها معروفة، ومسرحها الخيال الخصب والعالم الآخر. بالإضافة إلى ذلك كان في المدينة الكثير من النقاشين والمزوّقين والخطاطين أغلبهم هنوداً وإيرانيين وباكستانيين يعملون طوال أيام السنة لإحياء المناسبات الدينية. كنت مبهوراً بالألوان والزخارف وحجم المأساة كذلك. كنت لا أتذكر أنني لعبت الألعاب العادية التي كان يمارسها أبناء جيلي، بل كنت أعمل دمى لأناس لا أعرفهم، ألبسهم ملابس من قطع قماش بالية وألوّنها. كنت أيضاً أصنع بيوتاً من الطين، وأسقفها بسعف النخيل. هذا كل ما أتذكره من الصبا. أما بعد هذه المرحلة فجاء الاهتمام من المدرسة، والتعرف لأول مرة على ألوان الباستيل والألوان المائية وأقلام الأكواريل الخشبية. أتذكر أول معرض اشتركت فيه هو معرض مسابقة المدارس، وكنت وقتها في الرابع الابتدائي حيث حصلت ولأول مرة على كأس فضي صغير. بعدها جاء التشجيع من المعلم، والإعجاب من التلاميذ الذين كانوا معي في المدرسة، وهذا ما جعلني أستمر في الطريق الصعبة والشاقة والممتعة.

• بعد تجربتك التشكيلية التي شكلت حضورك الفني في العراق أولاً وفي عمّان وهولندا لاحقاَ، هل نستطيع القول أنك تتوفر الآن على بصمة خاصة تحيلنا مباشرة إلى التشكيلي فاضل نعمة، أم أن مؤثرات الآخرين ورؤيتهم ما تزال تهمين عليك، أو تلقي بظلالها عليك في اضعف الأحوال؟
- مرة قال الشاعر الكبير أدونيس ( كلنا نتائج لأناس سبقونا ) أنا أشعر بالامتنان والعرفان لجميع أساتذتي وأصدقائي الذين علموني ونصحوني وأضافوا إلى تجربتي الشيء الكثير. فلا عيب أن يتعلم المرء من تجارب وخبرات الآخرين، لكن بشرط أن يكون هو، وليس نسخة عنهم. فما أسهل التقليد وما أصعب الابتكار! أما ما أسميته بالبصمة، وتقصد به الأسلوب فهي كلمة واسعة. قسم يعتقدون أن الأسلوب هو إنتاج نموذج واحد، لكن بطرق مختلفة وألوان متعددة طوال حياتهم. أنا أعتقد أن الأسلوب أو البصمة، سمّها ما شئت، هي أن ترسم ما يحلو لك شرط أن تكون مجدداً، ومبتكرا، ولا تقلّد أحداً. خذ مثلاً بيكاسو، لقد جرّب ورسم ونحت كل شيء، وعمل ضمن مختلف المدارس، ومرّ بمراحل لونية متعددة. إنه بحق مبتكر، ومكتشف، وفنان كبير، ولم يكرر نفسه أبداً. قال الفنان الأمريكي جاسبر جونز ذات مرة ( أن تكرر ما تعرف فقد يبعث ذلك على فقدان الاهتمام، ولكن عندما تخلق شيئاً جديداً فإنك تشعر بحيوية متزايدة تماماً كما فعل مهرج سيرك فرنس عندما كسر ساق ابنه ليجعله يمشي على نحو يثير الضحك والاستغراب. )


• يتبنى الفنان فاضل نعمة أطروحة فاسيلي كاندنسكي التي تقول ( إن كل فن لا ينطوي في ذاته على قوة مستقبلية هو فن عاقر ) كيف تحلق بذاكرتك ووعيك ورؤيتك إلى أفق المستقبل غير المنظور لكي تكون حيوياً ومتحركاً ولا تركن إلى السكون أبداً؟

