• حاوره: عدنان حسين أحمد/ برلين
• الفنان والمخرج راجي عبد الله لـ ( الزمان )
• الممثل العراقي كان متفوقاً على الممثل الألماني في العديد من العروض
تتوزع اهتمامات الفنان راجي عبد الله في أكثر من اتجاه،إذ بدأ حياته الفنية مخرجاً مسرحياً قبل أن يدرس التمثيل والإخراج المسرحي في معهد الفنون الجميلة في بغداد، وقد أخرج مسرحيتين في مدينة الناصرية آنذاك ليرضي ولعه وتعلقه بالمسرح تحديداً. وما إن دخل المعهد حتى اختار الطريق الأكثر صعوبة فكانت أطروحة التخرج عن مسرحية ( فاوست ) لمارلو. ثم توالت أعماله في التمثيل والإخراج، إذ مثّل وأخرج بين الأعوام 1970 و1986 أكثر من عشرين عملاً مسرحياً مهماً من بينها ( أغنية على الممر ) و ( ميلاد إنسان ) و ( فوانيس ) و ( الكاتب والشحاذ ) و ( مسافر ليل ). وعلى صعيد التأليف كتب الفنان راجي عبد الله عدداً من المسرحيات التي نُشرت في دمشق وبرلين نذكر منها ( ريبورتاجات قصيرة لحياة طويلة ) و ( اللوحة الأخيرة ) و ( الصغير والكبير ) و ( لا شيء سوى صداي ). كما اشترك الفنان راجي في تمثيل عدد من الأفلام السينمائية باللغة الألمانية عرضتها القناة الأولى في التلفزيون الألماني مثل فيلم ( الثلج البارد ) و ( الفيل ) و ( أيها الصباح كم أنت جميل ). ومن الجدير بالذكر أن الفنان راجي قد أسس فرقة المسرح الحديث في ألمانيا عام 1989 وقدمت أول عمل لها بعنوان ( يوميات مجنون ) لغوغول عام 1990 في برلين، وفي العام 1992 قدمت الفرقة نفسها مسرحية ( لا شيء سوى صداي ) وهي من تأليفه وإخراجه. وبمناسبة اشتراكه في مهرجان ( أيام المسرح العراقي في المنفى الأوربي ) بمسرحية ( اللون، الممثل، الموت ) وهي من تأليفه وتمثيله وإخراجه إلتقته ( الزمان ) فكان هذا الحوار:
• بين إخراجك لمسرحية ( السدرة ) ومسرحية ( اللون، الممثل، الموت ) أكثر من ثلاثين عاماً. هل لنا أن نتتبع أبرز المحطات التي أشرت مراحل تطورك الفني على صعيدي التمثيل والإخراج؟
- المرحلة الأولى التي يمكن أن أتوقف عندها هي عملي في مسرحية ( فوانيس ) مع الأستاذ إبراهيم جلال. كانت هذه المحطة جديدة في علاقتي بالمسرح والتمثيل والإخراج. ومما لاشك فيه أنني كنت طموحاً خاصة في تقديمي لأطروحتي، إذ استخدمت تكنيكاً مسرحياً ربما يكون خارج حدود المألوف، وخارج حدود المسرح الكلاسيكي. في تجربتي مع الأستاذ إبراهيم جلال أصبح هناك تغير كامل في تصوراتي كممثل ومخرج، إذ بدأت أبحث عن الجديد، وأسعى للخروج عما هو تقليدي ومألوف. أما المحطة الثانية فكانت أثناء عملي في دمشق، إذ تعرفت إبان وجودي هناك على العديد من الفنانين المسرحيين العرب، وشاهدت أعمالهم التي قُدمت في المهرجان المسرحي الثامن أو التاسع لا أذكر. في هذه الفترة تعرفت على المدى الذي وصل إليه المسرح العربي.
