دياري صالح مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 2241 - 2008 / 4 / 4 - 02:54
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
(( متشددون من عوالم غامضة يسيئون إلى الرموزالاسلامية يقابله متشددون من عوالم أكثر
غموضا تسيء هي الأخرى إلى رموز المسيحية والمستفيد من ؟ )).
لقد تصاعدت خلال الأيام الماضية في العديد من الدول الإسلامية ردود الفعل المنددة بإعادة نشر الصور المشينة التي نشرتها إحدى الصحف الدنماركية بتأريخ 30-9-2005 وتحت عنوان ((وجوه محمد)) .التي حاول فيها كاتب المقال المدعو فليتك غوسه الذي يعمل اختصاصيا في القسم الثقافي في الصحيفة التي نشرت هذا المقال, أن يبرز عضلاته كأحد المثقفين الجريئين في البلاد إذ انه يؤكد رفض العديد من فناني الدنمارك وأوربا القيام بالأعمال المسرحية والفنية ومنها الرسوم الكاريكاتورية التي تسيء إلى الإسلام ورموزه المهمة ذات القدسية العالية في نفوس المسلمين, ويعلل أن السبب وراء ذلك يعود إلى تخوف هؤلاء من انتقام المسلمين, وهذا الأمر بحسب وجهة نظره يتنافى مع قيم الديمقراطية لان مثل هذا الرفض يعني في حقيقته رفضا للتطور المدني وعدم التطابق مع حرية الرأي, لذلك يؤكد بان الصحيفة عندما اختارت 40 فنانا لوضع الرسوم الكاريكاتورية تلك رفض أغلبيتهم مثل هذا الأمر في حين وافق 12 فنان فقط عليه, وقد ترافق مع ذلك نشر الفلم الهولندي(( فتنة)) الذي يصب في الاتجاه نفسه . نشير بالمقابل في التفافة سريعة إلى مواقع العديد من الصحف والمواقع الالكترونية ذات التوجهات العلمانية اليسارية والمدنية التي تضع ضمن توجهاتها في الكتابة ما يضمن احترام الأديان ورموزها وعدم الإساءة إليها بأي شكل من الأشكال.
نتساءل هنا هل كان صدور وإعادة نشر مثل هذه المقالة مجددا هو مجرد صدفة؟ خاصة وان تلك الرسوم الكاريكاتورية التي تضمنتها قد نشرت في حينها حتى في بعض الصحف العربية. وهل ستتوقف مثل هذه الأعمال المشينة مستقبلا في إطار ردود الفعل التي برزت في عدد غير قليل من دول العالم؟ وما علاقة كل ذلك بصراع الحضارات؟
للإجابة عن هذه الأسئلة التي طرحت في أعلاه لابد من التأكيد على إن التوقيت لم يكن اعتباطيا بل جاء في إطار الأحداث التي تقود إلى تحقيق خطوات تطبيقية لمفهوم صراع الحضارات الذي تم طرحه بشكله الأكثر بغضا في تسعينيات القرن الماضي وذلك عبر المقال الذي نشره الباحث صموئيل هنتكتون في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان (( صراع الحضارات)) في عددها 3 لعام 1993. حيث يؤكد ما يلــي
(( إن المصدر الأساسي للصراع في العالم سوف لن يكون إيديولوجيا أو اقتصاديا بل إن العنصر الثقافي هو الذي سيكون العنصر الرئيس للصراع, فالدول ستبقى الفواعل الأكثر قوة في الشؤون الدولية, إلا أن الصراعات سوف تحصل بين الأمم والمجموعات المختلفة في حضاراتها وبذلك فان الصراع مابين الحضارات سوف يهيمن على السياسة الدولية)). وهو لأجل ذلك يضع توصيفا جغرافيا لأهم الحضارات العالمية في الوقت الحاضر والتي أشار فيها إلى الحضارات التالية الغربية,الكنفشيوسية, اليابانية, الإسلامية, الهندوسية,السلافية, الارثدوكسية, والأمريكية اللاتينية الأفريقية أيضا.
