سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2249 - 2008 / 4 / 12 - 06:25
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
في مواجهة المقاومة الفلسطينية المتصاعدة من قطاع غزة تحديدا, فقد أسرف قادة الكيان الإسرائيلي في استعراض عضلاتهم بأشرس عبارات التهديد والوعيد, وذلك من اجل تسويق الحلول السحرية, وعمليات الاجتثاث القيصرية للمقاومة المتنوعة والمتطورة والمتصاعدة, لدى أوساط جمهورهم الذي أصبح لايثق بقيادة"اولمرت" وفشله رغم الحصار والاغتيال في وقف هجمات الصواريخ, فما أن تهدأ وتيرة تلك الصواريخ, حتى يتلقى مزيدا من الصفعات بعمليات للمقاومة هجومية متنوعة, حتى باتت تلك التهديدات لدى المواطن الإسرائيلي, ليس أكثر من تعبير بصوت عالي عن العجز, سواء على المسار السياسي الفلسطيني ومعارضة ذلك الجمهور المتغطرس لأي تسوية تتطرق إلى المستوطنات والقدس, أو على مستوى المقاومة العسكرية و انعدام الثقة بتلك القيادة التي تفتقر إلى المصداقية, رغم أنهم يتغنون ليل نهار في ((الدولة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط.
تلك القيادة وذاك الجمهور, الذين يجهزا طقوس الاحتفال بالذكرى الستين لدولتهم المارقة, يعرفون حقيقة ثمن لجم ووقف تلك المقاومة, ويعلمون أن لاطريق إلى اجتثاثها بالأدوات العسكرية على مدار تلك السنين وربما مثلها, وهم الأكثر معرفة بان تسوية سياسية سقفها الأدنى هو الانسحاب من كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلت في الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس, وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة الوطنية, هي اقصر الطرق لتجنب تلك المقاومة, التي هي توأم الاحتلال بعلاقة طردية وعكسية معه, لكن المعضلة تتركز في الثقافات المكتسبة في استيعاب معنى العملية السلمية, فمفهوم المحتل حسب القانون الدولي المختل, وموازين القوى, غير المفهوم الموحد والشرعي لذلك السلام وثمنه, فنجدهم دائما اقرب إلى ثقافة العدوان حتى في ذروة عملية السلام, يغلب على خطابهم المتغطرس , هستيريا القوة العسكرية, وهاجس الأمن, مما يجعل المراقب لجوهر العملية يكاد يجزم بأنهم يخشون من السلام أضعاف أضعاف خشيتهم من تبعات العدوان.
حصار, دمار, اغتيال, عقوبات جماعية, تهديد ووعيد, تصريحات لها من أوجه التهديد السياسي, كما هو التهديد العسكري, والمطلوب استيعاب التعايش مع العدوان دون مقاومة, مطلوب استيعاب المفاوضات مع التهويد والاستيطان, ويحاولون الظهور أمام العالم بمظهر المعتدى عليه كما يفعلون الآن بجلب سفراء وممثلي الدول الغربية ومشاهدة آثار القصف الصاروخي ومسرحية الذعر الذي يصيب مواطنيهم, كي يبرروا لهم عدوانهم المتركز في الرد, ولكنهم يسعون بخبث اليهودي المعروف, الحصول على اكبر من ذلك من خلال مسرحية توجههم لمجلس الأمن بشكوى على المقاومة الفلسطينية, وذلك من اجل عدوان واسع ربما يخلف دمارا واسعا, ومجازر جديدة, حتى يكتسبوا مزيدا من الصمت الدولي بل الدعم وتقنين جرائمهم, وعلى المستوى السياسي ومسار المفاوضات, وحقيقة لم نجد حتى الآن تبدل في المسار الحالي لقيادة"اولمرت" عن مسار قيادة"شامير" مفاوضات من اجل المفاوضات, ويحاولوا الإيحاء للدول راعية العملية السلمية, أن السلطة الوطنية التي ما توقفوا عن تدميرها منذ قيامها, عاجزة عن ضبط الأمن وتنفيذ استحقاقات " خارطة الطريق" وان مسئولية ما يعتبرونه من مقاومة إرهابية, تقع على عاتق السلطة الفلسطينية, وبالتالي فان سلطة عاجزة حسب ما أرادوها, في ظل الهاجس الأمني لكيان غير شرعي, يعني أن نسبة المخاطرة بالانسحابات وتنفيذ الاستحقاقات عالية جدا, وثمنها باهظا.
