|
مقدمة في علم البنى
عبد الرحمن كاظم زيارة
الحوار المتمدن-العدد: 2263 - 2008 / 4 / 26 - 05:44
المحور:
الادب والفن
(1) مدخل يهتم التحليل البنيوي بفرز الاشياء الى عناصرها الاولية ، والكشف عن علاقاتها الداخلية . وهذا هو بالضبط حجر الاساس لعلم البنى . أن المشكلة التي تثار حول ما عرف بالبنيوية بين مؤيد وناكر لها ،أساسها التأرجح في النظر والرؤية أزاء ما تعنيه البنيوية : أهي منهجا أم علما ؟ . ولابد من الاعتراف بأن البنيوية تمتلك الصفتين معا : علم ومنهج . إن وصفها بـ "علم " يسلتزم تعيين موضوعها ، بينما وصفها بـ " منهج " يسلتزم تعيين أدواتها . وفي كلتا الحالتين تختلط الصفتين في نسيج الرؤية البنيوية وهذه مزية تتفرد بها البنيوية عن العلوم والمناهج الأخرى . في هذه الاسهامة نحاول ألاجابة عن عدة مسائل مترابطة : ماهي البنية ؟ ما موضوعها ؟ وماهي المنهجية الكفيلة بالكشف عن بنية ما ؟ مالفرق بين البنية والنظام ، وبين العملية والعلاقة ؟ وكل هذه التساؤلات تلمح الى ضرورة إيجاد معيار بنيوي يصنف الدراسات البنيوية عن تلك التي تدعي لنفسها الصفة البنيوية. أن الاجابة المتواترة عن هذه المسائل لابد أن تحيلنا ومن وجهة نظر علمية الى البيئة الاصلية للمصطلحات والمفاهيم البنيوية ، لا كما نظّر لها الكتاب البنيون الطليعيون ، بل كما ظهرت لأول مرة في بيئتها الرياضياتية في الاغلب . إن تأصيلا رياضياتيا لما عرف بالبنيوية ، هو ما تمهد له هذه الدراسة . (2) البنيوية علماً ومنهجاً أن ما يؤيد الاعتقاد بأن البنيوية علما ، هو أمكانية النظر الى الاشياء المحسوسة أوالمدركة أوالمتصورة ، على أنها بنى . فموضوع البنيوية هو كل هذه الاشياء المحسوسة او المتصورة او المدركة . والتصور البنيوي للاشياء ، هو الذي يمنح البنيوية طابعها الشمولي ، بمعنى إستغراقها لتلك الاشياء تصوريا . والمزية الاخيرة تجعل من البنيوية في الوقت ذاته منهجا ذي أبعاد شاملة . ولكن يجب تحديد ما يعنيه الطابع الشمولي للبنيوية هنا. إن الامر لايتعلق بالافكار المطلقة ، بل أنه عكس ذلك تماما . فالبنيوية تهتم بالحقائق الجزئية دون الحقائق الكلية . لأنها تحاول أستكشاف الانظمة المغلقة ، والنظام المغلق أبعد ما يكون عن الافكار المطلقة ، بل وبعيدا حتى عن التصورات الفلسفية.إلا ان ذلك لايمنع انبثاق ابعاد فلسفية للبنيوية ، فلكل علم له تلك الابعاد مادام علما . وليس صحيحا أن البنيوية تقصي التاريخ ، تاريخ الانسان خاصة . فالزمن هو الآخربنية قابلة للتحليل . والتحليل البنيوي للزمن أكثر يُسرا من التحليل المماثل لقصيدة شعر أو رواية أو مسرحية أو لوحة فنية . إنما كثيرا من القواعد والقوانين العلمية ، لاتُدخِل الزمن كمتغير في بناءها ، ولكن من المؤكد ، ماتصفه القواعد والقوانين من علاقات أو عمليات بين متغيرات ، لايتم إلا في لحظة زمنية ما . أن التعريف العام للبنية أياً كانت الصياغات اللفظية والمكتوبة التي تفصح عنه ، يتضمن ركني البنية : العناصر والعلاقة ( أو العملية الداخلية ) . وأي أختلاف تثيره تعريفات أخرى ، ينبغي أن يوضّح على أساس هذين الشيئين : العناصر والعلاقة. رياضياتيا يعبر عن مكوني البنية بزوج مرتب ( المجموعة ، العملية الداخلية ) . أن الصفة الترتيبية لهذا الزوج تعني : أن الكشف عن عناصر البنية ، عبر التحليل ، يتقدم على الكشف عن العملية الداخلية بين تلك العناصر. والبحث البنيوي برمته يتخذ من العملية المشار اليها موضوعا له . على أن لاوجود لعملية داخلية أصلا دون وجود مسبق لشئ قابل للتحليل . فالبحث عن العملية الداخلية يتلازم وكون العناصر. تتخذ البنى مسميات مزدوجة ، وهذا أمر معتاد لدرجة يصح معها أن تتخذ " التسمية " إفصاحا خاصا عن البنية ، ذي معيارعلمي وآخر موضوعي . فالمعيار العلمي هو ما تفيض به البنية من خصائص مستقاة من نسق علم البنى. وموضوعيا ، بمعنى يشير الى البنية كشئ قائم أو يمكن تصوره أو تشيّئه . وبكلمات أخرى ،تعد التسمية المزدوجة للبنية دالاً يشير الى خصائصها العلمية والموضوعية ، كالبنية الدلالية ، أو البنية الزمرية للذكاء أو البنية الدائرية لقصيدة ما ،وغيرها كثير. وعلى الدوام تتلازم لفظة " بنية " مع لفظة أخرى أو أكثر.أو لربما يدل لفظ واحد على كامل نسق البنية الخاضعة للبحث . تتنوع البنى إذن ،طبقا الى نسقها العلمي ووحداتها الموضوعية . وكل بنية هي مجموعة مؤلفة من ثلاثة أشياء : ــ دعامة ، وهي على الدوام تكون موضوع التحليل الى العناصر الاولية . والكلمات الرديفة للدعامة كثيرة ، مثل : مجموعة ، شميلة ، كتلة وغير ذلك . أن الصفة التي تجعل عناصر معينة تنتظم في بنية معينة ، هي كونها منسجمة . أي تملك خصيصة واحدة تتسم بها ، هي شرط الانتماء للدعامة . ولكن من جهة مغايرة أن هذه العناصر يجب أن تكون متمايزة فيما بينها على الرغم من أنسجامها ، بل ان انسجامها هو الذي يسمح بتنوعها داخل الدعامة. واذا لم تكن متمايزة فهي متطابقة فتشير عندئذ الى عنصر واحد . ذلك أن التحليل البنيوي للدعامة يقصي العناصر المتكررة ، وهذا في حقيقة الامر ما يشير اليه سرد عناصر أية مجموعة ( = دعامة ) ، طبقا لنظرية المجموعة .أي ان مبدأ الانابة له حضوره عند سرد المكونات العنصرية للبنية . ــ عملية داخلية ( مغلقة ) ، هي بطبيعتها علاقة ثنائية ، تحافظ على أستقرار نظام البنية . وتعد العلاقة الداخلية من وجهة نظر أخرى عملية ثنائية اذا لم تكن مغلقة . أن طبيعة واسم العلاقة يُستَنْبَط من موضوع البنية ذاته . ــ الخصائص : وهي ما يمكن أن يكشف عنه التحليل عبر إستخدام أدوات عديدة تنقاد الى موضوع البنية ، كالتوليدية والتجميعية والدائرية والتوزيعية وكل ما له صلة بنظرية المجوعات والتبولوجيا ومفاهيم أخرى كالدالة والتطبيق وغير ذلك . والامر المهم في خصائص البنية تلازمها مع العلاقة الداخلية. وبكلمات أخرى ، أن خصائص البنية هي في الحقيقة خصائص تتمتع بها العلاقة المغلقة ، تَخضع العناصر الى شروطها . ولكن يكفي أن تكون العلاقة داخلية لَتُنشِئ بنية . إذن من المقولة العامة للبنية ، يمكن السير بالبحث البنيوي وفقا لمفاهيم محددة ومتميزة ، تظل محتفظة بخصائصها حتى نهاية البحث . وهنا علينا أن نميز أمرين بوضوح في الشأن البنيوي .. الاول : يدورحول النسق النظري للبنى ،وقد قدمنا تصورا أوليا عنه للتو . أن النسق العلمي لعلم البنى ، يحوي مفاهيم ومبرهنات وأطلاقات متنوعة على البنى تحت شروط معينة . ويمكن الاحاطة بهذا النسق من خلال الاطلاع على نظرية المجموعة ، وموضوع الجبرالمجرد ، والتبولوجيا ، ومفهومي التطبيق والدالة ،وغيرها مما تجود بها العلوم الرياضياتية . أن صعوبة عرض النسق النظري للتحليل البنيوي لموضوعات أنسانية : لغوية ، دلالية ، إجتماعية ، ... يكمن في إستحضار الامثلة التطبيقية المتوازية مع المنهجية التي تفرضها تلك المفاهيم. إلا أنه أمر يستحق العناء لتقديمه كعلم عام مستقل تحت مسمى: علم البنى . وليس بالضرورة محاكاة البنى الرياضياتية في تحليل موضوعات من قطاعات أخرى ،أن ذلك له عواقب وخيمة على متانة البحث العلمي دون شك . ويشبه خطأ ألْسَنة العلوم. والمحاكاة التي نحذر منها هنا تضمر امرا قد يبدو منافيا للتحذير ذاته ، ذلك هو التحذير الاضافي من التفريط بالشروط التي تفصح عنها المفاهيم . فلا يمكن مثلا محاكاة مسار الخاصية التجميعية على عملية الضرب أو الجمع عند البحث في بنى اجتماعية او ادبية او فنية . ولكن يمكن اتخاذ الخاصية التجميعية كاداة بحث في بحث تلك البنى باستخدام ما يكشف عنه التحليل من علاقات . وعندئذ يمكن الوثوق من أكتشاف بُنى متنوعة بتنوع موضوعاتها : روائية ، شعرية ، لغوية ، دلالية ،منطقية ،إجتماعية ، سياسية..والقائمة تطول بعدد الاشياء والموضوعات الخاضعة للاهتمام أو البحث. أن منطلق التحليل البنيوي يتمثل بتحديد مستوى التحليل . وهذا يتحدد بوجهة النظر الى الموضوع . بمعنى أن مستوى التحليل يتحدد بالاجابة الواضحة عن ماهية الشئ وموضوعه . ومن ثم يستمر البحث على نحو تراكمي ، يستقطب المفاهيم المنهجية لعلم البنى بمطابقتها مع ما تعنيه تلك المفاهيم بالضبط . ذلك أن علم البُنى ذو نسق تراكمي هو الآخر ، فحتى نثبت أن تصورنا للـ ( الشئ ) الذي بين أيدينا يمثل بنية علينا أن نحلله الى عناصر نعتقدها أولية فيه. ومن ثم نكشف عن العلاقة الثنائية وأثبات كونها مغلقة ، ثم نستمر في بحث الخصائص التي للعملية الداخلية إنْ كانت تجميعية أو توزيعية . فهاتان الصفتان تؤديان الى أنواع معينة من البُنى . ومن ثم نستمر في بحثنا عن نظير لكل عنصرفي دعامة البنية ، وعنصر محايد وحيد فيها.. وهكذا يتصاعد البحث في معطياته على نحو مواز مع النسق المتراكم للمفاهيم البنيوية . ان مفهومي العنصر النظير والعنصر المحايد ، من المفاهيم الاساسية لأية بنية . وثمة تلازم بين المفهومين ، من شأنه ان يفصح عن حدّيهما ، وهويتهما ، دون لبس. وتلازم المفهومين يتضح من كون ارتباط العنصر بنظيره عبر العلاقة الداخلية للبنية لابد ان يسفر عنه العنصر المحايد للبنية .