|
آليات الشخصية المصرية
عصام عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 2259 - 2008 / 4 / 22 - 04:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هو سفر حافل بالرصد والوصف والتحليل ، للخصائص المميزة للشخصية المصرية ، وطباع المصريين ، وتنوعها ، وما شهدته الحقب التاريخية المتعاقبة من تبدلات ( علي الأقل علي مستوي الشكل والتنظيم ) في الاقتصاد والمجتمع والسياسة ، كما تناولتها الكتابات المختلفة ، بدءا من " ديودورس " و " ابن خلدون " و" المقريزي " و" ابن إياس " و" الجبرتي " ، مرورا ب" إدوارد وليم لين " و" علماء الحملة الفرنسية " و" كلوت بك " ، وصولا إلي " تيمور باشا " ، والشيخ " خضر الشربيني " والأب " عيروط " ، و" حامد عمار " و" سيد عويس " و" جمال حمدان " ، والدراسات الإمبيريقية التي نشرت في التسعينيات من القرن العشرين لأحمد زايد وغيره من الباحثين ، والتي تكشف في مجملها عن عناصر الاستمرارية والثبات علي الصعيد السيكولوجي الجماعي والثقافي ، أكثر مما تكشف عن عناصر الانقطاع والتحول . هذه المجموعة المختارة من الخصائص والسمات ذات دلالة اساسية ، فيما يتصل بالمشكلات الراهنة والأزمة الاجتماعية والثقافية التي يعاني منها المجتمع اليوم . والافتراض الأساسي الذي يوجه تحليل العالم والمفكر ، د. محمود عودة أستاذ علم الإجتماع بجامعة عين ، في هذا الكتاب القيم ، الذي حمل عنوانا دالا هو " التكيف والمقاومة .. الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية " وصدر عن " عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية " 2007 ، مفاده : ان هذه الخصائص هي مظهر لعمليتين رئيسيتين " التكيف والمقاومة " ، يفترقان حينا ، ويلتقيان في بعض الأحيان ، لكنهما في جميع الأحوال يمثلان مفتاحا أساسيا لفهم الشخصية المصرية ، وإجلاء غموض تناقضاتها . فقد طور المصري عبر تاريخه ، ميكانزماته وآلياته الخاصة للتكيف مع الصعوبات وأشكال القهر المتعددة ، كما طور في الوقت ذاته آلياته الخاصة للمقاومة ، وهي آليات شكلت في مجملها وفي تفاعلاتها الداخلية والخارجية ، جهازه السيكولوجي وبنيته العقلية التي تتبدي في مجموعة من الخصائص والصفات التي أصبحت لصيقة بشخصيته . ويلفت نظرنا د. عودة إلي صعوبة التمييز بين آليات التكيف وآليات المقاومة علي الصعيد العملي في كثير من الأحيان ، وإلي اختلاط هذه الآليات وازدواجية أدوارها إلي المدي الذي يمكن فيه اعتبار آليات التكيف ، في ذاتها جزءا من آليات المقاومة أيضا ، بل هكذا نظر إليها غالبا ، بوصفها " مقاومة سلبية " . ومن أبرز آليات التكيف وخصائصه : التصور الهرمي للمجتمع والكون ، الازدواجية ، السلبية والأنامالية ، التحايل علي علاقات القهر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، التصورات الميتافيزيقية والقناعات الخرافية والشعبية .
فالمصري لا يتصور المجتمع والكون ، دون ترتيب هرمي ، وأن ثمة ضرورة لا غني عنها لوجود الكبير والصغير ، والسيد والفرفور في المرتبة الاجتماعية والقوة السياسية . ومن الأمثلة الشعبية التي ما تزال مضروبة : " اللي مالوش كبير يشتريله كبير " ، " الميه ما تطلعش في العالي " ، " العين ما تعلاش علي الحاجب " . فضلا عن انتشار ألقاب التعظيم والاحترام : ( سيادتك ، سعادتك ، حضرتك ، جنابك ، معاليك ، بك ، باشا ، .... الخ ) . ويرتبط بهذا التصور الهرمي للكون والمجتمع بعض الخصائص النفسية ، التي ما تزال ظاهرة في الشخصية المصرية عبر كافة الفئات والشرائح والطبقات الاجتماعية ، مثل فقدان المبادرة وانتظار التوجيهات ممن هو أعلي ، والرضا والقناعة والبعد عن التطلع ، والخوف والحذر والشك والريبة والعداء في مواجهة السلطة ، والنفاق والرياء والمداراة ، والارتباط بالأشخاص .
