إذاعة انترناسيونال: لقد أعتقل صدام حسين يوم الثلاثاء الماضي، فما هو موقف الحزب الشيوعي العمالي العراقي إزاء اعتقال صدام حسين من قبل القوات الأمريكية؟
ريبوار أحمد: أن موقفنا هو موقف نابع من منظار جماهير العراق، فقد رأينا جماهير العراق تعبر بشكل واسع عن سرورها ونحن نمثل مطالب وتطلعات الجماهير. صدام حسين هو واحد من كبار مجرمي هذا العصر ورئيس نظام قمعي ودموي ومجرم، وقد عانت الجماهير لسنوات طوال على يد هذا النظام وعلى يد صدام حسين نفسه، فتاريخ خمسة وثلاثين عام من عمر هذا النظام وصدام حسين هو تاريخ القمع والقتل الجماعي والأنفال والقصف الكيماوي والاعدامات الوحشية وإشعال نار الحروب والمجازر والتصفيات القومية، تاريخ فرض التمييز الجنسي وقتل النساء والرجعية الإسلامية وإنكار وجود الطبقة العاملة وإنكار حقوقها. ولذا ناضلت الجماهير وقدمت الكثير من الضحايا لسنوات طويلة ضد هذا النظام،وكانت تتطلع لليوم الذي تسقط فيه النظام بأيديها وتعتقل صدام وقيادات البعث المجرمة بأيديها وتحاكمها بمحاكمها الثورية بشكل عادل. ومن المؤسف أن هذا الأمر لم يحصل، فقد انهار نظام صدام نتيجة الحرب الأمريكية وأعتقل هو نفسه على يد أمثاله من المجرمين والجلادين.
ولكن في كل الأحوال فان اعتقال مجرم مثل صدام وخروجه من الميدان السياسي العراقي هو أمر في صالح جماهير العراق التحررية وباعث للسرور. ومهما يكن من أمر فان العالم يكون أفضل بدون صدام وأمثال صدام، وكي يكون المجتمع البشري بعيداً عن الجريمة والإجرام بحاجة لأن يكون خالياً من صدام وأمثاله.
إذاعة انترناسيونال: من المقرر حسب الأنباء أن تتم محاكمة صدام حسين بداية شهر تموز في العراق، فما هو مطلبكم كحزب شيوعي عمالي عراقي؟
ريبوار أحمد: نحن أيضاً نطالب بمحاكمة صدام حسين على جرائمه التي لا تعد و لا تحصى ضد جماهير العراق والإنسانية، ويجب أن يتم هذا العمل حتماً. ولكنني أجد من الضروري التأكيد بهذا الخصوص على نقطتين أرى أنهما ضروريتان وأساسيتان بدرجات كبيرة فيما يتعلق بهذه القضية، الأولى: مثلما قلت في البداية أننا كنا نتطلع لو أن محاكمة صدام تمت في محكمة جماهيرية، أي لو أنه أعتقل بيد جماهير العراق وتمت محاكمته في محكمة الجماهير الثورية ونتمنى لو كانت إرادة الجماهير تقف خلف تلك المحكمة، ولكن من المؤسف كما قلت أن هذا لم يحصل والآن ليس هناك وجود لمحكمة من هذا الطراز. وفي هذه الحالة التي لا توجد فيها مثل تلك المحكمة، نحن نطالب ونؤكد على أن تتم محاكمة صدام حسين في محكمة عادلة وبشكل متمدن، وأن تكون أيضاً علنية وعلى مرأى ومسمع الناس وأن تثبت عليه كل التهم وينال عقابه. النقطة الثانية هي أن مجرمي هذا العالم الراهن ليس فقط صدام حسين وزعماء النظام البعثي الآخرين، وأمثال صدام حسين هم كثر في العالم المعاصر وحتى أنهم ارتكبوا جرائم كبيرة وواسعة ضد جماهير العراق نفسها. فالهيئة الحاكمة في أمريكا وأشخاص من مثل بوش وبلير لم يقترفوا جرائم قليلة بحق جماهير العراق، والجرائم التي ارتكبوها في إشعال الحروب والمجازر وتحطيم هذا المجتمع وهدم مؤسسات الجماهير الخدمية وإشعال فتيل حرب إرهابية ألقت بظلالها الثقيلة على الآن على هذا المجتمع، ستترك أثارها ونتائجها لسنوات طويلة على جماهير العراق وتثقل على حياتها. وهناك مجرمون آخرون من مثل شارون الجلاد وبن لادن ورفسنجاني وقادة النظام الإسلامي و...الخ، كل هؤلاء متهمون بالمجازر الجماعية وسفك الدماء وسحق وانتهاك حقوق الإنسان، متهمون بالقمع والغطرسة والإرهاب وتجويع الجماهير وإفساد حياتها...ونحن نتطلع لمحاكمة كل هؤلاء المجرمين مع صدام حسين ومعاقبتهم على جرائمهم.