لذا يتحتم استمداد مفهوم النظير من داخل البنية لامن خارجها . فالنظائر في بنية مكونة من الاعداد الحقيقية ، ومعرفة على الجمع بصفتها علاقة داخلية هي الاعداد التي يكون حاصل جمعها مساوي الى العدد صفر ، ذلك ان العدد صفر هو العنصر المحايد في البنية المذكورة . ويمكن ان نضيف شيئا بصدد النظير والمحايد ، وهو في الحقيقة متضمن في علاقة التلازم التي اشرنا اليها ، وهو ان ارتباط العنصر اونظيره بالعنصر المحايد عبرالعلاقة الداخلية للبنية يسفر عنه ذلك العنصر او نظيره على الترتيب. إلا ان ارتباط عنصر ما بعنصر آخر داخل البنية ، ليس احدهما نظير للآخر يسفر عنهما عنصرا مغايرا لهما ، لابد ان يكون ماثلا في دعامة البنية .وفي كلا الحالتين إفصاح عن خاصية الاغلاق التي ينبغي لكل علاقة بنيوية ان تتصف بها . وسنرجأ ذكر تطبيقات هذه المفاهيم في البنى الادبية والاجتماعية وغيرها الى اسهامات أخرى ذات منحى تطبيقي . وحيث أننا جزمنا واثقين بأمكانية النظر للاشياء على أنها بُنى ، فيمكن إذن تصنيف تلك البنى طبقا الى معايير معينة. على أن التصنيف الاوضح هو ذلك التصنيف الذي تفرضه الادوات التحليلية لعلم البنى ، والتي تتوصل الى أنواع معينة منها . وهذه على قدر عال من الوضوح في الرياضيات . إلا أن الامر يصطدم بصعوبات تجريبيبة عندما يتحول البحث في موضوعات قد يتعثرعندها التحليل للوقوف على وحداتها على نحو مميز ، مثل ، البُنى الدلالية والبُنى الفكرية وبنية القصيدة وبنية الرواية وغيرها من الموضوعات التي تفرض بقوة هيمنة التعابير الكيفية في أنساقها البنائية . على أننا ينبغي أن نفرق بين بنية الشئ وموضوعه ، برغم أن الموضوع هو الذي يخضع للتحليل البنيوي . هذا التفريق يجنب الباحث الخلط مثلا بين البحث الدلالي المحض وبين البحث في البنية الدلالية. ففي الحالة الاولى يحتكم الباحث الى الدلالة كموضوع فيما ينشغل الباحث في الحالة الثانية بالعلاقات الداخلية في حقل دلالي معين ، بعد أن يتاح له تحديد وحداته. ويمكن القول أن الحالة الاولى تفصح عن أمور تقريرية فيما تنصرف الثانية الى التنظيم . ومن المفيد هنا الاشارة الى بُنى مختارة ، على سبيل المثال لا الحصر.. بنية الدالة التي تشير الى عمليات دالية بين فئتين ، وربما اكثر ، تنظمها قاعدة اقتران تنتج اشياء مغايرة للاشياء المكونة لها. وهذه ايضا موضوعها ومفرداتها المنهجية واسعة وتجد لها تطبيقات نموذجية في علم الدلالة ، وعلم اللغة ، وعلم الاجتماع . وأستخدامها أكثر يسرا ووضوحا في العلوم الطبيعية نظرا لسهولة الوقوف على وحداتها . البنية المنطقية وموضوعها الاساسي قيم الصدق بين عناصرها التي ترد على هيئة جمل خبرية مفيدة ، وصلاتها محدودة بادوات ربط ، كأداة العطف ( و ) ، وأداة التفصيل ( أو ) ، والاداة الشرطية ( إذا كان ... فأن ) ، والاداة الشرطية الثنائية ( إذاكان وفقط إذا كان ...فأن ). وأن أدوات الربط لاترقى الى علاقة ما لم تكن العبارة المنطقية المركبة صادقة . اما النفي في المنطق ليس أداة ربط ، بل هو عملية أحادية ، ذلك ان نفي شئ لايتطلب طرفا ثانيا ، والفاعل ليس طرفا في العملية الثنائية التي للمنطق . إن العلاقات المنطقية تعد علاقات ثنائية ، وصفتها الثنائية هذه تجيز لنا الكلام عن بنى منطقية تستوفي شروط البنية العامة ، إضافة الى خصائصها المنطقية ، التي يصرح عنها علم المنطق. هذه الخصائص في حقيقة الامر تشكل موضوع المنطق ، ولها حقائقها العلمية المعروفة . ولادخل للبنية المنطقية بها . أن صفة الإغلاق للعلاقة الداخلية المنطقية أكثر وضوحا في غيرها من البنى ، حيث أن عناصر البنية المنطقية هي على الدوام عنصران لا أكثر وهما قيم الصدق : صادقة ، كاذبة . فالعلاقة لابد أن تفرز احديهما . البنية الزمرية وتمثل استطرادا معقدا للبنية ، إذ ان العلاقة في هذه البنية ، هي عملية لها شروط محددة : الثنائية المغلقة ، والتجميعية ، اضافة الى وجود العنصر النظير لكل عنصر منتم الى دعامة البنية ، ووجود العنصر المحايد طبقا للعملية الثنائية المعرفة سلفا. لقد استل جومسكي توليديته من الزمرة التوليدية ، لكن على نحو فيه الكثير من التساهل والمجاز. ان البُنى المذكورة في اعلاه هي أمثلة على بُنى نموذجية على مستوى التنظير ، من شأنها أن تخضع البنى الموضوعية الى شروطها ومنطقها الداخلي . وهي من النوع المتوازي مع موضوعات بحثها . البنية الدلالية وهي مثلا من امثلة التقاطع بين البنية النموذج والبنية كمفهوم عام . فالدلالة موضوع قابل للتحليل والبحث فيه ،ولاتشكل نموذجا قابلا للمحاكاة بذاته ، كما هو الحال مع البُنى السالفة الذكر. لذلك فان تعبير البنية الدلالية هنا ، يحصر اداته البنيوية . فالبحث الدلالي ان أُريد به ان ينحى منحا بنيويا ينبغي معه اختيار اداة هي في النهاية تمثل مفهوما ، يتواجد في احد البُنى السالفة الذكر، او احد استطراداتها. والا فان البحث الدلالي يكون بعيدا عن البحث البنيوي ويكتفي بمفاهيمه الدلالية . وطالما ان الدلالة تُعنى بانواع من التقابلات فان البنية الاكثر ملائمة لها هي البنية الدالة وشيئا ما البنية العامة . والجدير بالملاحظة القول أن لفظة "بنية عامة " تشير الى بنية قد أستوفت شروط تبنينها ، أما كون البنية دائرية أو توليدية أو إبدالية فهذه صفات إضافية على البنية العامة ، تُصنّف بخواص العملية الداخلية تارة وطبيعة العناصر تارة أخرى ، وأن إنعدام الصفات المذكورة لايقود الى إنعدام البنية ، أنما هي صفات تالية على مرحلة التثبت من وجود شروط البنية بمفهومها العام . ولابد لنا أن لانترك مفهومي البنية الدائرية والبنية المولدة دون تأصيل . حتى لايبدو ما نتحدث عنه كأنه من الامور المعروفة والمسلم بها. بل أن هذين المفهومين ـ كما هي حال مفاهيم اخرى ــ كثيراً ما يستخدمان على سبيل المجاز ، أو على نحو غير دقيق . يرتبط مفهوم البنية المولدة وكذلك البنية الدائرية بمفهوم البنية الجزئية .أن لفظة "جزئية " . تعني أمكانية عزل بعض عناصر دعامة البنية على سبيل التعيين ولاسباب مختلفة ، تتعلق بطبيعة تلك العناصر، أو اجمالا يتم عزل مجموعة جزئية من دعامة البنية طالما ان ذلك ممكنا. وأذا كانت عملية العزل لاتطيح بالعملية الداخلية للبنية فأننا بهذا العمل نحصل على بنية جزئية. أن الزوج المرتب : ( مجموعة جزئية من الدعامة ، علاقة داخلية ) ، يشيرالى بنية جزئية ، لها ما للبنية من شروط أو خواص محتملة ، إنها بنية أخرى. وبطبيعة الحال لايعد عملا مُحْكَما اختيارعدد معين من العناصر دون إجراء تحليل شامل مسبق للدعامة ككل . وأذا كانت عناصر البنية الجزئية من شأنها أن تولّد عناصرها عبر العلاقة أو العملية القارة فيها ، فأن البنية الجزئية تحت هذا الشرط تسمى بنية توليدية أو بنية مولدة . وأذا توفر في دعامة البنية عنصر واحد فقط من شأنه توليد كل عناصرها فأن البنية دائرية . ولكن هاتان البنيتان " المولدة والدائرية " تُستمدان من البنية الزمرية التي تقدم ذكرها . أما شبه البنية أو نصف بنية ، فأنها البنية التي تتصف علاقتها بأنها تجميعية ، دون أن يكون لها عنصرا مرواحا ( = محايدا ). وهي بهذا المعنى أعقد من الدعامة المزودة بعملية ، ليست بعلاقة مغلقة . بمعنى أن نصف البنية دعامة ذات عملية داخلية مغلقة وتجميعية حسب ، دون إستيفائها لخواص أو شروط أخرى متقدمة . (3)الأنظمة الثلاثية ــ البُنى المزودة بعمليتين لقد عُرّفت البنى السابقة الذكر: البنية العامة والبنية الزمرية ، والبنية الدائرية ، والبنية المولدة، والبنية الإبدالية ،على أنها دعامة مزودة بعلاقة داخلية واحدة . فهي بهذا المعنى ولأغراض تتعلق بتصنيف الانظمة تعتبر أزواج مرتبة كما سبق ذكره. إنها مُنشأة من أثنين يشكلان زوجا مرتبا :( الدعامة ، العلاقة ) . وثمة بنى أخرى مزودة بعلاقتين ثنائيتين . هي قبل كل شئ أنظمة ذوات عمليتين . أي إننا أزاء ثلاثي مرتب : ( دعامة ، علاقة أولى ، علاقة ثانية ) . وهنا الصفة الترتيبية ، التي تعطى لكل علاقة رتبتها ، ذات أهمية خاصة جدا لايمكن تجاوزها ، أي أن إحدى العلاقتين على وجه التعيين يجب أن تسبق الاخرى . أن الوقوف على هذا الترتيب وإقراره يشكل منطلقا لتحليل هذا النوع من البنى . ويكون الامر سهلا لو أطلعنا على المرتب الثلاثي بصيغته المجردة ، ففيه إخبار عن الترتيب كمعطى ، على سبيل المثال : ( دعامة ،علاقة تجاور دلالي ، علاقة معنى)، أو في سياق آخر ( دعامة ، علاقة اتحاد ، علاقة تقاطع ) أو في سياق ثالث ( دعامة ، علاقة توافق ، علاقة تبادل ) وهكذا . ولكن الامر لايخلو من صعوبة عندما يبدأ التحليل إعتبارا من محاولة إستكشاف هذا المعطى . إن القاعدة التي تقرر أسبقية علاقة ما على الاخرى ، هو في فرز النظام ( دعامة ، علاقة داخلية ) بصفته بنية زمرية . وبالتالي أن العلاقة الداخلية في الزوج المرتب المذكور يشار اليها على أنها علاقة أولى ، فيما ستحتل العلاقة الاخرى موقعها في النظام المرتب الثلاثي كعلاقة ثانية ، بمعيار الترتيب . يرتبط النظام الثلاثي بمفهومين قد يتوفران أو لايتوفران فيه ، وهما التجميعية والتوزيعية. إن عدم توفرهما لايلغي النظام ، إلا ان توفرهما يمنح النظام خصائص تراكمية تسمح