• بعد استقرارك في ألمانيا عام 1988 ، واشتراكك في تمثيل وإخراج عدد من المسرحيات، هل حدثت نقلة نوعية في رؤيتك وأدواتك الإخراجية؟ ما هي أهم هذه النقلات؟
- بالتأكيد، هناك أكثر من نقلة على هذا الصعيد. ففي مسرحية ( لا شيء سولا صداي )وهي من تأليفي وإخراجي أعتبرها أول نقلة نوعية في حياتي الفنية. لقد جئت إلى هنا وأنا أعرف أن المسرح الألماني هو مسرح ذو تقنيات عالية بدءاً بسينوغرافيا العرض والمؤثرات الصوتية والبصرية. هم يمتلكون مثل هذه التقنيات، وأنا أمتلك العناصر التمثيلية، لذلك اعتمدت على الجسد، ولغة الجسد، واللون كنوع من التعويض للتقنيات الموجودة في المسرح الألماني. المشاهد والناقد المسرحي الألماني وجد أن هناك لغة أخرى غير اللغة المعتادة، كأن يطير الممثل أو يقفز إلى الأعلى. في هذه الحالة يمكن استخدام الجسد كديكور مسرحي للتعبير، كما استخدمت الرقص والإيماء والضوء، وحاولت في بعض الحالات إلغاء الديكور. وكانت مسألة إلغاء الديكور قضية غير اعتيادية. إذ كيف يمكن إلغاء الديكور والاستعاضة عنه بجسد الممثل، أو بالصوت أو بالتشكيل. مسرحية ( لا شيء سوى صداي ) هي عمل صعب لن المسرح، أو بالأحرى العالم كله يتحول إلى مقبرة، ويبقى رجل واحد يحكي حكاية دمار هذا العالم، بينما الموتى ينهضون ويمثلون. في هذه المسرحية استخدمت الجمال والحس البصري لغرض إقناع المشاهدين والنقاد الألمان الذين استقبلوا العمل بحماس وإعجاب كبيرين، إذ كتبت عنه كبريات الصحف الألمانية لأنهم وجدوا طريقة أخرى في التمثيل والإخراج والرؤية المسرحية. بصراحة نحن نتفوق على الألمان باعتبارنا فنانين حسيين، وهم فنانون يستخدمون العقل، وحسابات العقل، كما تعلم، تختلف عن حسابات الإحساس والمشاعر.
• هل نستطيع أن نعتبر أعمالك المسرحية التي أنتجتها في ألمانيا عراقية أم ألمانية؟ ولماذا؟ ولمن تتوجه؟ هل تتوجه إلى الجمهور العراقي المحدود أم تتوجه إلى الجمهور الألماني الواسع؟
- أنا أعتقد أن المسرح هو المسرح، والإنسان هو الإنسان، ومعاناة هذا الإنسان واحدة في كل زمان ومكان. أنا عراقي، وهذا أمر لاشك فيه. والمادة التي استخدمتها في النص المسرحي كانت تعتمد على معاناة الإنسان. وقد انطلقت من معاناتنا كعراقيين، ومن ثم كعرب، وصولاً إلى معاناتنا كبشر نشترك في هذه المعاناة والهموم مثلما نشترك في المشاعر وأحاسيس والطموحات. لذلك وجدت نوعاً من ( الهارموني ) بين قضية الإنسان العراقي، ومعاناة الإنسان العربي، وبين قضية الإنسان في كل مكان. لذلك انتقلت من الخصوصية أو المحلية إلى العمومية أو العالمية، وهذه العمومية أوصلتني إلى معرفة كنه المسرح العربي أولاً ومن ثم المسرح الألماني أو العالمي ثانياً. عملت مع فرقة ألمانية، وكان كل الممثلين ألمان، غير أن النص والتقنية والإحساس كان عراقياَ عربياً. لذلك كان لي الشرف أن أكون سباقاً في تحقيق هذا الشيء.
• فضلاً عن التمثيل والإخراج تكتب نصوصاً مسرحية. ما هي مرجعياتك ومصادرك في كتابة النص المسرحي. فمسرحية ( الصغير والكبير ) تعتمد إلى حد ما على أسطورة سيزيف. هل أنت مولع بتضمين كتاباتك بحس أسطوري. وكيف تنظر إلى المعضلات الوجودية المعاصرة؟
- نعم، في مسرحية ( الصغير والكبير ) التي لم تُمثل بعد اعتمدت على أسطورة سيزيف ومعاناته، وقد كثفت هذه المعاناة التقليدية المأخوذة عن الأسطورة القديمة. وفي هذه المسرحية قلت إن معاناة الإنسان المعاصر المتشابكة والمعقدة قد تكون أكثر من معاناة سيزيف الذي يرفع صخرته إلى قمة الجبل فتتدحرج إلى الوادي. الصخرة بالنسبة إلى سيزيف كانت طريقاً واحدة، وهي بالتالي معاناة واحدة من القاع إلى القمة ونستطيع أن نصفها بالعمل اللامجدي، لكن الإنسان المعاصر يحمل الكثير من الصخور. لذلك أثرت سؤالاً مهماً وهو: هل يمكن مقارنة معاناة الإنسان البسيط بمعاناة سيزيف؟ الطريف في هذه الحكاية أننا أنفسنا سوف نصبح أساطيراً في يوم ما من خلال هذه المعاناة التي لا تصدّق.
