عندما ألف السير ميغويل دي سيرفانتس ملحمته المذهلة فارس الطواحين أو كما هو معروف لدى قراء الأدب الأسباني أو متفرجي أفلام الرسوم المتحركة باسم الدونكيشوت ظن الناس سيسخرون من روايته والتي تحكي قصة بطل مهزوم راكب على فرس نحيلة يظهر عظمها من على ظهرها ويتخيل ضمنها هذا البطل الأسطوري بأنه يحارب فرساناً وأبطالاً وهؤلاء كلهم ليسوا سوى طواحين هواء يتخيلها هذا الفارس الشجاع.
كسر السير سيرفانتس الأسطورة الأدبية والتي دائماً تحكي قصة البطل الفائز والمنتصر في كل الحروب والمعارك وصنع بطلاً جديداً لروايته يهزم ويخسر دائماً ولا يستطيع حتى أن يمارس الفروسية المعهودة ممارستها من قبل أي فارس فدائماً لا يستطيع الرؤية من خلال خوذته الفولاذية والتي تنغلق أمام عينيه ناهيك عن الحمل الثقيل الذي يقع على عاتقه من جراء حمل تلك البذلة الفولاذية إذاً وبكل بساطة الدونكيشوت ليس بطلاً ولاهم يحزنون بل هو عاهة فنية أبدعها سيرفانتس ليصف لنا الكثير من البشر الذين هم على شاكلة البطل المهزوم الدونكيشوت ديلامانشا.
الكثير من الكتاب والأدباء أدخلوا هذه الصورة الأسطورية لبطل افتراضي ولقنوه كبدعة جميلة مضحكة تارة ومحزنة ساخرة ناقدة تارات أخرى ونحن كهؤلاء الذين احتفوا بشخصية الدونكيشوت شبهنا أبطالاً كانوا يبدون للعيان بأنهم أسطوريين جبابرة لا يقف في طرقهم لا بشر ولا حجر ينحتون الصخر بأظافرهم ويلتهمون الحجر بأسنانهم أبطال لا يشق لهم غبار ومن هؤلاء الكثير اخترنا القائد الكوردي الأسطوري عبد الله أوجلان والقائد العربي الذي كان يسمى في يوم من الأيام بطل العروبة والإسلام المهيب الركن صدام حسين.
كي لا ننقد أنفسنا وكي لا نهضم حقوق هذين البطلين الدونكيشوتيين ونعتذر سلفاً من عشاقهم ومحبيهم نحن لا نشهر بأحد وإن كانت كتاباتنا تبين بأننا نسخر منهم فوالله الغرض من هذه المقالات ليس تجريح الناس الذين لازالوا يقدسون هذين البطلين القوميين للعرب وللكورد كما يظن عشاقهما الغرض من هذا كله هو تبيان الغشاوة التي على أعين محبيهم والذين يصرون بأن هذين الشخصين هما أبطال وقواد لا يشق لهم غبار واصطفينا أوجلان وصدام لكي لا ينعتنا العربي بأن الكورد يستشفون بنا ولا يظن الكوردي بأنهم أحسن حالاً من جيرانهم العرب.
فجأة.. انفتح ملف القضية الكردية على مصراعيه من جديد في المنطقة المعروفة باسم شرقي الأناضول، عندما باشرت أنقرة في اشهر قليلة، وبتناغم مع موقف مؤيد من الولايات المتحدة، حملة إقليمية ودولية تهدف ـ كما أشارت مظاهرها ـ إلى توجيه ضربة قاصمة ونهائية للمقاومة الكوردية وتحقيق انتصار حاسم يضمن لها، وإلى الأبد، إبطال صواعق المسألة الكوردية في تلك المنطقة بلا أصداء.
إلا أن حسابات المؤسسة العسكرية ـ السياسية التركية انقلبت عليها في ما يبدو، فكان أن تردد الصدى إلى أبعد مدى حاملاً معه ما بدا أنه انتصار معنوي للقضية الكوردية مع انتهاء قصة المطاردة الساخنة لقائد حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، والتي اختتمت فصولها باختطاف الزعيم الكوردي عبر عملية قرصنة استخبارية تركية ـ أمير كية ـ إسرائيلية في العاصمة الكينية نيروبي في 15 فبراير (شباط)من عام 1999، واقتياده مكبلاً معصوب العينين في مشهد استعراضي.
