كمنت مفاجأة حكومة أحمد قريع الثانية في استحداث وزارة لشئون المرأة اسندت للأخت " زهيرة كمال " ممثلة للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني ، على عكس ما جرت العادة بأن المفاجآت تأتي من وزارة الداخلية.
بالمعنى المجرد فالخطوة التي خطتها حكومة أبو العلاء تجاه قضية المرأة لا يمكن إلا اسنادها وتأييدها ، ولا يمكن إلا الترحيب بشخص الأخت زهيرة على رأس الوزارة ، فالخطوة تعتبر اعترافا رسميا من صانع القرار بدور المرأة الفلسطينية العظيم والمميز في مختلف مراحل النضال الوطني ومحطاته ، ولكن وضع الأمور في السياق الواقعي وضمن الظرف الفلسطيني ومعادلات النظام السياسي الفلسطيني ودوافع واعتبارات السلطة الفلسطينية ، تفترض أخذ المسألة بنوعه من الحذر وهذا له ما يبرره ، لا سيما وأن الاعتبارات التي دعت إلى هذا التمييز الايجابي لا زالت ملتبسة وتثير الجدل في أوساط نسوية وسياسية وثقافية .
هل وزارة شئون المرأة محصلة تغيير واصلاح ؟
ربما السؤال المبدئي الذي يتبادر للذهن من ضمن أسئلة أخرى هو هل التشكيل الراهن لوزارة شئون المرأة هو محصلة تغير واصلاح منهجي وجذري في بنية وتوجهات القيادة الفلسطينية الرسمية التي شكلت الحكومة ؟.. وتاليا هل هي جزء من سياق تغييري تقوم بها القيادة الرسمية في توجهات وثقافة المجتمع الذكورية التقليدية ؟.. أم أنه مجرد ائتلاف سياسي تصادف معها أن حزب فدا المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي افرز سيدة مندوبة عنه ؟ فإذا كان تشيكل وزارة للمرأة ليس حراكا فوقيا معزولا عن توجيهات وسياسات جادة تجاه المرأة ودورها ومشاركتها ، فإن استكمال هذا التوجه لكي يكتسب معنى ومضمون ديمقراطي يعني الاستجابة من صانع القرار والحزب الحاكم إلى جملة من المطالب والقضايا التي تعتبرها الحركة النسوية ومؤسسات المجتمع المدني أسس ومعايير تشكل في حال تحقيقها دفعة قوية للمرأة . ومن ضمن هذه المطالب المعلنة ، القانون الانتخابي للعام 1995 وضرورة تغييره بنظام اتنخابي عصري ديمقراطي يأخذ بمذكرة الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ، ويفسح المجال لمشاركة المرأة بشكل أوسع من خلال إقراره " للكوتا النسوية " التي لا تقل عن 20% من مقاعد المجلس النيابي ، كلك مطالب المرأة في القوانين والتشريعات الفلسطينية وبما يؤمن المساواة والعدالة الاجتماعية ، وقانوني الأحوال الشخصية والعقوبات هما المحك والاختبار لرؤيا صاحب القرار وقناعته بانصاف المرأة وإزالة كل القيود والتشريعات التمييزية تجاهها ، فهل سنرى ذلك فعلا أم أن الأمور ستبقى تراوح في إطار الحسابات السياسية التي تضع أولويات أخرى تكون المرأة وقضاياها وقوانينها ميدانا للصفقات والمساومات ، وبهذا يؤكد أن تشكيل وزارة المرأة لم تكن محصلة لعملية تغيير ولم تكن سوى وليدة ظرف سياسي معروف .
هل وزارة المرأة استمرار للنظرة الرومانسية تجاه المرأة ؟
هناك تخوفات مشروعة من أن تكون خطوة الحكومة تشكل امتدادا للخطاب الانشائي وشكلاً من إشكال الاستعراض والرومانسية " الثورية " التي تعطي انطباعا واهما بأن أشواطا واسعة قد قطعت على صعيد قضية المرأة ، فهي خطوة تبدو في مظهرها اعترافا وانصافا وترجمة للتوجهات العامة في القانون الأساسي ووثيقة الاستقلال ولكنها في الجوهر ليست أكثر رمن حركة وجاهية وربما عشوائية ، وهذا بالمحصلة يضر بقضية المرأة ، وهذه المسألة ليست مسقطة أو من بنات أفكارنا ففي التجربة الفلسطينية تهرّب قضية المرأة من الاستحقاقات الجدية في إطار خطاب المديح والمجاملة ، فهي الأم والأخت ونصف المجتمع وحارسة النار وهي لغة جميلة أُخذت بها المرأة ، وفي واقع الحال كان وضعها أشبه بالديكورات والإكسسوارات الضرورية لاستكمال الشكل القيادي والصالون السياسي .
