|
إضراب.. وحريق.. وبينهما خيط رفيع
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2249 - 2008 / 4 / 12 - 10:57
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
نحن أمام قضيتين منفصلتين تماما رغم أنهما متداخلتان في الزمان والمكان. القضية الأولي هي إضراب 6 أبريل والقضية الثانية هي «حريق المحلة» الأولي قضية ديمقراطية والثانية قضية جنائية و«إجرامية». الأولي لا يمكن تجريمها حتي لو اختلفنا معها سياسيا كليا أو جزئيا. والثانية لا يمكن تبريرها بأي صورة من الصور أو التعاطف مع المتورطين فيها. فقضية إضراب 6أبريل باختصار حق دستوري تدعمه المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تكفل الإضراب باعتباره حقا أساسيا من حقوق الإنسان لا ينبغي التنكر له أو الوقوف ضده، حتي لو كنت تختلف مع الهدف منه والمطالب التي يرفعها القائمون به. هذا من حيث المبدأ أما من حيث الملابسات العملية لإضراب 6 أبريل بالذات فقد أشرنا في مقال الأسبوع الماضي إلي جانب من الأهداف المشروعة لهذا الإضراب التي يتفق عليها أغلب المصريين سواء من الموافقين علي الدعوة إلي إضراب 6 أبريل أو من المعترضين عليها. فهي في معظمها مطالب تتعلق بمكافحة الغلاء المفتري دائما وغير المبرر في أحيان كثيرة والناجم في بعض جوانبه عن سياسات حكومية خائبة حتي وإن كان ناتجا في بعض الجوانب الأخري عن ارتفاع في الأسعار العالمية. هذه المطالب الاجتماعية مشروعة جدا وهي بمثابة صرخة احتجاج علي سياسات حكومة الدكتور أحمد نظيف التي فشلت فشلا ذريعا في التوصل إلي توازن معقول بين معدلات النمو الكبيرة للاقتصاد الكلي وبين متطلبات العدالة الاجتماعية الغائبة نتيجة لعوامل كثيرة في مقدمتها اختلال هيكل الأجور واستشراء الفساد وخلافه. ورغم تكرار مظاهر السخط الشعبي علي هذه السياسات العرجاء فإن الحكومة صنعت أذنا من طين وأخري من عجين حتي لا تسمع أنين شعبها ووصل التجاهل الحكومي للأبعاد الاجتماعية ذروته في مهزلة طوابير رغيف الخبز التي راح ضحيتها عشرة شهداء لقوا حتفهم في التكالب غير المسبوق علي رغيف العيش! هذه الكارثة كانت تكفي وحدها لاستقالة الحكومة لكنها تصرفت كأن شيئا لم يكن حتي تدخل رئيس الجمهورية شخصيا، مما يدل علي سمك جلد هذه الحكومة. وإذن فإن الاحتجاج الشعبي الواسع النطاق ليس نابعا من فراغ وإنما له ألف سبب وسبب، الأمر الذي يبرر الدعوة إلي الإضراب العام. أضف إلي ذلك أن هذه الدعوة جاءت خارج المألوف في السابق تماما فهي بدأت علي شبكة الإنترنت من خلال المدونات وألفيس بوك وانتشرت عبر المواقع الإلكترونية والتليفون المحمول وهذا يعني أكثر من جديد! أولا: إنها بداية تحرك من جانب الطبقة الوسطي التي قدمت استقالتها في الأعوام السابقة من الاهتمام بالشأن العام فهؤلاء الذين يتواصلون عن طريق الإنترنت ليسوا في الأغلب الأعم أبناء الطبقات الشعبية بل ينتمون إلي الطبقة الوسطي أساسا. ثانيا: إنها بداية استخدام لأساليب حديثة تنتمي إلي عصر الثورة المعلوماتية وتتجاوز الأساليب التقليدية المألوفة. ثالثا: إنها ـ بهذا النحو ـ بداية بث حي لرسائل مزدوجة أولها للحكومة وثانيها لأحزاب المعارضة. ـ رابعا: هذه الرسائل في مجملها احتجاج علي الأولي وتجاوز للثانية. وهي ليست احتجاجا فقط علي الحكومة وإنما تحذير لها أيضا من أن القيود التي تفرضها علي حق التنظيم وإنشاء الأحزاب السياسية أصبحت غير ذي جدوي، وأن القيود التي تفرضها علي الإعلام أصبحت هي الأخري بلا وظيفة حقيقية في عصرثورة المعلومات التي تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية ولوائح الممنوعات ولجان الرقابة علي المصنفات.. كل المصنفات!! خامسا: والأهم من ذلك كله أن هذه هـــي إرهاصـــات الديمقراطــية الرقمية Digital Demacrcy التي تتطور يوما بعد يوم في العالم الجديد وتوحي بتقدم هذه الديمقراطية الرقمية المباشرة لتحيل إلي التقاعد تلك الديمقراطية النيابية التي تعودنا عليها منذ انتصار الثورة الصناعية. ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلي هؤلاء الشبان الذين بدأوا هذه الدعوة ونجحوا في توصيلها إلي قطاعات واسعة جدا من الشعب المصري عجزت الأحزاب التقليدية عن الاقتراب منها ـ يمكن النظر إليهم علي أنهم «رواد» يجب أن نفرح بهم خاصة أن الفكرة الشائعة الخاطئة عن هذه الأجيال الجديدة أنها أجيال غير منتمية وسلبية وعازفة عن المشاركة وأيا كان رأينا في محتوي أسلوب مشاركتهم هذه المرة الذي يمكن أن نتفق مع أجزاء منه ونختلف مع أجزاء أخري نتيجة لفارق الخبرة السياسية والحياتية والنضالية فإنهم في التحليل النهائي أبناؤنا الذين يجب أن نحتضنهم ونضعهم في حدقات العيون. وهذا ينقلنا إلي القضية الثانية فمن الظلم أن نحمل هؤلاء مسئولية حريق المحلة لمجرد تزامنه مع دعوتهم إلي إضراب 6 أبريل فدعوتهم دعوة متحضرة ودستورية كما قلنا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بهؤلاء المخربين الذين عاثوا فسادا في الصرح الذي بناه طلعت حرب وجعله قلعة من قلاع الصناعة المصرية. هؤلاء المخربون تجب معاقبتهم بالقانون وبكل حسم صحيح أنه لا يجب الاكتفاء بالحل الأمني فقط في التعامل مع هؤلاء الهمج الذين أضرموا النيران في المحلة وهددوا أمن مصر كلها وإنما يجب أن تتضافر معه معالجات اجتماعية وسياسية وثقافية وأدوار نشطة للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. لكن الأمر الذي ينبغي أن ننأي بأنفسنا عنه هو استخدام هذه الجريمة الشنعاء التي ارتكبها مخربون تحركهم علي الأرجح أياد خفية تضمر الشر لهذا البلد وأهله كذريعة لتشويه فكرة الإضراب بحجة أنه لولا هذه الدعوة لما تمتع هؤلاء المخربون بفرصة مواتية لمخططاتهم فهذا ربط مفتعل وغير منطقي وإلا لقمنا بمنع الطائرات مثلا لأن الإرهابيين اختطفوا إحداها. فلا داعي لتحميل الأمور ما لا تحتمل. ولا داعي للصيد في الماء العكر وبدلا من تبادل الاتهامات وتقطيعنا هدوم بعضنا البعض لعلنا نكون قد اكتشفنا أن الأمور في بلدنا أصبحت تتطلب من الجميع بلا استثناء من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار أن يجلسوا معا وأن يتحاوروا بحثا عن عقد اجتماعي جديد ورؤية مستقبلية جديدة تحفظ لهذا الوطن كيانه وتوفر لأبنائه العيش الكريم الذي يستحقونه. أما أن نقذف كرة اللهب في بيوت بعضنا البعض فإنها لن تحل الموقف بل ستجعل النار تحرق الجميع وهذا ما لا نتمناه ولا يجب أن نسمح به.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
والله العظيم ...تحسين الأحوال المعيشية للناس..ممكن
-
هل نرفع الراية البيضاء أمام مافيا أراضى الدولة؟ (1)
-
حيرة الحكومة بين -التعطيش- و-التسقيع-
-
نداء عاجل إلى من يهمه الأمر
-
التدحرج من -القمة- إلى - القاع- (1)
-
لمصلحة من : قتل المبادرات الأهلية ؟!
-
أحب »كيث«.. لكني أحب الناخبين أكثر!
-
أزمة الرغيف .. عار على جبين حضارة مصر
-
الخبز الحاف!
-
مجالس الأعمال تبحث رغيف الخبز!
-
المصيلحى .. عدو الشعب رقم واحد!
-
من الذى يحمى أراضى الدولة؟!
-
سنة خامسة إصلاح: وماذا بعد؟! (1)
-
حاجة تكسف: هكذا تحدث «مشرفة» منذ 83 عاما!
-
جنون -الحجر-
-
سنة خامسة إصلاح .. وماذا بعد ؟(2)
-
قراءة هادئة في أوراق عصبية
-
إنتبهوا: محمود عبدالفضيل يدق نواقيس الإنذار المبكر
-
الإهانة -الأكاديمية- لبابا الفاتيكان .. والتطاول -الفنى- على
...
-
رغيف »العيش«!
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|