|
الحوار الفلسطيني ضرورة ملحة وفاعلية مطلوبة
فاطمة قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 2253 - 2008 / 4 / 16 - 10:28
المحور:
القضية الفلسطينية
لا بأس من تلميع الذاكرة في زمن المحنة، والمحنة الفلسطينية الراهنة هي الانقسام، الانقسام تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي، الانقسام على قاعدة فرضية فلسطينية لم تتحقق بعد، الانقسام ونحن في منتصف الطريق إلى الهدف الوطني ، الطريق إلى الاستقلال ، وتوليد الدولة الفلسطينية المستقلة، حيث عزيمة صافية وناضجة وحرة يمكن أن توصلنا إلى استحقاق الهدف، وإرادة مضطربة ومشوشة ومستلبة بتداخل الرؤى الغريبة قد تدفعنا إلى منحدر خطير.
ماذا تقول لنا الذاكرة الفلسطينية؟ إنها تقول لنا، أن القضية الفلسطينية، هذه القضية العبقرية، التي لا يظهر منها فوق الموج سوى الجزء الأكبر، بينما الجزء الرئيسي موجود هناك في الأعماق، والأعماق معناها التداخل الموضوعي والقسري في آن واحد بين النضال الفلسطيني وضروراته وخصوصياته مع النضال العربي بمعاييره، والنضال الإسلامي بعمومياته. وهكذا فإن القضية الفلسطينية التي تكاد تكون فرضية اللقاء الجوهري، كقضية مركزية جداً للعرب، وكقضية عقيدية جداً للمسلمين، هذه القضية نفسها، أهل للخلاف، تستحق الخلاف ، تولد الخلاف، اختلاف في الرؤى، وتباين في الاجتهادات وتمايز في الأولويات.
وأهم إنجاز فلسطيني على امتداد قرابة نصف قرن، أن الفلسطينيين عندما أصبح لهم العنوان الأبرز في القضية الفلسطينية، فإنهم استوعبوا هذا الخلاف الموضوعي الذي تحتمه طبيعة القضية تحت سقوف عادلة، مثل سقف عدم الاقتتال وتحريم الاقتتال. ومثل وحدانية التمثيل ووحدانية الهدف: التمثيل بأن لهم ممثل شرعي ووحي، يتحاورون لجعله أكثر قوة وأجدر تمثيلاً، ولكنهم لا يسقطونه لأي سبب، أما وحدانية الهدف فهي إعادة انبعاث الكيان الفلسطيني على اعتبار أن الكيان الفلسطيني، الدولة، هي وخدها البداية الحقيقية لغفران الخطيئة التاريخية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، اغتصبت منهم أرضهم وشردوا في الآفاق، وأنه لا بداية حقيقية للفلسطينيين دون كيان، ودولة، وعنوان، وأن هذه هي الأولوية المقدسة، وأنه حتى الحالمين بدولة قومية أو دولة إسلامية يعرفون أن الفلسطينيين يريدون دولة خاصة بهم لكي يصبحوا مؤهلين لأن يكونوا جزءاً من تلك الكيانات الحالمة والمتخيلة.
الانقسام الفلسطيني القائم حالياً: هو على نحو ما تراجع إلى حد الارتداد عن انجازات الذاكرة الفلسطينية، حيث الانقسام يعتبر حالة استسلام أمام قوة التخطيط الإسرائيلي وأمام قوة الفعل الإسرائيلي، فالكل يعلم أن هذا الانقسام هو صناعة إسرائيلية مائة بالمائة، تعاملت معه إسرائيل عبر سنوات طويلة، وورثته أصلاً عن أوضاع كانت قائمة حين كان الاتصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة قبل عام 1967 أصعب منالاً، بل يصل إلى حد المستحيل. ثم حين فرضت إسرائيل الانسحاب أحادي الجانب في خريف عام 2005، فغنها أسست لهذا الانقسام، فهي رفضت التفاوض أو التواصل مع السلطة الوطنية في موضوع الانسحاب، وهكذا حفزت الأجندات الفصائلية الصغيرة التي لعبت دور مخلب قط للأجندات الإقليمية، وكان واضحاً منذ اليوم الأول للانسحاب الإسرائيلي
أحادي الجانب من قطاع غزة، أن الفلتان الأمني هو الذي سيملأ الفراغ، وأن الاقتتال الداخلي هو محصلة تصارع الأجندات المحلية، وأن الانقسام هو الذي ستعتبره بعض القوى الإقليمية التي تطلق على نفسها اسم قوى الممانعة، هذا الانقسام سيكون بالنسبة لها الغنيمة والفوز الكبير ضمن رؤية براغماتية بأن إشعال النار في حقول الآخرين ربما يساعد في تأجيل اندلاع الحرائق في حقولها، وهذا هو منطق إيران وسوريا وحزب الله. أو اعتبار فلسطين، ووضع قطاع غزة الطارئ تحت الانقسام، ورقة تصلح للمقايضة، بل لقد شطح البعض أكثر حين أخذتهم الأوهام ابعد من ذلك كثيراً، فإن قطاع غزة ذو ال 300 كيلومتراً مربعاً، بزحام المليون ونصف المليون، يصلح أن يكون نموذجاً لإمارة إسلامية، وأنبوبة اختبار لنماذج مشابهة حسب نظرية الاستنساخ.