ويبدو أن الخوف من الوقوع في الخطأ ، وتجنب المبادرة من ناحية ، وغياب السياسات العامة والتقاليد الراسخة هو ما يؤدي دائما إلي ظاهرة انتظار التوجيهات ، فالتدخلات الحاسمة في مجريات الأحداث ، أو الكوارث أو المشكلات الكبري تنتظر دائما توجيهات " الرئيس " . ويحرص المسئولون عند المستويات الأقل غالبا علي المحافظة علي الشكل الهرمي ، إذ يصدرون قراراتهم بعبارة خالدة " بناء علي توجيهات السيد الرئيس " ، ولا يجري ذلك عند المستوي البيروقراطي الأعلي فقط ، بل علي كافة الأصعدة والمستويات البيروقراطية .
اما ظاهرة الارتباط بالأشخاص ، فهي من أكثر الظواهر التي تولد المحسوبية والشللية ، وهي من الآفات الخطيرة التي تصيب الجهاز السياسي والبيروقراطي . ذلك ان التبعية للكبار وأصحاب المراكز ليست خاصية في " الصغار " فقط ، بل هي مطلب ضروري للكبار ، فكل كبير يحرص علي وجود أتباع وحاشية يلتفون حوله ويتملقونه ، ويكونون جماعته المفضلة ، وهم الأولي بالرعاية والعطايا والمناصب.
اما عن آليات المقاومة ، فيستشهد المؤلف بما أسماه – عمنا سيد عويس – " الأشكال الشعبية لمقاومة الظلم والعسف " ، حيث رصد عشرة متنفسات أو طرق يلجأ إليها المواطن المصري ، تتراوح بين اللامبالاة والنفاق والتهكم ، وبين الهجرة والتمرد والثورة . كما سجل المؤرخون عبر الحقب المختلفة هبات وانتفاضات للمصريين في مواجهة السلطة ، اشتعلت فجأة ، وانطفأت فجأة دون أن تحقق أهدافا محددة ، هبات لم تنقطع عبر التاريخ ، كما لم تنقطع أيضا مواجهتها بصرامة ، مثل : أحداث 18 و 19 يناير 1977 ، وأحداث الأمن المركزي عام 1986 ، وربما 6 إبريل 2008 ، لكنها كانت في جميع الأحوال هبات غير منظمة أقرب إلي الفوضي والغوغائية منها إلي الاحتجاج المنظم ، وهكذا لم تؤت أكلها ، بل ربما ترتب عليها نتائج في غير صالح من قاموا بها أساسا . وللحديث بقية ....
#عصام_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للصبر حدود .. وللتسامح أيضا
-
الفوضي أم الاستبداد ، قدر المنطقة ؟
-
الجغرافيا بين السياسة والثقافة
-
شهادة المرأة في حقوق الإنسان
-
2008 .. عام المنع والممانعة
-
في الثورة والفورة
-
أدب المنفي ، أو الحضور الغياب
-
الدبلوماسية الوقائية
-
أحفاد جاليليو والبابا بنيدكت
-
البحث اللاهوتي السياسي
-
البابا شنودة والكاردينال جيرسن
-
مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط
-
في ذكري ابن رشد
-
المفارقة التاريخية
-
الحكمة الجماعية
-
الشرطة الدينية
-
أرض الأحلام
-
باقة ورد إلي الحوار المتمدن
-
أصل الدستور الأمريكي
-
في اليوم العالمي للفلسفة ..
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|