|
آثارنا القبطية في أيدي اللصوص
عماد سمير أرمانيوس
الحوار المتمدن-العدد: 2241 - 2008 / 4 / 4 - 02:54
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
فصل جديد من الملف القبطي لتكتمل الحلقات الدرامية ضد الأقباط؛ هذه المرة الحلقة يدور فلكها في شأن آثار تاريخ أمتنا القبطية العريقة. جدير بالذكر أن الآثار هي الدلائل الدامغة على حضارة أي شعب، وموطنه، وإسهاماته في التحضر الإنساني، وما آل إليه، والتغيرات التي ألمت به وعلى الأخص التغيرات الديموغرافية في الحالة القبطية.
بدأت أديرتنا رائدة في السلك الرهباني منذ القرن الرابع مرورا بحقب التاريخ المتتالية إلى زمننا هذا، ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين كانت أيضا رائدة في مجال استصلاح الصحراء بكفاءة أغرت نتائجها أجهزة الدولة لتقوم بإنشاء هيئات ووزارات لذات الشأن، وما كان من هذه الأجهزة سوى أن تبدأ مشروعاتها متجاورة للأديرة، وما كان ذلك إلا تسلل مستكين كيما لا تعود الصحراء متاحة كما كانت للرهبان، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوز الأمر حتى أصبح ما يشبه التقنين للتجاوزات وسرقة الآثار والتعدي على تاريخ أمتنا، فما أصبح اللون الأخضر إلا صورة باهتة لمحاولة تزيين الوجه القبيح للسلوك العدواني الذي لم يسلم منه حتى ما تركه لنا أجدادنا من ميراث.
المتابع لملف الآثار القبطية يلحظ التعنت والإصرار من قبل المؤسسات الحكومية ضد آثارنا القبطية، فهذه قضية الكنيسة المعلقة لم يغلق ملفها الطويل بعد؛ وإذ بتعديات صارخة بمنطقة وادي النطرون وبالتحديد الوادي الذي يحيط بدير القديس أنبا مقار مهد الحياة الرهبانية التي نشأت في القرن الرابع ببرية شيهيت.
هذه الآراضي أثرية وممنوع استثمارها، وقد صدر قرارين بهذا من قبل رئيس مجلس الوزراء الأول منها صدر عام 1984م، وقرارين آخرين – للزينة فقط- من اللجنة العليا للآثار بإزالة تعديات المزارعين، وتقرير من عالم أثري يدعى Karel Innemée يفيد أن هناك آثارا بهذه المنطقة يرجع تاريخها ما بين القرنين الرابع والثامن.
تبلغ المساحة المعرضة للتعديات 900 فدان، ومن الطرائف أن أركنت إحدى اللجان الأثرية حراسة هذه المنطقة بأكملها للدير وفرت الأجهزة المعنية عدد (واحد خفير) للقيام بهذه المهمة..!!! علما بأن الدير قد تقدَّم بطلب لشراء هذه المساحات من نفس الهيئة وأجابت بأنه يتعذِّر التصرف في هذه الأرض لأنها أثرية، في نفس الوقت الذي وافقت فيه الهيئة للمجلس الأعلى للآثار بعمل حفائر وجسات في مساحة 1800 فدانا من الأرض الأثرية لحساب السيد محمود عمارة تمهيدا لتخصيصها له، مما يكشف التضارب في المعاملة وحرمان الدير من حقه في شراء الأرض الملاصقة له والتي تحت حيازته ورعايته باعتبارها من أراضي الآثار.
صدر قرار فكاهي من قبل اللجنة العليا للآثار بالتراجع عن قراريها السابقين بإزالة التعديات، وهنا لنا العديد من الأسئلة لتلك اللجنة؛ أي القرارين هو الصواب؟ هل اختفت المساحات وضاقت الصحراء حتى لم يتبق سوى تلك البقعة لاستثمارها؟! أم أن هناك سببا في نفس يعقوب؟
أغرب ما في القصة، أن الدير هو الجهة التي تسعى لحماية آثار المنطقة حتى تقدم بطلب للحصول على موافقة الجهات التي لا تعير الأمر اهتماما للقيام بإقامة سور على نفقة الدير - وليس الدولة- لحماية المنطقة المتبقية من السرقات التي يشاهد أثرها كل صباح من تنقيب وخلافه.
الإعاقات التي تقف في وجه العمل على حماية آثار المنطقة توحي بأن الجهات المعنية لها مصالح أخرى في عدم حماية المنطقة؛ وإلا ليفيدنا أحد إفادة مدموغة بالأدلة على سبب هذا التباطؤ بل والتواطؤ..!!
** الملف القبطي يتضخم، ففي كافة المناحي توجد تعديات، حتى طالت التعديات الأديرة بما تمثله من قيمة تاريخية وروحية للأقباط بدءا بقضية دير الأنبا أنطونيوس ودير القديس يوحنا الحبيب ببطمس ودير العذراء بجبل الطير ودير القديس أبو فانا، (والتعديات محصورة ما بين محاولة هدم سور وإعاقة إقامة سور وتسهيل سرقة الآثار) وعلى التوازي مع هذه الاعتداءات هناك التعديات على الآثار القبطية. (من يبيع تاريخه يبيع حاضره ومستقبله). فالأحداث ليست عشوائية بل هناك علاقة بينها تتركز على المجتمع المسيحي أينما وجد، ولا تتوقف عند الهدم والقتل والتدمير والنهب والسرقة فيما يخص الزمن الحاضر بل تمتد إلى الزمن الماضي حيث التاريخ والحضارة القبطية، فالدولة تسعى لأسلمة المجتمع في مظاهره الحياتية الآنية وتتجاهل الحقبة التاريخية القبطية في كل المراحل التعليمية لتغييبها عن الذهن المصري وتسعى لمحو الدلائل الأثرية القبطية التي تشهد على الوجود التاريخي للمسيحية في مصر، فالأمر أمده أبعد من ظاهره، ويبدو تسلط الفكر الوهابي لجعل مصر مكية – ليس بها إلا كل ما هو مسلم - لا يكن عن العمل الدءوب لتحقيق مأربه، كما يتضح أن له مخطط شيطاني ولا يعمل ارتجاليا، الأمر الذي تصنفه مواثيق الأمم المتحدة كجرائم ضد الإنسانية. نحن نحذر من مغبة تفشي هذه الأعمال وإلا سيتحول المجتمع المصري برمته ما بين معتد ومعتدى عليه مما يصب في مصلحة الطامعين ذو المصالح في تدمير مصرنا.
#عماد_سمير_أرمانيوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إجابة الحاجة، أم إيجاد الحاجة؟
-
ال مبارك أم الإخوان
-
الطائفية.. ثقافة الجحيم
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|