- قديماً قال الفارابي الفن صفة حسية أساسها التجريب ) التجريب يعني أن تطور أشياءك، وأن تكتشف، وتتواصل مع ما تطرحه منتجات الحضارة والعصر بشكل آخر ومختلف، لا أن تركن إلى أسلوب واحد، وطريقة واحدة، وأفكار واحدة. أنا أستغرب حقاً من بعض الفنانين، خاصة الفنانين الكبار والذين لا يعرفون شيئاً عن فن الكرافيك مثلاً باعتباره فرعاً مهماً من فروع الفنون التشكيلية، وكذلك النحت أو غيره من الفنون التشكيلية، وهذا لعمري كالمشي كل يوم في طريق واحد من دون انعطاف أو اكتشاف. الفن، كما تعرف، عالم مستقل وواسع تتجاوز فيه عالم الممثل والحكاية المسرودة. وهو مستقل لكونه منتظماً تتخذ فيه الأشكال والألوان مواضعها لأسباب خفية لا تفترض محاكاة للطبيعة. تقول الناقدة غروسمان عن أعمال جاسبر جونز: ( إذا رسم أو حفر جونز صوراً لمصباح كهربائي مرة بعد مرة، فإنه يقدم لنا في كل مرة مصباحاً كهربائياً جديداً لم نره من قبل إطلاقاً، ذلك لأنه يولد في كل مرة ضوءاً جديداً. ) فالفنان الحقيقي هو الذي لا يعثر على نفسه، وهو الذي يرى الذروة في النقص، ويظل في حالة من البحث والتجريب.

• لا تميل إلى ترسيخ الأشكال التقليدية للوحة التي ترسمها، كالشكل المستطيل والمربع، بل غالباً ما تنحو لوحتك صوب شكل الختم السومري أو الآشوري أو الدائرة أو السقف المقوس. هل لك أن تتحدث لنا عن رغبتك الجامحة في تحطيم الأطر الثابتة والخروج عن رتابتها وجمودها؟
- أعتقد أن لكل فنان الحق في أن يجرّب كل شيء، وعلى أي شكل يراه مناسباً، فمرجعياته ليست واحدة، بل متعددة ومتنوعة في أغلب الأحيان، أو يُفترض أن تكون كذلك. فإذا لاحظت في بعض أعمالي، وخاصة أعمال الكرافيك أشكال لأختام سومرية أو رافدينية فأنا أستخدمها أحياناً لا لأتعكز عليها، بل أراها هنا وهناك مناسبة لتكوين ما، أو إنشاء ما، أو كدلالة بسيطة جداً لتكرار المدرك الجامد، خاصة قياس اللوحة أو حجمها المربع أو المستطيل فهذا يكسر حالة الملل والتكرار والثوابت كما نرى ذلك واضحاً في أعمال الفنانين ضياء العزاوي ورافع الناصري الزيتية والكرافيكية مثلاً. فاللوحة كما نعرف هي سطح مرسوم بألوان جمعت بترتيب معين. وعلى الفنان دائماً أن ينطلق محطماً الأطر الثابتة والأشكال الجامدة، وأن يكون هذا ديدنه، ليصل إلى أعلى درجات الجمال والابتكار.

