|
ملاذ الفلسطينيين الأخير: إبقاء الخيارات مفتوحة!
عمران ناصر الرشق
الحوار المتمدن-العدد: 2262 - 2008 / 4 / 25 - 04:34
المحور:
القضية الفلسطينية
تمر القضية الفلسطينية في مرحلة هي الأشد حلكة في مراحلها المختلفة، بحيث بات المشروع الوطني مهددا بالتبدد والضياع، وسبب ذلك شعور عميق يراود الفلسطينيين بأنهم استنفذوا جميع خياراتهم ولم يعد لديهم من جديد يقدمونه في صراعهم للانعتاق من الاحتلال. وتظهر النتائج الراهنة التي آل إليها العمل الفلسطيني، كم كانت الطرق المختلفة التي سلكها الفلسطينيون سواء عبر المقاومة بأشكالها المختلفة أو العمل السياسي والدبلوماسي، غير مجدية في تحقيق هدفهم بالخلاص الوطني. منظمة التحرير الفلسطينية: من المقاومة للعمل السياسي ولكن فمنظمة التحرير الفلسطينية بطابعها الوطني القطري التي صعدت بعيد هزيمة عام 1967، لم تنجح بالإيفاء بما تعهدت به للفلسطينيين في ميثاقها بتحرير فلسطين، كامل فلسطين من البحر إلى النهر، عبر "الكفاح المسلح" الذي اعتبره الميثاق "الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك إستراتيجية وليس تكتيكاً". وعندما حاولت انتهاج خط أخر هو العمل السياسي، نتيجة تناقص خياراتها العسكرية بسبب من البطش الإسرائيلي من ناحية، وعدم تحمل الدول العربية لمشروع تحرري بثقل الثورة الفلسطينية من ناحية أخرى، والبيروقراطية والفساد والتجزؤ الداخلي الذي نخر المنظمة من ناحية ثالثة، عندما حاولت ذلك بما يعنيه من تنازلات إقليمية مؤلمة أهمها الاعتراف بوجود إسرائيل على 78% من مساحة فلسطين التاريخية، اصطدمت بميزان القوة المائل بفداحة لصالح إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية القوة الأعظم دوليا. ونتيجة لهذه العوامل ولأسباب ذاتية تتعلق بالشغف بالسلطة وغياب الديمقراطية والمحاسبة بدأت منظمة التحرير ممثلة بالجناح المتنفذ فيها حركة فتح سلسلة من التنازلات لم يكن اتفاق أوسلو أولها ولا أخرها، وصولا إلى الوضع الحالي الذي يدير فيه الفلسطينيون مفاوضات عبثية مع إسرائيل، في الوقت الذي تستمر فيه الأخيرة بتنفيذ مشروعها القائم على اجتثاث الفلسطينيين من أرضهم. وتثور تخوفات من أن تقبل سلطة رام الله بالوصول لاتفاق فضفاض، يقبل بدولة داخل حدود جدار الفصل العنصري، مع تجاهل حق العودة وغيره من الثوابت الوطنية، وذلك بهدف منحها نوعا من الشرعية تبرر وجودها ما بعد أواخر عام 2008، موعد استحقاق الدولة الفلسطينية حسب وعد الرئيس الأمريكي بوش. الحركة الإسلامية: مقاومة محاصرة وإلى أين؟ أما الحركة الإسلامية، ممثلة بـ"حماس" و"الجهاد الاسلامي" التي نجحت في المصالحة ما بين الوطنية والإسلام السياسي بعد مخاض طويل، وتاريخ طويل من الاستنكاف عن الاشتباك المباشر مع الاحتلال، فقد بدت بعد بتبنيها المقاومة، وكأنها تعيد سيرة منظمة التحرير الفلسطينية التي اكتسبت شرعيتها عبر مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وابتداء من اتفاقية أوسلو عام 1993، وعبر سلسلة من العمليات الانتحارية المدوية، أسست "حماس" لنفسها منزلة المعارض الأكبر داخل المجتمع الفلسطيني، من خلال استمرار مقاومتها المسلحة للاحتلال من ناحية، وعدم إتيان "التسوية" ثمارها في ظل التعنت الإسرائيلي من ناحية أخرى. وبعد أن حملتها العوامل أعلاه – إضافة لفساد السلطة- إلى سدة المجلس التشريعي، وجدت "حماس" نفسها أسيرة حصار دولي وعربي وداخلي محكم شل من قدرتها على العمل. واليوم وبعد الانقلاب الدموي الذي سعت أو اضطرت إليه في قطاع غزة، وبعد أن فقدت قواعدها في الضفة الغربية نتيجة الضربات القاصمة التي وجهتها إسرائيل وسلطة رام الله إليها، لا يبدو بأن "حماس" تملك أكثر من صواريخ "القسام" التي وأن كانت مزعجة لإسرائيل فإنها لا تشكل خطرا استراتيجيا عليها، بل أن إسرائيل تستخدمها ذريعة لإنزال أقصى درجات الهلاك والبطش بالفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة. والمعضلة انه إذا كانت المواجهة مع الاحتلال تقتضي الاصطفاف في جبهة متراصة، فالواضح أن الفلسطينيين