بتحليل معمق للبنية . أن الخاصيتين المذكورتين لصيقة بالعلاقتين على نحو منفرد ، أو لربما تجتمعان فيهما في وقت واحد . أن الخاصية التجميعية ، تفيد بشكل أولي بأن كل علاقة ثنائية من العلاقتين الثنائيتين في النظام الثلاثي، تربط عنصرين دفعة واحدة ، ثم تربط ناتج العنصرين المذكورين بعنصر ثالث عبر العلاقة ذاتها ، أو عبر علاقة ثانية . فثمة عناصر ثلاثة : عنصر أختياري أول يرتبط مع عنصر ثان أختياري بالعلاقة الداخلية الاولى ، وهذان العنصران مُجَمّعان في نطاق يحويهما سوية ( يستدل على تجميعهما بوضعهما داخل قوسين ) ، وهذان العنصران يستحيلان الى عنصر واحد هو نتيجة للعلاقة بينهما ، فيرتبط بالعنصر الثالث عبر علاقة ثانية. بمعنى ،إن الخاصية التجميعية تخضع أولا كل عنصرين متجاورين الى موجبات العلاقة التي تربط بينهما ومن ثم تخضع العنصر الناتج بفعل تجاور العنصرين بفعل العلاقة المذكورة مع العنصر الثالث ، الى موجبات العلاقة الاخرى . أن التمثيل الرمزي المجرد لهذه الخاصية سيساعد في فهمها ، ومن شأنه التعويض عن متابعة الوصف السالف الذكر.. لتكن س دعامة ما ( مجموعة من العناصر المتمايزة والمنسجمة ) تتألف من ثلاثة عناصر أ ، ب ، ج. وأن كلا من * ، # رمزان أعتباطيان لعلاقتين داخليتين أولى وثانية على الترتيب . فأن : أ * ب # ج التي تعني أن" أ " يرتبط بـ " ب " بالعلاقة * ، و" ب " يرتبط بـ " ج " بالعلاقة #. ولكن حتى تستغرق العلاقتان فعلهما لابد من إجراء ( أو تصور ) خاصية التجميع التي تمنح إحدى العلاقتين فرصة الانجازأولا ، ومن ثم ، يتم الانتقال الى فرصة الانجازالأخرى التي تتم وفق العلاقة الاخرى ،وكما يلي : ( أ * ب ) # ج التجميع شمل " أ " و " ب " ، اي ان فعل العلاقة * له الاسبقية ومن ثم يعقبه فعل العلاقة # . أو أ * (ب # ج ) التجميع شمل " ب " و "ج " ، اي ان فعل العلاقة # له الاسبقية ومن ثم يعقبه فعل العلاقة * . والقوسان يشيران الى العناصر المُجَمَعَة . ولأغراض تحليلية ينبغي الحصول على ناتج العلاقة ( أ * ب ) في الصورة الاولى وليكن "ق " ، ومن ثم نحصل على ناتج العملية ق # ج . والقول نفسه ينسحب على الصورة الثانية .فأن إقرار ناتج (ب # ج ) يكون أولا وليكن " ك " ثم نحصل على ناتج أ * ك . إن الناتجين النهائيين يجب أن يكونا متساويين ، كشرط أساسي لتحقق الخاصية التجميعية . وبأستخدام الرموز : ( أ * ب ) # ج = أ * (ب # ج ) . أما الخاصية التوزيعية فهي تنص على أن العلاقة الاولى تتوزع على العلاقة الثانية ، أو بالعكس . فالتوزيعية تنطلق من حالة تجميعية ما ، وأستنادا الى خاصية أخرى هي خاصية الإبدال . وبأستخدام الرموز يمكن وصف سياق الخاصية التوزيعية على النحو : ( أ * ب ) # ج = ( أ # ج ) * ( ب # ج ) العلاقة * تتوزع على العلاق # . أو : أ * ( ب # ج ) = ( أ * ب ) # ( أ * ج ) العلاقة # تتوزع على العلاقة * . إن الخاصية الإبدالية تنص على أن إبدال مواضع العنصرين المرتبطين في علاقة معرفة ما ، لايغير من الناتج . أي أن أ * ب = ب * أ . وحتى تكون العلاقة الاولى ، مثلا ، قابلة للتوزيع على العلاقة الثانية ، يجب أن تكون العلاقة الاولى عندئذ إبدالية . تكون العلاقة * إبدالية إذا كان : أ * (ب # ج ) = (ب # ج ) * أ ، بأعتبار أن (ب # ج ) يمثل قيمة معينة غير مختلفة في كلا الطرفين. وبصفة عامة أن الخواص التجميعية والتوزيعية والإبدالية لبنية ما تعني أن تطبيق هذه الخواص على عناصرها عبر العلاقة أو العلاقتين تفضي الى النتيجة ذاتها . واذا كانت العلاقة أو العلاقتان داخليتان فأن الناتج عنصر من عناصر دعامة البنية حتما. أن هذه الخواص تكون واضحة في علمي المنطق والدلالة واللسنيات أكثر من العلوم الانسانية الأخرى. ألآن بأمكاننا أن نكمل سرد أنواع البنى التي تشكل قبل كل شئ أنظمة ثلاثية .. البنية الحلقة أو اختصارا :الحلقة ، وهي نظام ثلاثي مرتب يتألف من دعامة وعمليتين : ( دعامة ، # ، * ) في هذا النظام يتوفر نظام إبدالي يتألف من الزوج المرتب ( الدعامة ، العلاقة الاولى ) ,بشرط أن العلاقة الاولى تجميعية على الدعامة ، وأن العلاقة الثانية تتوزع على العملية الاولى ، وأنها ـ العلاقة الثانية ـ توزيعية على العلاقة الاولى . أذا كان النظام الثنائي يمثل زمرة إبدالية فأن لفظة " عملية " تحل محل لفظة " علاقة " . بمعنى أن النظام الثلاثي يشكل حلقة اذا أحتوى على عملية ثنائية مغلقة ، هي الاولى في ترتيبها ، وتشكل مع الدعامة زمرة إبدالية ، تستوفي كل شروط الزمرة : التجميعية ، والعناصر النظيرة لكل عنصر ، وعنصر مراوح هو الوحيد في دعامتها . أضف الى ذلك شرطين : أن العملية الثانية تجميعية على الدعامة ، وأن العملية الثانية توزيعية على العملية الاولى . بطبيعة الاحوال لايمكن تجاوز ترتيب خطوات التحليل المذكورة ، بل لابد من ألاشتغال بها على الترتيب . فلايمكن العثور على البنية الحلقة مالم نقرروجود بنية زمرية إبدالية . أن البنية الزمرية ذاتها تجميعية ، وبغير هذا الشرط لايمكن القول بوجودها ، وهكذا تتراكم لدينا المعطيات والنتائج من معطيات أولى تبدأ في تحليل الدعامة الى عناصر نعدها أولية ، حتى نصل الى معطيات أخرى . البنية الحقل ، أو أختصارا : الحقل ، وهو أيضا نظام ثلاثي مرتب ، يتوافر على حلقة أبدالية واحدية ، ويوجد لكل عنصر، عنصر نظيربمعيار العلاقة الثانية . و الحلقة واحدية ، أذا كان النظام المتشكل من الدعامة والعلاقة الثانية يتضمن عنصرا محايدا ( = مراوحا ) . واذا كان ناتج العلاقة الثنائية بين عنصرين ، هو العنصر المحايد فأن العنصرين متناظران . ومن هذه المبرهنة يمكن الحصول على نظائر العناصر بمعيار علاقة معينة . إذن اذا اراد " البنيوي " أن يعرض الى بنية قصيدة بعينها ، لابد أن يقوده بحثه الى الكشف عن عناصر القصيدة والعلاقة الداخلية فيها ومن ثم يتطور بحثه بنيويا على مستوى المفاهيم ليستنتج الخصائص القارة في بنية تلك القصيدة . ولكن لايمكن البدء في البحث دون تحديد لموضوع التحليل البنيوي : أهو دلالي أم لغوي ، أم في الصور الفنية ، أم في واقعية أو خرافية القصيدة ، أم .. وبهذا التحديد نحصل على "مسميات خاصة " بتلك القصيدة لكنها غير قابلة للتعميم على قصائد أخرى ، الا تحت شروط بنائية واضحة ومشتركة . مثل بنية المكان ، بنية الزمان في القصيدة ، البنية الدائرية للصورة الفنية ، وغيرها مما يخلص أليه البحث فعلا لاوهما . وكل ما سبق ذكره من بُنى يهتم بشئ اعم هو النظام ، والى هذا المفهوم تعود المسميات الاخرى . ورغم ان لفظة نظام تشير مباشرة الى علاقات ناظمة ، هي في النهاية قواعد إقتران ،تمنح لكل عنصر في المجموعة مكانته اوقيمته اووظيفته وامور اخرى ذات صلة بميزة العنصر ، فانه ـ أي النظام ــ يشير ضمنا الى وجود عناصر هي موضوع التحليل ، الا ان النظام لاوجود له عندما تُعدم العناصر . أن مفهوم النظام يشكل ضمانة لتميز البحث البنيوي عن سواه . فلربما يتم أستخدام الكثير من الادوات البنيوية ( المفاهيم ، الشروط ، .. ) في موضوع معين إلا أن أستخدامها ليس كافيا للقول بأن البحث أستخدم المنهج البنيوي ، ذلك أن أساس البحث البنيوي ينطلق من إثبات أن العلاقة الثنائية ، هي عملية داخلية ، أي مغلقة . واذا لم تكن بهذه الصفة فأن الشئ الخاضع للبحث مجرد مجموعة مزودة بعلاقة ثنائية . وربما يصاب الباحث بخيبة أمل عندما يلتزم المنهجية البنيوية ، كما هي في علم البنى ، فيجد أنها لاتتيح له الاجتهاد في الكشف عن خصائص النص من وجهات نظر أخرى . تلك الخصائص التي لاتعني شيئا في البنية وليست من أهتماماتها . ولكن علينا أن ندرك أن جميع الاعمال التي صُنفت بأنها دراسات بنيوية ، خاصة الطليعية منها ما كان مقدرا لها أن تكتسب الشهرة والقبول كما هي عليه في الوسط الثقافي لو لا " أستثمارها " المفاهيم البنيوية التي نشأت في بيئتها الرياضياتية . هذه الحقيقة تتيح للباحثين إعادة أنتاج الدراسة البنيوية بتأصيلها رياضياتيا من جهة ، والتنقيب عن المفاهيم البنيوية في الرياضيات من جهة أخرى ، ومن ثم أستخدامها في دراساتهم البنيوية لتستقر في الساحة الثقافية وتكتسب شهرة كشهرة توليدية جومسكي وبنيوية كلود ليفي شتراوس وغيرهما . على سبيل المثال ، أن مفاهيم الاتحاد والتقاطع .أضافة الى مفهومي المجموعة الشاملة والمجموعة الجزئية . وعلاقات الانعكاس والتناظر والتعدية والتكافؤ ، وممدد المجموعة ،والتطبيق والمجال والمجال المقابل ، مفاهيم من شأنها إغناء البحث البنيوي . وتطلقه من أسار التقليد وتمكنه من الانتفاض على دور المتلقي السلبي. أن بحر العلم لايحدد نوعا من الاسماك السوسرية أو الجومسكية او الرولانية او الشتراوسية .. كما لايمتنع عن منح تأشيرات الدخول لمن لا "يتسوسر" او لا "يتجوسك" او لا "يترولن" او لا " يتشورس " ! .. فمنابعه ، ومن ثم روافده ، كفيلة بأن تغذي ما أُوطأ بفعل البحث الخلاق بمياهه التي تظل ابدا مياه بكر تطهر ذاتها على الدوام ، لتسبح في مداده أسماك تعرف فن العوم ، لتستنبط لآلئ ليست قصية عن العقل . (4) قوانين التشكيل الداخلي والخارجي قوانين التشكيل الداخلي للبنى ، هي أنماط من العمليات الداخلية ، وهي ذات طبيعة ثنائية.