وفي الوقت الذي كانت فيه مختلف التقارير والمؤشرات تؤكد ظهور أيدي الموساد والمخابرات المركزية الأمريكية في عملية الاختطاف، شاهد العالم من أقصاه صور كوردية غاضبة لم يسبق لها مثيل اجتاحت صقيع أوروبا وأشعلته بالتظاهرات العارمة والمواجهات والاحتجاج بالأجساد المحروقة، وامتدت إلى عدد من المدن التركية حيث تحولت إلى صدامات دموية بين التجمعات الكوردية وقوات الجيش والشرطة التركية، الأمر الذي جعل من قضية الشعب الكوردي في تركيا، ولأول مرة، موضوعاً عالمياً بامتياز، وأجهض شيئاً من «نشوة النصر» التركية باختطاف عدوها رقم واحد، ودفع بالتالي بعض المسئولين في أوروبا وفي تركيا نفسها إلى القول إن أنقرة قدمت باعتقال أوجلان، ومن حيث لا تدري، خدمة لأكراد الأناضول بدلاً من أن تتمكن من إخماد قضيتهم.
لكن الأهم من الحدث نفسه هو استيقاظ الحقائق والأسئلة الكثيرة الملحة على خلفية الحدث..، حقائق مزمنة ولكن مغمورة كما يتفاعل تاريخياً في تلك المنطقة.. حقائق عن طبيعة المواقف والحسابات الغربية والإقليمية القديمة ـ الجديدة حيالها.. وأسئلة عن ماضي وحاضر ومستقبل القضية في ظلال التطورات والإحداثيات الناشئة في طبائع الدور التركي في سياق أنقرة الإقليمي مع الكيان الإسرائيلي برعاية أمير كية.
لقد نجحت الخطة الأمير كية إلى حد كبير في استخدام الورقة الكوردية في خدمة لمخططاتها القائلة بضرورة إنشاء مناطق توتر كألغام موقوتة في مناطق التجاذب الاستراتيجي الدولي على المصالح، فهي عمدت إلى إدارة دفة الأزمة باتجاه عواملها السياسية، ودعمت بمساعدة تركيا عوامل تفجرها (ولو بنسب متفاوتة تبعاً لحقائق المتغير السياسي والتحالفات الإقليمية) وأدخلتا «إسرائيل» معهما على الخط، وبالمقابل التزمت الولايات المتحدة استراتيجية نقيضة حيال كوردستان تركية مباركة، بشكل أو بآخر، اضطهاد وقمع الشعب الكوردي في تلك المنطقة تحت ذريعة «تفهم الضرورات التركية الداخلية»، بل وساعدت في تحقيق تناغم بين قيادة حزب العمال الكردستاني وتركيا يكفل للأخيرة تعهد الحزب بالتعاون معها في تحجيم وضرب الانتفاضات الكردية المتعاقبة في «شرق الأناضول».
لكن أنقرة وواشنطن كانتا بذلك تسيران في المنطقة الحرجة، ذلك لأن متغيرات النضال الكردي في «شرق الأناضول» لم تكن لتسمح بالاستمرار في هذه اللعبة المزدوجة، خاصة بعد ظهور حزب العمال الكوردستاتي في عام 1978.
وقد حمل انتصار الثورة الإسلامية في إيران على حكم الشاه في عام 1979 تحولات إقليمية انعطافية، أحدثت تغيرات حادة في سلم أولويات السياسة الأمير كية في المنطقة، وجعلت الأمريكيين ينظرون إلى قضية حساسة ومتعددة الذيول كالمسألة الكوردية، كمن ينظر إلى بحيرة راكدة، قد تكون عميقة الأغوار بقدر ما هي مليئة بعوامل القوة والتأثير الاستراتيجي الإقليمي على خصومها. وكان الوصف الأدق لحقيقة المخاوف الأمير كية الناشئة ما عبر عنه بعد زهاء 17 عاماً الرئيس الاميركي بيل كلينتون في سبتمبر (أيلول) حيث قال «إن هناك رمالاً متحركة على الساحة السياسية الكوردية». وبالتوازي مع القلق الاميركي، تصاعد القلق التركي، خاصة بعد تنامي المقاومة الكوردية المسلحة والتي اتخذت شكلها الأكثر تنظيماً ضد أنقرة منذ عام 1984.