وهو كغيره من المفكرين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة الأمريكية يحاول صياغة الإطار النظري لتطبيق الفكر الجيوبولتيكي بأسلوبه النازي عبر إيجاد المبرر للتوسع على حساب الآخرين, لذا فانه يحذر حكومته من أن الحضارة الإسلامية بشكل خاص لديها مقومات النهوض ومواجهة وتحدي النموذج الغربي الذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى فرضه على العالم بالقوة. ويأتي هذا الرأي في إطار فكرة توظيف العدو في العلاقات الدولية ليحل الإسلام بديلا للشيوعية لاستخدامه عدوا تبرر من خلاله أمريكا توجهاتها الحالية بحجة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان وإظهار الإسلام بمظهر دموي عنيف تحاول من خلاله إعطاء تصور للشعوب المسيحية عن مدى مصداقية الرأي الذي ذهب إليه هانتكتون. والذي أثار في حينه ردود فعل متعددة لكونه كان أصلا يعد ضمن فريق الإدارة الأمريكية المتشددة التي يقودها جورج دبليو بوش الذي لم يكن بعد قد وصل إلى السلطة في ذلك الحين, لذا افترض البعض ان وصول إدارة الرئيس بوش وفريق المتشددين الذين يعملون معه سيعني بشكل أو بآخر محاولة لتطبيق وجهة نظر هانتكتون التي نظر إليها على أنها تعبر عن وجهة نظر حزبية لا شخصية, وهذا ما حدث بالفعل, خاصة بعد أحداث 11 أيلول التي صورتها أمريكا على أنها حربا حضارية عبر توظيفها الإعلامي لتلك الأحداث بطريقة تسيطر بها على ذهنية الفرد غير المسلم زارعة فيه فكرة الإرهاب الإسلامي. حيث يؤكد الباحث الأمريكي وليام هول في مقاله النشور في مجلة الشؤون الخارجية العدد 9 لعام 2007 على هذا الأمر بالكلمات التالية(( إن تأثير الكونغرس الأمريكي على وسائل الأعلام يمتد إلى تشكيل الرأي العام , فقد اظهر تحليل لمحطات الإذاعة المحلية وكذلك مسوحات الرأي العام وجود علاقة قوية مابين التغطية الإعلامية والرأي العام فيما يتعلق بالحروب )).
إن الأمر الأكثر إثارة للمخاوف في الوقت الحاضر يتمثل في إمكانية استمرار وتصاعد حدة مثل هذا الاتجاه في الإدارة الأمريكية المقبلة التي إذا ما سيطر عليها الجمهوريون واستمر دور المحافظين الجدد فيها بشكل كبير فان الأمور في طريقها إلى استمرار افتعال الأزمات وتوظيفها إعلاميا لمزيد من الغزوات الأمريكية. وهي اللغة التي يركز عليها مثلا رودولف جيولياني في مقاله(( نحو سلام حقيقي)) حيث يقول إن إدارة بلاده القادمة ستواجه ثلاث تحديات رئيسية أهمها على صعيد السياسة الخارجية يتمثل بصياغة إطار زمني لتحقيق النصر في الحرب على الإرهاب. ويشير في مكان آخر من مقاله هذا المنشور في مجلة الشؤون الخارجية 2007 إلى (( إن جيل 11 أيلول قد تعلم من تاريخ القرن الحادي والعشرون أن على الاميركان أن لا يديروا أنظارهم عن السحب التي تتجمع في السماء)).
وإذا ما عدنا إلى المقالة التي نشرتها وإعادة نشرها الصحف الدنماركية لوجدنا أنها تصب في هذا الاتجاه أي صراع الحضارات,وذلك عبر محاولة استفزاز مشاعر المسلمين لأنها أدركت قبل ذلك طبيعة ردود الفعل التي هي في الأساس كانت تنتظرها,فماذا رأينا في حينها عندما صدرت المقالة من تلك الردود غير أعمال عنف وحرق للسفارات الدنماركية في عدد من البلدان , وبذا وظفت هذه الردود من قبل الطرف الآخر لصالحها عبر التأكيد على عدوانية الرد الإسلامي من جهة والى محاولتها تحويل الصراع من صراع مابين الشعوب في المنطقة الإسلامية مع بعض الحكومات الغربية والأمريكية التي تدعي جزافا تمثيلها للعالم المسيحي, إلى صراع ما بين الشعوب في تلك المنطقة والشعوب المسيحية, لذا لا يستبعد المرء مستقبلا مزيدا من الإساءات وربما أعمال التفجير المخطط لها أمريكيا والمنفذة بأيدي تنسب إلى العالم الإسلامي لتحقيق هذا الهدف .
