|
إنتصار ماراثون ، إنتصار لكل الإنسانية
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2251 - 2008 / 4 / 14 - 08:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أعتقد بأنه لا يوجد شيء يتفوق على التاريخ في درجة التلاعب به لخدمة السياسة ، فكم من أحداث تاريخية تم التلاعب في روايتها ، أو تفاصيل أحداثها ، أو تفسيرها ، بل و كم من أحداث تم إختلاقها من العدم ، من أجل خاطر السياسة . مقال الأستاذ صالح السنوسي ، و الذي نشره الموقع العربي لقناة الجزيرة القطرية ، في قسم المعرفة ، هذا الشهر إبريل 2008 ، هو مثال حديث ، و نموذج كلاسيكي ، للتلاعب بالتاريخ ، بمزج الماضي بالحاضر ، من أجل التلاعب بعقول القراء ، للقبول بواقع حالي ترفضه أغلب الجماهير في العالم المتحدث بالعربية . في المقال و الذي عنوانه : الديمقراطية اليونانية و النار الفارسية ، أراد الكاتب أن يجعل الديمقراطية اليونانية ، التي تمثلت في القوات اليونانية التي تصدت للغزو الفارسي ، في معركة ماراثون الشهيرة هي ممثلة الغرب فقط ، بقيمه الديمقراطية ، أما القوات الفارسية ، التي أتت لتحتل بلاد اليونان ، و التي أتت من ثقافة الحق المطلق للملوك ، أو الأباطرة الفرس ، هي ممثلة للشرق . من يقرأ المقال بإنتباه ، سيدرك بسهولة مرمى الكاتب ، و الذي أراد أن يدفع قارئ العربية ، لأن يعتبر فارس - و أعني هنا فارس الماضي ، لا إيران الحاضر - هي رمز الشرق لليوم ، أي ممثلتنا ، و أن اليونانيين - أو الإغريق بتعبير أدق ، و هو تعبير لم يستخدمه الكاتب لشيء في نفسه - هم ممثلي الغرب ، و بالتالي فإن على أهل المشرق اليوم أن يتعاطفوا مع فارس الماضي ، و نظامها السلطوي المطلق ، و أن يعتبروا الديمقراطية ، ليست إلا بدعة أهل اليونان ، ممثلي الغرب ، كما أراد الكاتب ، و بالتالي علينا أن نرفضها . إنه لرمز رائع ، و أعني النار ، حين إختارها الكاتب ، رمزاً للنظام الفارسي القديم ، يقف أمام الديمقراطية اليونانية ، و لا شك إنه لم يكن يدري بهذا حين إختار هذا العنوان للمقال ، فالمقابل البديهي للنار ، هو الجنة ، و الديمقراطية جنة ، تختارها الشعوب بالبداهة ، و تناضل للوصول إليها ، و تبذل الغالي لتدافع عنها حين تحصل عليها .
من هو المواطن ، سواء أكان عربي أو غير عربي ، شرقي أو غربي ، شمالي أو جنوبي ، الذي يختار نار السلطة المطلقة للحكام ، و مبدأ الحق الإلهي لهم ، على جنة الديمقراطية ؟؟؟؟؟
ألم يقف أحفاد فرس الماضي - أحفاد الذين هُزموا في معركة ماراثون - في 1979 ، و من قبل في الخمسينات من القرن العشرين ، ضد نار الشاه ، الذي إعتبر نفسه وريث كورش ، و دارا ، و قمبيز ، و غيرهم من الأباطرة ، الذين جلسوا على عرش الطاووس ؟؟؟
ألم يختر الإيرانيون في الخمسينات ، و السبعينات ، من القرن الماضي ، ديمقراطية عدوهم القديم ، على النار الشاهنشاهية ؟؟؟
مع ملاحظة إنني لا أدعي بأن النظام الإيراني الحالي ، هو ممثل للديمقراطية بمعناها الحديث ، أو حتى الديمقراطية الأثينية القديمة ، فهناك الكثير من الخطوات التي يجب أن يخطوها ليصل إلى المرحلة التي يمكن أن يُعتبر معها نموذج يُشاد به .
ألا نشبه نحن أهل مصر أيضاً ، حاكمنا - أياً كان ذلك الحاكم - حين يستبد بالحكم ، و يطغى على الشعب ، بفرعون موسى ، و فرعون هو جزء من تاريخنا ؟؟؟
أليس بإمكاني أن أشبه اليوم مبارك الأب ، و أبنيه جمال ، و علاء ، بكل من فرعون موسى ، و هامان ، و قارون ، على التتابع ، دون أن يعتبر المواطن المصري ذلك التشبيه مساس بتراثنا ؟؟؟
التاريخ ، أو الماضي ، لا يجب أن يخلط إذاً بالحاضر ، خاصة عندما يكون ذلك الماضي ، ماض سحيق ، مثلما ليس خطأ أو عار ، أن تقتبس الشعوب من بعضها البعض ، حتى ممن كانوا أعداء ألداء لها في الماضي ، فكل ما أبدعه البشر من خير ، إنما هو تراث للإنسانية ، و للجميع الحق في النهل منه .
