|
الجوع يَحْكُم العالَم!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2243 - 2008 / 4 / 6 - 11:10
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الجوع هو وحش العولمة (الاقتصادية) الذي يفترس فقراء العالم، أي غالبية البشر، فهل مِنْ قِلَّة أم مِنْ كثرة في الغذاء شرع العالم يجوع؟ اليوم، حيث الرأسمالية، بنظامها الاقتصادي "المُعَوْلَم"، حرَّةٌ طليقة، لا رادع يردعها، ولا قوَّة مضادة تُوازِنها، فـ "تُؤنْسن" ما تيسَّر من "وحشيتها"، تُظْهِر لنا الرأسمالية تناقضها المنافي للعقل في وضوحه الأقصى، فَمِنْ فيض في الغذاء، يُنْتَج، ويُعاد إنتاج، الجوع الجماعي ـ العالمي، وكأنَّ العالم لا يُنْتِجُ من الغذاء ما يكفي لتلبية حاجة البشر كافَّة إليه إلاَّ ليجوع أكثر!
ويمكن تشبيه هذا العالم لجهة منافاته للعقل بمستودع من المواد الغذائية يكفي لتلبية حاجة 100 إنسان مثلاً إلى الطعام؛ ولكن الجزء الأكبر من هؤلاء ليس لهم من "حقٍّ قانوني" في الحصول على أيِّ غذاء من هذا المستودع؛ لأنْ ليس في أيديهم "أوراق نقدية" تَرْمُز إلى هذا "الحق"، أو أنَّ لديهم منها ما يسمح لهم بالحصول على سيئ النوعية من هذا الغذاء، وفي مقدار لا يُلبِّي حاجتهم إلى الطعام.
الإحساس (البشري) بالجوع هو، في معنى ما، أصل الحضارة، فهذا الإحساس هو الأقوى بين أحاسيس الإنسان لجهة دفعه إلى العمل، والتعلُّم، والإبداع. إنَّ خشية الإنسان (بوصفه جزءاً لا يتجزأ من جماعة بشرية) من الجوع وعواقبه المختلفة، ومن الموت جوعاً، هي ما حملته، وتحمله، على العمل، والتعلُّم، والإبداع.
على أنَّ البشر اليوم، حيث الرأسمالية المنفلتة، بـ "وحشيتها الجينية"، من عقالها هي التي تُمْسِك بقبضة من فلاذ (تُلْبِسها قُفازاً ناعماً من حرير هو "الديمقراطية") بخِناق العالم، انْتُزِعَت من أياديهم كل الوسائل التي بها يمكنهم "إنتاج شبعهم"، وفُرِض عليهم، بالتالي، أن يَسْتَنْفِدوا جُلَّ وقتهم وجهدهم في البحث عن "الرغيف"، وأشباهه، فشرعت "شمس الحضارة" تَغْرُب عن غالبية البشر، فكيف للحضارة أن تشقُّ لها طريقاً إلى حياة هؤلاء إذا ما انتفى من يومهم "وقت الفراغ"، الذي بوجوده واتِّساعه، تَحْضُر الحضارة، وإذا ما أصبح الجهاد اليومي، وعلى مدار الساعة، في سبيل الحصول على "الرغيف" هو الذي يستبدُّ بهم، تفكيراً وشعوراً وعملاً؟!
فئة ضئيلة من "الوحوش البشرية"، مع مَنْ دجَّنتهم من الفقراء لخدمتها خِدْمَة العبد لسيِّده، هي التي تملك كل شيء، وتسيطر على كل شيء؛ وليس من إله تَعْبُد، حقَّاً، سوى "الربح"، مقداراً ومعدَّلاً، ومهما كانت الوسيلة إليه!
إنَّ مزيداً من "الفوائض الغذائية" يَظْهَر في عالمنا اليوم مع كل نجاح تُحْرِزه خُطَط "تنمية الفقر والفقراء"، فهل أحاطوا ضحاياهم عِلْماً بمصير تلك "الفوائض"؟!
إنَّهم يستخدمونها ليس لدرء خطر الجوع عن الفقراء، وإنَّما لدرء خطر الرخص عن أسعار المواد الغذائية. هُمْ يفضِّلون رميها في البحر على أن تتسبَّب في خفض أسعار الغذاء!
الأراضي الزراعية تُزْرَع بما يُطْعِم البشر إلى أن.. إلى أن يأمرهم "الربح" بغير ذلك؛ ولقد أمرهم الآن باستخدامها في "زراعة" الوقود، فشرعوا يمتثلون لأمره، ولو كانت العاقبة استفحال الجوع الجماعي ـ العالمي.