وإذا ما عدنا إلى الإشارة الثانية التي أوردناها في البداية حول المقال لوجدنا أن هنالك فئة غير قليلة من مثقفي الغرب تقف بالضد من مثل هذه التوجهات وتشعر بالخجل منها وكيف لا ونحن إن بحثنا في ثنايا المجتمعات الغربية لوجدنا أن هنالك أعدادا غفيرة هبت لمناصرة العديد من القضايا التي تخص أبناء العالم الإسلامي وهو ما يستحق منا وقفة تأمل طويلة حيال مثل هذا الأمر.
ما الحل؟. في نهاية هذا المقال أود أن أؤكد على بعض النقاط التي يمكن اعتبارها حلولا أولية للخروج من مأزق الفتنة بين الحضارات والأديان التي تسعى إليها بعض الدوائر المهيمنة في أمريكا ومن هذه الحلول :
1- ضرورة إعادة إحياء وتجديد الهوية الفكرية للحضارة الإسلامية عبر تكوين إدراك موحد لهذه الهوية وبما يتوافق مع تطورات العصر وتحدياته دون اللجوء إلى إقصاء أي طرف في العالم الإسلامي سواء أكان الأمر يتعلق باللبراليين أو حتى بالعلمانيين من اجل العمل على بث روح التسامح والنقد البناء بين أفراد المجتمع.
2- ضرورة أن تعمل منظمة المؤتمر الإسلامي على تقريب وجهات النظر بين مذاهب ومدارس الحضارة الإسلامية عبر وسائل ثقافية متنوعة, ومن ثم الانفتاح على الآخر أيضا بما يتوافق وروح العصر, فنرى على سبيل المثال أن المحطات الفضائية الغربية متعددة ومتنوعة وهي تروج لثقافاتها وقيمها الحضارية, فلماذا لا تقوم منظمة المؤتمر الإسلامي بإنشاء قناة فضائية ناطقة بالانكليزية للوصول المباشر إلى فكر المواطن الغربي من اجل إبراز صورة حضارية مشرقة عن حقيقة الدين الإسلامي وجوهره الداعي إلى العدالة الاجتماعية بدلا من أن تعمل قنوات أخرى على ترسيخ فكرة الإرهاب الإسلامي.
3- أن تعمل الشعوب الإسلامية على الابتعاد عن طريقة الرد العاطفي المبالغ فيه إزاء الأحداث التي يفتعلها الغرب بهدف توفير الغطاء الشرعي لمخططاته المستقبلية وعلينا بدلا من ذلك التصرف بحكمة اكبر من خلال لغة العقل والمنطق.
4- ضرورة أن تتقدم منظمة المؤتمر الإسلامي باقتراح إلى الأمم المتحدة تدعو فيه إلى ضرورة الالتزام من كل الدول بعدم الإساءة إلى الأديان والى رموزها لما فيه من أخطار تتهدد شعوب الحضارات المختلفة. وقد جاء رد البابا بنديكت السادس عشر في هذا الإطار متماشيا مع هذه الدعوة إذ أكد على الآتي (( انه يتعين احترام الأديان وتجنب الإساءة إلى مشاعر المؤمنين , وقال أيضا في الفاتيكان إن من الضروري احترام الشخصيات الدينية من اجل تشجيع التعايش السلمي والتفاهم بين كافة الشعوب)).
5- من الملاحظ أن أوربا بشكل عام ترتبط بعلاقات يصح لنا أن نصفها في الوقت الحاضر بأنها علاقات جيدة حيث يوجد اكبر عدد من أبناء الجالية الإسلامية هناك في دولها. وهذه نقطة مهمة جدا خاصة وان الأخيرة لم تشهد هجمات من ذلك النوع الذي شهدته أمريكا وبالتالي فان نسبة التعاطف المسيحي في أوروبا مع قضايا العالم الإسلامي هي غير قليلة , لذا تأتي المحاولات اليوم لخلق هوة كبيرة بين أوربا والعالم الإسلامي أولا وبين الجاليات الإسلامية والمجتمعات التي احتضنتها في أوربا وربما يتعزز هذا السلوك كما ذكرنا في إطار عملية مخطط لها بدهاء لتحدث في أراضي الدول الأوربية لتصعيد حدة الصراع هناك وتحويل أوربا إلى ارض لأفكار الصراع الحضاري ذي الصبغة الأمريكية, لذا علينا أن نقيم كدول,أفراد, جماعات وبالذات المثقفين سواء اكانو اسلامين أم غير اسلامين نوعا من الجسور الثقافية والاقتصادية المتينة لتفويت فرصة الصراع الحضاري التي يتغنى بها المتطرفون من كل الاتجاهات.
#دياري_صالح_مجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