|
كما كبريتكِ الأحمَر ، كما سَيفكِ الرومانيّ
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2249 - 2008 / 4 / 12 - 09:17
المحور:
الادب والفن
سوقُ الجمعة جدرانه الكهلة كثفتْ بكنفها ، يفاعة ملامسنا موطوءة ً بخطى القرون ، الغرزةُ الحجريّة تذكرُ ، رغمَ غمرَتها ، هشاشة نعالنا . مُتسلياً بتأمّل المُضلعات ذاتها ، المسودّة ، لقنطرة بوظو باشا ـ ( أينَ يلوذ أعمىً ، على الأرجح ؟ ) المتسوّلُ يسلو مسحة َ الغبطة على قسماتنا
ذا مدخلُ حيّنا ! فخرُ المدينة ـ ( إن كان لموطئ قدَم فيها ، ألا يفتخر ؟ ) سوقُ أسواقها ـ كالشذر الدرّ بين الجوهر ؛ ملعبُ الطفولة ، من كِسَر مرمرهِ كوّمنا السبعة أحجار ، لتغيّبَ أجرامنا الصغيرة الغياهبُ العملاقة للأضرحة النبيلة : ها هنا مأوى الصالحين ؛ تربة سلالة أيوبيّة حاكمة يا لجلبة رممها ؛ يا لدورها ، لمكتباتها ، لخاناتها ، لأرباضها يا لأعيادها ؛ ناراً موبصة ً ، على مرتفعاتنا ويا لملوكها :
مَلِكٌ كان يتلهى بباز وسلوقيّ ؛ ومملكته خاوية على عرشها . ملكٌ كان ينظم لوامعَ القوافي ؛ إخترمته غيلة ً تفعيلة المُلكِ . ذاكَ المُقترن بستّ الخواتين ، طامحاً بمشروع كبير ؛ إنتحرَ سُكراً ليلة العيد الكبير . الذي ثكلَ البلدَ السعيد متألهاً ؛ رأسُهُ الثمين إستوفيَ رخصاً للنطع . ذاكَ المؤتمَنُ على حصن الحصون ؛ قايَضه بمعدن أصفرَ ، خصومُنا بنو الأصفر . الذي نكايَة خراج سلطانيّ ، طارئ ؛ حَرَماً حرماً إنتهبَ الكعبة َ .
قدَرٌ مُحاربٌ ، حتى السهم الأخير ، المُريّش من قوسهم ؛ حتى الريشة الأخيرة ، في محبرتهم أو جنح شمسهم ؛ أولئكَ همو ملوكنا ، الشعراء ؛ نهّابون ، عادلون أحياناً وأبداً محاربون :
قصورهم ، مخيّماتُ الوغى ؛ تخوتهم أفراسٌ صديقة ؛ ظلالهم ضجرة في الهدنة ، تستطيلُ بشموس أفكار بناءةٍ عن أبنيَة وإنشاءات : سوقٌ قوسٌ ، يتدلى مِزودُهُ على كتفِ جبل وكعبَ كهفٍ هدفُ نبلته ؛ قيسارياتٌ دخيلة ، بمائة عين لمشربياتها ، اليقظة ، تضارعُ خلاءً ذي عين وحيدةٍ ، مريبة ؛ مدارسٌ داخليّة ـ ( تنكمشُ إزاءها ، مُصغرة ، بيوتُ الله ) تصعّر خدودَ واجهاتٍ مُرخمة : العقاقيرُ لرفوف مصاحفٍ مصفرّة ، والإسطرلابُ هلالٌ لمئذنة ؛ أروقة ٌ محصّناتٌ ، لها طربُ قيناتٍ ، متهتكٍ ، ونورٌ مرمرٌ أشنفَ أذنه مرتخياً على رضابٍ أسمرَ لكلس الكوّة ؛ حمّاماتٌ طائشة ، فرْشُها أجسادُ محارم ، مهتوكة الأستار ، بفروج توّهتْ في جاماتها المُدبّجة ، التيجانَ المُدببة لشبق الأعمدة ؛ خانقاهاتٌ هوْلاتٌ ، أسرارُها غاسقة ً تنتهضُ في آجرّ كلّ قبّة محاريّة ، أسجَت رمسَ السرّ القدس ؛ في جصّ أطر مُزخرفةٍ لآياتٍ جَهمة ، مُتوعّدة ؛ في حِلاّن توريقاتٍ مُعقدةٍ لأزهار جنةٍ ، موعودة ؛ في حَجَر محاريبها وعقودها ومقرنصاتها وقسْيها .
ها حيّنا مُشادٌ متألقٌ مفرسَخ ، يَضيقُ بأطماركَ الخلِقة ؛ فإشعلْ هياكله ، أثراُ بعدَ أثر أيّها الكبريتُ الأحمر :
هذا المساءُ على السوق المُتشامخ ـ كمنار منيفٍ ، مُحتبياً ظلالنا الضئيلة ، ميّز بالوهم إسمكَ المنقوش بإفريزة بابه ؛ باب الحقيقة . هذا المساءُ المطعون بوشم نجومه وكواكبه ، سالَ دمُهُ النورُ على حجارة الطفولة ، يستفتحُ لنا ـ كدليل ، بابَ مقامكَ القائم في برزخ دونه مقام النبوّة .
