|
الحرية النقية
تامر سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2247 - 2008 / 4 / 10 - 10:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
-هناك اعتقاد راسخ من جانب أبناء كل ديانة ان الدين الذي ينتمون اليه يحقق كل معاني الحرية و العدالة و المساواة ، و ليس الأمر مقصورا فقط على أبناء الديانات المختلفة ،بل يتعداه إلى مختلف الايديولوجيات و القوالب الفكرية المصمتة.و لكن تجد المخالفين للدين أو الفكرة المؤدلجة يعارضون هذا الاعتقاد و يؤكدون -بأدلة تدحض أدلة المؤمنين - ان هذا الدين و هذه الفكرة تعادي الحرية أو تتناقض مع العدالة،و نجد أنفسنا قد تهنا وسط هذا الزحام من الاتهامات المتبادلة،و تجد نفسك تتساءل:أيهما أصح؟!
-أنا ارى ان كلا من الرأيين صحيح إلى حد ما.كيف هذا؟و هل للحقيقة وجوه أخرى؟!
-لقد اتى كل دين بمفهوم معين و محدد عن الصواب و الخطأ ،و رسم صورة واضحة لتصوره عن العدالة و المساواة ،و وضع سقفا عند حد معين من الحرية ، أي انه رسم للإنسان طريقا و قال في :هذه هي الحرية ،هذا هو العدل ،هذي هي المساواة ،و بالتالي عندما تجادل أحد المتدينين في شأن انتقاص هذا الدين من حرية افراده تجده ينتفض ليؤكد ان الدين وفر في الحرية الكاملة ،و هو هنا ليس بمعزل عن الصواب ، فالحرية الكاملة في نظر المتدين ، أو الحرية التي يستحقها، هي تلك الممنوحة له من قبل الدين ،و هو يعتبر ان تعدي سقف الحرية الممنوح له عبارة عن انفلات و فوضى ،و ليس ابدا حرية.
-المشكلة إذا تكمن في تحديد معنى للحرية و صبه في قوالب معدنية بحيث تصبح غير قابلة للتحور بعد ذلك ، تصبح غير قابلة للتشكل حسب حاجة أفراد المجتمع و حسب التطور الذي يحدث فيه ، بمعنى آخر : المشكلة هي احتكار معنى الحرية في قبل الدين أو الفكرة المؤدلجة و فرضها على الناس. -إذا ما الحل؟ الحل هو كسر الاحتكار بتعدد الأفكار في المجتمع الواحد بحيث يصبح للفرد بدائل إذا لم يظن ان هذا التحديد للحرية يناسبه.
-المشكلة الكبرى هنا ان البعض يرى ان تعدد الأفكار عن الحرية هو شئ يتجاوز الحرية، يقولون انه فوضى، و بالتالي ينبغي عدم السماح به.و هكذا حال مجتمعاتنا العربية حيث تم احتكار المعاني ،و تم تحديد معنى للحرية بما يحقق مصالح فئات معينة -سواء كانت مصالح دينية أو دنيوية- و بدون الالتفات إلى حق بقية أفراد المجتمع في الحياة بحرية كما يتصورونها.
-و بالتالي ، أعتقد ان المهمة الاولى لمن يدافع عن الحرية هي مواجهة هذا الاحتكار ،و هذه الوصاية الفكرية في المجتمع العربي ،و اقناع الناس ان هناك معان أخرى للحرية أكثر قدرة على الافادة. ان الأمر أشبه بمجموعة من البشر محبوسين في مساحة صغيرة من الأرض حولها سور ، و قيل لهم :خلف السور ألغام من كل اتجاه .كل ما يحتاجه هؤلاء هو ان يقنعهم أحدهم ان الألغام وهمية ، و ان يريهم هذا بنفسه ، فيخرج عن السور ،و عندما لا يصيبه اذى سيدرك الناس انه ليس هناك ألغام حقيقية ، و ان خلف السور حياة ارحب و اغنى و أكثر كرامة من سجنهم الذي سجنوا فيه بوهمهم.