خسروا معركة الوحدة الوطنية، بعد أن أوصلتهم الانتخابات التي كان يجب أن تبدأ بهم مرحلة من الاتفاق والإصلاح، إلى اشد درجات التذرر، ولا يبدو بالأفق أنهم في طريقهم لاستعادة وحدتهم، خاصة بعد فشل كل مبادرات التوفيق بين حركتي فتح وحماس لانعدام حسن النية لدى الطرفين إضافة إلى التنازع على السلطة والتدخلات الخارجية. استحالة "التيار الثالث" ويزيد المشكلة تفاقما انه ورغم فشل حركتي "فتح" و"حماس" في تحقيق برنامجها الدولاني لأسباب داخلية وخارجية، وبعد أن أخذت المؤشرات توضح أنهما بدأ يفقدان حتى التمايز في الحقول الإدارية والأمنية، فإن كل المراهنات على تشكيل تيار ثالث يستطيع أن يكون بديلا تاريخيا لهذين التيارين الرئيسيين، تبدو في إطار الأمنيات لا غير، فالإطراف التي يراهن عليها لتشكيل هذا التيار (اليسار ويسار الوسط) هي اعجز عن تقديم ما يؤكد أهليتها السياسية والفكرية والأخلاقية للاضطلاع بهذه المهمة الجسيمة. وفي مثل هذه الظروف لا يبدو مستغربا أن يصل الفلسطينيون حالة من اليأس بعد أن وجدوا أنفسهم دون أي خيار، الأمر الذي يدفعهم إلى الكفر بأية إمكانيات ذاتية، وهو ما ينسجم بالضرورة مع المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تحويل الفلسطينيين لكائنات متشظية محبطة بلا هوية أو هدف، تبحث عن خلاصها الفردي وقوت يومها وبأي وسيلة في واقع تتضاءل إمكانياته يوما تلو الأخر، ومن هنا يمكن فهم حالة التفكك الاجتماعي والضياع والعنف والتعدي اخذ الحقوق باليد ارتفاع معدلات القتل والجريمة التي تسود المجتمع الفلسطيني، ومن هنا، ايضا، يمكن فهم حالة فقدان الثقة بالداخل والانبهار بنماذج خارجية، كحزب الله اللبناني، الذي وان كان مؤيدا وداعما للمقاومة الفلسطينية، إلا إن إمكانياته وحدود معركته لا تمتد لتشمل المشروع الوطني الفلسطيني. طريق الخروج ولكن كيف الخروج من هذا المأزق؟ يبدو ثمة حاجة ملحة لإبقاء الخيارات الوطنية مفتوحة، وعدم استبعاد احدها أو الإقرار بعدم معقوليته حتى ولو كان المضي فيه يعني سلوك طريق جديد مضن، خاصة وأن وقت طويلا لن يمضي – ان لم يكن الوقت قد مضى فعليا- قبل أن تبدد إسرائيل نهائيا إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، عبر طمس المعالم المادية لحدود هذه الدولة وتحويلها لمعازل وسجون منفصلة، عن طريق التوسع الاستيطاني والجدار العازل الذي في القدس الشرقية والضفة الغربية. والخيار المطروح في هذه الحالة هو حل الدولة الواحدة التي يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون، وهو الحل الذي بلا شك يخيف إسرائيل أكثر من أي حل أخر كونه ينسف الأسس الأيدلوجية التي قام عليها هذا الكيان. على إن المضي في هذا الخيار الصعب لا يبدو ممكنا دون إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بانضمام كافة أطياف الشعب الفلسطيني إليها، فالمنظمة ليست مجرد كيان تجميعي يضم داخله قوى وتنظيمات متناحرة، بل هي – حسب أهدافها الأصلية - بمثابة الوطن الانتقالي لجميع الفلسطينيين في الضفة الغربية والقطاع و القدس و داخل الخط الأخضر واللاجئين في الداخل في الشتات، وهي جميعا الروافع التي بإمكانها حمل مهمة جسيمة بهذا الحجم، توقف حالة تجزؤ القضية الفلسطينية إلى ملفات فرعية غير متصلة: فلسطينيو الضفة وفلسطينيو القطاع وفلسطينيو القدس وفلسطينيو الـ 48 واللاجئين، يناضل كل منهم في سجنه - بل في المعازل الصغيرة الموجودة داخل هذا السجن- وللقضية التي تمسه مباشرة فقط دون وجود هدف يوصل خيوط العمل الفلسطيني ببعضها البعض. وأخيرا يقول غرامشي:" القديم يحتضر والجديد لا يستطيع أن يولد بعد، في هذا الفاصل تظهر أعراض مرضية كثيرة وعظيمة في تنوعها"، عبارة كهذه إن انطبقت على الواقع الفلسطيني تتطلب العمل على توليد خيارات جديدة، تنقذ القضية الوطنية من الموت في رحم الماضي المتهالك.
#عمران_ناصر_الرشق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية وديكتاتورية -النص-..... محاولة لنقد اطروحات الاس
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|