إذاعة انترناسيونال: كيف ترى تأثير اعتقال صدام حسين على أوضاع انعدام الأمن والاستقرار في العراق؟ بمعنى آخر ما مدى علاقة انعدام الأمن والاستقرار الحالي في العراق ببقايا النظام البعثي وصدام حسين وكم ستخف وطأته باعتقال صدام حسين؟
ريبوار أحمد: من غير شك أن له علاقة. ولكن الإعلام الغربي بتصوري يمنحه حجماً أكبر من حجمه. وفي الحقيقة فان ما يطلق عليه الآن تسمية "حركة المقاومة مقابل أمريكا أو مقابل قوى الاحتلال الأمريكي" في العراق التي شكلت نفسها وتتطور في إطار حرب إرهابية، لا تشكل بقايا البعث وصدام محورها الأصلي، بل إن الإسلام السياسي هو الطرف والقوة الاصلية فيها. فالأساليب التي يتخذونها، ممارساتهم والإمكانيات التي يستخدمونها في إدارة تلك الحرب تبين أن الإسلام السياسي هو القوة الأصلية فيها. ولكن ليس هناك من شك أن صدام حسين أيضاً تطابق مع القطب الإسلامي ضمن إطار هذا الاستقطاب الحالي وصار جزءاً منه. وعلى أية حال لاعتقال صدام تأثيره الخاص ولهذا التأثير جوانبه المختلفة.
فمن جهة اعتقال صدام يشكل ضربة كبيرة لتلك المساعي والمحاولات العقيمة التي تقوم بها بقايا البعثيين يومياً تحت تسمية "مقاومة المحتلين" في إطار صراعها الإرهابي مع القطب الأمريكي. ومن جهة أخرى شكل هذا ضربة قاتلة للحركة القومية العربية كحركة رجعية متجذرة في العالم العربي والمنطقة. فهذه الحركة باعتقال صدام أصيبت بالإحباط والإذلال، ذلك أن صدام كان رمزاً بارزاً لهذه الحركة الرجعية. وحتى أن هذا يشكل في شكل من أشكاله ضربة للإسلام السياسي، لأنه وبمعزل عن أن أسلمة العراق كانت جزءاً من اللائحة العملية الإجرامية لصدام، ولكن الأكثر من ذلك كما أسلفت أن صدام وبقايا البعث الآن قد طابقوا أنفسهم تماماً مع الإسلام السياسي وقطب الإرهاب الإسلامي ولهم جبهة مشتركة ضد القطب الآخر أمريكا وحلفائها. لذا فان اعتقاله ضربة لكل هذه الجبهة.
