سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2238 - 2008 / 4 / 1 - 10:49
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
في زحمة الأحداث وزخم الخلافات العربية العربية, استبشر شعبنا خيرا بالمبادرة اليمنية المباركة, كغريق يستغيث بطوق نجاة , وسط حالة من السلبية والصمت العربي, وان كانت هناك محاولات سابقة للحوار الفلسطيني الفلسطيني, فإنها وئدت في مهدها, بسبب انسجامها مع حالة الخلافات العربية العربية, وافتقرت إلى آليات الضغط الحميد, بسبب افتقار الوضع العربي إلى حالة الوفاق والإجماع, وللعلم لمن لايعلم, القضية الفلسطينية والتي هي محور وجوهر الصراع العربي_الصهيوني, لم تكن يوما إلا باعث للفرقة العربية, والعلة لاتكمن في القضية الفلسطينية ذاتها, فمنذ بدايات النكبة والنكسة, والتنافس العربي يستميت على تقاسم القرار, والسعي لامتلاك الإرادة والقرار الفلسطيني, ومصادرته لصالح تلك القوى العربية, حتى تقتطع منه لصالح نفوذها, أهم لامتلاك نسخة أصلية من مفاتيح الاستقرار والتوتر في منطقة الشرق الأوسط عامة ومنطقتنا العربية خاصة.
ولا اعتقد أن اليمن سعت ذات يوم إلى مركز قيادي للأمة العربية , لتكون محل الخلاف والاختلاف, مما يدعها في دائرة الاستهداف والمؤامرات المعهودة, وعلى المستوى الفلسطيني لم تكن اليمن يوما منبرا إعلاميا, ولا منبرا سياسيا تنطلق منه المؤامرات والأحلاف للإساءة لقضيتنا الفلسطينية, التي هي قضية العرب والمسلمين الأولى, فهي الخندق الأمامي الأول على المستوى السياسي إذا سقط اتجه لهم المشروع الصهيوني, وفيه أقصى المسلمين المغتصب قبلتهم الأولى, ومحط أنظار واستهداف الحضارات , على المستوى الديني.
وعليه فقد انطلقت عاصفة "رأب الصدع" اليمنية لتحرك الصمت العربي النابع من سلبية تابعة لمعايير مصلحتهم في تأييد هذا الطرف, والعمل بشراسة ضد الطرف الآخر, حتى أصبح الخلاف الفلسطيني الفلسطيني "معربا" "مؤسلما" وكأنه ظل للخلافات العربية العربية وصراع نفوذها صوب امتلاك القرار الفلسطيني, والتحكم في إرادة جنود الخندق الأمامي, انطلقت المبادرة العربية من اليمن السعيد, ومن قائد وزعيم معلما للوحدة في بلاده , وليس شريكا في مؤامرات على فلسطين وشعبها, إضافة إلى أن التواجد الفلسطيني في اليمن سواء لفتح أو لحماس, يلقى الرعاية والترحاب, ولليمن شعبا وقيادة تاريخ ناصح في ضيافة الثوار وشعورهم بان اليمن وطنهم الثاني على درب التحرير, ومع انطلاقة المبادرة كان الشعور بالخوف على مصيرها أمر طبيعي, لان من يسعى لإفشالها وفق نظرية سياق امتلاك القرار هم كثر, والمخلصين الساعين لإنجاحها هم قلة , كما الصراع بين الخير والشر, فكانت تتطلب رعاية خاصة في زمن لا ينفع فيه السرية, خشية على موسى من فرعون وجنوده, بل من اللحظة الأولى تُلت المبادرة للجبين وكثرت السكاكين لولا رحمة الله وصدق وإخلاص المبادر اليمني, فتجاوزت أول اختبار ونتيجة حسابات قلت سابقا هي ورقة قوة في اليد اليمنية, تمكن الأشقاء اليمنيين من إنقاذ المبادرة من مذبحها الأول, وتم جمع الأشقاء الفرقاء بشكل ما, واستطاعت القيادة اليمنية انتزاع التوقيع على مبادرتهم من اجل إحداث اختراق في المصالحة الفلسطينية, وتفويت الفرصة على معاول الهدم, لكن تلك المعاول وان سلمت بالإفلات الأول من الشرك, مازالت تتربص بالمبادرة الوليدة شرا.