أما قوانين التشكيل الخارجى للبنى فهي أنماط من العمليات الخارجية بين بنيتين ، وذات طبيعة ثنائية أيضا . يحتل مفهوما العملية والعلاقة في البنى مكانة أساسية ، فبسببها تتكون البنى في أنساقها المستقرة . وينبغي أن نفرق بينهما. والارضية التي تفصح عن الفرق بين المفهومين ، تتمثل في الفرق بين البنية والنظام . وهذا ما يضطرنا الى أعادة صياغة بعض المفاهيم التي سلف ذكرها ، من منطلق الفرق المزدوج بين العملية والعلاقة ، وبين البنية والنظام . وبشكل أولي أن مفهومي البنية والنظام يشيران الى وجود صلات محددة بين عناصر كل منهما ، هي أما روابط أو قواعد . وفيما يتعلق بالبنية ـ اية بنية ـ فأنها تنطوي على عملية ثنائية ، وتعرف العملية الثنائية على مجموعة ما مؤلفة من وحدات أو عناصر بأنها تطبيق مجاله التقابل الديكارتي بين كل عنصرين ومجاله المقابل المجموعة نفسها . هذه العملية تسمى بالعملية الداخلية أو بقانون التشكيل الداخلي . بكلمات أخرى أن العملية الثنائية تربط كل زوج مرتب من التقابل الديكارتي لعنصرين في مجموعة بعنصر وحيد من المجموعة نفسها . فالعملية الثنائية هي إجراء يتم وفق قاعدة التطبيق . ولكن ماهي قاعدة التطبيق بوجه عام ؟ : أنها الاسلوب أو الطريقة التي يتم وفقا لها إقران كل عنصر من المجال بعنصر واحد في الاقل في المجال المقابل . وتتخذ أنماطا مختلفة وهي كثيرة على أية حال ، والسمة المشتركة فيها أنها تحيل العنصرين عبر العملية الثنائية الى عنصر واحد ، أي من شأن ناتجها الاقصاء الظاهري لطرفي العملية ليولد بدلا عنهما عنصرا آخر هو في النهاية عنصر في دعامة البنية . ومن الامثلة البسيطة عليها العمليات الحسابية الاربعة ، والتفاعلات الكيمائية ، والاستعارات اللغوية والكناية والتشبيه ، ولايدخل في هذا النطاق التجاور الدلالي أو الالفاظ المترادفة في معناها فأن ذلك من شأن العلاقة وليس العملية الثنائية . أما العلاقة فأنها تحافظ على طرفيها ظاهرين ،كما هو الحال في الصلة بين الدال والمدلول ، فهي علاقة . وكعلاقة التجاور الدلالي ، وعلاقة اللصق في الوحدات اللغوية الاجنبية . أو علاقة تعاقب الاصوات . وعلى هذا فأننا نجد ان العلاقة تتواجد في الانظمة ، فيما تتواجد العمليات في البنى. وهذا هو الفرق الجوهري بين النظام والبنية . أن النظام يحتوي على قواعد للعلاقة بين وحداته ، فهو سابق على البنية . فلا بنية دون نظام يمهد لها . أما الصنف الثاني فهو المتعلق بالصلات الخارجية الممكنة بين البنى ، والتي يطلق عليها بقوانين التشكيل الخارجي . أن العلاقة بين بنية وأخرى هي علاقة تطبيق بين عناصر دعامتيهما. والتطبيق هو علاقة تحدد لكل عنصر في مجال ، صورة واحدة في الاقل في المجال المقابل . واذا لم تكن ثمة صورة لكل عنصر من المجال ، فلا تعد العلاقة علاقة تطبيق .إن مجموعة عناصر المجال تسمى منطلقا ، ومجموعة صورها ـ التي تتواجد في المجال المقابل ـ تسمى المدى . وأذا افترضنا أن التطبيق علاقة بين دعامتين بتجريدهما من بنيتيهما ، فأن التطبيق له حالتان اذا أجتمعتا في التطبيق كان التطبيق تقابلا . وهي : ـ التطبيق المتباين ، وهو التطبيق الذي يضمن لكل عنصر في المجال صورة واحدة في الاكثر في المجال المقابل . ــ التطبيق الشامل ( = غامر ) ، وهو التطبيق الذي يصيّر كل عنصر من عناصر المجال المقابل صورة لعنصر واحد في الاقل في المجال . فالتقابل هو تطبيق متباين وغامر من مجموعة الى أخرى ، لايشترط أن تكون كل منها بنية . فلو حددنا مجموعة من الكلمات الدالة ، وأجرينا من خلال أستعمالها في دائرة كلام سوسور ( فكرة ــ صورة صوتية ) ، لتثبتنا من أن عملية الكلام هي تقابل . إلا أن أن عملية الاستماع ( صورة صوتية ـ فكرة ) ستكون تطبيقا عكسيا ، حيث أن كلا من الفكرة والصورة الصوتية تتبادلان في دائرة سوسور ،الإصاتة والاستماع ، وبمعنى مفاهيمي أن المنطلق والمستقر يتبادلان في علاقة التطبيق وعلاقة التطبيق العكسي .ويكفي أن يكون التطبيق تقابلا ليكون له تطبيق عكسي . وبعبارة أخرى يكون للتطبيق تطبيق عكسي اذا كانت عناصر المنطلق مساوية لعناصر المدى . تتمثل قوانين التشكيل الخارجي بالتماثل والتشاكل وهما صفتان للتطبيق Mapping بين بنيتين تحت شروط معينة .وينطوي المفهومان على امكانات تحليلة جيدة وواسعة ومنتجة بالنسبة للبُنى . بفرض وجود بنيتين مختلفتين ، بمعنى دعامتيهما غير متساويتين ، وعلاقتيهما مختلفتان ، فأن علاقة التطبيق بينهما تُؤسس بأعتبار الدعامة الاولى مجالا ، والدعامة الثانية مجالا مقابلا . أن التطبيق من الدعامة الاولى الى الدعامة الثانية ، يطابق إحدى قانوني التشكيل الخارجي : التماثل والتشاكل . أضافة الى وضوح تأثيرعلاقتي البنيتين في تقرير صفة التطبيق. ولكن هذا لايتم إلا بأضافة شرط ثالث هو وجود قاعدة إقتران ، تقرن كل عنصر من المجال بعنصر من المجال المقابل . فلدينا إذن حزمة من المعطيات ، تقرر صفة التطبيق ، إن كان تماثلا أو تشاكلا . على فرض وجود بنيتين مختلفتين ، لكل منهما دعامة مختلفة عن الاخرى ، ولكل منهما علاقة داخلية تختلف عن الاخرى . أن علاقة البنية الاولى تنتج عناصر ، هي أصلا داخل البنية ، بمعنى انها ذات طبيعة مغلقة . وكذلك الامر مع علاقة البنية الثانية . فاذا كانت العناصر التي تنتجها العلاقة الاولى لها صور ، هي عناصر تنتجها العلاقة الثانية فان التطبيق من البنية الاولى الى البنية الثانية ، يكون تماثلا . ولابد من التذكير أن الصور تقررها قاعدة أقتران معينة ، هي في النهاية مسؤولة عن تحديد صور عناصر المنطلق . فهي علاقة بين عناصر المنطلق وعناصر المدى . وبصفة أعم تنظم العلاقة بين متغيري المجال والمجال المقابل . والمتغير هو مجرد رمز إعتباطي يشير الى مجموعة من القيم أو العناصر أو الوحدات . ولكل قاعدة إقتران في الاقل متغيران أحدهما مستقل ، قيمه تمثل مدخلات قاعدة الاقتران . والآخر معتمد ، قيمه تمثل مخرجات قاعدة الاقتران . وأبسط شكل لقواعد الاقتران في علم اللغة هو اللسان بصفته الاجتماعية . فلكل مفردة لغوية معنى تعاقدي ، ولكل عبارة مسكوكة أو مثل جار دلالة تعاقدية أيضا وغيرها من البديهات اللسانية التي تجري مجرى العرف في أستعمالات اللغة على صعيدها الاجتماعي . إن مفهوم قاعدة الاقتران يتسع لعلم الادلة ، ويحيل النظام الدلالي الى سلسلتين متوازيتين من القيم التي تأخذ أشكال ومعان ومحمولات مختلفة ، قابلة للتصنيف على طرفي قاعدة الاقتران : القيم المستقلة والقيم المعتمدة . وليست هناك صفة نهائية لقيمة ما في الاستعمال اللغوي أوالدلالي ، فالفونيتك مرة مستقلا ، ففي هذه الحالة تكون الافكار قيما معتمدة تحتل مكانها الطبيعي في المدى ، ومرة معتمدا داخل الدماغ عندما تتولد الفكرة بحافز الاستعمال والتواصل ، فالفكرة هنا تحتل مكانتها كمتغير مستقل ، فيما يكون الفونيتك متغيرا معتمدا . عندما يكون التماثل متباينا فانه يسمى تشاكل . وقد يحصل ان تكون البنية متماثلة في نفسها ، أي تطبيقا يعبرعنه بالعلاقات الثنائية بين عناصر البنية ذاتها دون ان تتعدى الى بنية اخرى هذا النوع من التطبيق يسمى تماثل داخلي . والبنية المتشاكلة في نفسها هيAutomorphism . من حيث السياق يمكن ان يحاكي علاقة التطبيق المتماثل من الكلمة الى الدلالة او القيمة ، وعندما تكون الكلمات مجموعة معجمية فانها لابد ان تكوّن مع قيمها او دلالاتها تطبيقا متشاكلا بسبب ان التطبيق متباين حيث لكل كلمة قيمة وحيدة مقابلة لها (= صورها في المجال المقابل )، وان كل قيمة لابد ان ترتبط بكلمة من الكلمات. يكون ذلك صائبا اذا ما أقصينا صفة الترادف بمفهومها المغلوط الشائع، فأننا نعتقد أن كل كلمة في لغة ما وخاصة لغتنا العربية قد وُضِعت لمعنى محدد ، تعنيه دون غيره ولربما قرب المسافات المعنوية بين دلالة وأخرى وضعف القدرة على تحسس الفوريقات بينها هو الذي برر في الاقل وجود ظاهرة الترادف في اللغة ، بمعنى المساواة في المعنى .