|
مسار انقسامات (الجامعة العربية)
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 2249 - 2008 / 4 / 12 - 06:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان تأسيس (الجامعة العربية)،في آذار1945،حسماً لصراع داخل السلطة المصرية حول انتماء القاهرة:الدائرة الاسلامية،العربية،المتوسطية،إلاأن هذا قد كان تأسيساً لانخراط مصري في صراع مع العراق،حدَد مسارالعلاقات العربية-العربية وأوضاع داخلية في بلدان عربية محددة(= سوريا،لبنان،الأردن) لأكثر من عقد من الزمن، على آسية العربية. لم تقلل حرب فلسطين في عام1948من حدة هذا الصراع،بل زادته،وهو مالوحظ من خلال سلسلة الإنقلابات العسكرية الثلاثة في سوريا بعام1949(حسني الزعيم:30آذار،سامي الحناوي:14آب،أديب الشيشكلي:19كانون أول)،التي توزعت فيها ولاءات الإنقلابيين بين القاهرة(=الزعيم،ولوبعد تردد قصير،والشيشكلي) وبغداد(=الحناوي)،ولوانضمت الرياض(إضافة إلى باريس)للقاهرة في الوقوف سداً أمام طموحات الهاشميين ببغداد لإسترجاع حكم دمشق بعد سيطرة الفرنسيين عليها في عام1920،فيماكانت لندن مع بغداد. كانت وحدة1958السورية- المصرية حسماً لهذا الصراع لصالح القاهرة،وهو ماكان مؤشراً،بشكل"ما"،على قرب انتهاء حكم الهاشميين ببغداد،ماحصل بعد خمسة أشهر من ذلك في يوم14تموز1958،الشيء الذي كان ايذاناً بصراع دامٍ بين القوميين والشيوعيين العراقيين حول انضمام بغداد لدولة الوحدة حتى حسم عبد الكريم قاسم(وحلفائه الشيوعيين)الصراع لصالحهم بعد فشل حركة الشواف العسكرية بالموصل في آذار1959:يلاحظ،هنا،انفكاك التحالف السعودي-المصري ضد بغداد منذ نيسان1957،وهوشيء لوحظ أيضاً عند الملك حسين في الأردن بعد إقالة حكومة سليمان النابلسي،ذات التوجه القومي العربي،في نفس الشهر،الأمر الذي لايمكن فصله عن تأييد الدولتين ل(مبدأ أيزنهاور)كانون ثاني1957،الذي أعلنه الرئيس الأميركي لسد الفراغ الناتج عن تلاشي نفوذ لندن وباريس التقليدي في الشرق الأوسط بعد نتائج حرب1956في السويس. منذ يوم14تموز1958،تلاشى نفوذ بغداد الإقليمي ولم يعد للظهور إلامنذ أواسط السبعينيات إثر(اتفاقية الجزائر) ،لتحل محلها الرياض في مواجهة القاهرة،وهو ماكان تعبيراً عن انتقال مفاعلات الحرب الباردة لأول مرة إلى الجسم العربي،الشيء الذي كانت أول علاماته عبر حدث الانفصال السوري – 28أيلول1961- الذي أيدته ودعمته السعودية ثم في حرب اليمن(1962-1970)،ماتزامن مع اتجاه العلاقات الأميركية-المصرية إلى التوتر والمجابهة منذ أوائل الستينيات،واتجاه القاهرة في عام1964إلى انهاء سنوات من المجابهة مع الشيوعيين المحليين في(دمشق والقاهرة وبغداد)وموسكو بدأت في صيف عام 1958. في هذا السياق،يلاحظ استمرار دمشق في مسار ابتعادي- بدأمع الإنفصال-عن القاهرة رغم وصول حزب البعث للسلطة في يوم8آذار1963،فيمادخلت بغداد في عملية تلاق مع القاهرة بعد اسقاط اللواء عبد السلام عارف لأشهر من حكم البعث في 18 تشرين الثاني1963:كان انشغال عبد الناصر في جبال اليمن وماولده ذلك من صراع مع السعودية التي دعمت الملكيين،وانقسام القاهرة- دمشق،فرصة ملائمة لإسرائيل لشن تلك الحرب في صباح5حزيران1967،والتي لوحظ بعدها بداية تلاشي نفوذ عبد الناصر العربي،وبداية صعود دور الرياض وتوجهاتها،حيث سقط الحكم العارفي في بغداد بصيف1968،ولم يستطع مؤيدوا عبد