• هل لك أن تتحدث لنا عن جيلك الفني، جيل الثمانينات من القرن الماضي، سواء في العراق أو المهجر؟ كيف تقيّم تجاربهم، وأين تضع نفسك بينهم؟ وما هي طبيعة العلاقة بينكم وبين الأجيال الفنية التي سبقتكم؟
- جيل الثمانينات هو جيل الحروب والكوارث والمآسي على ما أعتقد. فما بين مطرقة الحروب وسندان السياسة نما هذا الجيل وأخذ مكانته بين الأجيال الفنية الأخرى والتي كان لها حضورها وفاعليتها وتأثيرها. كانت هناك صراعات تبدو خفية بين جيل الرواد الذي بقي محافظاً وملتزماً لنهجه القديم وبين جيل الستينات ( وروحه الحية ) من جهة، وجيل الثمانينات الذي اختط لنفسه منهجاً جديداً آخر بمرجعيات أخرى كالفنون العالمية والحداثة بأشكالها المعروفة وكيفية التعبير عن الجديد والطارئ، الحرب وكوارثها السياسية وألاعيبها، الوضع المعاشي والاجتماعي للناس. كذلك عاش هذا الجيل بقايا فترة كتاب وفنانين ونقاد مهمين. عاش فترة ازدواجية بين الإبداع الأصل الذي لا ينتمي إلا لنفسه، وبين التطبيل الذي ينتمي إلى السياسة لمصالح ضيقة على حساب الشعب وطموحاته وتطلعاته. لهذا شهدت تلك الفترة ولادة جماعات فنية طرحت مفاهيم برؤية جديدة، وبتقنية جديدة لم تكن سائدة آنذاك. الأسماء والتجارب كثيرة ولا أستطيع إحصاءها، لكنني احتفظ بأرشيفها ومن قام عليها.  أذكر من الأسماء المهمة لجيلنا محمد الدعمي، ياسين عطية، سيروان باران، عمر محمود، أياد الشيباني، محمد جمعة، محمود العبيدي، غسان غائب، علي جبار، كريم رسن، هناء مال الله، ستار كاووش، محمد حسين عبد الله، زياد مجيد حيدر. حقاً جاء جيلنا ليجد أمامه كماً هائلاً من الأعمال المهمة، فكان الرواد بأعمالهم الأكاديمية والواقعية مدرسة لنا تعلمْنا منها دراسة التشريح والمنظور واللون. أما أعمال جيل الستينات المهمة فكانت هي المبتغى والأمل الذي نتطلع إليه، فعندما كان يقام معرض ( ستيني أو سبعيني ) باعتبار جيل السبعينات جيل مشترك بين الثمانيين والستينيين كنا نزور المعرض أكثر من أربع أو خمس مرات. أما سؤالك أين أضع نفسي بينهم، فلكل منا حياته وتفكيره وطريقته في التفكير والعمل ورؤيته للحياة. نعم أثرّت فينا كل الأجيال التي سبقتنا، وكذلك التجارب العالمية، هذا أكيد، لكننا كنا مكتشفين ومختلفين وهذا هو المهم.

• خلال فترة تواجدك في هولندا كيف تنظر إلى الفن التشكيلي الهولندي؟ وهل تعتقد أن الفن التشكيلي العراقي  خاصة والعربي عامة استطاع أن يخترق المشهد التشكيلي الهولندي ليسجل حضوراً واضحاً ومعترفاً به في بلد يتواجد فيه ( 16,000 ) فنان تشكيلي؟

- في زمن العولمة وتعدد وسائل الاتصال بكل أشكالها وطرقها تعددت وسائل الخطاب البصري ومسمياته وأصبح بإمكان الفنان أن يعبّر عما يشاء وبأية وسيلة كانت، لكن المشكلة تكمن، في اعتقادي، في طريقة المعالجة وطريقة التفكير. طبعاً، مازال الفنانون العراقيون يولون التكنيك واللون أهمية قصوى، ثم تأتي من بعدها الفكرة، لهذا ترى أن أغلب فنانينا لا يستطيعوا أن يعرفوا أعمالهم أو ينظّروا لها، لأن التنظير يأتي بعد الإنجاز فلا فائدة منه. أما حضورهم في قاعات العرض والمتاحف الهولندية فمعروف منذ أكثر من عقد وتشهد لهم بذلك قاعات العرض المهمة والمتاحف لأن أغلبهم متفرغ للفن. كان الفنان في السابق يتمنى فسحة أمل، وشيء من الوقت، وبعض المصروف يسد به رمقه. كل ذلك توفر له، لهذا ترى الفنانين العراقيين خاصة التشكيليين منهم ورغم مجيئهم إلى هولندا قبل سنوات قليلة، وتحديداً بعد حرب الخليج الثانية، وقلة عددهم بالنسبة إلى الجاليات الأخرى إلا أنهم الأبرز والأكثر حضوراً في كل النشاطات والمهرجانات التي تقام في هولندا. وهذا طبعاً لا ينفي وجود فنانين هولنديين ومن جاليات أخرى لهم حضورهم ونشاطهم.