لهذا فإننا في مصر ، و برغم إننا جزء من العالم المتحدث بالعربية ، و جزء من الشرق ، و بتاريخنا الفرعوني الذي جعل حكامنا آلهة ، و أبناء آلهة ، لا نجد حرجاً في أن نختار الديمقراطية ، التي كان الإغريق أول من أبدعوها ، على نار الحكم المطلق ، و الحق الإلهي للحكام الضرورة ، و الحكم المتوارث ، و السلطة المطلقة للزعماء الملهمين ، و مدعي الحكمة ، حتى لو كان هذا التراث - و أعني تراث الإستبداد - تراث ليس فقط شرقي فارسي ، بل و مصري مصيم ، فإنتصار ماراثون ، لم يكن فقط إنتصار للإغريق ، أو اليونان ، و ليس فقط إنتصار للغرب ، إنما إنتصار للإنسانية .
نعم للديمقراطية ، والتي ولدت في بلاد اليونان ، و لا ، و ألف لا ، للنار الإستبدادية ، و لو كانت فارسية شرقية ، أو حتى مصرية أصيلة .
نعم لجنة الحرية ، في وجه نار الطغيان و الإستبداد الحالية .
فالإنسان فوق أي إعتبارات وطنية ، أو قومية ، أو عرقية ، أو ثقافية ، فنعم لكل ما فيه خير له .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لنقيم جنازات شعبية رمزية لشهداء السادس من إبريل
-
تحية إلى محلة الثورة ، و تحية إلى كل أبطال ثورة 2008
-
التغيير سيكون مصرياً ، لا إخوانياً
-
معاً من أجل يوم و نصب المعتقل المجهول
-
لنجعل من السادس من إبريل علامة تحول ، و بداية عهد ، و عيداً
...
-
الخبز قبل المفاعلات ، يا لويس مصر
-
جريمة السويس ، لقد حدث ما حذرنا منه
-
عليك بحماية مدخراتك زمن الشدة المباركية
-
معركتك الحقيقية ليست أمام مخبز ، أو كشك لبيع الخبز
-
أختي المصرية ، الثورة هي من أجل تأكيد ذاتك كإمرأة
-
الدم المصري ليس حلال على أحد
-
المناضل من أجل العدالة سيبقى ، الإختلاف في الوسيلة و الخطاب
-
الأحرار في أفريقيا ، و العبيد في الجزيرة العربية و شرم شيخ ا
...
-
الإعتراف بكوسوفا ، إعتراف و تكفير
-
أربعة و عشرين ميدالية ، لم تمنع إسقاط تشاوتشيسكو
-
إنما ينطق سعد الدين إبراهيم عن الهوى
-
ابنة مارجريت تاتشر ربعها عربي ، و توماس جفرسون فينيقي ، فماذ
...
-
طفل واحد لا يكفي
-
على آل سعود الإعتذار لنا ، نحن أهل السنة
-
لا لحصانة ديرتي وتر و المارينز في مصر
المزيد.....
-
كانت فاقدة للوعي.. فيديو درامي يظهر طفلاً يوقف شرطيًا لإنقاذ
...
-
بتصميم مبهر.. عُمانية تصنع برقعًا من 3 آلاف ملعقة معدنية
-
مزينة بالأسماك والدلافين.. العثور على فسيفساء مخفية منذ آلاف
...
-
اليونسكو تبدي قلقها إزاء حرمان نحو 2,5 مليون فتاة أفغانية من
...
-
مصر.. مصطفى مدبولي يكشف عن تطور جديد بشأن تسليم أرض رأس الحك
...
-
وزارة الصحة في غزة: عدد القتلى تجاوز 40 ألفًا خلال 10 أشهر م
...
-
قائد قوات -أحمد- الروسية: الوضع تحت السيطرة ونواصل تطهير أطر
...
-
سودانيون يتخوفون من المستقبل بسبب تعديل إجراءات الإقامة في م
...
-
-إيران تصعد محاولاتها لتدمير إسرائيل- – يديعوت أحرونوت
-
الوجود العسكري الأوكراني يتوسع: رصد مركبات في سومي مع استمرا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|