على ان الترادف في اللغة يفصح عن علاقة نسبية ، او لنقل ان المترادفات تشخص نسبة ما بينها وليس تطابق في المعنى ، إنها دوال مختلفة لمدلولات هي الاخرى مختلفة . إن المفردة تُولَد لمعنى متفرد دون سواه وهذا ما نعتقده ، وإلا فقدت مبرر ولادتها أصلا . أن التحليل المتأني لبنيتين تتواجدان على صعيد واحد ، كفيل بفرز العلاقات المختلفة التي تفضي الى التطبيقات المتماثلة أو المتشاكلة . وهذه الاخيرة تُنظّم ، بل تُقرر، العلاقة الخارجية بين البنيتين : تطبيق متماثل أو تطبيق متشاكل . وهي على أية حال ليست علاقة مركبة كما يتوهم بعض الكتاب . ذلك أن العلاقة المركبة هي حصيلة تطبيقين قابلين للتركيب. بحيث يتم أستيعاب إحدى قاعدتي الاقتران المعدة للتطبيق الاول، في قاعدة الاقتران للتطبيق الثاني . والنتيجة تؤدي الى علاقة تطبيق مركبة واختصارا: تطبيق مركب. ولايمكن بأي حال تركيب علاقتين داخليتين لبنيتين مختلفتين ، لأن ذلك من شأنه أن يضلل التحليل البنيوي للبنى . وأستطرادا في الكلام حول التطبيق بوصفه عملية في البنى وعلاقة في الانظمة ، فأن أقتصاره على مكوني المنطلق والمستقر يحيله ــ أي التطبيق ــ الى علاقة دالية . وقاعدته عندئذ تضحى دالة . وتطبيقات الدالة محدودة جدا في الدراسات البنيوية لاتعدو عن أشارات فقيرة في محتواها . (5) المفاهيم الرياضياتية المُؤَسِسة للبنيوية كانت الفكرة الرئيسية ، لمحاضرات فريدنان دي سوسور ـ التي عُرفت فيما بعد بعلم اللغة العام أو علم اللسان ـ تستند الى التحليل الثنائي لمستويات اللغة من حيث انها تمثل جزءا من علم الادلة . وقد استعان في تصور هذا المنهج بنظام الاحداثيات المتعامدة الديكارتية ـ نسبة الى عالم الرياضيات هنري ديكارت ـ ( دون ان يصرح سوسور بذلك ) ووجد ان اللغة وحدات متقابلة : إحداهما على المحور الافقي ( التزامني ـ الدايكروني ) وثانيهما على المحورالعمودي ( التاريخي ـ السنكروني ) واشار الى ان المحور العمودي تظهر عليه اشياء المحور الافقي . وهكذا هو منهجه عند كل مستوي من مستويات التحليل ، فأحال اللغة الى سلسة من الثنائيات التي وصفها بالمتقابلة او المتضادة ، وربما لايقصد هاتين المفردتين ، الا انهما وصلتا الينا مترجمة هكذا ، ذلك ان المفهومين لايشيران الى ما يقصد . فبين التضاد والتقابل بون شاسع ، وذات البون بين ما يدل عليه التعارض والتقابل من جهة وما ذهب اليه من جهة اخرى في مواضع دون اخرى وليس بأجمعها ... وأن تعريفه للكلام وفق علاقة التقابل بين الفكرة والصورة الصوتية لدى المتكلم ، وعلى نحو معاكس في الاتجاه ، علاقة التقابل بين الصورة الصوتية والفكرة لدى المستمع ، ماهي إلا تمثُّل لمفهوم التطبيق وعكس التطبيق وما يرتبط بهما من مفهومين متلازمين هما المجال والمجال المقابل . واللذان سيتخذان معنى أدق لو اشار اليهما بالمنطلق والمستقر . أو المنطلق والمدى. كما استخدم مفاهيم اخرى كالتطابق والتكافؤ، وهما مقولتان رياضيتان محض . ومن الجبر استخدم مفهومي الفرق والمساواة. ومن نظرية الدوال استخدم مفهوم الدالة والاقتران والمتغير بصفة عامة والمتغيرات المستقلة والمعتمدة . ومن نظرية المجموعات استخدم مفهوم المجموعة والعنصر والعلاقة وغيرها من المفاهيم الاخرى . ولم يكن الامر يجري مجرى الصدفة في تشابه الاسماء ،بل ان المسميات واحدة على المستوى المفاهيمي . كما جاءت المفاهيم الرياضياتية بالوضوح ذاته من حيث التصريح بالفاظها ـ رغم تحفظنا على طريقة استخدامها في مواضع كثيرة ـ في اعمال "رولان بارث" كعلم الادلة مثل العلاقة الدالة والتباديل والتبديل والعلاقة التجميعية والعلاقة المركبة والتطبيق . كما يلاحظ في بعض هذه الاعمال نزعة الى استخدام الرمز الرياضياتي ، والى الاشكال المعتادة في الرياضيات من بينها تلك التي تدعى بمخططات " فن Venn " . وفي علم الاناسة فان الامر لايختلف من جهة كثافة حضور المصطلح الرياضياتي وبعض من شروطه المنهجية ، فنلاحظ في بعض الاعمال استخدام لبنية الزمرة الدائرية ، وللزمرة التوليدية ، والبنية التبديلية ، بأسماء مغايرة : البنية الدائرية ، البنية التوليدية ، على الترتيب.وهذه امثلة نسوقها لندلل على الحضور الرياضياتي ، حضورا مؤسسا لما عرف بالبنيوية . ومن المفيد هنا ان نذكر اهم وقائع الاكتشاف في علوم الرياضيات مقرونة من حيث الزمن بظهور الاسهامات البنيوية الطليعية ، كي نوفر دليلا اضافيا لمرجعية الرياضيات للدراسات البنيوية ، في منطلقاتها الاساسية في الاقل... بدأت افكار فريدناند دي سوسور ( 1857- 1913 م ) ، حول علم اللغة العام عام 1906 . حيث اصدر طلبته محاضراته وفاته ( 1916 م ) . فيما يؤكد مؤرخو البنيوية ، بان كلود ليفي شتراوس قد اطلق شرارة البنيوية من فرنسا باصدار كتابه ( الانثروبولوجية البنيوية ) عام 1958 م ، ويبدو ان مؤَلفه الاخر (البنيات للقرابة ) عام 1949 م لم يكن بنيويا بدرجة كافية في نظر معاصريه او مؤرخي البنيوية ، كي يحظى بمثل ما حظي به كتابه الاول ــ مُطلق الشرارة ــ والتفسير الوحيد لهذا التفاوت الاحتفالي حيال الكتابين ، هو انه جرى تقيمهما على ضوء الاطلاع المستحدث نسبيا على مفاهيم البنية في الرياضيات المعاصرة . ولهذا السبب ايضا نرجح بان تقيميا بأثر رجعي مماثل قد أسبغ على محاضرات سوسور فتقُلدت وصف الالسنية البنيوية ، على طريقة التقدير الاحتفالي ذاته . لقد الهمت اعمال سوسورالكثيرين ،فتتالت الدراسات البنيوية بعناوين كثيرة جدا ، يغلب على كل اسهامة منها بكثرة التصريح بعلوم متفرعة عن علم اللغة العام ، ومتفرعة عن علم الادلة ، ومتفرعة عن علم الاناسة وهكذا . ففي محاضرات سوسور يمكن ان نحصي كثيرا من العلوم اطلق عليها اسماءها ، لايقدم فيها سوى بضعة تصورات تحدد على نحو غير حاسم موضوع كل علم مما اشار اليه . ان المحطات الرئيسة لتطور الدراسات البنيوية تمثلت باعمال: سوسور في اللغة و كلود ليفي شتراوس في الاناسة ورولان بارث في علم الادلة ، وجومسكي في التوليدية ، وجاك دريدا في التفكيكية وغيرهم . وفي كل منها تجد عمود الفكرة المنهجية ترد الى مفهوم رياضياتي بعينه او اكثر . لقد طورالعالم الرياضياتي كالوا Glios ( 1811 ـــ 1832 م) العلاقة بين حل المعادلات ونظرية الزُمر ، ولاحظ الزمر السوية . والزمرة كما اشرنا هي مفهوم رياضياتي. و فيما بعد اخذت تعرف على انها زوج مرتب يـتألف من مجموعة عناصر وعملية ثنائية كما برهن ذلك لاول مرة العالم الرياضياتي فورنيوسForbenius عام 1879 م . واعقبه في الحقل ذاته النرويجي سيلوف L .SYLOW( 1832ــ 1918 ) الذي وضع مبرهنات عن الزمر الاولية ، عرفت باسمه . الا ان العالم الالماني كانتور ( 1845 ــ 1918 ) اول من اعتبر المجموعة مفهوما اساسيا وبيّن خصائصه ، ممهدا لنشوء نظرية المجموعة ، وهي من كبريات النظريات في علوم الرياضيات .( لقد كتب كانتورفي احدى رسائله الى صديقه ر. ديكينيد Dedekind R.العالم الرياضياتي الالماني ، انه قد تمكن من البرهان على ان الاعداد الحقيقية اكثر من الاعداد الطبيعية بواسطة المجموعات ... وكان تاريخ الرسالة هو 7/12 /1873 م واعتبره الرياضياتيون يوم مولد نظرية المجموعات)(1) ، ونظرية المجموعات هي الاساس في دراسة البنى او الانظمة . واعقب هؤلاء علماء افذاذ آخرون .. ان العرض المختصر لوقائع التطورات في حقل الرياضيات يسمح لنا بالمقارنة مع العرض المماثل لتاريخ البنيوية . تلك المقارنة تنبؤنا جملة حقائق ، من بينها ان المنجز البنيوي هو نتاج محاكاة واضحة للمنجز الرياضياتي ، وتطور كل منهما كان تطورا متواقتا ، وبما يفيد ان الرياضيات شكلت مرجعا أساسيا للبنيوية . ويمكن ذكر أمثلة كثيرة جدا من تلك الدراسات التي تم توظيف المفاهيم الرياضياتية فيها على نحو اساسي . ونقدم هنا عينة منها (2 ) ، وسنعلّق على كل واحدة منها كلما أمكن ذلك وبأيجاز : ــ دراسة شارل بالي ( فعل الكينونة الصفر والوقائع المرتبطة به ) 1922 م الذي يخلص الى ان فعل الكينونة الصفر هو الدال على الفعل المضارع في اللغة الروسية . حيث لايمكن الخلط بين الدليل الصفر وانعدام الدليل. ولايمكن تشخيص الدرجة صفر في ماهية دالة باعتبارها دالا مضبوطا ثم تمييزها عن الظواهر الغريبة عنها كالايجاز والحذف والتضمين . وفي اعتقادنا ان اختيار مفهوم الصفر كدال على ما ذهب اليه امر مغلوط ، فكان بأمكانه ان يستخدم في هذه الحالة مفهوم "المجموعة الخالية " كدال على هذه الحالة الاعرابية ، بدلا من الصفر. فيقال عن تجريد الفعل المضارع من فعل الكيونة مجموعة خالية اشارة الى وجوده في افعال أخرى . اما الصفر لايكافئ بالضبط المفهوم الذي ذهب اليه. أن الصفر ليس عدما ، ولا غيابا ! ــ كما قدم أ. ج . كريماس بحثا عن ( اللسنيات الاحصائية واللسنيات البنيوية ) باريس 1962 م وكتب هذه المساهمة بمناسبة صدور كتاب بييركيرو ( قضايا ومناهج اللسنيات الاحصائية) 1960 م . ــ وفي ( المناهج في اللسنيات البنيوية ) قدم ز.س هاريس 1951 الاتجاه التوزيعي في اللسنيات البنيوية بأسلوب مغرق في التجريد . "علما ان التوزيعية نظرية تزعمها العالم اللغوي الأمريكي بلومفيلد وهي نظرية عامة للألسنية ترى أن اللغة تتألف من إشارات معبرة تتدرج جميعاً ضمن نظام اللغة لمنطق يكون التعبيرعلى مستويات مختلفة والجملة تحمل إلى مؤلفاتها المباشرة بواسطة قواعد التوزيع والتعويض والاستبدال". إن التوزيعية مفهوم رياضياتي هام في نظرية الجبر المجرد ، وخاصة في البنى المختلفة ، وكثيرا ما يخلط به مفهوم الخاصية التجميعية في دراسات عُدت بنيوية .وقد اتخذت التوزيعية اطلاقات اخرى في الدراسات البنيوية كالتداعي ( رولان بارث ـ مبادئ في علم الادلة ). ــ كما استخدم لوي يالمسليف في كتابه (مقدمات لنظرية في اللغة) 1943 م المنطق الرمزي الى جانب افكار سوسور في ما سمي بنظرية مثولية للسان . واستخدم في التحليل البنيوي الذي اجراه كل من جاكوبسن وكلود ليفي شتراوس لـ ((القطط )) لبودلير 1962 م، مفهوم المستويات المتراصة . ونجد أن أصل مفهوم المستويات المتراصة هو مفهوم المجموعات المتراصة Compact set وهو من المفاهيم الرئيسة لعلم التبولوجية الرياضياتي . وغيرها من الامثلة الواردة في الدراسات الرائدة او المعاصرة . إن الرياضيات ليست هي الاحصاء ،وان كان جزءا منها ، كما هي ليست العمليات الحسابية الاربعة ، وان كانت غير مستغنية عنها . بل هي ابعد من هذا بكثير ...