|
البسيط والهيئة العليا - 2 - سيرة -
ناس حدهوم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2249 - 2008 / 4 / 12 - 08:47
المحور:
الادب والفن
كنت دائما أحلم بالبساطة لأنها ثقافتي التي علمني إياها والدي رحمه الله . تربيت عليها وتغذيت بها . فقد كان والدي متدينا أكثر من اللازم وعلمني منذ نعومة أظفاري أن أحب البسطاء والبساطة والقناعة وكانت هذه هي حياة الأسرة . وكان ذلك ما نطبقه على أنفسنا بالفعل .وكان دائما يردد على مسامعنا مقولة يزعم هو أن النبي محمد ( ص ) هو قائلها ( اللهم احشرنا مع الفقراء ) والفقراء هم طبعا البسطاء . دائما تأثرت بوالدي كان هو مدرستي الحقيقية التي شكلت أسلوب حياتي . كان بسيطا جدا عطوفا على الفقراء متسامحا مع الخطأة والضالين ولا يحقد عليهم بل كان يطلب لهم الهداية . وكان مدمنا على الصلاة في وقتها إلا في حالة الإستثناء بسبب الضرورة . أما صلاة الفجر لم يكن ليتركها لما بعد وقتها ولو يوم الجمعة الذي كان يوم عطلة بالنسبة إليه فقد كان يصلي الفجر ويرجع إلى فراشه ودائما بالمسجد مع الجماعة . وكان يأخذني معه كل فجر إلى المسجد وأنا طفل صغير فأنصاع صاغرا إلى أن كبرت قليلا فتمردت عليه فكان مضطرا لكي يعفيني منها بعد صراع غير قليل. رغم بساطته المفرطة كانت جنازته حاشدة فقد توفي بعد صلاة العشاء مباشرة وكان علينا أن نواريه التراب بعد صلاة العصر الموالي رغم عدم تمكن بعض الأقارب والأصدقاء من الحضور لعدم وجودهم بالمدينة .وأثناء انطلاق موكب الجنازة سمعت أحد الواقفين احتراما لمثل هذه الحالات يقول - أنظر إلى الأغنياء كيف ترافقهم الأعداد الغفيرة من الناس - ولم يكن يدري ذاك الشخص بأنها جنازة رجل من عباد الله البسطاء . لكنه فعلا كان غني الروح قانعا بالستر والكفاف والغنى عن الناس . كانت له الفرصة لكي يرتقي بنفسه وأسرته في سلم المجتمع بكل سهولة لأن ذلك الزمن غيره اليوم تعقيدا وتمنعا . كم من الفرص الذهبية ضاعت بمحض إرادته بسبب القناعة التي يتحلى بها ويبثها في كل أفراد أسرته . وكانت شقيقتي الأكبر سنا مدرسة تدرس البنات في إحدى المؤسسات الحكومية فما أن طلب منها زوجها البسيط أيضا ( مجرد ضابط صف آنذاك ) أن تتخلى غن وظيفتها حتى لبت رغبته وتفرغت لشؤون بيتهما وأولادهما . ولم تندم رغم ارتقاء نظيراتها إلى أرفع المناصب فيما بعد أي بعد فجر الإستقلال. كان الوالد بسيطا حتى في حتىفي تجارته يقوم مع شريكيه بجلب السلع المختلفة من البوادي المجاورة لبيعها بالجملة بالمدينة والتي كانت آنئذ بنسمة محدودة لا تزيد عن بضعة آلاف من المواطنين وبضعة مئات من الأجانب الذين بقوا بالمدينة مستقرين كموظفين وتجار ورجال أعمال . كانت بضاعته تعم كل دكاكين المدينة القديمة . فحتى السمن البلدي الذي يزود به متاجر حارة العيون والمطامر المتواضعة كان يخرج من بيتنا .لكن شهرة هذا السمن البلدي الرفيع كان يستفيد منها صاحب الدكان المعروف بالحاج كريمو بدلا من والدي . كنت طفلا حينذاك في مرحلة الصبا لا يتجاوز عمري الستة عشر ربيعا وكنت من نجباء التلامذة خلال المرحلة الإبتدائية والثانوية لكنني أيضا كنت من الفاشلين في مادة الحساب والرياضيات بينما المواد الأدبية أحرز على أعلى النقط . وكان أساتذتي يتباهون بي كطفل أديب أجيد قراءة النصوص الأدبية والشعر مارا على كل أقسام المؤسسة أتلو أمامهم نصوصا كانت تسجل على الآلة المسجلة ليعاد سماعها فيما بعد بأمكنة أخرى مجهولة لدي . عند حصولي على شهادة - البروفي - الثانوية وخلال هذه الفترة بالذات أصيب والدي بمرض في القلب لم نكن نعرف خطورته وبأنه سيودي بحياته في القريب . أصبت بالزكام فرافقني والدي عند الطبيب الإسباني - ماطي - أعطاني وصفة السيروم الخاص بالزكام . فاغتنمت الفرصة لأطلب من أبي أن يكشف عن قلبه فوافق بعد إلحاحي فنبهه الطبيب إلى ضرورة ترك الملح وأمره بأن يعود إليه بعد شهر وزوده بوصفة دواء وبشره خيرا . لكنه لم يعمل بنصيحة الطبيب فقد ظل يأكل الطعام بالملح مرددا مقولته المتكررة ( الطبيب هو الله ). وتوفي ذات ليلة بعد أن ذهب إلى الحمام البلدي ليغتسل وزار الحلاق وصلى صلاة العشاء الأخيرة من حياته . بعد ذلك دارت الأيام بوجهة مختلفة وكان موعد الأسرة مع قدر سوف يقرر هو الوجهة التي أراد . لم يترك لنا الوالد سوى بيتا يسترنا يتكون من سكنتين متواضعتين إحداها مأوى لنا وأخرى أكريناها بثمن لم يكن يغنينا عن الحاجة .ورصيدا متواضعا نصفه تقريبا كان زادي لمصاريف السفر إلى أوربا للعمل هناك . والنصف الآخر استهلكته الأسرة مصاريفا لها خلال بضعة شهور. لتصبح بعد ذلك على باب الله. سافرت مع أحد أقارب صديق صباي وكان شخصا نبيلا فما أن وصلنا إلى هولاندا حتى صدمت بالأمر الواقع . حجرة واحدة بأربع أسرة لأربعة أشخاص تنازل لي الرجل النبيل عن سريره بينما هو افترش الأرض ملحا علي أن أقبل . لم أنم فقد كنت أبكي كالطفل وأنا الطفل لقد دارت الأيام فعلا الأسرة بعيدة .... الوالد رحل ..... الواقع بئيس .... وخالجتني الرغبة في العودة .... لكن إلى أين ؟ - يتبع -
#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تيه ومتاهة
-
للاعربية
-
نفاق عل سهول المرآة
-
وادي الزمن الأخير
-
البسيط والهيئة العليا
-
حان la esmeralda
-
تيه وتفاهة
-
سلوك
-
حان las fuentecitas
-
عودة الحرية من الماء
-
نبوة الشعر من خلال قصائد الشاعر الكبير عبد الكريم الطبال
-
الدورة
-
لعبة يانصيب
-
قبعتي
-
مشرحة
-
جراحي جراحكم
-
الغريق
-
روض العنكبوت
-
إحذروا هذا الكلام
-
البئر
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|