|
البذور الجديدة
كريم الهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 2255 - 2008 / 4 / 18 - 01:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إلى أين يسير العالم؟ هل هناك رؤى محددة لهذا الطريق أم يسير كيفما اتفق؟ هذا النوع من الأسئلة وغيرها تطرح نفسها بقوة وعلى الإنسان الواعي ألا يمر عليها مرور الكرام، هناك تغيير كبير يحدث للكونية بشكل غير طبيعي يثير الدهشة. أمر مدهش وخطر: مدهش، إذ ربما لم يسبق في التاريخ الحديث أن جرى تغيير حياة ومعتقدات هذا العدد الكبير من البشر في الشرق والغرب بهذا الشكل وتعرضها إلى هزات عنيفة من قبل نظريات اجتماعية وسياسية، لأن إهمال الأفكار من قبل الذين ينبغي أن يعتنوا بها، أي من قبل من تدربوا على تبني نظرة ناقدة للأفكار عموما، قد يؤدي أحيانا إلى اكتسابها قوة كاسحة لا يمكن مقاومتها أو كبحها أن تفرض على أعداد هائلة من البشر الذين يصبحون على درجة من العنف لا يمكن معها التأثير فيهم بالنقد المنطقي العقلاني. إن ما يقود البشرية نحو نقطة ما، هي الأفكار لا سواها حيث البذور التي ستجد نفسها بعد حين أشجار سامقة تتلاقح مع رياح التغيير المستقبلية ومن هنا نحن معنييون بمتابعة كل البذور الجديدة. ولقد حذر الشاعر الالماني «هاينة» الفرنسيين قبل أكثر من مئة عام من مغبة الاستخفاف بسيادة الأفكار وسلطتها فقال: «إن الأفكار الفلسفية التي يطرحها أستاذ من مكتبه الهادئ، قادرة على إبادة حضارة بكاملها. وقد تكلم أيضا عن مقالة «كانت» الموسومة بـ«أسلوب نقدي في المنطق المحض» ووصفها بأنها كالسيف الذي ضرب عنق الإلحاد الأوروبي- كما وصف أعمال «روسو» بأنها السلاح الملطخ بالدم الذي حطم بيد «روبسيير» العهد البائد، وتنبأ بأن الإيمان الرومانسي لـ«فيشتة» و«شيللنغ» سينقلب يوماً وبتأثير ماحق من قبل أتباعهما من المتطرفين الألمان ضد الثقافة الليبرالية الغربية. إن الحقائق لم تناقض هذه النبوءة كليا، ولكن إذا استطاع العلماء السيطرة على هذه القوة المدمرة ألا يمكن أن يكون هناك غيرهم من العلماء أو المفكرين «وليس الحكومات أو الهيئات الدينية» ممن يستطيع تعطيل ما جاؤوا به أو حتى نقضه؟ يعتقد الكثير من أصحاب وجهات النظر بأن سلطة الآلة والقوة العسكرية ولغة الغزو، هي السلطة الوحيدة التي ستتحكم بالعالم. إنها لمادية تاريخية فظة ومبتذلة، تلك التي تهمل قوة الأفكار وتدعي بأن المثل الفكرية هي مجرد اهتمامات مادية مقنعة. ولولا ضغط القوى الاجتماعية، لما كتب للأفكار السياسية الحياة، ولكانت جهيضا ميتا. وما هو أكيد أن هذه القوى تبقى عمياء متخبطة إلا إذا اتخذت من الأفكار لبوسا لها. هناك سياقات كثيرة لما أطرحه الآن وبحاجة إلى نظرة عميقة بعيدة عن التشنج و الانفعال، لذا لا أقصد كما اعتقد بعض الفلاسفة «المثاليين»، بأن جميع الحركات والصراعات التاريخية بين البشر، هي صراعات وخلافات في الفكر، أو خلافات قوى روحية، ولا حتى أوجه منها أو تأثرات تنطلق عنها. ولكنني أقصد أننا كي نفهم هذه الحركات والخلافات السياسية، يجب قبل كل شيء أن نفهم الأفكار والمواقف التي تتضمنها بكل دقة، وهي وحدها كفيلة في جعل مثل هذه الحركات السياسية جزءاً
لا يتجزأ من التاريخ البشري وليس مجرد أحداث طبيعية. وهناك مشكلة تنبثق من روح التمرد أو الاستقلالية وهي مشكلة الطاعة والإكراه. التساؤلات هنا هي من قبيل: لماذا أطيع (أنا وغيري) شخصاً آخر؟ لماذا لا أعيش كما يروق لي؟ هل يحّتم الواجب الطاعة؟ هل أًًََََُجبر على الطاعة إن عصيت؟ من يجبرني على ذلك؟ وإلى أي مدى؟ وباسم مَن؟ ومِن أجل ماذا؟
من الصعب جداً القبض على الإجابات القطعية لذلك النوع من الأسئلة ومن أول وهلة، حيث هناك إجابات متضاربة في عالم اليوم عن هذه الاسئلة، وعن المدى المسموح به من الاجبار أو الإكراه على الطاعة، وكل فئة تتبنى إجابة ما تدعي أن عدداً كبيراً من الأفراد يرون رأيها. لذلك، يبدو لي، أن أي وجه من أوجه هذا الخلاف جدير بالدراسة. ربما يتلخص كل ما سبق طرحه في مفاهيم مثل القانون والطاعة والتمرد. بمعنى آخر في مفهوم الحرية الفردية أو حرية مجتمعات بأكملها، إن إجبار الفرد على الطاعة يعني تجريده من حريته. ولكن حريته في ماذا؟ لقد أشاد كل مفكر أخلاقي في التاريخ البشري بالحرية ومجّدها. والحرية مصطلح، شأنه شأن المصطلحات الأخرى كالسعادة والطيبة والطبيعة والحقيقة، ذو تفسيرات شتى. إنني لا أعتزم بحث تاريخ هذا المصطلح ومعانيه الكثيرة أو أن أقدم فيه إجابات قاطعه أو فيما طرحت من أسئلة سابقة، ولكنها دعوة للحوار في البحث عن رؤى تنقذ الكونية وتمنحها خلاصها من هذا الجحيم.
#كريم_الهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أصنام الكتابات
-
ريثما تطن نحلة أخرى في الدماغ
-
فلسفة الفرح
-
من يمنحنا أجنحة للطيران؟
-
أوغست كومت بعد قرن ونصف من رحيله
-
بهجة الاحتضار ومراوغات الجثة
-
الإرادة : حينما لا أجد شيء يقلقني فهذا بحد ذاته يقلقني
-
خطوة في التوجس . خطوة في اليقين
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|