تم التوقيع بالحروف الأولى على بنود المبادرة, التي قلنا في حينها, أن بين طياتها وليس عيبا فيها إذا ما كانت القاعدة حسن النية, فكان بين طياتها لمن أراد التصيد في المياه الضحلة مخرجا, ودارت مناكفة التفسيرات , فكانت الإرهاصات الأولى للتعثر, وهي استجابة لمؤثرات خارجية للأسف وليس , لأمور مستعصية على المستوى الفلسطيني, وقلنا أن كثيرا من التغييرات استحدثت عليها, مثل تغيير مصطلح"الانقلاب" إلى عودة الأوضاع لما كانت عليه قبل 14 - 6 , ومثل تسمية طرفي الاتفاق" فتح وحماس" بدل شمولية المصالحة بين منظمة التحرير وحركة حماس, ومثل تغيير عودة الأوضاع" للأراضي الفلسطينية" وليس لغزة, ولو كانت المبادرة إطار لنقاش لما تغيرت كلمة واحدة إلا على طاولة الحوار والنقاش, وقع الطرفان الفرقاء, مثل السلطة الوطنية الفلسطينية " وفتح" الأخ- عزام الأحمد , ومثل حركة حماس الأخ - أبو مرزوق , لكن الجميع استشعر أن خطرا جاثما ومازال قائما, وما التوقيع إلا للإفلات من اتهام بعدم الرغبة في المصالحة, وعدم امتلاك القرار, وهذا ماتبين لاحقا, وكان التوقيع على الاتفاق هو مجاملة للقيادة اليمنية , وعدم إفشال مساعيها, لكن الحقيقة التي يجب استدراكها أن المصالحة والتي تحتاج إلى مصارحة و تحرير إرادة القرار الفلسطيني من الهيمنة الخارجية العربية والإقليمية والدولية, هذه المصالحة كل لا يتجزأ , وربما تبقى الكرة في ملعب القيادة اليمنية المبادرة والتي شهدت عملية الحوار والنقاش الذي أدى للتغييرات على المبادرة, لمتابعة تنفيذها, أو على الأقل كما طالبنا في مقالة سابقة, حيث التراشق الإعلامي بالحق والباطل بين الفرقاء, واتهام الواحد للآخر حقا, وزورا وبهتانا بما يجافي الحقيقة, بمن المسئول عن إفشال المبادرة التي لم يعلن حتى وقتنا هذا عن فشلها, أن تحسم القيادة اليمنية هذه المهاترات وصراحة, أن المبادرة وبعد التعديل, للتطبيق أم للحوار, وان كان للحوار مكان , فهل هو لوضع آليات للتطبيق والتنفيذ, أم لحوار كإطار للتفاوض سعيا صوب الاتفاق على بنود الاتفاقية السبعة, علما أن الخلاف يتموضع حول البند الأول.
نسمع كثيرا بل على مدار الساعة في إعلام حركة فتح بان حماس تسعى لإفشال المبادرة, وفي إعلام حركة حماس, ومن قيادات الحركة , بان الرئيس- أبو مازن يتنصل من المبادرة استجابة لرغبة الغير, ونحن نتساءل طالما رغبة الغير تتحكم في فتح وحماس ؟ ما الذي دفعهم للهرولة بصدق أو على مضض واستحياء صوب اليمن لإجراء المصالحة, بهدف إنقاذ الوطن من كل المخاطر المحيقة به على قاعدة الانقسام الوطني, وربما أخر تلك التصريحات التي دفعتني لكتابة هذه المقالة, ونحن نتحرى كمراقبين سياسيين ومحللين أي مؤشر للدلالة على مثير تلك المبادرة اليمنية, والسؤال عن الحقيقة التي تكمن إجابتها لدى القيادة اليمنية , هو حديث ممثل حركة حماس في لبنان - أسامة حمدان اليوم أثناء مقابلة له على فضائية المنار, حيث صرح وكأنه يجيب كل تساؤل يدور في خلد الجميع, لماذا لم يحضر الرئيس اليمني- علي عبد الله صالح لقمة دمشق, علما انه صرح بعد التوقيع انه سيحمل المبادرة وتوقيعها للقمة لوضعها موضع التنفيذ؟؟؟ وإذا كان للسيد- أسامه حمدان معرفة موثقة من القيادة اليمنية, فعلى القيادة اليمنية عدم ترك الأمور عائمة للتقويل والتأويل ومادة للتفسيرات والاجتهادات, حيث قال (( غياب الرئيس اليمني عن القمة, بسبب تنصل الرئيس- أبو مازن من المبادرة اليمنية, ويضيف حمدان- انه لايعقل أن يحضر الرئيس اليمني ويطرح مبادرته" فيتصدى" له الطرف الفلسطيني, وبان هذا السبب الذي يقف خلف غياب الرئيس اليمني, عن القمة ؟؟؟!!!! )) أيعقل هذا الطرح؟؟ خاصة وانه يصدر عن شخصية من الهيكلية المسئولة في حركة حماس ومكتبها السياسي؟؟؟ فان كان في ذلك حقيقة وأبلغتهم القيادة اليمنية بذلك؟؟ فعلى القيادة اليمنية الرد إن كان هذا ادعاء مجافي للحقيقة أو تصريح للاستهلاك الإعلامي؟؟ أم أن أزمة لم نلمسها بين القيادة الفلسطينية والتي يمثل رأس شرعيتها- الرئيس أبو مازن وبين القيادة اليمنية سرا ولم يكشف عن تلك الأزمة؟؟؟ أم أن مايقال هو التنصل من الاتفاقية بواسطة أيدلوجية الاتهام والاتهام المضاد؟؟؟ فنقول لقيادة اليمنية آتونا بالحقيقة الساطعة , بل انصح القيادة اليمنية ألا تتخلى عن تلك المبادرة المباركة وتقبض على جمرها وتصر على تنفيذها, وعليها تحديد موقفها وعلاقتها بالطرف الذي فعلا يتهرب من الحوار وتنفيذ بنود المبادرة.
وما جعلني أكثر ريبة في استهداف المبادرة اليمنية, أو ربما فهمت الأمر بشكل معاكس وهذا ما أتمناه ويتمناه كل فلسطيني حريص على اللحمة الوطنية ووحدة الصف, ما جاء في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد انتهاء القمة العربية في دمشق, بحضور كل من وزير خارجية سوريا- المعلم حيث تمثيل رئاسة القمة التي عنونت "بالتضامن العربي"!!! , وحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية- عمر موسى , والمكلف بالمبادرة العربية والشق الخاص بانتهاء الأزمة اللبنانية, واستحداث تكليفه بالإشراف على سير المبادرة اليمنية, حيث قال - المعلم في ذلك- طرحت المبادرة اليمنية في الاجتماع المغلق, ((وان الرئيس" بشار الأسد" سيلتقي بممثلين عن السلطة الوطنية الفلسطينية, وممثلين عن حركة حماس, ويطلع الأمين العام على نتاج لقاءاته, ومن ثم يتوجه الأمين العام لليمن لدعم المبادرة اليمنية؟؟؟!!!))) فهل في هذا التفاف على المبادرة اليمنية وإعادة صياغتها أو التحفظ على بنودها؟؟؟ أم نتيجة عتاب الآخرين على سوريا التي تنفض يدها من حث القيادة الفلسطينية لحركة حماس في دمشق, للتجاوب مع تلك المبادرة والمبادرات الأخرى, وإخراجها لحيز الوجود, ففي التصور الأول شؤم وفي التصور الثاني فأل, ونحن هنا لن نشكك في هذه الآلية الجدية التي اقترحتها القمة وتوافق عليها العرب, بل سنتحرى خطوات ملموسة للنوايا الحقيقية لتلك الآلية هل تنتج مصالحة فلسطينية والضغط على الفرقاء لعودة إلى الوفاق, أم تزيد الشرخ الوطني بما يتلاءم مع مصالح هذا الطرف وذاك؟؟؟
وكلمة أخيرة للقيادة اليمنية, الصمت وعدم الانجرار لمهاترات الاتهامات بتحميل مسئوليات فشل المبادرة مسبقا, ربما يكون دبلوماسية وحذر سياسي كي لايتهم المبادر للانحياز لهذا الطرف أو ذاك, ولكن لامناص للقيادة اليمنية طالما لم تطلب من الفرقاء عدم التصريحات التي من شانها التشكيك في جدوى المبادرة, واحترام النزاهة والصبر اليمني مكن اجل المصلحة العربية عامة والفلسطينية خاصة, فعليهم من منطلق النزاهة كذلك حسم الضبابية , وتداعيات الأطروحات الجديدة لمبادرة كما دارت في دهاليز القمة, هل هي لإحياء وتفعيل المبادرة اليمنية أم لوأدها.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