ان تاريخ الرياضيات يكشف عن تطور فروعها ، وتطوركل فرع من هذه الفروع . ويتفق الرياضياتيون على انها مرت بمراحل ثلاثة ، كل مرحلة تضيف الى سابقتها اشياء جديدة دون ان تتنكر لها : الاولى : المرحلة التقليدية . و كانت تهتم بموضاعات التفاضل والتكامل والجبر والهندسة . الثانية : شهدت تطوير مواضيع المرحلة الاولى ، واضيفت مواضيع جديدة اليها مثل ( اسس الجبر المجرد) مُلهٍم البنيويين . وبدأت هذه المرحلة بانتهاء المرحلة الاولى في نهاية القرن التاسع عشر . الثالثة : مرحلة الرياضيات المعاصرة ، بدأت بُعيد المرحلة الثانية ، حتى إنّا لانكاد نفرق بين بداية المرحلتين. والرياضيات المعاصرة تدمج بين مواضيع رياضياتية عدة كانت في الماضي وحدات مستقلة ،فجعلت منها كلا متماسكا . فالمفاهيم التي اكتشفت اكثر شمولا من القديمة ، مثل مفهوما ؛ المجموعة والعلاقة . ان اطلاق تسميتي ؛ التقليدية والمعاصرة على المرحلتين الاولى والثالثة ، لايعني بأ ي حال من الاحوال نبذ للمرحلتين الاولى والثانية . و أن اطلاق وصف ( معاصرة ) على المرحلة الاخيرة ، هو وصف احتفالي في تقديرنا . إلا أن المرحلة المعاصرة لتطور الرياضيات أتسمت بوضع علوم الرياضيات بنسق واحد جراء أستخدام نظرية المجوعات . أن نظرية المجموعات قد قرّبت بين المواضيع الاربعة الرئيسية للرياضيات : الحساب ـ أي حساب التفاضل والتكامل ـ والهندسة والجبر والتحليل . مع ملاحظة أن ذلك لم يمنع من أن تدرس بصفة مواضيع مستقلة . ولقد وفرت الرياضيات المعاصرة ، دراسة لبنى رياضياتية ( وبنى اخرى يمكن اخضاعها لها ) قد تكون عناصرها كميات او اشياء كيفية ، او علاقات . والنتائج التي نحصل عليها من دراسة هذه البنى تكون صحيحة مهما كانت العناصر ، ومهما كانت العلاقات او العمليات . وبهذا المعنى فان الرياضيات المعاصرة تتجه نحو التجريد ، مبتعدة عن تناول المحسوسات ، إلا أنها غير منقطعة عنها. وهي بخاصيتي التجريد والتعميم تتمكن من تلبية حاجة الكثيرمن العلوم الفيزيائية والكيمائية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية والتربوية واللغوية . تعتمد الرياضيات المعاصرة على المنطق الصوري بشكل رئيسي ، حتى ان الفيلسوف راسل Russelيبين في كتابه ( اسس الرياضيات ) بأن (المنطق والرياضيات شئ واحد . ان اعتماد الرياضيات المعاصرة على المنطق اكسبها وضوح الفكرة ودقة التعبير ، وزودها باسلوب موجز لعرض القضايا الرياضاتية) . ويذكر د . عادل غسان نعوم جملة من الحقائق المفيدة بهذا الصدد فيقول : ( ان ثورة حصلت في الرياضيات اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين ، تعود الى عوامل عديدة اهمها اكتشاف الهندسة اللااقليدية واكتشاف نظرية المجموعات . بدأت التعددية في الرياضيات ... ونشأت اختصاصات عديدة يزيد عددها على مائة تخصص مختلف في الرياضيات . كما نشأت حقول جديدة ، مثل : علم الأحياء الرياضياتي ، علم الارض الرياضياتي ، علم اللغات الرياضياتي ، علم الاقتصاد الرياضياتي ، فضلا عن الفيزياء الرياضاتية . ويقول الرياضياتي الكسندوف بأن : المستوى العالي من التجريد الذي تتميز به الرياضيات ولّد الاعتقاد بان الرياضيات مستقلة عن العالم المادي ، الا ان حيوية الرياضيات نشأت من حقيقة كون مفاهيمها ونتائجها ـ على الرغم من كونها مجردة ـ وثيقة الصلة بالعالم الحقيقي . من الطبيعي ان لايقبل الرياضياتيون فكرة إن انجازاتهم وابداعاتهم معتمدة بقوة على الحقائق الفيزيائية . ان البعض يفضل ان يفكر بدلالة بُنى من صنع الانسان المفكر تستند الى فرضيات تكاد ان تكون عشوائية ، ولو ان بعضا من هذه البُنى يحدث ان تكون لها تطبيقات هائلة في ظواهر العالم الحقيقي) . (3) ويبرر الرياضياتيون تقليلهم لاهمية ارتباط الرياضيات بالفيزياء باسباب لاتتعلق بالمعرفة العلمية وانما لاسباب جمالية وفنية تتعلق بعوامل داخلية في الرياضيات ذات الصلة بطريقة انشاء بُنى جديدة .كتب الرياضياتي الفرنسي الكبير "هنري بونيكاريه"(4): ( ان الشعور بالجمال الرياضياتي والتناغم بين الاعداد والاشكال ، والاناقة الهندسية ، انما هو شعور فني حقيقي يعرفه كل الرياضياتين الحقيقيين ). ويتابع قوله ليصف عملية الخلق بالرياضيات بعبارات شبيهة بتلك التي يستخدمها علماء النفس اليوم في دراستهم لعمل نصفي الدماغ الواعي . ويميز بونيكاريه حالتين : في احداهما يكون الرياضياتي منطقيا ، مستعدا للعمل المركزعلى مشكلة معينة . ويسبق هذا الاستعداد عادة تقدم حدسي هائل ومتابعة لبعض حسابات هذا التقدم . ويشبّه بونكاريه هذ الحالة بالدماغ الواعي . اما الحالة الثانية فترتبط بقوة مع الحس الجمالي ويكون للرياضياتي اثنائها القابلية على تشخيص النموذج الاكثر جمالا والاكثر اهمية بين نماذج متعددة . يقول بونيكاريه : ( ان تشخيص النموذج الذي يحل المشكلة لايمكن املاؤه وانما يأتي بصورة تلقائية ومفاجئة ، شبيهة بالضوء المفاجئ ، عبر الحدس الذي يأتي من الدماغ غير الواعي ) . ومن الرياضياتيين البارزين الذين تزعموا الناحية الجمالية للرياضيات ، الرياضياتي الانجليزي كود فري هاردي(5) . ان اهم ما كان يفتخر به ( انه لم يقم خلال حياته بأ ي عمل في الرياضيات مفيد في تطبيقات حقيقية )، مشيرا بهذا القول الى المستوى النظري والتجريدي البحت لعمله . ويصف "هاردي" الرياضياتيين بانهم صانعوا نماذج للافكار ، وبان هؤلاء ، مثلهم مثل الفنانين الاخرين ، فيرى ان ( الجمال هو الذي تُقيّم بواسطته نماذجهم ). ويتابع القول: ( الجمال هو الاختيار الاول ، ولايوجد مكان دائم في العالم للرياضيات القبيحة ) . وعد "بول هالموس" ـ الرياضياتي الهنغاري الاصل ـ ( الرياضيات فن خلاق ) وهذه مقولة شهيرة في الوسط العلمي .كما ان الرياضياتيين يكثرون الحديث عن (المتعة) الكبيرة جراء العمل في الرياضيات . ينبغي التفريق بين " الرياضيات التطبيقية " و " التطبيقات الرياضياتية " : الاول ؛ ينصرف الى توظيف فرع من الرياضيات في فرع آخرمنها . فهي لاتخرج عن علوم الرياضيات . ومن الامثلة في ذلك استخدام نظرية المجموعة في الهندسة المستوية او المجسمة ، واستخدام ( نظرية الزمر) في حل المعادلات من الدرجة الخامسة. اما الثاني ؛ فينصرف الى توظيف المفاهيم والمبرهنات والقواعد الرياضياتية في قطاعات علمية اخرى .والامثلة في هذا كثيرة ومتنوعة ، واضحت مألوفة في الاوساط المعرفية والعلمية . ومن امثلتها الواضحة ما نطلق عليه بالدراسات البنيوية . لقد كان لاستخدام المفاهيم الرياضياتية في دراسة كل من اللغة والأناسة والدلالة سببا في تطور هذه العلوم على نحو متوازٍ ، بل ومتماثل جزئيا مع تطور الرياضيات ذاتها . فعند انتقال الرياضيات من مرحلتها التقليدية الى مرحلتها المعاصرة التي أسست الجبر المجرد ( نظرية المجموعة ، البُنى الرياضياتية ، ... )انتقلت تلك العلوم الثلاثة بدورها الى مرحلتها المعاصرة ، وهي تحمل الطابع ذاته الذي ميزالرياضيات المعاصرة ، حتى اضحى الحديث مألوفا عن بُنى اللغة والأناسة والدلالة . الا ان فرقا جوهريا ظل ماثلا بين الاثنين يدور حول مكانة التصورات العلمية التقليدية فيهما . فالرياضيات المعاصرة استطاعت ان تضع العلوم الرياضياتية ، قديمها وحديثها ، في نسق واحد ، دون ان تتنكر لمنجزات المرحلة التقليدية ، بينما تنكرت الدراسات البنيوية ( اللغة، الأناسة ، الدلالة ) للمنجزات السابقة عليها في مجالات علم الاجتماع وعلوم اللغة . هذا التنكر سببه السعي غير المبرر نحو بناء عالمي واممي لهذه العلوم ، وهو هدف ليس له رصيد علمي كما نعتقد . لأن القوانين الطبيعية تكتشف مرة واحدة وتقبل عالميا دون حواجز قومية او جغرافية . ولكن القوانين الاجتماعية في كل مرحلة بها حاجة الى الاكتشاف نظرا للتغيرات الدائمة في المجتمعات . وعلى صعيد اللغة فان المحك القومي المحلي يقف حائلا دون اممية علم للغة بخلاف الرياضيات والكيمياء والفيزياء مثلا . وينسحب القول ذاته على الدلالة. ونكتفي بالاشارة الى ان الدراسات البنيوية ذاتها بنت تصوراتها المعرفية على اسس محلية كانت اللغة اللاتينية نموذجها الدراسي السائد ، ومن ثم جرى تعميم ما أُعد كشفا للعلاقات على صعيدي اللغتين الانجليزية والفرنسية ، على ما يتوافر بينهما من خصائص بنييوية متقاربة ان لم نقل متطابقة في مواضع كثيرة أغرت الكتاب والباحثين لاطلاق التعميمات . (6) تقويم الدراسات البنيوية مع الايجازالذي قدمناه حول علم البنى والواقع الذي يشير الى المفاهيم الرياضياتية المؤسسة للبنيوية ، يكون من السهل تصنيف الدراسة البنيوية وتلك التي تدّعي البنيوية . والدراسة البنيوية الاحادية الاداة وتلك التي تمزج ادوات عدة دفعة واحدة بحكم ضرورة البحث ، او ان الموضوع ( أو بنيته) ينقاد اليها دون عسف . ان فرز وتصنيف تلك الدراسات ينبغي أن يحتكم الى اصولية منهجية في المقام الاول. ووحدات الحكم هنا هي ما تعنيه الالفاظ المصطلح عليها ، وفيما اذا كانت قد اصابت هدفها ام حادت عنه . وليس ثمة فسحة