الناصر في الجنوب اليمني تسلم السلطة،التي أخذها خصومهم في(الجبهة القومية)إثر انسحاب البريطانيين من عدن يوم30تشرين الثاني1967،فيماأدت مصالحة 1970 بالشمال اليمني بين الجمهوريين والملكيين إلى دوران صنعاء طوال عقد السبعينيات ضمن مدار الرياض. كانت وفاة عبدالناصر،في يوم28أيلول1970،مؤشراً على انتهاء حقبة وبداية أخرى:أدى هذا إلى تلاقي ثالوث(القاهرة-دمشق-الرياض)خلال أشهر من ذلك،وقد كان هذا التلاقي هو الخلفية العربية لحرب1973،بالرغم من تلاقي واشنطن وموسكو على تثبيت وضعية(اللاحرب واللاسلم)بالمنطقة منذ قمة نيكسون- بريجنيف في أيار1972.بالمقابل،كان انفراط هذا الثالوث،وتباعدطرفيه المصري والسوري منذ اتفاقيات فك الإشتباك على الجبهتين المصرية والسورية بالنصف الأول من عام1974ثم بعد اتفاقية سيناء في أيلول1975،بدايةً لتضعضع الجسم العربيالمظهر علامات القوة في حرب1973وفي حظر النفط،وهو مابانت علاماته مع الحرب الأهلية اللبناني13نيسان1975،التي تفصلها أسابيع عن اغتيال الملك فيصل بالرياض(25آذار). هنا،كانت بداية صعود القوة العراقية اقليمياً،بعد اتفاقية الجزائر6آذار1975التي تحرر بها العراق من التمرد الكردي إثر الإتفاق مع شاه ايران،مترافقة مع ذلك.بالتوازي،فإن بداية صعود دمشق إلى دور اقليمي رئيسي بالمنطقة،منذ دخولها العسكري إلى لبنان يوم1حزيران1976بموافقة أميركية،قد كان مترافقاً مع اتجاه مصر إلى التسوية المنفردة مع اسرائيل،التي عنت ،لأول مرة منذ تأسيس (الجامعة العربية)،استقالة القاهرة من شؤون آسية العربية. في هذا الإطار،لم يؤد تلاقي دمشق وبغداد تشرين أول78- تموز79)،الذي أتى بعد شهر من توقيع مصر على اتفاقيات كامب دافيد،إلى ملء الفراغ المصري الذي أحدثه في الجسم العربي اتجاه الرئيس السادات إلى تسوية منفردة مع اسرائيل،حيث لوحظ انفراط هذا اللقاء بسبب عامل خارجي،تمثل في الموقف المختلف لدمشق وبغداد تجاه صعود الخميني للسلطة في طهران(11شباط1979)،فيما لم يؤد اختلاف رؤيتي دمشق والرياض لهذا الحدث الإيراني إلى التباعد،حتى بعد أن اجتمع ذلك مع موقفيهما المختلفين من الحرب العراقية الإيرانية(1980-1988)،حيث حافظت العاصمة السورية على مسك العصا من الوسط بين الرياض وطهران،وهو مااستمر طوال عقد التسعينيات أيضاً،هذا إذا لم تكن دمشق قد انزاحت أكثر باتجاه الرياض منذ تلاقيهما حول الملف اللبناني إثر(اتفاق الطائف)تشرين أول1989،وتطابق مواقفهما أثناء(أزمة وحرب الكويت)آب1990-شباط1991. كانت عودة ثالوث(الرياض-دمشق-القاهرة)للتلاقي، إثر اجتياح صدام حسين للكويت،مؤدياً إلى أن لايكون حضور الولايات المتحدة العسكري المباشر للمنطقة على حساب أجندات العواصم الثلاث الإقليمية العربية،حيث لوحظ بعد ذلك توافق سوري- أميركي حيال لبنان،تمت ترجمته طوال عقد ونصف بدءاً من يوم13تشرين أول1990،وانطلاق لعملية(التسوية)منذ مؤتمر مدريدتشرين أول1991الذي كان حصيلة لتوافق أميركي-عربي أكثر منه بين تل أبيب وواشنطن،فيما ترافق تلاقي هذا الثالوث مع العاصمة الأميركية مع اتجاه أميركي لتحجيم طهران،بدأت أول بوادره مع اغماض واشنطن لعيونها عن مافعله الجيش العراقي المهزوم أمامها للتو بالكويت مع ماحدث في الجنوب من أحداث قامت بها القوى العراقية المعارضة المدعومة من الإيرانيين. هنا،كانت الصورة معاكسة قبيل وأثناء غزو الولايات المتحدة للعراق في عام2003:كانت دمشق هي الوحيدة المعارضة للغزو،فيما سكتت الرياض والقاهرة،بينما كانت طهران في وضعية المتعاون –عبر أتباعها العراقيين الذين كان حضورهم بارزاً في مؤتمر لندن الذي نظَمه الدبلوماسي الأميركي خليل زاده في الشهر الأخير من عام2002لتأمين ستارة محلية للغزو- مع واشنطن.