وفي هذا السياق نقول, أن تهديدهم وعدوانهم على قطاع غزة ليس جديدا, ولم يتمخض عنه سواء تأجيج المقاومة, وقطع الطريق على المسار السياسي , لتبدو المقاومة عبء على السياسة , والسياسة عبء على المقاومة, لكننا هنا نسلط الضوء على أزمتهم السياسية والعسكرية وفشل مماطلتهم, ومحاولة تصدير هذه الأزمة يجعلنا نأخذ بعض تلك التهديدات على محمل الجد, فمن السهل أن نتلفظ بمقابلة التهديد بالتهديد, والوعيد بالوعيد, ومن السهل أن نلوح بوقف المفاوضات أن كانت بلا جدوى, ولكن يجب أن نتلمس بين العبثية والجدية, بين الاستعراض والجدية, مدى نسبة المصداقية, والتي ربما نتيجة أزمة هذه الحكومة وإخفاقاتها, تندفع بشكل أهوج وهستيري, لارتكاب مزيدا من الجرائم النوعية , ومن ثم تبرير عدم إمكانية التوصل إلى حلول أو تسويات في السقف الزمني المعلوم سياسيا, والاكتفاء بعد عدوان مدمر بتفاهمات , يتم التعهد باستكمالها بعد إجراء الانتخابات سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو لدى الكيان الإسرائيلي.
صبيحة الأمس, وقد تعودت عدم الاكتفاء بالمرور على أقوال الصحف العبرية, وذلك بسماع بعض الحوارات والأخبار المنطوقة المباشرة في الإذاعات العبرية المختلفة, وكما يقال نسبيا من عرف لغة قوم أمن شرهم أو مكرهم,سواء قصدوا ما يقولون أو قصدوا تسويق تلك الأقوال كمناورات سياسية ولأهداف تكتيكية, فقد استمعت إلى حوار متوتر بين إعلامي محترف ومسئول, في الإذاعة العبرية(ريشت بيت) أي القناة الثانية, وذلك المسئول هو نائب وزير الأمن الداخلي - "متان فلنائي" والحوار كان في شكل استجواب أثيري صاخب, على اثر تصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية"الإرهاب" وتحديدا بعد عملية "ناحل العوز" شرقي غزة, التي أسفرت عن مقتل اثنين من الإسرائيليين, وسبقها عملية اشتباك أخرى بين مجموعة من المقاومين ووحدة من الجيش الصهيوني أسفرت عن مقتل جندي, وتركز الحوار عن تلك الهجمات المتنوعة والمتصاعدة والمتطورة, وما هي وسائل وزمان ومكان الرد الإسرائيلي الذي يضمن انتهاء أو لجم تلك المقاومة والقضاء على بنيتها التحتية وتحديدا"حركة حماس" وصواريخ القسام لأنهم يطلقون على جميع أنواع صواريخ المقاومة" القسام" فكانت ردود "فلنائي" سياسية دبلوماسية, مبهمة وغير محددة المعالم, وهذا أمر طبيعي من الناحية الأمنية, لكن الطبيعي كذلك للإعلامي الماهر أو الماكر, أن يسعى بكل الوسائل الديمقراطية الاستفزازية, أن يخرج محاوره من ثوب الرزانة والمراوغة الدبلوماسية, فكلما سال المحاور"فلنائي" بسؤال محدد يتطلب إجابة شافية كرسالة للجمهور الإسرائيلي, أجابه بالعموميات التقليدية, فيحاول المحاور الاستخفاف من تلك الوعود التي تواترت عليها الحكومات السابقة والحكومة الحالية, وما آثار انتباهي أو ربما ما آثار استفزاز"فلنائي" أن معظم أسئلة ذلك الإعلامي تبدأ"بمتى؟ ", فعلى سبيل المثال لا الحصر, متى ستتوقف الهجمات الإرهابية الفلسطينية؟ فيجيبه بان خسائرهم اكبر من خسائرنا, فيستشيط الإعلامي غضبا ويعلو صوته كان الحوار استجواب بين محقق ومتهم, فيقول"هكذا هي المعادلة أو المطلوب؟" فيرد عليه "فلنائي" ماذا تريد؟ نحن نزن (نشكول) كل الخيارات ومنها محاولة كسب تأييد المجتمع الدولي لردنا المرتقب, فيرد عليه الإعلامي, وماذا يفيدنا رأي العالم والعدوان علينا والإرهاب واضح, فيرد عليه بان الأمور تسير وفق تقديرات أمنية محسوبة ونحن نزن(نشكول) كل الوسائل الكفيلة باجتثاث الإرهاب, فيستفزه الإعلامي وماذا تفيد موازينكم في حماية المواطنين في ظل استمرار سقوط"القسام" واستمرار العمليات"الإرهابية" , فينجح الإعلامي المحاور, من إخراج "فلنائي" من هدوءه الدبلوماسي الأمني, وحرصه وتحفظه, وربما هذا هو هدف الإعلامي لتلمس الخطوط العريضة لما خفي من المخططات وترجمة الصمت رغم العدوان الغير متوقف من الاحتلال, لكن المطلوب والحوار يدور حول"الحسم" ونهاية رعب المقاومة.
