سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2253 - 2008 / 4 / 16 - 10:16
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
لا ينكر احد أن المقاومة هي حق بكل المقاييس في مواجهة الاحتلال, ومن غير المنطقي أن لايرافق أو يوازي المقاومة قيادة سياسية تجني ثمار تضحيات تلك المقاومة, لكن الأمر ليس بهذه البساطة, فالمشهد الفلسطيني غاية في التعقيد, ليس بسبب الاستثناء الظاهر بان المقاومة في واد والسياسة في واد آخر, بل على العكس فان المقاوم يهدف إلى دحر الاحتلال بالأدوات العسكرية, والمفاوض يهدف كذلك إلى دحر الاحتلال بالأدوات الدبلوماسية, والخلل يحدث عندما تتولد تنافرات بحيث يعتقد الشق العسكري للمقاومة انه قادر على تحقيق الهدف بمعزل عن الشق السياسي الآخر للمعادلة والعكس صحيح, لكن وان كانت تلك المعادلة التي يفترض أن تكون منسجمة الأداء, وإنها النواة لمعادلة أوسع نطاقا, على المستوى العربي والإقليمي والدولي, لان عوامل الصمود وان كانت نواتها في الميدان الفلسطيني بالعمل العسكري والاستثمار السياسي, فان عوامل صمود أخرى على المستوى الاستراتيجي, يجب أن تكون مهيأة لدعم ذلك التوجه لدحر الاحتلال.
وحقيقة رغم أن المقاومة هي روح التحرير, لكن الأمور في ظل خلل بالبيئة السياسية العربية والإقليمية والدولية الأوسع, تجعلنا أو من الحكمة أن نأخذ بها ماهو في صالح الهدف ونبني عليه, وإلا نتبع سياسة ثور الساقية, أو تقدير عقد سرعة الرياح وقوة التيار بأقل من نسبتها الحقيقية, نعم أن البندقية هي أداة فلسطينية مقدسة لمواجهة العدوان المتصاعد منذ أكثر من نصف قرن, لكن وفق معامل القياس في البيئة المحيطة, وبدء من أسفل أقدامنا وما يعتري ساحتنا الفلسطينية "النواة" من كارثة الانقسام , وفصل أجزاء الوطن والانشطار السياسي , وتعدد مرجعيات التبعية لغير الشرعية الفلسطينية, والحصار الذي وصل مداه من الإجرام الصهيوني, والعدوان الشامل سواء على الضفة الغربية أو غزة, مرورا بالوضع العربي المتأزم والذي هو أسوء حالا من الوضع الفلسطيني المتدهور, حتى بات الوضع العربي المنقسم على نفسه أشبه بجسد استأصل منه خلية وحدة المصير, فاختلفت همومه وأولوياته ومصالحه وتبعيته, حتى أصبح كل قطر عربي لديه من الإشكاليات الداخلية والتي هي حسب اعتقادي, إنها إفرازات طبيعية للديمقراطيات المفروضة أو المستوردة بمقاييس خاصة, فذاك القطر أولويته في اجتثاث ما يسمى بالإرهاب" القاعدة" وتلك الدولة تواجه سلوكا من المعارضة المتصاعدة المشاغبة وأحيانا الدامية, وأقطار أخرى تتسابق لاحتضان قادة العدو الصهيوني في ذروة العدوان والحصار الشامل على الشعب الفلسطيني, وصولا إلى معادلة إقليمية أن أردنا تسمية الأشياء بمسمياتها, فإنها تتمثل في المشروع الإيراني الزاحف بقوة إلى المنطقة, وربما السبب الأقوى لذلك الزحف هو غياب المشروع الوحدوي العربي, مما دفع بالمشروع الشرق الأوسطي الأمريكي, أو حتى مشروع البحر المتوسطي الأوروبي الغربي, ليكون حاضرا في منطقتنا العربية بقوة, وقد زرع في قلبنا العربي برا وبحرا قواعده العسكرية الاستراتنيجية الفتاكة, والتي تجاوزت حاملات الطائرات المقيمة, والقواعد الخاصة لأشباح الموت الجوية الإستراتيجية ذات مهام المجازر الجماعية"B1< B52" , حتى وصلت إلى الغواصات النووية التي ترسوا في المياه الإقليمية المحاذية للخليج العربي, حفاظا على مصالحه الإستراتيجية في مواجهة أي مشاريع بعيد عن الإرث الاستعماري القديم.
هكذا يجب أن ننظر إلى المشهد, ليس من اجل البحث عن مبررات الاستسلام والقبول بأقل القليل, ولكن من اجل براجماتية قياس الإمكانيات العسكرية والسياسية كأهم مقومات الصمود المتاحة, فمثلا في حال العدوان المرتقب على المنطقة عامة, وعلى قطاع غزة خاصة, لايمكن في ظل المشهد الواسع أن تقاس الأمور فقط بالأداة العسكرية سواء محدودة الكم وبدائية الصنع ويتم عن عمد يكشف النوايا الصهيونية تضخيمها إلى درجة الندية, والحقيقة إذا ماقيست الأمور بالمقاييس العسكرية فلا نسبة ولا تناسب, والفارق الذي يعبث به لبعض هو الوحدة الوطنية المتهتكة وانفصال أجزاء الوطن, بل وانفصال إنسان الوطن وترنحه بين الاستقطاب الشرقي والغربي, وهذا الوضع ينسحب على سوريا هدف العدوان الثاني بعد غزة واستثمار ابتعادها أو إبعادها عن القطب العربي صوب القطب الإقليمي الإيراني الذي يتم تضخيمه بموازاة العالم الغربي ,انطلاقا من مصالح تربط القطب الإقليمي الإيراني بقوى رئيسية أخرى مثل(روسيا الاتحادية والصين) التي قد ترفض العدوان عليه ولن تمنعها, وهكذا الحال على حزب الله اللبناني وما يحدث من أزمة سياسية قد تتطور إلى حرب أهلية بين فريقين تم تسميتهم بمنعطفات زمانية"الرابع عشر من آذار" وغيرها من مسميات ما انزل الله بها من سلطان.