أدى هذا إلى أن لايكون الوزن العربي موجوداً في حدث مفصلي ومفتاحي مثل سقوط واحتلال العراق من قبل واشنطن،رسم صورة أحداث المنطقة في الفترة اللاحقة. كانت أول تداعيات سقوط يغداد متمثلة بتداعي التوافق الأميركي- السوري حول لبنان،الشيء الذي عبر عنه(القرار1559)2أيلول2004،وماولده ذلك من انفجار لبناني،وانقسام للبنية المجتمعية-السياسية منذ ربيع2005.بالمقابل،فإن تقارب رؤية دمشق والقاهرة والرياض حيال أحداث العراق،في فترة مابعد 9نيسان2003،وحذرهم وتوجسهم من العملية السياسية وتركيبتها التي أنتجها توافق واشنطن وطهران – لم يؤد إلى تقارب العواصم الثلاث. منذ شهر آب2005اتجهت ايران إلى سياسة اقليمية مجابهة لواشنطن لكي تفرض نفسها على الأميركان ك"قوة اقليمية عظمى"على حد تعبير الجنرال رحيم صفوي قائد الحرس الثوري الايراني السابق،من أجل تثمير المكاسب التي حصلتها في القوة والنفوذ في المنطقة الممتدة بين كابول والشاطىء الشرقي للبحر المتوسط:في هذا الإستقطاب الذي تعيش منطقة الشرق الأوسط على وقعه ،منذ صيف2005،اتجهت الرياض والقاهرة للتحالف مع واشنطن،فيما عززت دمشق من تحالفها مع طهران،الذي لم تهزه عملية تباين المواقف بينهما من العراق المغزو والمحتل. أدى هذا إلى انقسام عربي عميق،غير مسبوق،بانت مظاهره حيال الموقف من حرب12تموز2006 و حيال ماأعقبها من أزمة في مجلس الوزراء اللبناني وصولاً إلى أزمة انتخاب الرئيس اللبناني،وفي أحداث غزة بحزيران2007وقبلها وبعدها تجاه اتفاقيتي مكة وصنعاء بين حركتي فتح وحماس،فيما من الواضح أن هناك تباين عربي عميق غير مسبوق حيال عملية(التسوية)،التي تريد واشنطن احيائها من جديد على وقع مجابهتها الكبرى مع طهران ومن أجلها،بعد أن أمسكت العاصمة الإيرانية بأوراق أساسية،للصراع مع اسرائيل،في جنوب لبنان وفي غزة،إثر استقالة غالبية العواصم العربية من ذلك الصراع. السؤال الآن:ماذا سيكون مصير الوضع العربي على ضوء كل ذلك؟..........
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل فشل المشروع الأميركي في العراق ؟
-
حدود القوة الروسية
-
نموذج (الدولة الفاشلة)
-
كوريدور الماركسية- الليبرالية
-
قابلية عربية للإحتلال أم مجرد تناقص في الممانعة؟.........
-
هل من مستقبل للأحزاب غير الإسلامية في العالم العربي؟.....-
-
اتجاه أميركي جديد إلى تعويم الدور الإقليمي التركي
-
جرأة المتعاونين مع الإحتلال -(بمناسبة دعوى الناشر فخري كريم
...
-
انتقال مركز أزمات المنطقة من شرق المتوسط
-
الصراع الأميركي-الإيراني:إلى أين؟.........-
-
بنازير بوتو:اختفاء يقلب الوقائع القادمة المفترضة
-
مابعد مجلس -إعلان دمشق-
-
اللاانتخاب اللبناني
-
ثلاثون عاماً على زيارة السادات لإسرائيل
-
اقتراب المعارضة السورية من الإنشقاق
-
عوامل القوة السورية
-
تداخل البؤر الثلاث
-
باكستان:الجنرال والعزلة
-
مفارقات تركية
-
المحاولات الأميركية لإضعاف دول الجوار العراقي
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|