فيقول كما فهمته من حديث "فلنائي" الجميع ينتظر منا نحن أن نعالج مسالة تلك التنظيمات"الإرهابية" ويتخلون عن التزاماتهم, فيسارع الإعلامي بمقاطعة القول, إذن الفرصة سانحة والمجتمع الدولي مهيأ, فلماذا لا تستغلوها؟ عندها وقد بدت على لهجة"فلنائي" التوتر والغضب, وبدا أقل اتزانا من حيث الإمساك بزمام كينونته الوظيفية الدبلوماسية, ورد على محاوره بعصبية " نحن لا نقاتل في وقت الأعياد!!!" ((لو نلخيم بحاق )) قال الإعلامي فهمت.. إذن متى؟؟؟
فاستشاط"فلنائي " غضبا قائلا بصوت عالي, أتريد أن احدد لك تاريخ؟؟ اكتب عندك "ترشوم لخا",,, اكتب "ترشوم",,, بعد عيد الاستقلال " أخري حق عتصمائوت" ,,قال باستفزاز: كتبت؟ قال المحاور لقد كتبت وانتهى الحوار أو الاستجواب الأثيري العصبي.
أعيادهم تعني نكبتنا, وأمنهم نكستنا, حيث سيوافق ذكرى إقامة دولتهم المارقة "الستون" في 15- مايو , واعتقد بل جميعنا يعلم ولا تمنى أن عدوانا ما ينتظر غزة, والمخرج الوحيد لمواجهة ذلك العدوان يكمن في وحدتنا, والعودة إلى الحوار والى الشرعية, وإنهاء الانقسام الكارثي والذي قد يستفيد منه فئة ما أو تيار ما, لكن بالمحصلة فان ذلك الانقسام والحفاظ على وتيرته ضمانة قوية لذلك العدوان المرتقب , بل ربما وحسب الرد المطلوب صهيونيا, يتم تسويف ذلك العدوان والذي ربما تحدث عنه حسب مصادر أوروبية قيادات فلسطينية من داخل سوريا, فربما المطلوب الآن وذات أهمية بالغة, إنهاء قضية الجندي الصهيوني الأسير " شاليط " بأي طريقة وليس بأي ثمن عن طريق وساطات متنوعة ذات تأثير على الجهات الفلسطينية الآسرة, وذلك قبل موعد "أعياد الاستقلال" ,. فالعملية العدوانية المركزة أو الموسعة مبيتة, وأصبحت تحت ضغط الجمهور الإسرائيلي المتطرف قريبة, فكيف نواجه العدوان منقسمين؟؟؟؟
وفي نفس السياق, من حيث تسويف العدوان, نستشف ضمنا من تصريح "اولمرت", ما صرح به علنا في حوار"فلنائي" , وفي معرض تعقيب رئيس الوزراء الصهيوني"أيهود اولمرت" غداة مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين في عمليتين متتاليتين على حدود غزة, آخرها العملية الهجومية على موقع إسرائيلي شرق مدينة غزة"ناحل العوز", وحسب الصحافة العبرية,وأمام أعضاء حزب "كاديما" قال اولمرت: "أن حماس تتحمل كل المسئولية عما حدث أمس في الجنوب, ولا يهم لمن ينتمي" المخربون" الذين نفذوا العملية, فالمسيطر على غزة هي منظمة حماس, وهي من سيتحمل النتائج" وأضاف اولمرت قائلا " أتعهد أمامكم بان يكون ردنا بشكل, لاتستطيع معه حماس من مهاجمة إسرائيل والعمل ضد مواطنيها, ولن أقول أكثر من ذلك!!!" .