إنني وعلى العكس مما تقوله أمريكا والمنضوين تحت لوائها لا أعتقد أن اعتقال صدام سيعيد الاستقرار الى أوضاع العراق المضطربة، وحسب الدلائل التي أشرت اليها فيما تقدم ، فان هذه الأوضاع ستستمر وربما ستزداد تعقيداً واضطراباً، ولكن برأيي أن التأثير الأكثر مباشرة لهذه القضية والمهم هو أنها ستزيل ستاراً كبيراً بين جماهير أمريكا وجماهير العراق. حتى الآن كان البحث عن صدام والسعي لاعتقاله ذريعة كبيرة بيد أمريكا لغطرستها وهمجيتها وعسكرتاريتها ضد الجماهير وكذلك للاستمرار في إبقاء قواتها في العراق. وحتى أنها كانت تتغافل بهذه الذريعة عن مطالب وحقوق الجماهير وكانت تمنّ على الجماهير. فكل تصدي جماهيري لأمريكا وكل نضال جماهيري كانت تتهمه بأنه مؤامرة من صدام. وإزالة هذا الستار والبطال هذه الذريعة سينتهي في صالح الجماهير وبروز صراع الجماهير وأمريكا والمنضوين تحت لوائها. وهذا يمهد الأرضية لبروز التناقض بين سياسات أمريكا وبين مصالح الجماهير أكثر وبهذا تتحول المواجهة الجماهيرية لسياسات أمريكا والوقوف بوجه كلا قطبي الحرب الإرهابية الى مسار أقوى في خظم الأوضاع. وستصبح جماهير العراق المضطهدة أكثر يقظة تجاه مصيرها ومصالحها.
في خاتمة المطاف فان المسألة المهمة هي أن باعتقال صدام وخروجه من الساحة السياسية العراقية، زال كابوس ثقيل عن قلوب جماهير العراق التي كانت قلقة من قضية: ألا يمكن أن تؤدي مساعي ومحاولات بقايا البعثيين العقيمة الى إعادة نظام البعث وصدام حسين الى الساحة في يوم من الأيام؟ وهذا كان في الحقيقة قلقاً، وكان خوفاً وكابوساً يضغط من بعيد على جماهير العراق ويثقل على نضالها وحياتها اليومية. وحتى أنه كان بطاقة وورقة بيد القوى اليمينية الرجعية لفرض برامجها الرجعية على جماهير العراق. وقد زال هذا الكابوس وهذا الوزر الثقيل. وبغيابه ستكون الصراعات والمواجهات بين الجماهير والذي يقفون في الخندق المقابل لها أكثر شفافية وتقدم الإمكانية للحركة التحررية للجماهير والقطب المتمدن واليساري والعلماني للمجتمع من أجل مستقبل مشرق للعراق.
إذاعة انترناسيونال: مثلما قلت أنت الجماهير مسرورة باعتقال صدام حسين. وباعتقال صدام حسين تتجه بقايا البعث نحو النهاية، فما الذي على الجماهير القيام به مقابل أمريكا والأوضاع الشاقة والعسيرة والمضطربة القائمة؟
ريبوار أحمد: كما قلت فان أيدي االجماهير ستكون طليقة باعتقال صدام حسين في النضال من أجل مستقبل مشرق وأفضل. وبإمكانها رؤية جبهات الصراع والمواجهة بشكل أفضل. فإذن يجب أن تواجه سياسات وممارسات أمريكا المعادية للإنسانية احتجاج الجماهير على صعيد أوسع وأشمل. فقد خسرت أمريكا تلك الورقة الهزيلة التي تستخدمها في اتهام كل شكل من أشكال الاحتجاج والنضال الذي تخوضه جماهير العراق ضدها بأنها من مؤامرات صدام ودسائسه. الآن تستطيع الجماهير الوقوف بوجه أمريكا وبوجه صراع قطبي الإرهاب من أجل مستقبل مشرق. تستطيع أن تضع مصالحها وجبهة يمين المجتمع على المحك وإدراك التناقض بينهما، وبهذا ستتوفر أسس التفافها المليوني حول القطب الثالث. ففي ظل أمريكا وسياساتها ليست هناك أية إمكانية لتوقع مستقبل أفضل. ونتائج دور أمريكا والقوى المستقطبة خلفها، ونتائج سياساتها أيضاً ليست سوى الكوارث والسيناريوهات السوداء. وقد برهنت الأشهر الثمانية الماضية هذا الأمر بشكل عملي.
