أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صالح سليمان عبدالعظيم - آليات العزل وحكايات الكلب الأجرب!!















المزيد.....

آليات العزل وحكايات الكلب الأجرب!!


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 2244 - 2008 / 4 / 7 - 02:58
المحور: كتابات ساخرة
    


كنا ونحن صغارا نمارس المشاهد نفسها التي نمارسها الآن. وبعد أن فارقتنا حياة الطفولة والشباب، مازلنا نمارس المشاهد نفسها، كما لو كان الزمن لم يمسسنا، وكما لوكنا ما زلنا صغارا لم نرق بعد لطور النمو والبلوغ ناهيك عن النضج والشيخوخة. يحضرني من مشاهد الطفولة مشهد الصراعات اليومية، والكيفية التي كنا نتعامل بها حينما ينشأ صراع ما فيما بيننا، أو تلفنا رياح المعارك والفتن والمشاجرات التي لا تنتهي أبدا، بل يمكن القول بأنها الثابت اليومي في علاقاتنا الحياتية والمدرسية على السواء.
ما أن يندلع الشجار حتى تندلع المؤامرات التي يقودها البعض من أجل الاصطفاف والحشد و ضمان استعداء الطرف الآخر. ولم أكن أعرف في ذلك الوقت الآليات المختلفة التي يمكن من خلالها للبعض أن يقود هذه المؤامرات ويضمن انتصاره فيها على الطرف الآخر. وربما لم يكن الجميع في المراحل العمرية المبكرة يعي أنه يستخدم آليات مختلفة لضمان الفوز في معاركه ضد الطرف الآخر. كانت آليات تحركها الدوافع التلقائية الأقرب إلى الانفعالات البيولوجية والنفسية. كنا أشرارا عفويين، نمارس عدائنا بتلقائية، بخفة وسعادة. أما الآن فقد أصبحنا أشرارا محترفين، تلفنا تلك المشاعر العدوانية باحتراف ودقة وبرود تام. وما كنا نمارسه بتلقائية، وعلى مستويات محدودة، أصبح يشملنا ضمن سياقات مخططة أكثر اتساعا وأكثر خطرا وتأثيرا. تأثيرات تلف الأمة بأكملها وتقودها لا محالة إلى الضياع والتفتت والانهيار.
غالبا ما كانت تنتهي معارك الحشد هذه بالانقضاض التام على طرف ما وسحب كل تأييد منه، الأمر الذي ينتهي به معزولا ككلب أجرب يتجنبه الجميع. ومن أبرز مشاهد فرض العزلة أن تقام مباراة لكرة القدم ويفرض من خلالها الفريقان على هؤلاء المعزولين عدم اللعب. وأتذكر في تلك المرحلة المبكرة مشاعر الخوف والضعف التي كانت تنتابني حينما أتخيل نفسي عضوا خارج المباراة ككلب أجرب لفظته الجماعة وفرضت عليه عقوبتها الصارمة بدون أية أسانيد شرعية اللهم إلا غلبة الجماعة، أو بشكل دقيق غلبة هؤلاء المتآمرين الذين يستطيعون أن يفرضوا قوانينهم الخاصة من أجل الرضا عن هذا العضو أو الغضب على ذاك. لا أعلم لماذا علق بذاكرتي مشهد هذا الكلب الأجرب، ربما لكونه الأكثر ضعفا، أولأنه كان الأكثر احتياجا للمساعدة لا العزل والهجر وكيل الاتهامات له.
والآن وبعد أن مرت بي العديد من العقود العمرية، أجدني أتذكر في غمرة ذلك الانتحار السياسي الذي يمارسه البعض الآن في إطار عقد القمة العربية في سوريا العربية، تلك المشاهد الطفولية مستدعيا الكثير من الآليات التي غابت عن ذهني في ذلك الوقت المبكر من العمر. حينما يبدأ الشجار والصراع يندفع أي من طرفيه، وحسب قدرته والقوى التي يتمتع بها من أجل فرض سيطرته على الآخرين، وضمان وقوفهم في صفه. وتختلف تلك القدرة من فرد لآخر، ومن موقع لآخر، بل إنها تختلف من فترة لأخرى. فما ينجح فيه أحد أطراف الخلاف اليوم في ظل ظروف محددة وربما مواتية، قد لا ينجح فيه غدا حال اختلاف الظروف واختلاف أطراف الصراع والقواعد المنظمة والحاكمة له.
كان العامل المادي يهيمن بدرجة كبيرة على حسم الكثير من أشكال الاصطفاف والحشد. يأتي على رأس الجوانب المادية في ذلك الوقت من يمتلك كرة القدم. فمن يمتلك الكرة يستطيع أن يختار، وبشكل فج، من هو داخل الملعب ومن هو خارجه. وفي بعض الأحيان، تصل حدة الصفاقة والتحكم إلى أن يفرض من يمتلك كرة القدم على باقي اللاعبين المؤيدين له، والمنتصرين له ضد الطرف الآخر، أن يقوموا بطرد الآخرين من ملعب كرة القدم وعدم مشاهدة المباراة.
