• حاوره: عدنان حسين أحمد/ برلين
• الفنان والمخرج الكردي بكر رشيد لـ ( الحوار المتمدن )
• أحاول أن أقدم الثقافات العالمية للمتلقي الكردي
منذ نعومة أحلامه كان بكر رشيد يتطلع إلى معهد الفنون الجميلة في بغداد كي يدرس التمثيل أو الإخراج المسرحي، لكن أبواب المعهد لم تكن مفتوحة أمام الموهوبين القادمين من جهات وأحزاب سياسية أخرى لا تتطابق وحدات دمها مع وحدات دم السلطة. فلهذا قفل بكر رشيد عائداً إلى السليمانية، ليواصل دراسته في معهد الإدارة بالموصل من دون رغبته. فقد أجّل أحلامه ريثما تتكشف أمامه المسالك. ومع ذلك فقد انضم إلى فرقة السليمانية للتمثيل التي وجد فيها بعض عزائه، لكن طموحاته كانت أكبر من الانضواء إلى فرقة محلية. وعلى الرغم من مشاركته في العديد من المسرحيات والمسلسلات الكردية ممثلاً ومخرجاً إلا أن مخيلته كانت تتوق إلى الدراسة العليا والنجومية والتألق المشروع، لهذا قرر الرحيل والتطواف في المنافي البعيدة من أجل الإمساك بالحلم الهارب. في برلين إلتقاه موقع ( الحوار المتمدن ) بمناسبة إشتراكه في مهرجان ( أيام المسرح العراقي في المنفى الأوربي ) وكان لنا معه هذا الحوار:
• هل لك أن تتحدث لنا عن البدايات التي صنعت منك فناناً أولاً، ثم مخرجاً مسرحياً. وما هي من وجهة نظرك أبرز المحطات الفنية التي ينبغي أن نتوقف عندها لكي نقدّم للقارئ صورة شبه متكاملة عن تجربتك الفنية؟
- إذا أردت أن أتحدث عن البدايات فلابد من العودة إلى مرحلتي الدراسة الابتدائية والمتوسطة، إذ شاركت مع بعض التلاميذ الموهوبين في مسرحيات مدرسية متعددة، وكنت أجد لذة كبيرة في هذا النوع من العمل الذي لم أكن أدرك كنهه آنذاك. وعندما ذهبت إلى بغداد لكي أقدم أوراقي لمعهد الفنون الجميلة فوجئت بأن القبول يقتصر على الطلبة الذين ينتمون إلى حزب السلطة فأُصبتُ بإحباط كبير، لذلك قررت العودة إلى كردستان وقدمت أوراقي إلى معهد الإدارة في الموصل عام 1986 وطويت حلمي المسرحي الجميل إلى أجل غير مسمى. وبعد أن أتممت دراستي في المعهد عدتُ إلى السليمانية، وانضممتُ إلى فرقة السليمانية للتمثيل، وشاركت في العديد من المسرحيات أذكر من بينها مسرحية ( أفول القمر ) لجون شتاينبك، ومسرحية ( الجمجمة ) للشاعر التركي الكبير ناظم حكمت، ومسرحية ( الغجر ) التي فازت بأكثر من جائزة، ومسلسل ( زالة ) الكردي المؤلف من ثماني حلقات.