للمجاز في أستخدام الالفاظ ان اردنا توخي الدقة . فان لفظة (مجموعة ) هي ليست كلفظة ( قطائع ) . ولفظة ( بنية ) هي ليست كلفظة ( كتلة ) ولفظة (عناصر ) هي ليست كلفظة (شرائح او طبقات اواجزاء ). ولفظة جزء ليست كلفظة ( طبقة ) ،وقائمة التحذيرات تطول في هذه الناحية . ان وهما قد تم تدواله من قبل قسم غير قليل ممن له اهتمام في الشأن البنيوي ، مفاده اطلاق تعبير( بنيوية سوسور ) على محاضرات فردناند دي سوسور الموسومة بـ ( محاضرات في علم اللغة العام ) . وهو تعبير يقترن بمفاهيم تتصل بنظرية المجموعة والعلاقات الداخلية مع العناصر المؤلفة لها ، الامر الذي يجانب جزءا هاما من حقيقة هذه المحاضرات التي استثمر فيها سوسور مفاهيم رياضياتية اخرى ، غير البنية . وازاء ذلك نجد أن الفرصة قائمة الى ازالة هذا الوهم او غيره مما شابهه في اطلاق الاوصاف والمسميات جزافا دون تدقيق لما تعنيه فعلا . ان الحقائق الابستمولوجية تشير الى ان الالسنية السوسرية وعلم الاناسة كما نظّرله " كلود ليفي شتراوس " وعلم الدلالة بحسب " رولان بارث " و " شارل بيرس " وغيرهما ، وتوليدية " جومسكي " وتفكيكية " جاك دريدا " وغيرها من الاعمال الطليعية في هذا النحو، كلها ادرجت تحت عنوان عريض هو البنيوية او ( بعدـ بنيوية ). ويمكن رد الدراسات البنيوية الى تنوعاتها المنهجية وتنوعاتها الموضوعية ايضا . و يتلازم فيهما كلا من الاداة المنهجية وما يتصور على انها بنية ، تتوازى احيانا وتتقاطع اخرى . ان تنظيم جدولا بهما امره يطول الا ان فوائده عظيمة لجهة حصر الموضوع البنيوي على مستوى البحث . وسنترك هذا الامر الى مساهمة اخرى ونكتفي هنا باشارات هامة منه لتمثل اطارا عاما لما قصدنا اليه . وينبغي ان ننوه هنا الى مخاطر الاستسهال في استخدام المفهوم و المصطلح ، او قبولهما دون الاحتكام الى ما يعنيه في هذا الحقل المعرفي . لقد انتبه الكثير من الكتاب والمترجمين الى هذه الظاهرة اذ يقول "د . محمد البكري "(5) في مقدمة ترجمته لـ ( مبادئ علم الادلة ـ لرولان بارث ) : ( .. نجد من الضروري المساهمة في محو الاوهام بتعريب بعض النصوص الاساسية وتوفيرها للقارئ العربي حتى يواجه على الاقل احتكار الوسيط المعرفي ويكنس ظواهر التمييع والابتذال ، والتزييف ، والحذلقة التي يتكفل بها كتاب الانشاءات الفارغة المختصون في التلاعب بالمصطلحات ورصف المفردات البراقة، والتعمية ، والقفز البهلواني ، والشعوذة الاسلوبية وادعاء العلمية في الوقت ذاته . فالسيميائيات تنحصر لديهم في تفسير النصوص ، وداخل الاتجاه اللسني ـ البنيوي دون ان تتعداه الى نقده الجذري ( م . باختين ) ولا الى النظرية النقيض ( ش . ص . بيرس ) ... بدل المساهمة الفكرية تغرق في تنميقات وزخارف خطاطية لاتوضح شيئا ) وللترجمة نصيبها في بث الاوهام ايضا ، خاصة فيما يتعلق بالمصطلح او اللفظ المصطلح عليه (6) ، اذ غالبا ما يتولى الترجمة لنصوص الدراسات البنيوية اناس مهتمون بالادب واللغة ولا صلة لهم بالعلوم الاخرى وبخاصة الرياضيات ، حيث مفاهيمها ومبرهناتها تتواجد بكثافة في تلك الدراسات . واذا كانت ملاحظات الدكتور البكري قد اشارت الى احتكارالوسيط المعرفي ، فان الاشارة واجبة ايضا الى احتكار من نوع اخر لايقل أهمية عن الاول . فان مبتدعي او مؤسسي الدراسات البنيوية انفسهم ، يحتكرون المعرفة ايضا ، الا ان احتكارهم في تقديري اكثر ايلاما ، فهم لم يشيروا الى الاساس النظري الاصيل لطروحاتهم البنيوية . وبقيت مؤلفاتهم تستعيرمن المفاهيم الرياضياتية وتتمترس بها دون ان يصرحوا بأنها مفاهيم لها بيئتها المعروفة : الرياضيات . بمكان بدت معه تلك المؤلفات كما لوكانت فتوحات منهجية أصيلة وهي ليست كذلك في الاجمال . ان الاشارة الى الرياضيات وذكر بعض من مفاهيمها لم تنعدم تماما عندهم ، إلا انهم البسوها ثوبا فكريا نسبوه الى انفسهم . فمفاهيم مثل البنية والمجموعة والعلاقة الثنائية والتقابل والدمج والتضاد وغيرها ، هي مفاهيم رياضياتية وقد استخدموها بحسب بنائها الرياضياتي ، ويخطأ من يظن غير هذا . ومن الصواب القول ايضا ان تعديلات قد طالت تلك المفاهيم لاسباب تنم عن عجز في التواصل المعرفي بين المفهوم الاصيل ذاته كما ورد في العلوم الرياضياتية من جهة وموضوعات البحث من جهة اخرى.فجاءت تلك المفاهيم تحمل "طابعا خاصا" لايلتزم الحدود الكاملة للمفاهيم الاصيلة ومن ذلك الجواز المتولد مما يوحي به المفهوم او الاخذ بركن من اركانه حسب واهمال الاركان الاخرى . واذا اردنا ان نحسن الظن بهؤلاء ، نقول ان عدم تصريحهم بالشرح او بسط ادواتهم التحليلية الرياضياتية ، ربما لتجنب الاحراج عندما لاتأتي النتائج التي يتوصلون اليها موافقة لشروط وتحكمات تلك الادوات . ويمكن ان نصنف الدراسات البنيوية ،اوالتي ادعت لنفسها او أُلصقت بها ،الصفة البنيوية الى فئات ثلاثة : الفئة الاولى : مؤسسوا ألأنشائية ، على حد تعبير "ميشال فوكو" ( وميزة هؤلاء انهم ليسوا فقط مؤلفي نتاجاتهم وكتبهم ، انما انتجوا اكثر من ذلك : امكانية وقاعدة تكوين نصوص اخرى ، انهم بهذا المعنى يختلفون كثيرا عن روائي مثلا ليس في الواقع ابدا الاّ مُؤلِف نصه . و"فرويد" ليس فقط مؤلف ـ تفسير الاحلام ـ او ـ النكتة ـ ، وماركس ليس فقط مؤلف البيان او رأس المال ، فلقد أسسا امكانية لامحدودة للانشاء) (7). الفئة الثانية : المؤلفون ( عبر ـ أنشائية ) والتعبير ايضا لميشال فوكو ( فتأليف كتاب ـ نظرية ، سيكون باستطاعة كتب اخرى ، ومؤلفين آخرين الحلول داخلها ) (8) . بمعنى ان المؤلفين ضمن هذه الفئة في ما نحن بصدده ، هم اسماك في الدراسات البنوية المؤسِسة . ان قسما من هذه المؤلفات هي في حقيقة الامر جادة ، سواء على مستوى التنظير او على مستوى العمل البحثي في مجالات متنوعة في الشعر والنقد الادبي وعلم الاجتماع وغير ذلك . اما القسم الآخر فهو يردد ما سمعه ، بسرديات لاتحايث البُنى موضوعا او البنية مفهوما سوى الادعاء بالبنيوية . وفي طبيعة الاحوال ليست هناك رواية بنيوية او قصيدة بنيوية او مجتمع بنيوي ، او أي موضوع بنيوي . فهذه الامور قائمة بذاتها مستقلة عن رؤيتنا المنهجية . اذ لايمكن تقدير الشئ الا بعد مثوله او تشيئه او وجوده التجريبي. وبالمثل يمكن القول ليس ثمة شاعراو روائي او فنان يخطط لعمله الابداعي تخطيطا بنيويا . انما الباحث يستطيع ان ينشأ بُنى معينة ، في الاقتصاد والسياسة والزواج وعلاقات الانتاج وفي العلاقات الدولية . كما يمكن اضفاء الشرعية البنيوية ، بدلالة الامانة في الاستخدام المنهجي لها ، على تركيبات تُنشأ كبنى جديدة . وهذا يوضح الاتجاهين الممكنين للدراسة البنيوية بوجه عام في مجالات متعددة : الاول : المعالجة التحليلية على مستوى البنية . ولابد من اهداف لمثل هذا الاتجاه. الثاني : اعادة تركيب البنى . ولابد ايضا من غاية . ومن المشكوك فيه اختلاق بنية ما . اذ لابد من مكونات ؛عناصر او مجاميع جزئية وغير ذلك ، مما يمكن عزله ثم نظمه في علاقة لها القدرة على بنينة الكل . الا ان انشاء بنى بدءا بتأليف دعامتها امر ممكن. ويمكن النظر الى مسألة التقدم الحضاري على انه اعادة تركيب او انشاء بنى كما نعتقد. وبناءا على ما تقدم ، فأن البنيوية ضمن نسقها الرياضياتي ليست هي الاداة المنهجية الوحيدة التي تم أستخدامها في ما عرف بالدراسات البنيوية . فثمة أدوات أخرى لاتمت بصلة مباشرة بعلم البنى قد تم أستخدامها فعلا . ويكون كلاما معادا اذا ما قلنا ان هذا الاستخدام حمل معه الكثير من التجوز غير المحمود . تنطوي نظرية المجوعات على مفاهيم قابلة للتطبيق على المجموعات الالسنية والاناسية والدلالية وغيرها ، بوصفها مجموعات ، لا بوصفها بنى . ونفس القول يمكن أن يقال على أستخدام الاحصائين الوصفي والتحليلي ، فأنه لايصب مباشرة في التحليل البنيوي . وفي مراحل متقدمة من الناحية العلمية يقدم موضوع التبولوجيا مفاهيم يمكن توظيفها في البحث الدلالي والالسني والاناسي وغيرها، وربما في بنى هذه الاشياء أيضا . وفي كل الاحوال تبقى المسألة التي ينبغي للباحث أن يتصدى لها هو كيف يمكنه إستكشاف المطابقة بين هذه المفاهيم (الادوات المنهجية تاليا ) من جهة والموضوع الذي يخضعه للبحث أو التحليل من جهة أخرى . أن حجر الزاوية للتقدم في إيجاد الحلول يكمن في القدرة العلمية على حصر وحدات التحليل: المتمايزة والمتجانسة في آن واحد . (7) لماذا تم الاعلان عن " موت البنيوية " ؟ لا أحد يملك قَدَر البنيوية أو غيرها من العلوم . وأذا أفترضنا وجود مثل هذا الشخص أو المجموعة، فسوف لن يكون هناك أي نتاج حضاري للمجتمع الانساني ، يمكن الركون اليه البتة . أن العلوم الطبيعية والصرفة لها ميزة التراكم المعرفي على خط عمودي ، ولهذا فأنها حافظت على نسقها العلمي المتصاعد أبدا نحو الارتقاء . ولكن ، وللاسف أن العلوم الانسانية بالاجمال ـ وبرغم وجود بعض الأستثناءات ـ تتميزبالتطورالافقي ، الذي يفصح عن ذاته بالتحول الدائم من نظرية الى أخرى مناقضة أو مخالفة لسابقاتها من حيث الاساس. فأغلب نظريات " علم الاجتماع " تحمل كل واحدة منها نفيا صريحا أو ضمنيا للنظريات الاخرى. ونشأت عن ذلك صراعات فكرية وسياسية وحربية معروفة في التاريخ الانساني الحديث . وهذه الظاهرة لها أسبابها المعروفة . إذن يكون من المشروع وضع التساؤل الاتي : لماذا تتقدم العلوم الطبيعية والصرفة ، فيما يصيب العلوم الانسانية التذبذب ؟ هنالك مشكلة لم يستطع المشتغلون في الحقول الانسانية تجاوزها تتصل بطرق البرهان وأساليب البحث ومناهجه . أضف الى ذلك أن الرؤى المنهجية لم تكن بالقدر الكافي من الشمول بحيث تستوعب التعددية في زوايا النظر الى الموضوع الانساني . ربما تكون العلوم اللغوية ، قبل الحقبة السوسرية هي الاستثناء الواضح في العلوم الانسانية . لأن هذه العلوم قد حددت طريقها بوضوح : تعليل الاختلافات بين الحالات اللغوية بطريقة وصفية . والى هذه الميزة تعود الكشوفات المنسقة في النحو والصرف ، وهي كشوفات غير قابلة للنسف أو التطور أو التغير أو الاضافة . لقد ذكرنا مشاكل عدة إعترضت مسيرة البحث البنيوي فيما سبق ، والان نريد أن نذكر المزيد جوابا على التساؤل الاول " لماذا أعلن عن موت البنيوية " ؟ . أن التساؤل المذكور يقرر جدب البحث البنيوي بعد أن قدر له أستنفاذ مداه الكامل في إعمال الطليعيين والمحدثين والمعاصرين . بمعنى ثمة إشكالية كبرى قد حالت من أستمرار التطور، بمعناه التقدمي . فما هي ؟ في تقديرنا إن الأشكالية تتمثل وعلى وجه التحديد بألْسَنة الموضوع الاجتماعي ( بالمعنى السوسري لعلم اللسان ) . وهذا الاتجاه هو الذي قاد البنيوية لأن تتخذ طابع الموجة القابلة للانحسار. أن ألسنة العلوم الاجتماعية بصفة عامة قد أدى الى إشكالية منهجية يختلط فيها المعطى مع المنهج ذاته ، كزعم التماثل : بين القرابة واللغة ، أو بين علم الادلة وقضايا إجتماعية وغيرها من التماثلات العقيمة. والحل يكمن في فك الارتباط الوهمي بين معطى الدرس السوسري في اللغة وقطاعات علمية أخرى ، وأعادة توزيع الصلات بردها جميعا الى أصلها المفاهيمي . فما هو المبرر العلمي الذي يسوغ إحتكار ألسنية سوسور للبنيوية ؟ لايوجد أي مبرر على الاطلاق . أن البنيوية منهجا مستقلا عن اللغة وقدر له على يد سوسور أو غيره أن "يُستثمر" في البحث اللغوي ، هذا اذا ما أعتبرنا أن أعمال سوسور أعمال بنيوية حقة . وبإلامكان إذن إعادة الكَرّة في قطاع علمي آخر، باستثمار ذات المفاهيم أو غيرها مما تحتكم عليها مفاهيم ومبرهنات علم البنى ، وبمعزل عن المعطى السوسري . أن اللغة هي كائن اجتماعي بأتفاق علماء اللغة ، وهي بذات الوقت وسيلة الانسان في التواصل والتدوين والتوثيق . ولا غنى للعلوم مجتمعة عنها ، لأنها " وعاء " العلم وحافظة ومدونة له ، وتتميز بعض اللغات بقدر مميز من العقلانية العلمية ، فالمنطق مثلا مركوزا في انفس الناطقين بلغة الضاد العربية. ولكن وبرغم ذلك فأن العلوم على أختلافها لاتتحول الى درس لغوي بأي حال من الاحوال . مهما تكن معطيات علم اللغة العام ( علم اللسان السوسري ) في كثرتها أو عمقها أو خصبها ، فهي لايمكن لها أن تستطيل أو تستعرض لتستوعب علوم أخرى . لذلك فأننا نعتقد أن ألسنة العلوم هي فكرة بدائية ومتخلفة جدا عن المنجز العلمي والحضاري الانساني . إذ كيف يمكن عد المعطى العلمي في حقل علم اللغة ( وعلى أفتراض وجود مثل هذه المعطيات ) منهجا قابلا للبحث في قطاعات وموضوعات اجتماعية وأنسانية أخرى . العلم ليس ظاهرة لغوية ، كما أن اللغة التي تستخدمها المجتمعات في الكلام والتدوين والادب ليست الوسيلة الوحيدة في التعبير عن نسق الافكار العلمية . أن العقل البدائي يعد العلم ظاهرة لغوية ، ويذهب ، مثلا ،الى عد أركان القرابة على أنها أيضا كلمات من الانشاء. من الممكن التعبير عنها بكلمات : أب ، أم ، زوج ، ... فثمة تناقض في مقولة أو مطلب ألسنة العلوم ، حتى في معيار سوسور نفسه ، فهو يضع الفروقات ( وأن كانت فروقات غير حاسمة ) بين اللغة والكلام ، ويعد الكتابة شئ مزيف بمعنى ما للغة . إذن في النهاية لدينا مقولتان ، تقفان على طرفي نقيض : مقولة ألسنة العلوم ، ومقولة التأصيل الرياضياتي للبنيوية . ونعتقد أن إحياء البنيوية كعلم ومنهج تحت اسم علم البنى ، يتم عبر تأصيلها رياضياتيا . إن دعوة كهذه لاتحيل الدرس البنيوي الى درس في الرياضيات ، ورغم أن الاحتمال المذكور لايشكل عيبا بقدر ما يشكل عبئا جديرا بأن يحمل . وشرعية هذا الامرمن وجهة نظر علمية لايخرج من طبيعة العلاقة الراسخة بين علم المنطق والعلوم الاخرى . فالمنطق الرمزي جزءا من الرياضيات كما لايخفى ، بمعنى أنه غير منفصل عن النسق العام للعلوم الرياضياتية .لذا من يريد التصدي للبحث البنيوي عليه التزود بمفاهيم نظرية المجموعات وأساسيات الجبر المجرد ونظرية الزمرة والتبولوجيا ، أضافة الى ما قد يحتاجه من أدوات يستقيها من علم حساب التفاضل والتكامل وعلم الاحصاء . (9) كلمات أخيرة ــ عندما كنت طالبا في قسم الرياضيات قال أستاذنا في مادة الجبرالعالي الدكتور فارس الطيار (رحمه الله ) بأن قريبا له غيرمتعلم سأله : ما فائدة علم الجبرفي حياتنا ؟ قال له : ليس له فائدة ملموسة ، إنه يوسّع العقل حسب. وقد كرر لنا نحن طلبته الجملة الاخيرة وقد بدا انه يعني ما يقول. ولم اتفق مع استاذنا الفاضل . ــ عندما كنت طالبا أيضا كانت الصحف اليومية والمجلات الشهرية تضج بموضوع مهيمن على أهتمام كتّاب الصحافة ألا وهو البنيوية . في ذلك الوقت كنت أتلقى فصلين ( كورسين ) في كل من نظرية الزمر ونظرية المجموعات وأسس الرياضيات. وقد لاحظت أن بعض ما أدرس قد تم توظيفه في هذه الكتابات الضبابية ، إلا إني لم أفهم شيئا مما قرأت في تلك الصحف . ــ في أثناء محاضرة ألقاها علينا الدكتور مالك المطلبي في النظام الصرفي ( ضمن سلسة محاضرات في مواد دراسية مختلفة لإعداد المذيعين الجدد في نهاية الثمانيات ) جنح المحاضرعن موضوع المحاضرة ليفرغ جام غضبه على من يعادي " البنيوية " ووصفهم بأنهم يفكرون بـ " عظم الجمجمة " وأنهم مجرد معاجم أو أناس تشبه المعاجم . وتكلم قليلا عن ما يُعده بديهيات بنيوية ، ولم أفهم أيضا شيئا عن ما قاله بصدد البنيوية . ولم أصرح له بذلك في حينه كي لاتشملني تهمته الصارخة والجارحة. ــ في محاضرة تالية في البلاغة ، كان يتولى تدريسها الاستاذ الدكتورأحمد مطلوب عضو المجمع العلمي العراقي ، وقد أثار أحد طلبة الدورة " وهو المذيع أحمد المظفر" ، سؤالا للمحاضر بدا له مستفزا : ماهي البنيوية يا أستاذ ؟ أجاب مبتسما كعادته عندما يكون معارضا لفكرة ما، ما يفيد أن البنيويين في العراق هؤلاء هم بعض طلبته وقد علمهم بلاغة اللغة العربية وعبقريتها. ضمرالجواب الدبلوماسي بأن البنيوية ليست من علوم اللغة بشئ . ــ سألت احد زملائي في الدورة الاذاعية " المذيع محمد الطريحي" ، وقد كان حديث التخرج من قسم اللغة العربية : هل درست البنيوية في الكلية ؟ قال: قليلا ، أنها كالرياضيات ولاتعجبني. أصاب في الاولى وأخطأ في الثانية . ــ وفي بداية طريقي الى الصحافة كاتبا ( لكن مُقّلا وما زلت) كتبت ما أعتبرتها دراسة " البنية : الماهية ومنهجية الكشف عنها ؟ " مستفيدا في انجازها من أهتمامي في الادب وما درسته عن البنى الرياضياتية. أرسلتها الى محررالصفحة الثقافية في أحد الصحف المحلية المرموقة في بغداد ، فوجدت القسم الثقافي فيها قد فرغ لتوه من حفل تأبين " البنيوية " أسوة بحفلات مماثلة ، لكن مبكرة ، أقيمت في الغرب معلنة عن موت البنيوية . ــ واصلت فيما بعد البحث والاطلاع على عديد من المقالات والدراسا ت " البنيوية " وكتبا ذائعة في صيتها " البنيوي " ، في مسعاي الجديد للتثبت من أشتغال المخ وليس العظم ، بوظيفته ، لكن ليس كما تمنى المطلبي بطريقته المستفزة . ولأبرأ البنيوية من تهمة " أسوأ مراحل السوء في نظرية الفن للفن " كما كتب الناقد القدير جواد علي الطاهر، في نهاية الثمانينات. (10) خاتمة أن التنظير يبدو بريئا ، ملائكيا ، إلاّ أن الشيطان يكمن أحيانا في التطبيق . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) زلاتكاشبورير ( الرياضيات في حياتنا ) سلسلة عالم المعرفة ـ الكويت ، ص22 (2) رولان بارث ( مبادئ في علم الادلة ) ــ دار الشؤون الثقافية ـ بغداد 1986 م راجع الثبت النقدي للمراجع في الصفحات 175 ـ 180 (3) د.عادل غسان نعوم ، تساؤلات فلسفية حول الرياضيات ، مجلة دراسات فلسفية ـ بيت الحكمة ـ بغداد ـالعدد 3 تموز /ايلول 1999 م ( 1420 هجرية ) ، ص 90 (4) ، ( 5) المصدر السابق ، ص91 (6) انظر على سبيل المثال ملاحظات الدكتور مالك المطلبي ( مراجع النص العربي ) لعلم اللغة العام ـ سوسور ـ في مقدمته إصدار دار الشؤون الثقافية ـ بغداد 1985 م (7)، (8) ميشال فوكو ( مالمؤلف ؟) ـ مجلة الفكر العربي المعاصر العددان 6، 7 تشرين الثاني 1980 ص 115 ـ125
لايسمح بأعادة نشر هذه الدراسة من قبل الصحف والمجلات والدوريات ، كذلك لايسمح بترجمتها الا بموافقة الكاتب
#عبد_الرحمن_كاظم_زيارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البنية الزمرية
-
الاناسة اوعلم تالاجتماع
-
التباديل واحصاءات البنية
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|