الانقسام الفلسطيني: راهن على أن معايير الأمر الواقع قد يتم الاعتراف بها أخيراً، وأن المسألة ليست سوى مسألة وقت، وبعض الصبر والتحمل ليس إلا، وربما الذين تابعوا الخطاب السياسي والإعلامي لحركة حماس بعد الفوز في انتخابات مطلع 2006، ثم بعد تنفيذ الانقلاب المسلح في 14-6-2007، حين كان ذلك الخطاب السياسي ولإعلامي يعد بما ليس في اليد، ويعد بما ليس في حدود القدرة، اعتماداً على نصائح ووعود وتحليلات تنطلق كلها من فرضية أن معايير المر الواقع في قطاع غزة ستفرض نفسها في نهاية المطاف.
تلك الفرضية: تجاهلت كل الأسئلة الرئيسية، ولعل أخطر تلك الأسئلة هو السؤال الذي يقول، لماذا تركت إسرائيل انقلاب حماس يمر في أيامه الأولى إذا كان هذا الانقلاب ضد مصالحها كما يفترض. أما السؤال الثاني فهو: إذا كانت إسرائيل سوف تستغل حالة الانقسام أبشع استغلال للإفلات من أي ضغط محتمل عليها، وللإفلات من أية استحقاقات، فلماذا ستسمح بهذا الانقسام؟
لقد ابتلعنا الطعم،
والطعم داخله الصنارة المحرمة،
وهذا الانقسام استدعى معادله الموضوعي، وهو الحصار، بل لقد تمت صياغة المعادلة بشكل أكثر تعقيداً، انقسام، فحصار، فاشتعالات أمنية، وهكذا، كل المفردات السلبية تخدم بعضها، ومثل نظرية الأواني المستطرقة، كل المستويات تتداخل مع بعضها، ونحن الآن نواجه المثلث الأصعب، الحصار، والانقسام والتهدئة،ضلع واحد لايصلح لأن يحل المشكلة بدون الضلعين الآخرين، والأمور تزداد تعقيداً، لدرجة أن الخطاب السياسي والإعلامي الصادر من قلب قطاع غزة، من قلب الحصار، هو خطاب سلبي، يرتكز على الهروب إلى الأمام، ويعتمد فكرة مغامرة تماماً، ويائسة تماماً، فكرة تكبير المشكلة من أجل حلها، وإشعال الحرائق من أجل إطفائها، وخراب مالطة على أمل أن يتدخل المتدخلون لإعادة إعمار الأوضاع.
بالنسبة لي شخصياً: لا بديل عن مبادرة فلسطينية، لا بديل عن إنجاز فلسطيني، لا بديل عن مسؤولية فلسطينية، لأنه لا يمكن لوم الآخرين جميعاً، ومطالبة الآخرين جميعاً، وإعفاء الذات من أي مسؤولية، لكي تكون لمطالباتنا مشروعية ومصداقية علينا أن نبادر فلسطينياً بإنهاء حالة الانقسام.
ولكن هل الموضوع بهذا التبسيط الذي يبدو في الهيكل النظري والشكل المنطقي؟
الموضوع صعب، بل الموضوع هو الصعب، نحتاج على إرادة حرة، وإلى التحرر من اجهاضات الذات المضطربة، فالحوار الفلسطيني ضرورة ملحة، والحوار الفلسطيني فعالية مطلوبة، ولكن الطريق ليس سالكاً، لأن الاحتلال الإسرائيلي يقف بالمرصاد، ولأن التجاذب الإقليمي يقف بالمرصاد، ولأن الأطراف الفلسطينية تعتمد في التشبث بعجزها على فشل بعضها، لو أن نموذج المفاوضات في الضفة ينجح ستكون الأمور أسهل، وهذا هو عنصر المسؤولية الأمريكية الرئيسية، بالضغط على إسرائيل بشكل جدي، ولو بالحد الأدنى من الشكل الجدي، للسير في مفاوضات جادة وناجحة، وإلا فإن الفشل في المفاوضات سيكون هو نقطة الارتكاز لدى حماس في التشبث بالانقلاب في غزة، وتعميق تداعيات وفعاليات الانقسام، وحينئذ قد تصبح فكرة الحوار الوطني الفلسطيني أصعب بكثير من المراحل السابقة، وقد تنشأ للحوار معايير جديدة لم تكن في الحسبان.
ويجب أن يلاحظ: أنه لم يبقى هامش كبير من الوقت، الرئيس أبو مازن ذاهب إلى واشنطن، والرئيس الأمريكي قادم إلى قمة خماسية في منتصف أيار القادم، وإذا لم يتبلور إنجاز واضح على الأرض في المفاوضات يصاغ بشكل نهائي في القمة الخماسية القادمة، فإن الحوار الوطني الفلسطيني سوف يسقط من الذاكرة.
#فاطمة_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|