وعندنا تُزْرَع الأرض بما يُطْعِم غيرنا، فالحبوب والخضار والفاكهة تَكْثُر في مزارعنا لِتَقِلَّ وتتضاءل في أسواقنا، فليس بذي أهمية أن ترتفع بها أسعارها إلى ما فوق السحاب في سمائنا ما دامت تأتي إلى المتِّجرين بها في الأسواق الخارجية بمزيدٍ من "الورقة الخضراء" التي تزداد اصفراراً!
و"الدولة" تخشى أن تُتَّهم بـ "الرِّدة" عن "ديانة السوق الحرَّة (التي ليست بحرَّة إلاَّ في الأوهام التي يتوفَّرون على نشرها)" إذا ما آمنت بأن للمواطن حقَّاً في أن يأكل مِمَّا يُزْرَع في أرض الوطن، وإذا ما عملت، بالتالي، بما يُظْهِر ويؤكِّد هذا الإيمان.
في أسواقنا، كل الأسعار "عالمية".. إلاَّ بضاعة واحدة فحسب سعرها أردني صرف هي "قوَّة العمل"، فَلِمَ هذا الإصرار على أن تشذ هذه البضاعة عن القاعدة؟! وكيف لمالك هذا البضاعة أن يصمد في وجه مالكي البضائع (أي كل البضائع) ذات الأسعار العالمية؟!
إنَّه قانون "العولمة المتناقضة للأسعار"، فتلك العولمة لغلاء أسعار كل البضائع إنَّما هي من هذه العولمة لرخص سعر بضاعة "قوَّة العمل"!
وإنِّي لأرى "الغلاء"، واستفحاله، سبباً كامناً حتى في استفحال ظاهرة "الإرهاب المروري"، أي تزايد حوادث السير عندنا، فسيكولوجيا "السائق الاستشهادي" إنَّما تضرب جذورها عميقاً في استشراء الغلاء.
إنَّ شيئاً من "الأرْدَنَة الاقتصادية" يمكن أن يقينا شرَّ بعض "العولمة الاقتصادية"، فَلِمَ لا تتوفَّر "الدولة" على "أرْدَنَة الاستهلاك لمنتجاتنا الزراعية (والغذائية)"، فنَكُفُّ عن نهج "نَزْرَع ليأكلون"، ونأخذ بنهج "نَزْرَع لنأكل"؟!
أليس في هذا "مصلحة عامة"؟! و"الدولة"، أليست هي، بحسب "الفرضية الدستورية"، "مُمثِّل المصلحة العامة"؟!
نحن لسنا ضد شَحْن "خزينة الدولة" بمزيدٍ من "الورقة الخضراء"؛ ولكن ليس من خلال منع منتجاتنا الزراعية من أن تَصُبَّ في أسواقنا، وجَعْلِنا، بالتالي، كمُنْتِج حرامٌ عليه أن يَسْتَهْلِك ما يُنْتِج!
يُقال "الغذاء لا الدواء"؛ وأقول "الغذاء لا الدولار"، فنحن يمكن أن نشبع بما نُنْتِج من غذاء؛ أمَّا هُمْ فكلَّما كَنَزوا مزيداً من "الورقة الخضراء" تضوَّروا جوعاً إليها، فجوعنا يَشْبَع، وجوعهم لا يَشْبَع!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أهو حلٌّ قيد الطبخ؟!
-
-نجاح- لم يُبْقِ من معنى ل -الفشل-!
-
أذِلُّوهم بتجاهلهم!
-
قمة بدأت أعمالها بعد إعلان نتائجها!
-
القمة العربية الفضلى هي التي لم تُعْقَد بعد!
-
إسرائيل في دستورها المقترَح!
-
نَقْصُ -الجدل- أفْسَدَ كثيراً من التصوُّرات الكوزمولوجية!
-
ال -B.B.C- تقود الحملة من أجل -حرِّية العبادة-!
-
-البنوك الإسلامية-.. مصلحة رأسمالية في -أسْلَمَة- الرِبا!
-
-داركولا- النفط العراقي!
-
الدولار يغزو رواتبنا!
-
لن -تُسْحَب-!
-
ألمانيا مهدَّدة بما يتهدَّد إسرائيل!
-
تخلُّف -السؤال-!
-
ظاهرة -تمدُّد الكون-.. في تفسير افتراضي آخر!
-
عمرو موسى يستأنف التشاؤم!
-
-التجارة- و-السياسة-.. عربياً!
-
الطريق إلى تحرير -القطاع-!
-
-التهدئة- التي تريدها إسرائيل!
-
عملية القدس الغربية.. سؤال ينتظر إجابة!
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|