• ما هي الأسباب التي دعتك لأن تتخلى عن التمثيل وتتحول إلى الإخراج على الرغم من نجاحك في معظم الأدوار التي مثلتها؟
- فضلاً عن الأدوار المسرحية التي ذكرتها في إجابتي السابقة فقد مثلت في مسرحية ( القصر ) وهي من إعداد وإخراج الفنان كاميران رؤوف، ومسرحية ( الملك لير ) من تأليف شكسبير، وإخراج كاميران رؤوف أيضاً. لقد أحببت التمثيل، ولا أزال أحبه وأتشبث به، والدليل على ذلك أنني لا زلت أمثّل، لكن الإخراج يظل حلمي الأكبر لأنه الأقدر على احتواء موهبتي المسرحية وهمومي الفنية الأخرى. وفي العام 1983 تحديداً أخرجت مسرحية ( وداعاً أيها الشعراء ) للقاص والكاتب المسرحي العراقي جليل القيسي وهي تتناول سيرة حياة الفنان الهولندي فان خوخ وما تنطوي علية من لمسات إنسانية مؤثرة. ثم أخرجت مسرحية ( الأم ) لبرشت. وبعد برشت وجهتُ عنايتي إلى كازنتزاكي فأخرجت ( المسيح يصلب من جديد ) إذ أعددت هذا النص بعد أن استمتعت بقراءته غير مرة. وفي عام 1995 أخرجت مسرحية ( عدو الشعب ) لإبسن. وفي عام 2001 أخرجت مسرحية ( طائر النورس ) لتشيخوف. وثمة أعمال أخرى لا أستطيع أن أتذكرها في جلبة هذا المهرجان الذي يحتاج إلى جهود كبيرة أنت أدرى بها. في عام 1995 غادرت كردستان، وبعد سنة من التطواف في المنافي وصلت إلى ألمانيا عام 1996. في ألمانيا شعرت بنوع من الاطمئنان والاسترخاء الروحي، وساهمت مع زملائي الفنانين الكرد بمهرجانين مسرحيين كرديين، ومن بين هؤلاء الفنانين مكي القصاب وحكمت توفي وفهمي بالاي. لقد اجتمعنا نحن الأربعة، وأسسنا أول تجربة لمهرجان مسرحي كردي في برلين عام 1998 ، وشاركت فيه فرق مسرحية من بلدان أوربية متعددة، وقد استمر المهرجان لمدة ثلاثة أيام. وفي عام 2000 أقمنا المهرجان المسرحي الثاني، واشتركت أنا بمسرحية ( مملكة الحمامات ) وهي من تأليف شيركو بيكس، ومن إخراجي أنا. وفي هذا العام اشتركت بمسرحية ( طائر النورس ) وهي من تأليف تشيخوف، وإخراجي أنا أيضاً.
• من خلال اطلاعي على سيرتك الإبداعية تبين لي أنك مولع بإخراج مسرحيات لكتاب عالميين. لماذا لم تُخرج لكتاب مسرحيين كرد، باستثناء شيركو بيكس الذي أخرجت له عملاً واحداً؟
- نعم، لقد أخرجت العديد من المسرحيات لكتاب عالميين من مختلف بلدان العالم، وهذا الأمر لم يكن اعتباطياً. فالنظام العراقي، كما تعرف، لم يُتح لنا الفرصة لأن نقدّم أعمالاً مسرحية كردية تتناول قضيتنا الكردية، فلهذا لم أجد أمامي سوى أن أتناول أعمالاً عالمية معروفة. ومع ذلك فأنا أحاول من خلال هذه الأعمال أن أقدّم الثقافات العالمية للمتلقي الكردي الذي يحتاج دائماً لأن يتعرف على ثقافات الشعوب وحضاراتها. ولو تدقق في الأعمال العالمية التي أخرجتها فسوف تجد أن مضامين هذه الأعمال قريبة إلى حد ما من مضامين القضية الكردية ومعاناة شعبها. وفي السنوات القادمة سوف أخرج بعض الأعمال للكتاب المسرحيين الكرد الذين أكّن لهم احتراماً كبيراً.
• خلال السنوات الخمس التي أقمتها في ألمانيا هل أفدت من التقنيات المسرحية الإخراجية الأوربية ؟ أم أنك لا تزال تعوّل على معلوماتك الراسخة في الذاكرة، والتي تعود إلى الخزين المعرفي السابق الذي اكتسبته من خلال القراءة والمشاهدة في العراق؟
- لم أفد لحد الآن من التقنيات الإخراجية المسرحية في أوربا لأكثر من سبب، أولها أنني ما زلت في طور الدراسة والتعلم حتى على صعيد اللغة الألمانية. ولكنني أخرجت مسرحيات أوربية لكي أنقل ثقافات الشعوب الأوربية إلى الجمهور الكردي.لأنني أريد أن أذكّر الأوربيين بأن الأكراد هم شعب لديهم حضارة، ولديهم ثقافة متنوعة وعميقة، ولهذا ترى أن أغلب أعمالي تقدّم باللغة الكردية. سأفيد حتماً من التقنيات المسرحية الإخراجية في السنوات القادمة لكي أعزز تجربتي الإخراجية.