• ثمة مقاربات شكلية ومضمونية بين بعض نتاجاتك ونتاجات حركة ( كوبرا ) الفنية. هل لك أن تتحدث لنا عن أوجه هذا التقارب بينك وبينهم على هذين الصعيدين، فضلاً عن الصعيدين التقني والرؤيوي؟
- في عام 1982 أقيم معرض كرافيك في المركز الثقافي الفرنسي في بغداد ضم حوالي ( 50 ) مطبوعة ليثوغراف أو أكثر لفنانين أوربيين، وكنت لأول مرة أشاهد أعمالاً بهذا المستوى من الجمال والإبداع لفنانين لم أسمع بهم سابقاً مثل كارل أبل الهولندي وألشنيسكي البلجيكي. وبما أن المبادئ التي قامت عليها مدرسة ( كوبرا ) هي تقريباً المبادئ نفسها التي نؤمن بها، فلربما جاءت نتاجاتنا فيها شيء من التقارب التقني، وليس الأسلوبي كاللون والتكنيك والكثافة والغرابة. . والمبادئ هي:
-  الذي ينكر السعادة في الأرض ينكر الفن.
-  لا لوحة جميلة من دون لذة كبرى.
-  الحضارة تقبل الجميل للاعتذار من القبيح.
-  التخيل هو وسيلة التعرف على الواقع. لكنك ربما تقصد مقاربات أو تشابه في المدرسة التي نعمل بها أو عليها وهي التعبيرية التجريدية أو الرمزية التجريدية وأحياناً البدائية, فإذا كان هذا ما تقصده فنعم، هناك رؤية مشتركة، وطريقة معالجة أيضاً وهكذا فالفنون تكمل بعضها البعض شرط ألا تقع في التكرار والنمطية.

•  ما هي الانطباعات والهواجس التي تنتابك وأنت تدخل المتاحف الهولندية مثل متحف فان خوخ أو متحف الفن الحديث أو متحف موندريان وما إلى ذلك؟ ما سطوة هذه المتاحف التي تمتد إلى العصر الذهبي وازدهار الفنون الجميلة؟

- هذا سؤال صعب جداً على واحد مثلي يتمنى أن يكون في بلاده مثل هكذا متاحف وصالات عرض متطورة تسترعي الاهتمام. فمثلما تعرف هناك في بعض المتاحف الهولندية المهمة عروض حتى للسلع الشعبية البسيطة وأدوات المطبخ وغيرها، بالإضافة طبعاً إلى الأعمال المهمة الخالدة. ومعنى ذلك أنهم يحترمون تاريخ الإنسان وإنجازاته باعتباره أجمل وأعظم مخلوق، فكيف إذا كانت أعمال رسم ونحت وطباعة و غيرها وهي من أرقى ثمار الحضارة الإنسانية. تحيلني معروضات المتاحف إلى حياة الفنانين أنفسهم، وإلى بيوتهم، وأشياؤهم، ودفاتر تخطيطاتهم. أشعر بمتعة عظيمة ليس فقط لعظمة الأعمال المعروضة وجمالها، بل لهذا الاهتمام العظيم بالتراث الإنساني، وما تنتجه الحضارة، وطريقة الحرص عليه.  وأتألم كثيراً عندما أرى وأسمع أن تاريخنا وتراثنا يباع على أرصفة عمان ولندن وباريس وغيرها من عواصم العالم. أتمنى أن يعي ساستنا أهمية الفنون والإبداع والمبدعين، ولا يفضلون الطلقة على اللوحة لأن الأخيرة هي أمضى وأكثر فاعلية من الطلقة، شرط أن نجيد استخدامها وديمومتها والاهتمام بها. في عام 1950 ونظراً لحاجتها للعملة الصعبة اضطرت إسبانيا أن تبيع طبعات أصلية ( كرافيك ) للفنان الكبير ( غويا ) بعد أن أعادت طبعها على الكلائش الأصلية للفنان. وهذا الإجراء أحدث ردات فعل في الأوساط الثقافية في إسبانيا رغم أنه ساهم في دعم اقتصاد إسبانيا المنهار آنذاك نتيجة الحرب الأهلية وعنتريات فرانكو!


