|
الشخصية في تحول .. قراءة في عمرة الدار ل .. هويدا صالح
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2239 - 2008 / 4 / 2 - 10:52
المحور:
الادب والفن
تقوم رواية " عمرة الدار " للأديبة هويدا صالح – هيئة قصور الثقافة 2007 – على رصد الساردة للحظة تحول الشخصية ، إلى النموذج الروحي المتخيل ، و الكامن في اللاوعي . هذا النموذج ينتشر ، و يتكرر في النص كمكون إبداعي لنشوء الشخصية في العالم ، و التاريخ ، و النص معا . إن عوالم الجن ، و أرواح الأولياء و كراماتهم ، و حتمية تعاقب الظوهر في السحر تندمج في فانتازيا النص ، و تصير سياقا افتراضيا تتحقق فيه قوة الفرد المتمردة على واقعه الأول دون انفصال بين العالمين ، فساردة هويدا صالح لا تتمرد على الموروث الروحي الكامن في اللاوعي الجمعي للشخصيات ، و إنما تعيد قراءته وفقا لإمكاناته الإبداعية الخفية ؛ ففيه قوة الطاقة النصية حاضرة ضمن الحدث الواقعي المستعاد ، و كأن الطيف قد تجرد من حتميات الإحلال في نطاقه الثقافي ، و انطلق في النص ، ليحل في الشخصيات ، و يساعدها على اكتمال التحول باتجاه الذات الممتدة المتجاوزة للأنا الواقعي . تكتشف الساردة وعي الشخصيات عن طريق تنوع التبئير الداخلي ، لتعاين بكارة أحلامهم بقوة المعرفة الروحية ، و تجسدها الأدائي ، و كأنها توحدت بالطيف الفانتازي المؤول لقصص الموروث ، و المتمرد على حتميتها ، و آليتها . إنها تقاوم وعي الشخص بذاته الثقافية المحدودة لتدخله في حالة النشوة ، و الغياب الروحي . هذا الغياب المجرد يجمع دلالات الفرح بالجسد كمدلول أنثوي ، و قداسة الأم ، و أحلام الخصوبة ، و مخاوف القوى الروحية الشريرة ، و معايشة الأولياء ، أو إكمال مسيرتهم . و لكن من خلال استعادة قوة الدافع الأول لولوج المتخيل المتجاوز للشخصي كبديل عن تقديس الشخص المتعين / التاريخي ، فطيفه النصي يحرر الأخيلة ، و الأساطير ، و الحكايات المتواترة عنه . يرى كارل يونج أن حدس الخلود ينشأ من الذات الدائرية الممتدة في الزمان ، و المكان ، و مصدرها الخافية المتجاوزة للآنية ، و المقابلة للواعية ، و من احتوائها للأخيرة يتشكل الكائن ( راجع – كارل يونج – رمزية التحول – ترجمة نهاد خياطة ) . تبحث شخصيات هويدا صالح عن هذه القوة المتخيلة الممتدة من خلال حلولها الآني المتجدد المتجاوز للماضي من خلال آثاره . قد تدل الأرواح غير المحددة التي تحل في الأشياء ، و العناصر الكونية ، و الأماكن و الشخصيات على تقديس خفي للذات الأخرى التي لم تحقق اكتمالها في الشخصية ، و من ثم يغلب عليها الصراخ ، و الخوف ، و نسج أخيلة القوة المدمرة الكامنة في الذات الأخرى الغريبة ، و هنا يتمسك الفرد بوجوده التاريخي ، لكنه يطمح أن يملك قوة الذات التي لا يعرفها . إنه يتمرد على تكوينه و وضعه الثقافي في المجتمع من خلال هذه الغرابة التي تتمتع بقوة حتمية لا تقبل الجدل ؛ فالجدة تخاطب عمرة الدار ، و أولادها في الفرن ، بصورة يقينية تنقل القوة المتخيلة إلى شخصية الجدة نفسها كسر لا يمكن اختراق رمزيته ، و تحل روح رجل قوي اسمه الشيخ محمد في شخصية تحية ؛ إذ يتجلى فيها الانفصام ، و تنازع الوعي ، و اللاوعي في الصراخ ، و الغضب ، لكن لا وعي تحية يتجه أيضا لامتلاك قوة المعرفة التي تنتقل إليها من النموذج الذي يسحق جانب التهميش الأحادي فيها ، و هو الشيخ محمد الذي يوحي إليها ببعض النبوءات مثل إخبارها لعنتر زوجها بأن ما في بطن صباح زوجة عمر أنثى ، و تصدق الساردة نبوءة الشيخ لتؤكد قوة تحية الأخرى ، ففي داخل الساردة رغبة في إنجاز التحول . لقد تحولت حتمية القوة الغريبة إلى نوع من التحرر ، و قبول الذات الروحية الممتدة بتناقضاتها النصية ، و التاريخية ، و الثقافية . يبدو هذا واضحا في شخصية عبد الرحيم ، فقد حكت فاطمة أن الجنية دخلته حين ضرب قطة سوداء بقدمه ، فكان ذاهلا أغلب الوقت ، و لا يعلم أحد أين يذهب . و لكننا نراه عقب موت الحاج صالح يتحدث بصوت الأخير ، و يرى نورا أسفل قاعة الشيخ على المقدسة ، و تأتي الساردة برمز الخضر الذي يؤكد