• ألا تعتقد أن تقديم مسرحياتك باللغة الكردية قد يسبب محدودية الجمهور. لماذا لا تفكر بتقديم مسرحياتك بلغة مزدوجة، أو بلغة أوربية كالألمانية أو الإنكليزية. أو باللغة العربية مثلاً؟
- أنا أريد أن أخلق جمهوراً مسرحياً كردياً يأتي بانتظام لمشاهدة العروض المسرحية الكردية. وأحاول في الوقت ذاته أن أغري الجمهور الألماني وأستدرجه لمشاهدة الأعمال المسرحية التي أعدها وأخرجها سواء كانت كردية أو عربية أو عالمية، وهدفي أن أجعل المشاهد الأوربي يرى المنجز الفني الكردي حتى ولو على صعيد الإخراج، لكي أقول لهم نحن لدينا من الطاقات الفنية الكثير. وفي مسرحية ( طائر النورس ) التي قدمتها للجمهور الألماني باللغة الكردية، كان من الممكن أن أقدمها بالألمانية لأن الممثلين الشباب الذين شاهدتهم يتقنون اللغة الألمانية جيداً، ولكنني أردت أن أثير أسئلة المشاهدين الألمان وأقول لهم بأن لدينا العديد من المبدعين الذين يقدمون نتاجاتهم باللغة الكردية. وفي أعمالي القادمة سوف أقدم نتاجاتي باللغة الألمانية أو بلغة مزدوجة خدمة لثقافتنا الكردية العراقية.
• ألم يُثر انتباهك الكاتب المسرحي الكردي محي الدين زنكنة. لماذا لم تُخرج له لأي عمل حتى الآن آخذين بنظر الاعتبار أن مسرحياته تتوفر على نفس عالمي فضلاً عن نفسها المحلي؟
- بالعكس، أنه من أقرب الكتاب المسرحيين إلى قلبي، وهو صديقي جداً، وقد لفت انتباهي منذ زمن مبكر، غير أن بدايتي الإخراجية كانت مع كتاب عالميين. أنا لا زلت في أول الطريق وأمامي طريق طويلة، وسوف يكون محط اهتمامي في السنوات القادمة من دون ريب.
• الممثلون الذين شاركوا في مسرحية ( طائر النورس ) كانوا شباباً مبتدئين. ألا تعتقد أنك جازفت في زجهم بهذا العمل المسرحي لأنهم لم يتوفروا على خبرة طويلة؟
- لا أخفيك أن ثقتي بهم كانت عالية منذ البداية، وكان عليّ أن أجازف وأتحمل النتائج مهما كانت، ولكن الحمد لله أن العمل قد نجح كما لاحظت. فضلاً عن كون الفنانين الكرد مشتتين في المدن الألمانية البعيدة. فليس من السهل أن تؤمّن وجود فنانين كرد دائماً لأسباب كثيرة منها مادية وأخرى واجتماعية. لقد خاض الفنانان الكرديان أول تجربة لهما، وكانت ناجحة جداً بشهادة الكثيرين. وأعتقد أنك توافقني الرأي.
• بوصفك عضواً في اللجنة التحضيرية في مهرجان ( أيام المسرح العراقي في المنفى ) لماذا لم تفكروا بدعوة فرقة مسرحية من كردستان؟
- ثمة مشكلات إجرائية، فنحن هنا مجموعة من الأندية والمؤسسات الثقافية والفرق المسرحية التي لا تمتلك الصلاحية الكاملة لدعوة فرق مسرحية كردية من كردستان. وأعتقد أنك تدرك هذه الصعوبات، ولكننا في الوقت ذاته استقدمنا عدداً من الفرق المسرحية الكردية من كردستان إيران، ومن كردستان تركيا، لأن الصعوبات أقل ويمكن تجاوزها، خلافاً للصعوبات التي تواجهنا في حال إستدعاء فرقة مسرحية من كردستان العراق. ومع ذلك فإننا نفكر جدياً في المهرجان المسرحي الكردي الثالث بدعوة فرقة مسرحية كردية من كردستان العراق، ونأمل أن ننجح في مسعانا. ونحن نتمنى أن تشارك فرقنا المسرحية الموجودة في الداخل كي تتعرف على كل ما هو جديد ومفيد ومثمر.
• أنت شاهدت كل الأعمال المسرحية التي قُدمت في هذا المهرجان. ما هي الأعمال التي أثارت انتباهك بوصفك ممثلاً ومخرجاً، وليس عضواً في اللجنة التحضيرية؟
- إن أي نشاط ثقافي وفني يُقام في المنفى لابد أن يحتل مكانة ما في نفسي برغم الصعوبات التي تواجه مثل هذه النشاطات. هناك أعمال كثيرة أثارت انتباهي، ولا أريد أن أسمّي بعض هذه الأعمال كي لا أقع في مطب الإحراج. أنا حقيقة أفتخر بكل الأعمال التي قُدمت، وأتوجه بالشكر الجزيل لكل المشاركين الذين ساهموا في إنجاح هذا المهرجان.