• ما هي طريقة الطبع التي يفضلها الفنان الغرافيكي فاضل نعمة؟ هل تفضل الطبع البارز أم العميق أم المسطح أم السلك السكرين؟ ولماذا؟

- فن الكرافيك له امتداد عميق في حضارتنا، حضارة وادي الرافدين، وأول من استخدمه هم السومريون بشكل طباعة الأختام الأسطوانية مع فارق الوسيط وهو الطين عندهم، والآن يستخدم الورق الخاص بالكرافيك. وكذلك أول من جرّبه بشكله الحالي وقبل عشرات السنين هم العراقيون،حيث طبع على الورق والقماش بطريقة الحفر على الخشب على شكل حرز وأدعية وجداريات مثلت واقعة الطف في كربلاء وباقي مدن العراق المقدسة كما يذكر الفنان الكبير رافع الناصري. إلا أن فن الكرافيك بشكله الحالي ( الحديث ) دخل وطننا العربي في أربعينات القرن الماضي، فالكرافيك يضمن العمل الدائم للفنان والمستمر بشموليته، ومواضيعه، وخصب مصادره، وانتشاره السريع، وبيعه المناسب حتى ليتمكن ذوو الدخل المحدود من اقتنائه، ويضمن ذلك للفنان الشهرة، وسرعة وصوله وتحركه إلى أبعد نقطة في العالم وبواسطة البريد العادي، ومن دون تعسف التأمين والجمارك ليشاهده ملايين البشر في مختلف أرجاء المعمورة. أعود إلى سؤالك وأية طريقة طباعة أفضلها. أقول أن لكل طريقة طبيعتها وموادها ونتائجها وجمالها، والكرافيك داء لابد منه، فهو يتطلب خيالاً وتأملاً مستمراً من قبل الفنان عكس رسم اللوحة المباشر، حيث يرسم الفنان مباشرة دون وسيط من أحماض ومواد كيمياوية أو ماكنة طباعة أو حجر ليثوغراف أو فريم سلك سكرين وغيره. أما نتائج الأعمال المطبوعة كرافيكياً سواء كانت على الزنك أو الحجر أو الخشب أو طباعة نافذة كالسلك سكرين فلكل واحدة منها طعمها الخاص وتأثيرها وملمسها، والفنان لا يفضل طريقة على أخرى إلا وقت الحاجة. أغلب الأحيان تتم طباعة البوستر مثلاً بطريقة السلك سكرين أو الحفر على الخشب أو اللينيوم لأسباب تقنية تتعلق بطبيعة الوسيط الذي يطبع من خلاله البوستر. والكرافيك قريب جداً من أحاسيسنا وملمسنا وحياتنا. كتب ذات مرة الفنان الفرنسي مارك شاغال عام 1960 ( عندما أمسك بيدي حجر ليثوغراف أو لوح نحاس أشعر كأنني أمسك طلسماً، ويبدو باستطاعتي أن أضع كل أفراحي وأحزاني عليها كل شيء من خلال سنوات حياتي الولادة، الموت، الزواج، الطيور، العمال الفقراء. )
 