وهذا يعيدنا إلى تهديد سابق مماثل, وبنفس المعنى مع اختلاف التعبير لاولمرت نفسه بعد عملية القدس , وتوعد فصائل المقاومة وتحديدا"حماس" بالتعامل معها بطريقة الاجتثاث للإرهاب, بطريقة لن تتجرأ بعدها على إطلاق أي صاروخ" ثم تنطلق التصريحات الصهيونية المتطرفة, لتنسجم جميعها وتنصهر في بوتقة العدوان القادم, حيث صرح عضو الكنيست" تساحي هنغبي" بان لامفر من الخوض في مواجهة شاملة مع"حماس", ويضيف " سنية" أن عملية "ناحل العوز" تؤكد ضرورة القضاء على حكم حماس في القطاع, بل يعود "فلنائي" في المساء لرزانته الدبلوماسية التي افتقدها في حوار الصباح ليقول من جديد" إسرائيل ستصفي حساباتها مع حماس, وستختار الزمان والمكان المناسبين لذلك" والحقيقة أن كل فصائل وقوى المقاومة في بؤرة الاستهداف وليس حماس فقط, بل جميع مواقع المقاومة الساكنة والفاعلة في بؤرة الاستهداف في الضفة الغربية التي تتعرض إلى اجتياح وعدوان شامل وواسع ومستمر, وقطاع غزة الذي سيتعرض إلى عدوان مركز ومدمر, ربما ليس كما يريد سقفه المستوى السياسي صاحب القرار, وذلك بسبب ضغط الجمهور الذي سيقرر قريبا وفق السلوك المرتقب, أين سيوجه صوته الانتخابي, ولن يعطى إلا لمن ثبت انه الأكثر تطرفا على المستوى العسكري وعلى المستوى السياسي كذلك, وما جعلني أقول أن عدوانا مكثفا ومركزا يعشش في النوايا الصهيونية, لان نائب وزير الأمن الصهيوني" ماتان فلنائي" وفي معرض استفزازه وشبه وضوحه في حوار الصباح مع ذلك الإعلامي, قال: لن نحتل من جديد قطاع غزة, لكننا سنتخلص من الإرهاب على حد وصفه"
هذا في حال حزم القادة السياسيين والعسكريين أمرهم, بتحديد موعد العدوان بعد ذكرى استقلال دولتهم المارقة, فماذا اعددنا نحن على المستوى السياسي والعسكري, بما يجعلنا نحاول قطع الطريق وإفشال وقوع ذلك العدوان البر بري المرتقب, لايكفي التهديدات, فربما كانت المواجهة على غير حساباتنا, هل نبقي على حالة الانفصال والانقسام؟؟ هل نتفنن في تعبئة الحقد والكراهية, بدل التعبئة الوطنية في مواجهة العدوان, هل نعود إلى رشدنا والى شرعيتنا, لنتوجه إلى العالم ونكشف ذلك المخطط العدواني المرتقب, ونسقط زيف الادعاءات والمبررات , لنتجنب عملا عدوانيا مدمرا يلقى قبولا وتأييدا دوليا أو ربما عربيا بانتهاج مزيدا من الصمت, الشعوب العربية ضمانة الانتصار, لكنها مقموعة ولن تستطيع تجاوز الخطوط الحمر لتكون لنا ملاذا ضاغطا يجعل حكامها يقفون سدا منيعا في مواجهة القادم العدواني, إذن يبقى طريق أهم ألا وهو جبهتنا الوطنية الداخلية موحدة عسكريا وسياسيا, ودون ذلك فان الأرضية خصبة للعدوان الموسع أو المركز دون أي خطوط حمر , تخشى قانون دولي أو احتجاج مؤثر, فعودوا لوحدتكم ولشرعيتكم, لنقاوم ونفاوض ونتصدى لأي مخططات في خندق واحد.
ومن أراد أن أقول له, أنهم جبناء, فهم أجبن الجبناء, ولكن ضربة غدر الجبان مؤلمة.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