-معنى الحرية في كل دين و في كل فكرة مختلف ،و بالتالي إذا ما اردت ان تجادل واحدا فلا تقول :دينك ضد الحرية ،بل جادله في معنى الحرية و جدواها و الهدف منها، أي: لماذا ينبغي ان تكون هناك حرية؟ و على قدر الاجابة يكون معنى الحرية.
- لماذا إذا ينبغي ان تكون هناك حرية؟ قد يجد البعض هذا السؤال صعبا و إجابته مستحيلة أو نسبية ،و ان كنت أعتقد ان الاجابة ممكنة. اتذكر الآن عبارة للفيلسوف الأمريكي اريك فروم من كتابه (الخوف من الحرية) :"......اننا لسنا متأكدين دوما أي طعام هو صحي و أيها ليس صحيا ،و مع هذا لا يستنتج انه ليست أمامنا أي وسيلة نميز بها السم.بالطريقة نفسها يستطيع ان نعرف -إذا أردنا- ما هو الذي يسمم الحياة العقلية . اننا نعرف ان البؤس و الرعب و العزلة موجهة ضد الحياة ،و ان شئ يخدم الحرية و يطور الشجاعة و القوة ليكون الإنسان نفسه هو من أجل الحياة. ان ما هو خير و ما هو شر بالنسبة للإنسان ليس مشكلة ميتافيزيقية ،بل مشكلة تجريبية يمكن الجواب عليها على أساس تخيل طبيعة الإنسان و التأثير لبعض الظروف عليه..."
-نعم، بامكاننا -إذا اردنا - ان نميز بين ما هو ضد الحياة مما هو في صالحها ،و بالتالي يمكن ايجاد معاني أكثر حيوية -ان جاز التعبير- للحرية .اننا نعرف ان القيود على التفكير باسم الدين أو القومية أو المجتمع هو أمر ضد الحرية ، و أي قيود على التعبير-حتى لو كان باسم الحرية- هو ضد الحياة و ضد الحرية ،و أي قيد على حرية الإنسان الشخصية هو قيد على التعبير عن فرديته و استقلاله و بالتالي هو ضد الحرية و ضد الحياة. ان بامكاننا إذا نحينا التعصبات الايديولوجية جانبا ان ندرك ان الحرية لها ان تتمدد في مساحات أكبر مما تشغله حاليا ، سواء في مجتمعاتنا العربية أو في الغرب ،و بدون أي خوف من الفوضى أو الانفلات ،بل اني أزعم ان الحرية النقية هي الضمان الحقيقي و الوحيد ضد الانفلات و الهمجية ، هذه الحرية لم تتحقق حتى الآن في التاريخ البشري ،و هي الأمل و اليوتوبيا التي يتمناها كل إنسان يعي جيدا قيمة انتمائه للجماعة الانسانية.
#تامر_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاحترام المفقود:لماذا لا تحترم من هو مثلي الجنس؟؟!
-
بلاد الشر...ق
المزيد.....
-
-مزّقت قلوبنا إربا-.. فيديو حماس الأخير لرهينة يشعل ردود فعل
...
-
إسرائيل تؤكد استئناف مفاوضات الرهائن، وصفقة أسلحة أمريكية جد
...
-
الجيش المالي يعتقل -أبو حاش- عقب عملية استخباراتية
-
استشهاد 184 خلال 3 أيام بغزة وخروج المستشفى الإندونيسي من ال
...
-
-إف بي آي- يكشف تفاصيل جديدة عن هجوم نيو أورليانز
-
بعد الشمال إسرائيل تنقل المحرقة إلى محافظة غزة
-
إعلام إسرائيلي: حماس لن تستسلم ونتنياهو يريد إفشال الصفقة
-
فيديو من دمشق.. أنفاق تربط قصر الرئاسة بمقر الحرس الجمهوري
-
قاتلا بغزة ولبنان.. جنديان إسرائيليان بين مصابي نيو أورليانز
...
-
وسائل إعلام حوثية: غارات أميركية بريطانية على صعدة
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|