|
في ضرورة الإصلاح الديني
أحمد عصيد
الحوار المتمدن-العدد: 2253 - 2008 / 4 / 16 - 10:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعتمد السلطة منذ سنوات مقاربة ترمي إلى تدبير الشأن الديني باعتماد التصوف الطرقي و الإسلام الروحاني و تشجيع المواسم التقليدية و ثقافة الأولياء و الأضرحة ضدّ الإيديولوجيا الوهابية البدوية و العنيفة التي اتخذت منحى دعويا فسياسيا ثمّ عسكريا مسلحا. قامت السلطة بذلك إيمانا منها بأن مواجهة ثقافة الموت و الإنفجار و الكراهية لا ينبغي أن تتمّ عبر إشاعة قيم النسبية و العقلانية و الحرية، قيم الحداثة العصرية التي تعتبر الإنسان غاية في ذاته بغض النظر عن دينه أو أصله أو جنسه، لأن هذه القيم إن كانت تشكل تهديدا للأصولية و التشدّد الديني فإنها من منظور السلطة تمثل أيضا تهديدا للأسس التقليدية للسلطة التي ما زالت تصرّ على استعمال الدين في السياسة، داعية غيرها إلى الكفّ عن ذلك. إنّ المعضلة إذن ليست في وجود تطرّف ديني يعمل في بلادنا على تسويق إيديولوجيا أجنبية عن المغرب و ثقافته، بل هي في وجود دولة تصرّ على خلط أوراق الدين بأوراق السياسة، فاتحة بذلك أبواب الجحيم، ذلك لأن الحقل الديني الذي تريده السلطة سندا لشرعيتها له صلة بتراث زاخر من فقهيات السياسة الشرعية و فتاوى الكتب الصفراء و الآداب السلطانية و غيرها من عناصر التراث الميت، و هي كلها تعتبر أن ليس ثمة إلا مرجعية وحيدة للحكم و للمعارضة معا و هي الدين، غير أن ذلك إن كان أمرا طبيعيا أيام سيادة نموذج الدولة الدينية إلا أنه اليوم يعدّ من عوائق التطور و الإنتقال نحو الديمقراطية، و هذا هو المأزق الذي يتواجد فيه المغرب مع عدد من دول العالم الثالث. و في الوقت الذي يرى فيه الديمقراطيون استحالة العودة إلى الوراء، يعتبر المتشدّدون في الدين بأن تلك العودة هي أساس النهوض، و سواء كان هؤلاء المتشدّدون جهاديين انفجاريين أو سياسيين دعويين فهم مغاربة و إخوان لنا في المواطنة لهم ما لنا و عليهم ما علينا ، و إنما أصابتهم من سوء حظهم و حظنا لوثة خبيثة من طاعون الوهابية الذي أنفق حتى الآن 87 مليار دولار للإنتشار عبر العالم، و ليس علينا إلا أن نعاقب طبقا للقانون من أخطأ منهم باختيار طريق العنف الدموي، و أن نحاور من اختار منهم طريق العمل السياسي السلمي و التناظر و النقاش العمومي، و لست شخصيا من الذين يسعون إلى حرمان أصحاب الدعوة من "المعتدلين" من ممارسة نشاطهم السياسي أو المدني غير أنني أرى أنهم ملزمون بتغيير بعض عاداتهم التي يشتركون فيها من باب "النصرة" مع إخوانهم الإنفجاريين، و أن يقتبسوا من العلمانية رغم معاداتهم لها مبدأ بسيطا يقول بـ "احترام الآخر"، إذ لابد لكي يحترمهم الغير من أن يحترموه، و هو أضعف الإيمان. إنّ الأداء السياسي الضعيف حتى الآن "للمعتدلين" يظهر محدودية إسهامهم في التطور المنشود نحو الديمقراطية، كما أنّ مهمتهم التاريخية ـ إن ثبت اختلافهم عن الإنتحاريين ـ و التي تتمثل أساسا في تنوير العقول بالقيم الإنسانية انطلاقا من مرجعيتهم الدينية، و مواجهة العمى الإيديولوجي و الجهل و الجمود الفكري باجتهاد فعلي يعيد وضع أسس التفكير المنهجي في الدين و تفسيره و تأويله حسب ما جدّ في العالم من انفجار معرفي و ثورات علمية باهرة، هذه المهمة ظلّت موقوفة التنفيذ بسبب تمزّق "المعتدلين" بين الطموح إلى طمأنة الطبقة السياسية و النخب الحداثية من أجل الإندماج في الحياة السياسية بشكل سلمي و حضاري، و بين إرضاء الأتباع المهيّجين الذين لا يرغبون في تنوير و لا اجتهاد و لا قيم إنسانية بقدر ما يحلمون بأن يروا نموذج الدولة النبوية الأولى كما عرفته بادية الحجاز يعود و يتجسّد أمامهم هنا و الآن، و كأن أربعة عشر قرنا من الزمن لم تمرّ، و كأن المسلمين لم يخسروا أكثر من مرّة رهانهم السياسي ـ الديني الذي جعلهم على هامش الحضارة المعاصرة. ليس التصوف الروحاني هو الذي سينقذ المغاربة من التطرف و لا حكم الإسلاميين المعتدلين الذين فقدوا بسبب لعبهم على الحبلين 200 ألف صوت بعد أن غطوا جميع الدوائر، و الذين حصلوا على نسبة ضئيلة لاتمثل شيئا من أصل 16 مليون من المغاربة، و الذين استمرّوا رغم ذلك في الحديث الأخرق عن أن لهم جماهير و أن غيرهم أقلية معزولة. إنّ المخرج من هذا المأزق الحضاري الخانق لا يمكن أن يتمّ إلا بإصلاح ديني شامل و حقيقي، يبدأ أساسا بإعادة قراءة النصوص الدينية التي تطرح مشاكل حقيقية لا ينفع معها الترداد الببغائي لعبارات مثل "الإسلام دين الرحمة و التسامح"، إذ لا يمكن تجاوز الأصولية إلا بفهم الدين بشكل مختلف عما فهمه القدماء، أي فهمه خارج الوعي السلفي، و لا يمكن فهم الدين على هذا الشكل إلا بإعادة قراءة التاريخ بشكل يحرّر العقول من سلطة الماضي الأسطوري الذي يوهم المسلمين بأنهم تركوا وراء ظهورهم أهم لحظات التاريخ البشري.
#أحمد_عصيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانيون و الإسلاميون: قوة الحق و قوة العدد
-
معنى القيم الكونية
-
الأخلاق و الحريات بين المنظور الإنساني و التحريض الديني(2)
-
الأخلاق الدينية و لعبة الأقنعة
-
الأخلاق و الحريات بين المنظور الحقوقي و التحريض الديني
-
-إسلام- الجالية
-
لكم دينكم ! إلى فضيلة الدكتور أحمد الريسوني
-
سلطات الملك بين الظرفي و الإستراتيجي
-
-فتنة الحنابلة- بين الأمس و اليوم
-
الأمازيغية و التعديل الدستوري بالمغرب
-
حكومة حزب الاستقلال ( بالمغرب ) ، هل يعيد التاريخ نفسه ؟
-
صورة الإسلام بين محاضرة البابا وأفعال المسلمين
-
العرب وتغيير الثقافة
المزيد.....
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|