كارل يونج على تجاوزه للزمنية في اللاوعي الجمعي ؛ لتؤكد الساردة تفوق النفس المتخيلة في دائريتها ، و تناوبها في وعي و لا وعي الشخصيات بصورة محررة من آليات الماضي ، فكل من تحية و الجدة ، و عبد الرحيم قد تطهر من أزمة الصراع مع القوة الغريبة المدمرة ، باتجاه التحقق المتخيل ، فجسد الجدة أكثر نضارة عقب الموت ، و صالح يحل في عبد الرحيم ، و تحية تملك معرفة سرية . يرى جيمس فريزر أن روح الملك المقدسة قد تهاجر في ورثته ، و عموما فهي تتجسد في الآخر ، فكان البعض يحتشدون حول المحتضر للإمساك بروحه ، أو يسعون لامتلاك بعض لوازمه مثل خصلة شعر ، أو سن تمساح ( راجع – جيمس فريزر – The Golden Bough ) . هكذا يلتبس صوت عبد الرحيم ، بأبيه الحامل لقداسة الشيخ على ، و غيره من الأصوات التي اكتسبت الامتداد الملكي الطيفي المحرر من الحدود الواقعية . إننا لم نعرف عبد الرحيم إلا من خلال عمليات الحلول الأقرب إلى اللعب ، و الاستبدال و التحول باتجاه قوة غير شخصية تمحو وجوده الشخصي قبل أن يبدأ . و في مسار شخصية النضر تختلط دلالات التحول ، بقضايا النسوية ، في وعي الساردة ؛ لتؤكد جانب التأمل في المرأة ، و تكسبها قداسة المتخيل كمدلول مضاد للصراعات المولدة عن وضعها الهامشي ، لقد أتي الطيف للنضر البعيد عن هذه العوالم المتخيلة ، في صوت قوي يقول له : إلى متى ؟ فتحول سياقه الواقعي إلى أضواء سماوية تختلط بأصوات ذكر ، و ملائكة بأجنحة خضراء ، ثم يحل طيف الشيخ على مشكلته مع فايزة عقب هجره لها و زواجه من زبيدة ، عن طريق تجسد الشيخ في كيس نقود يرسله صالح لفايزة ، عقب هذا التجسد لم تقع عين النضر على زبيدة . لقد انقلب تاريخ النضر عن طريق فاعلية الطيف النصي / الشيخ ، أو الصوت . هذه الفاعلية التي صارت تاريخية أدائية ، صارت سياقا كاملا ، و ليست لحظة تحول مفاجئة . و يعكس هذا اقتران التفوق الكامل للطيف المحرر بتجاوز الأزمة النسائية في النص . النضر هنا لم يكن شخصا ، و إنما جزءا من الطاقة التأملية الأنثوية الكونية غير المحددة ، و قد استبدلت تاريخه الذكري برمته . و تبدو طاقة التأمل كصورة ممتدة في الوعي النسائي في شخصية الصغيرة سلوى التي تسللت عقب نوم الجدة إلى قاعة الشيخ على ، فرأت الحجرة يملؤها ضوء أبيض ، و يتمايل الذاكرون فيها . و ظلت الصورة تلح عليها ، لا كحقيقة واقعية ، أو روحية حتمية ، لكنها مصدر للتحول يتجاوز فيه الضوء حدود الحجرة ، أو تاريخ سلوى الإنساني ، و إدراكها للعالم ، في اتجاه ذاتها المتخيلة . إن لحظة التحول المتكررة في عمرة الدار لهويدا صالح هي لحظة نشوء الشخصية في النص و التاريخ ، و هي لحظة غيابها أيضا في الحلم النوراني ، و الكوني ، و الجسدي المناهض لتجسدها المحدود . محمد سمير عبد السلام – مصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العابرون ، و تبدل حالات الوعي
-
وعي طيفي مثل وهج الموت .. قراءة في عادات سيئة ل جمانة حداد
-
براءة الجسد ، و مخاوفه .. قراءة في كوب شاي بالحليب ل محمد جب
...
-
ظلال تتجاوز صمت الأشياء .. قراءة في سوف تحيا من بعدي لبسام ح
...
-
خوف الكتابة
-
التكوين الحدسي للمكان .. قراءة في قصص دوريس ليسنج
-
ما بعد الحداثة في ديوان شطح الغياب للشاعر مهدى بندق
-
القصيدة في نشوء آخر .. قراءة في شطح الغياب لمهدي بندق
-
تجاوز ما بعد الحداثية ، أو التفاعل المفتوح بين المحلي و العا
...
-
الزمن الآخر للظل .. قراءة في مهمل لعلاء عبد الهادي
-
أحلام الجسد البهيجة .. قراءة في مأوى الروح لمحمد عبد السلام
...
-
إعادة إبداع الإنسانية
-
عبث ما بعد الحرب ... قراءة في رواية بلا دماء
-
طيف الأنوثة المستعادة .. قراءة في هيكل الزهر ل فاطمة ناعوت
-
دالي .. حلم النص و أسطورة الفوتوغرافيا
-
جماليات الاختفاء عند مكسويل كوتزي
-
لذة الكشف في رواية نوافذ النوافذ ل..جمال الغيطاني
-
الحكي كإبداع للوعي .. قراءة في ما لا نراه ل محمد جبريل
-
معرفة كونفوشيوس
-
توهج النهايات عند صمويل بيكيت
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|