هذا النورُ على المَقام المُحَلق ـ كطرْفِ البرق ، وجودُهُ فاضَ على عدَم يَمتارُ منه قرينُ القيّوم ؛ من كان العراءُ كثافته وصفيرهُ إغواءُ . هذا النورُ ممتحناً شعاعه جَلَدنا ، يَعشُ عينَ البرْكة المؤتزرة برخام معرّق ، والمُسَبّحة لمرأى ملايكَ مُدجَنة .
هذه الملائكة على البرْكة المُثمّنة ـ كحَوْض الجنة ، هيَ طيورُ الفلكِ الأطلس ، أسحَقها التحويلُ من إقليم الأزل إلى شجرة الأحدِ . هذه الملايكُ المُعششة في شجرتكَ ، مالها تلبّسُ علينا بمزامير الغواية : أهيَ أبدالُ الجنّ ، العُصاةِ أمْ أنتَ المؤمنُ بأربابٍ عاصيَة ؟
عمّ مساءً ، سوق الجمعة ! مزهوّاً بين الأماسي والأسواق ، تهوّمُ بخطى العطلة المُعيّدة وبأطياف مجرداتكَ وكائناتكَ ؛ بطفولتنا المُمتنعة أن تكون إلا مُختلفة ؛ بالأحلام الطيور ، الحاطة على أفنان شارعنا :
* Via recta شطرَ المدينة العذراءَ ، على حدّ شفرتهِ ، نصفيْن توأميْن ؛ مُمَزقا رقيم تاريخها ، الممهور ، عن رنكِ تنين بلا زنبقة ؛ مُقلباً عذوبة روضتها على مشهدِ عذابٍ أوار ٍ مَحرَقة ْ .
يا ذا الشارعُ المستقيم ! الشارع السيف ، المُوشى إفرندُهُ برقائق مُذهّبَة لشمس الطفولة ما للعُمْر ظلاله الصلصالُ تخاطفها ، كلّ في منحَتِهِ ، خزافو المنفى ؟
والمَنامُ ذاكَ ـ ( أيّ ربيع جهالةٍ ؟ ) تجلى له ، مملوط الريش ، كابوسٌ خريفٌ هوْلة : ألا خففْ حدّة حضوركَ ، يا هذا ! لا ضوءَ لي والليلُ أعمى .
للرؤيا الهولة ـ ( هكذا أرانيَها الكابوسُ ؟ ) خيشومٌ قِرْبَة ؛ لجوجة ً ، إندلعَتْ بالأسئلة المُلتهبة وأنى لدرع تفاسير صدّ حجارة َ المقالع المتواترة لغزاً بعدَ لغز من مقلاع السرّ : لا همّة .
بحرانٌ ـ كدَوَران الرحى ، حاذى قواعدَ الدعاماتِ الأوثانِ ، المُتهالكة ظمأً في ظلّ السبيل البخيل ؛ أينَ العمود الكورنثيّ اليتيم يتسقط متسوّلاً نسيمَ الله المُهفهف ، الأكثر حِرصاً : لا رَحمة .
تجوالٌ بخدور حِدادٍ مُزيّفٍ ، تمايَلَ بأخفافٍ رخيّة ؛ آنَ أحبار السوء ، على الشارع ذاته ، داجَ خطوهمُ المُتثاقلُ بخمر الليل والوطءِ الماجن السائس لكاهنةٍ أصيلةٍ لم يَغلُ ثمَنها : لا حُرمة .
مُضافرة ً أعراض الهذيان ، الهولة ُـ ( أو ما تهيّأ لي أنه هيئتها ؟ ) أوثجَتْ قيراطاً قيراطاً حضورها ؛ أهوَ الكابوسُ المُكفهرّ المُغلّس ، أم برج الجَرَس ؛ آهَلتْ أساريرُه تواجداً مفقوداً لأمومة كنيسةٍ شهيدة : لا نأمَة .
* شارعٌ أعزلَ ، متدثرٌ بأفنيَةٍ مُندثرة لسلفه الرومانيّ ؛ سوقٌ مُسلحٌ ، مُعتمِرٌ خوذة َ الفتح الخاقان ؛ ليلٌ أعمى ، يقودُ الرؤيا مُبصرَة ً إلى سردابِ نبيّ ؛ إلى مصاريع مُترّسةٍ بنصال الحاكم المُرائي ومسامير المصلوب ، الأوّابِ .
ذا طريقٌ إلى مدينتنا ، العذراء فليأتِ ، كلّ من مهبّه ، الغرباءْ .
***
الكبريت الأحمر : من ألقاب محي الدين بن عربي الإسم الرومانيّ للشارع المستقيم : Via recta العذراء : نعت رومانيّ قديم لمدينة دمشق
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أقاليمٌ مُنجّمة 3
-
أقاليمٌ مُنجّمة 2
-
آية إشراق لنبيّ غارب ٍ
-
أقاليمٌ مُنجّمة *
-
مَناسكٌ نرجسيّة 6
-
سطوٌ على المنزل الأول
-
مَناسكً نرجسيّة 5
-
القبلة المنقذة في فيلم للأطفال
-
مَناسكٌ نرجسيّة 4
-
من جسر ثورا إلى عين الخضرة
-
مَناسكٌ نرجسيّة 3
-
مَناسكٌ نرجسيّة 2
-
مَناسكٌ نرجسيّة *
-
دعاء الكروان : تحفة الفن السابع
-
ميرَاثٌ مَلعون 5
-
ميرَاثٌ مَلعون 4
-
ذهبٌ لأبوابها
-
ميرَاثٌ مَلعون 3
-
ميرَاثٌ مَلعون 2
-
ميرَاثٌ مَلعون *
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|