لا تقف المسألة فقط عند كرة القدم لكنها تتعداها إلى امتلاك دراجة أو أي إمكانيات مادية أخرى تتيح لطرف ما فرض سيادته على الآخرين، وأن يبث لديهم مقدرته على المنح والمنع. وتتعدى هذه المسألة إلى إيهامهم بأن يصلوا لمرحلة الشعور بالخوف، وهى مرحلة الكلب الأجرب التي لا يتمناها الجميع لأنفسهم ويتحاشونها بقدر الإمكان. فعلمية العزل لا ترتبط فقط بالقدرة على المنح أو المنع لكنها ترتبط أيضا بالتخويف والإرهاب النفسيين. وكم من مشاهد أتذكرها الآن من الطفولة لهذه النوعية من التلاميذ الذين استطاعوا بدرجة أو بأخرى هز ثقة التلاميذ الآخرين في أنفسهم وتخويفهم وإرهابهم ليل نهار. فالعملية تتحول في النهاية إلى شكل صارم من أشكال التحزب والترهيب، يحكمها قانون واحد لا غير يتمثل في المقولة الشهيرة "من ليس معنا فهو ضدنا".
لا تقف المسألة فقط عند الجانب المادي والقدرات المرتبطة بالمنح أو المنع لكنها ترتبط أيضا بقدرات واسعة على الإيذاء المادي والمعنوي. وبقدر ما يرتبط أحد طرفي الصراع بقدرات جسدية قادرة على الضرب والإيذاء المباشر، فإنه يستقطب حوله أيضا عددا لا بأس به من هؤلاء الذين يستمتعون بعطاياه ويمارسون الإيذاء البدني والنفسي ضد الطرف الآخر، تقربا من هذا الطرف وعلى حساب الطرف الآخر. لا ينسي المرء في تلك المرحلة الضرب والإهانات التي تعرض لها الكثير من الأطفال وبشكل خاص إذا ما كانوا ضعاف البنية ولا يمتلكون حولا ولا قوة. لا تقف المسألة فقط عند هؤلاء مفتولي العضلات الذين يتقربون من أحد الأطراف على حساب الطرف الآخر، بل تتعدي ذلك إلى هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة، والذين يتوحدون مباشرة بالمتسلطين على حساب الخاضعين. ورغم كثرة عدد هؤلاء والقدرة التي يشكلون من خلالها طرفا ثالثا يفرضون من خلاله ذاتهم على ساحة العراك، فإنهم يفضلون في الغالب الأعم الانضمام إلى الطرف الأقوى، و"شراء الدماغ" علي حد قول المصريين.
واللافت للنظر أن الطرف صاحب المصلحة المباشرة في الصراع والعداء قد لا يمارس عدوانه بشكل مباشر على الأطراف الأخرى بقدر ما يُطلق هؤلاء المستفيدين والمتواطئين معه على الطرف الآخر، في حرب يمكن أن يطلق عليها "حرب بالوكالة". وبقدر ما ينجح هؤلاء في إيقاع الأذى المباشر أو غير المباشر بهذا الطرف يزدادون تقربا من الطرف الآخر، ويحصلون على المزيد من العطايا والهبات. ولكي تنجح عملية الإيذاء وآليات العزل لا بد من وجود أطراف أخرى أكبر حجما وأكثر تأثيرا، كأن يكون أحد أطراف الصراع إبنا لأحد المدرسين أو لمدير المدرسة أو من أبناء المتنفذين ماديا ومعنويا. هؤلاء يساعدون في استمرارية هذا الصراع لحساب طرف على حساب الطرف الآخر.
لا تستمر عملية العزل في النجاح دائما، فالكلب الأجرب، أو كما يريد له البعض أن يكون أجربا، لا بد وأن ينتفض مدافعا عن نفسه ووجوده وحيثيته، وفي مثل هذه الحالة فإنه يتسبب في خسائر فادحة للطرف الآخر. فحينما يصبح الصراع مسألة حياة أو موت، فلا مناص من الهجوم المضاد، والمضي قدما في الدفاع عن الذات ضد الآخرين. هنا تتعادل المسألة من جديد، ويعلم الأقوياء والأطراف الأخرى المساندة لهم أن المسألة ليست سهلة كما يتم تصويرها، ليعاد من جديد تشكيل أطراف اللعبة وتوازناتها والقوى المتنفذة فيها. لا أعلم لماذا تذكرت أحداث الطفولة تلك، وأنا أطالع ما يحدث الآن من أجل إفشال القمة العربية، وهؤلاء الصحفيون التابعون الذين يريدون أن يضعوا البعض في خانة الكلب الأجرب!!



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيناريو انهيار الأقصى
- التمييز العنصري ضد المسلمين في أمريكا
- بنية التواطؤ
- الاتساق الفكري
- أحوال مصرية
- عالم بدون إسلام
- مُعضلة التدين في العالم العربي
- تقرير حالة السكان العالمي 2007 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة ...
- -جَوْجَلة- المعرفة
- نحو سلام واقعي
- أزمة علم الاجتماع في العالم العربي
- الأغنية العربية المعاصرة
- -الحرية والخوف- التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية 2007
- ثقافة التمثيل
- عزمي بشارة والملاحقات الإسرائيلية
- التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2007
- المثقف والعاصمة: هل من علاقات متبادلة؟
- رواية -شيكاجو- وتنميط العربي المسلم
- !!زواج من أجل الطلاق
- فورا بوش، جرينجو بوش


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صالح سليمان عبدالعظيم - آليات العزل وحكايات الكلب الأجرب!!