وفق هذه المعادلة يمكن تخيل عوامل ومعطيات وبالمجمل مقومات الصمود , جميع تلك المعطيات تفيد بما لايدع مجالا للشك أن طبول الحرب يقترب صوتها وهديرها, لان الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة ماسة إلى حرب ينتج عنها سلام بمقاييس المصلحة الغربية, وبنفس المعطيات الفلسطينية والعربية والإقليمية, ليس من المرجح جعل العدو يتردد في إطلاق شرارة تلك الحرب, وفق أجندة خاصة يسبقها فعل سياسي وعسكري ما لكنها قادمة, وأي تغيير على تلك المعطيات الخاصة بالطرف الفلسطيني يجعل من عوامل ومقومات الصمود أفضل ربما لن تمنع وقوع تلك الحرب, لكن يمكن الحد من أخطارها الميدانية, ولن يتأتى ذلك إلا بعودة شقي الوطن إلى حضن الشرعية, حتى تهتز قواعد المخططات العدوانية الشبه جاهزة, فمن السهل أن نقول أننا سنجعل غزة مقبرة للغزاة, ولن يئول احد جهدا وتضحية في التصدي لذلك العدوان, لكن يجب العمل بكل الوسائل حتى في الوقت الضائع, لمحاولة التشويش على المبررات الصهيونية على الساحتين العربية والدولية, فمن يدري أن تداركنا الخطر الذي قد يتجاوز الحرب البرية التقليدية, بان نستطيع بوحدة الخندق السياسي الشرعي ووحدة الخندق للمقاومة التي يجب أن تنسجم مع الجهود السياسية الهادفة للحد من فرص وقوع العدوان, من يدري ربما يكتب الله السلامة لإنساننا الفلسطيني المستهدف برسم الانفصام والطلاق الوطني وحملة المزايدات العقيمة بالتخوين والتكفير, التي لن تفيد إلا العدو الذي اكتملت مخططاته, وما سعيه إلى اللعب على تلك التناقضات عن طريق وسطاء أوروبيين وعرب, إلا لاختيار الزمان المناسب لعدوان مدمر نتيجته وفق تلك المعطيات ليست في صالحنا.
ولا يعني هذا أنني أتوقع سلاما إذا ما سحبت المبررات , بقوة العدوان المبيت, لأنني مؤمن بحقيقة النوايا العدوانية الصهيونية خاصة بعد توصيات تقرير" فينو جراد" ومن ثم بعد العدوان يتم الحديث عن تسوية في شكل تفاهمات أو إعلان مبادئ بصيغة جديدة, وتصور للوضع النهائي دون ترجمة على الأرض بأكثر من مرحلة معينة, يتم خلال تلك التفاهمات توقيع اتفاق بضمانة الرباعية, يلزم الدول الموقعة والضامنة, أن تستأنف المفاوضات من حيث انتهى الأطراف, خاصة بعد إجراء الانتخابات وتحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي, لكن المطلوب مزيد من قوة الحكمة, مزيدا من قوة توحيد خندق المقاومة, مزيد من إزالة الخلافات السياسية وعودة غزة للشرعية الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس - أبو مازن.
وعليه فان عوامل الصمود تكون وفق هذا المشهد, وان كان هناك مراهنة حقيقية ولها قيمة وجدوى, فهي المراهنة على الوفاق الوطني الفلسطيني بعيدا عن التعنت وفرض الأمر الواقع, وبعيدا عن استثناء قرار الحسم السياسي للشعب في حال الخلاف, ومادون ذلك من مراهنات على قوى عربية تتعهد بمنع العدوان في النهار, وتنسق مع المجرم في الظلام, والمراهنة على معادلة إقليمية أن لم يتم زجها بالعدوان عليها تزامنا مع استهداف المقاومة في غزة فلن تتدخل بأكثر من شجب واستنكار وتحريض إعلامي لا يشبع ولا يسمن من جوع, مقومات الصمود في الوقت المتبقي أو العد التنازلي للعدوان, تبدأ بالساحة الداخلية الفلسطينية, والتي تلزم بوحدتها تغيير بعض تشوهات المعادلة العربية, وتكون أكثر تأثيرا وتغير كل الحسابات,,, فمن يعقل ؟؟؟ فشيء من الحكمة,,, شيء من التفكير بعيدا عن الفئوية,,, شيء من التفكير بعدم ضمانة تدخل مؤثر من قوى أخرى حال وقوع العدوان,,, حتما سيجعل أصحاب القرار من الفرقاء أكثر رؤية ويزيل الأوهام والضبابية عن تلك المراهنات, وبالتالي فان عوامل الصمود تكون ذات اثر وقيمة قد تغير كل أوراق اللعبة السياسية, وما دون ذلك بالتعنت والعناد ورفض نصح الآخر, فان الصورة القادمة قاتمة قد تفوق كل التصورات, وقد تتجاوز كل معتقدات عوامل الصمود التي تتجاوز الوحدة الوطنية والإرادة الفلسطينية الواحدة.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