• في مسرحية ( اللون، الممثل، الموت ) لمسنا نوعاً من البكائية الفائضة عن الحاجة. ألا تشعر أن هناك نوعاً من السوداوية والحزن الأسود، ليس في عملك حسب، وإنما في مجمل الأعمال التي يؤلفها كتاب عراقيون؟
- قد أختلف معك بعض الشيء لأن مسرحية ( اللون، الممثل، الموت ) فيها تكنيك عالٍ، ويحضر فيها الممثل بشكل مهيمن وطاغٍ، وهي عمل قوي، لكن معاناة الإنسان الأجنبي أيضاً مهمة، وأنا أعتبر نفسي جزءاً من هذا المحيط الأوربي. أنا أعتقد نه لم تكن هناك حالة من البكائية، وإنما هناك حالة احتجاج قوية لها علاقة بالحاضر والمستقبل. المسرحية تناولت الواقع الحالي في بلدان القمع والاضطهاد ومصادرة الحريات. ثم أنتقل بأحداث النص إلى أوربا، ثم الوصول إلى معنى اللاشيء، ومعنى الموت لقد طرحت المسرحية أسئلة كثيرة، من بينها ماذا يمكن للفنان أن يعمل في ظل الاستلاب المستمر لكل شيء بما في ذلك أدواته الفنية. مشهد هاملت يشكل خطورة لدي البعض، لأن هاملت ثائر. فعندما يذهب لى الخارج ويجد ن هناك معوقات كثيرة تحد من رغبته بالتغيير يصاب بالإحباط، لأن التغيير هو جزء من أساسي من مهمة الفنان. ثم أسئلة أخرى تنطلق من بين ثنايا النص: هل الجمال موجود؟ هل الحس موجود؟هل التقنية والأدوات موجودة؟ لم تكن هناك بكائية، البكائية فُرضت على هذا الإنسان الشفاف الجميل الذي هو الممثل، وكان العرض برمته دفاعاً عن الممثل، أو الفنان في كل بقاع الأرض، بل أن هذا العمل هو دفاع عن الممثلين الألمان أنفسهم، لأنه يوجد في ألمانيا أكثر من نصف مليون ممثل عاطل عن العمل، وهذه مأساة كبيرة.
• كيف تقيّم بقية الأعمال المسرحية التي قُدمت في هذا المهرجان والتي كان فيها حس بكائي أيضاً؟
- أنا أعترض على كلمة أيضاً في هذا السؤال. أنا أعتقد أن المهرجان كان ناجحاً في كل عروضه وتقنياته، وأعتقد أن الزملاء المخرجين قد وقعوا في مسألة اسمها التعبير عن معاناة الإنسان، لذلك اختاروا مواداً ليتوجهوا بها إلى العرب، وهذا خطأ كبير. كان من الممكن أن يتناولوا في عروضهم العلاقة مع الجمهور الألماني، أو الانفتاح على الجمهور الألماني مثلما فعلت أنا في مسرحيتي. أنا رجل عندي خبرة في المسرح تمتد إلى أكثر من 35 سنة، وهذه الخبرة تشجعني على القول بأنه رغم هذه البكائية والمعاناة المؤسية استطاعت هذه العروض أن تقدّم نظرة إيجابية للجمهور الألماني، وللعاملين في مركز الثقافات العالمية، بدليل أن العاملين بدأوا يتعاملون معناً تعاملاً آخر، وينظرون إلينا كفنانين ومخرجين محترفين لنا شأن ووزن كبير، ثم أن هذه البكائية موجودة حتى لدى الألمان أنفسهم.
• هل لي أن آخذ رأيك بمسرحية ( تقرير لأكاديمية ) من تأليف فرانز كافكا، وإخراج الفنان صالح كاظم، وتمثيل فنان ألماني؟ كيف تنظر إلى هذا العمل خصوصاً وأنت تُتقن الألمانية؟ وهل وصل مضمون هذا العمل إلى المتلقي العربي الذي كان حاضراً في هذه القاعة؟
- لو أخذنا العرض كنص كتبه كافكا فأنه من أصعب النصوص، لكن الممثل مع الأسف على الرغم من كونه ممثلاً محترفاً لم يستطيع أن يتألق في أدائه. وفي مثل هذه النصوص الصعبة يحتاج الممثل لأن يكون عازفاً على أدواته الصوتية، مثل الذي يعزف على آلة موسيقية. أنا أقولها بصراحة إن الممثل العراقي كان متفوقاً على الممثل الألماني في العديد من العروض، وبالذات في المونودراما. أما هل وصلت المسرحية للجمهور العربي؟ فالجواب يمكن أن تكون قد وصلت للبعض ولم تصل للبعض الآخر لأكثر من سبب منها صعوبة النص ورتابة الممثل. لكن على العموم أنها تجربة تنضاف إلى تجاربنا السابقة، وأتمنى مستقبلاً أن تكون هذه التجارب مدروسة لكي نقدم كل ما هو جميل ومثير للتساؤل.