أن انعدام المأكل وانعدام الأمن وفقدان الحرية تشكل الآن المشاكل الرئيسية التي تعاني منها جماهير العراق على صعيد مليوني. لذا يشكل النضال من أجل الخبز والأمن والحرية جبهات النضال السياسي الأصلية لجماهير العمال والنساء وجماهير العراق التحررية. وليس هناك شيء أكثر وضوحاً من أن لا سياسات أمريكا و لا برامج القطب اليميني للمجتمع تملك بوادر سبيل حل هذه المعضلات والرد على هذه المطالب. لذا ينبغي أن تلج القوى المليونية الميدان خلف القطب الثالث الذي يناضل في هذا السبيل من أجل مستقبل مشرق وشفاف. ومن يمثل القطب الثالث في حاضر العراق الآن هو الحركة الشيوعية العمالية والحزب الشيوعي العمالي العراقي. فالخبز والحرية والمستقبل الأفضل، التي هي المطالب والقضايا الأصلة للجماهير، ليس بالإمكان تحقيقها إلا كنتيجة لنضال شامل وواسع يسعى الحزب الشيوعي العمالي العراقي اليوم لتنظيمه وقيادته وقد دخل الميدان العملي فعلاً. ويسعى هذا القطب من أجل تقصير أيدي كلا قطبي الإرهاب الذي تتزعم أحدهما أمريكا والآخر الإسلام السياسي، ويناضل لإخراج القوات الأمريكي وإقامة السلطة المباشرة للجماهير، ولإقامة حكومة علمانية وتحررية، يفصل الدين في ظلها عن الدولة ونظام التربية والتعليم، ويتحول الدين الى شأن شخصي ولن يكون له أي تدخل وضغط على الجماهير والحياة الخاصة للأفراد. كذلك تكون حكومة غير قومية، بمعنى أن لا يُسأل أي مواطن عن هويته القومية والنظر بعين المساواة لحقوق المواطنين. وتعلن المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، وتؤمن الحرية السياسية غير المقيدة والمشروطة، وتلغي عقوبة الإعدام...هذه هي القضايا المهمة الآن، والسبيل الوحيد لخلاص الناس من هذا السيناريو الأسود والكوارث الملقية بظلالها الآن على المجتمع العراقي، وكذلك السبيل الوحيد لإيجاد أوضاع تضمن وتؤمن مطالب الجماهير، هو التجمع وتصعيد النضال بالالتفاف حول برنامج تشكل النقاط التي أشرنا إليها فيما تقدم خطوطه الرئيسية. فالقطب اليميني للمجتمع يسعى بموجب مخططات وسياسات أمريكا لإبقاء الأوضاع المأساوية الحالية لمدة أطول، ويريد فرض سلطة وحكومة بيروقراطية ورجعية دينية وقومية وعشائرية على جماهير العراق بالضد من إرادتها، يريد جعل القومية والطائفية والعشائرية هوية جماهير العراق وإغراقها في صراعات رجعية، يريد الحفاظ على وفرض نفس القوانين والتقاليد الرجعية القومية والدينية والعشائرية والذكورية والقمعية للبعث وصدام. واليوم يجب أن ترتفع أكثر من أي وقت أصوات العمال والنساء والشبيبة والجماهير التحررية الصادح بكلمة (لا) لهذه الجبهة وبرامجها والتأكيد الى جانب الحزب الشيوعي العمالي على سلطة الجماهير ولا دينية ولا قومية وعلمانية حكومة العراق المستقبلية وتصعيد النضال في هذا السبيل والاتجاه.