• أين يضع الفنان فاضل نعمة تجربته الغرافيكية بين  الفنانين الغرافيكيين العراقيين أمثال غالب ناهي، هاشم سمرجي، محمد مهر الدين، رافع الناصري، صالح الجميعي، عمار سلمان، كمال عبد الوهاب،مدحت محمد علي، ضياء العزاوي، رشيد القريشي، محمد علي شاكر، مظهر أحمد، يحيى الشيخ وآخرين.
- في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد جرّبت الكرافيك أول مرة من خلال درس مادة الكرافيك المقررة في الأكاديمية على يد الفنان العراقي هادي نفل. ومع الأسف لم تكن دراسة الكرافيك في الأكاديمية متطورة في السبعينات، بل كانت تدرّس بشكلها البدائي البسيط، أي أبجديات الكرافيك، الحفر على الزنك بطريقة الإبرة الجافة ( Dry Point ) وطريقة الحفر بالحامض ( Aquatint ) على قطعة من زنك لا تتجاوز أبعادها 10x10 سم. أما الطباعة على حجر الليثوغراف Lithography فلم تكن موجودة. بعدها جاء من ألمانيا الأستاذ الكبير الدكتور داوود سلمان عناد وأخذ بزمام المبادرة حيث طوّر دراسة الكرافيك حاملاً معه مواداً وأدوات وطرقاً جديدة، وحتى بعض المصادر عن هذا الفن الرائع. وبعد خروجي من العراق إلى عمان التقيت بالفنان الكبير الأستاذ رافع الناصري الذي علمني أكثر من طريقة ومعالجة في فن الكرافيك رغم قصر مدة بقائي معه في دارة الفنون، حيث سافرت بعدها إلى أوربا. أعتقد أن من أهم فناني الكرافيك العراقيين هم رافع الناصري وهاشم الطويل وفائق حسن وصاحب أحمد ومهدي مطشر وصالح الجميعي وسالم الدباغ وعمار سلمان وصادق كويش. أما تجربتي الكرافيكية فأنا أضعها في آخر الصف، بين هؤلاء العمالقة، وأنتظر!

 



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الفنان والمخرج راجي عبد الله
- ندوة ثقافية في لاهاي عن حق الاختلاف والكتابة الجديدة
- الفنان التشكيلي منصور البكري لـ- الحوار المتمدن
- الفنان والمخرج الكردي بكر رشيد لـ- الحوار المتمدن
- المخرج د.عوني كرومي ل - الحوار المتمدن
- حوار مع المخرج د. فاضل السوداني
- الروائية السورية حسيبة عبد الرحمن ل - الحوار المتمدن
- جاذبية المخيّلة الجمالية وبنية النص بوصفة ( وثيقة نفسية ) في ...
- الروائي نجم والي يتحدث لـ(الحوار المتمدن) الكاتب ليس كائناً ...
- إحتجاجاً على الموقف المتخرّص، والمدلّس لإتحاد الأدباء والكتا ...
- الشاعر السوري حسين حبش لـ - الحوار المتمدن
- الشاعر محمد أمين بنجويني لـ - الحوار المتمدن
- فحيح النزوات المنفلتة
- ذاكرة الأسلاف
- المخرج السينمائي سعد سلمان ﻟ - الحوار المتمدن
- هواجس عمياء
- مشروع ترجمة قصص عراقية إلى اللغة الهولندية
- الشاعر غيلان ل - الحوار المتمدن
- المغنية والملحنة العراقية إنعام والي ل ( بلاد الرافدين )- لا ...
- الشاعر سركون بولص ل - الحوار المتمدن


المزيد.....




- الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس ...
- الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو ...
- غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني ...
- انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
- خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
- عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ ...
- روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا ...
- عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
- مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات ...
- السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية! ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - حوار مع الفنان التشكيلي فاضل نعمة