خطوة نحو الإدماج أم العزل
يطرح تساؤل يبدو منطقياً ، فهل الإقرار بدور المرأة وتعزيز مشاركتها وإدماجها مجتمعيا يمر عبر وزارة المرأة أمن أن من الممكن أن يتم التعبير عنه بأكثر من طريقة وسياسة، ثم الا يحمل هذا التشكيل محذورا من نوع فصل قضية المرأة عن قضايا المجتمع الأخرى وحصرها بقضاياها ؟ وأن المرأة هي قضية خاصة بداية ونهاية ، وأن تشكيل وزارة المرأة تعبير عن تراجع فكرة الإدماج .
إجمالاً فإن طرح التساؤلات والتخوفات على الوزارة الجديدة للمرأة لا يعني بأن من أبدى الحذر والتخوفات يصنف حكما بأنه ضدها ... بل أرى بأن علينا وعي المحذورات وفي نفس الوقت التصرف وعلى أساس بأنه قد أصبح لدينا وزارة للمرأة يجب إعطاؤها الفرصة الكافية لتبيان معالمها وحدوها وآفاقها ، وجعلها ثابتة ودائمة لا تخضع لتغير الظرف والائتلاف السياسيين ، بل يجب السعي لأن نكون مثالا يحتذى على صعيد دورها الحكومي العام وعلى صعيد قضايا المرأة ، وأن حصل هذا فإنها ستجد كل الدعم والاسناد من مختلف قطاعات ومؤسسات المرأة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني المساندة والمؤيدة لقضية المرأة والتغيير الديمقراطي في المجتمع ، وبتقديري وحتى تنجح الوزارة فإن جملة من المتطلبات المبدئية يجب أن تضعها في اعتبارها وهي:-
أولاً من الصعب أن نتصور أن هذه الحكومة ستكون على تماس مع الميدان ، وبذات الوقت لا يمكن لها أن تمثل المرأة وترتقي بوضعها دون الانفتاح على القاعدة ، بل بات الانفتاح على القاعدة واستقطابها شرطا للنجاح ، كذلك فإن تشبيك العلاقة مع المؤسسات النسوية والأطر والمنظمات النسوية بكل الوانها واتجاهاتها ، يمكن أن تحقق للوزيرة وطواقمها مالا يمكنهم تحقيقه بشكل مستقل ، مع التنوية إلى أن العلاقة يجب أن تبتعد عن الموسمية وأن تتخذ شكلا وآلية منتظمة ، وهناك مقترحات بتشكيل مجلساً استشاريا ومنتديات نسوية مفترض أن تخضع جميعها للنقاش .
ثانيا : تنظيم العلاقة مع المجلس التشريعي وعلى وجه الخصوص مع اللجنة القانونية ، فالقراءات للتشريعات الفلسطينية المتعلقة بالمرأة لا زالت دون الطموح ، وهو ما يستدعي من وزارة المرأة أن تعطيها الجهد الكافي والتأثير عليها وبالتنسيق مع المنظمات النسائية ، وكذلك من الضروري أن يتم تشكيل حالة ضاغطة على مصدر القرار السياسي لاقرار قانون انتخاب عصري يتضمن إقرار كوتا للمرأة .
ثالثاً : الاسهام في إعادة بناء الاتجاهات الإعلامية والثقافية سواء من خلال خلق إدارة إعلامية بالوزارة ذاتها ، هدفها نقل قضية المرأة ووضعها في صدارة القضايا المجتمعية بإثارة الوعي حولها والاقناع بها دون تطرف بل بهدف وضعها في إطار مفهوم المواطنة الغائب .
وأخيراً لا بد من أن يبذل جهد ما باتجاه إعادة النظر بالاجندة النسوية الشاملة لكافة المحافظات ، حيث يبدو أن مياها كثيرة قد جرت ، جعلت الأولويات تختلف من منطقة لأخرى تبعا لضغوط الوضع السياسي والوطني ، فترتيب الأولويات في رام الله تختلف عن تلك التي في نابلس وعنها في رفح ، فالمناطق المحتلة لم تعد فقط أ ، ب ، ج بل أصحبت رام الله D. C ونابلس DC وغزة DC ..