مع هذا ضرب أوجلان كل شيء عرض الحائط فقط بإعلانه حين تم اعتقاله في كينيا اعترافه بان أمه تركية الأصل ويعتذر من أمهات الشهداء الأتراك وظهوره للناس بذلك الشكل المخذي والذي ينكس الرأس نحن لا ننقد أوجلان لأن أمه تركية الأصل فالإنسان لا يعيبه أصله والذي ينكر أصله فلا أصل له ولا ننقده لماذا اعتذر من أمهات الجنود الأتراك الذين قتلوا في الحرب مع المقاتلين الأكراد فنحن شعب نحب السلام ولا نريد للناس كلهم سوى الخير والحياة ولكن ما دام أوجلان يكن في نفسه هذه الشخصية الضعيفة لماذا أودى بحياة آلاف الشباب والشابات الأكراد والذين لقوا حتفهم وراء قائد كرتوني هش لا يحمل من الجرأة ما يحمله طفل رضيع فيسخر من دم شهداء الكورد باعتذاره لعدوه الأول كما كان يصفهم ذلك العدو الذي صار بين ليلة وضحاها من خلانه وصار أعدائه الجنود المسلحون والذين لا أنسى صورهم وهم يقطعون رؤوس المقاتلين الأكراد ويتمثلون بجثثهم صار هؤلاء شهداء وصار أوجلان بطل قومياً للأتراك طبعاً هذا من وجهة نظري التي قد تكلفني الكثير من النقد والتجريح على كل ذاب الثلج وبان المرج وظهر هذا الغول التاريخي الذي لا يقهر ظهر على حقيقته وعرض للناس أجمعين جبنه وتخوفه من الآلة العسكرية التركية تلك الآلة التي كان يدمرها المقاتلون الأكراد ( من أنصار أوجلان طبعاً ) بأجسادهم الطاهرة حيث صارت جبل كوردستان تركية كلها مروية بدمائهم الطاهرة وقائدهم الدونكيشوتي لم يخجل منهم ومن دمائهم وأرواحهم الطاهرة من ذلك الشهيد الذي لم يكن متم ربيعه الخامس عشر.
هؤلاء هم قوادنا وأبطالنا هذا هو ( سه روك ) أو الرئيس كما يوصفه عشاق فنه وأتباع سنته !!!.
أما شخصيتنا التالية فهو ( أخو هدلة ) كما كان يلقبه الكثير من عرب منطقتنا المجاورة للعراق هذا الشخص الذي جاء إلى سدة الحكم بطريقة دموية قاتلاً وهو يسير كل رفاقه وأصدقائه وأقرب المقربين له لم يكن يعرف أحداً ولا يثق بأحد حتى أتته اللكمة القاضية واستراح الشعب العراقي البريء والمسكين من براثن طغيانه وجبروته.
فصدام حسين هذا البطل الأسطوري للكثير من المثقفين والقومويين العرب والذين ينظرون إليه بأنه المهدي المنتظر وهو رائد القومية العربية والقائد الإسلامي الذي كانت ستحرر القدس وفلسطين على يديه سوى أنه أعتقل قبل هذا لكان هؤلاء لا زالوا يمجدونه ويعظمون شخصه المنزل من عند الله هذا الذي ترك باب داره مفتوحاً وولا هارباً مهزوماً تاركاً وراءه حتى شرفه وعرضه ( زوجته وبناته ) وفر بجلده عندما سمع باقتراب الجنود الأمريكيين من بغداد وشمع الخيط متخفياً عن أنظار العالم كله إلا عن بعض السماسرة الذين باعوه بثمن بخس وانتهى مسلسله الانهزامي بالقبض عليه في قبو حقير تحت الأرض وهو الذي كان ينام على أسرة من ذهب في غرف لا يعلم بشكلها وبتكوينها إلا الله عز وجل والذي صممها له.
عند بداية الحرب على نظامه البائد المخلوع والتأخير الذي منع تقد القوات الأمريكية والبريطانية في جنوب العراق كنت والكثير من أمثالي ظاناً بأن صدام سيكسب الرهان ويربح الحرب وينتصر في معركته مع بوش والذين ناصروا الحرب عليه ولكن ؟ أين كان وأين صار صدام ينهزم كالسلوقي الجديد في الصيد والذي يسمع لأول مرة صوت طلقات نارية ويفر من الوجود تاركاً وراءه الجيش الذي لا يقهر والحرس الجمهوري الذي كان يأكلون الذئاب حية ويقتلونها بأسنانهم أين كل هؤلاء وأنت تجري تاركاً ورائك كل هذا وقبل كل شيء تركت بغداد ودخلها الأمريكيون بكل سهولة ويسر.
صدام كان عميلاً لهم وقاضى حياته بكل شيء وتمت عملية المقايضة بثمن بخس والأنكى من هذا كله عندما أخرجوه من ذلك القبو بلباس عربي تقليدي يقول صدام ( طبعاً لم تذعه أجهزة الإعلام العربية وأنا شاهدتها على القنوات الإخبارية التركية ) وبلهجة مرعبة خائفة ( آني صدام حسين لا تذبحوني ).
هذا هو البطل الأسطوري والمنقذ والمعتصم الذي استنجد به الكثير من أبناء العرب ظناً منهم بأنه قوي شجاع ولا يعلمون بأنه دونكيشوت ولكن ليس أسباني بل عربي.
ليس العبرة في اعتقال صدام أو القبض على أوجلان ولكن العبرة في تعلم الدروس من هؤلاء الخونة لقضاياهم الوطنية والقومية وكان الأجدر بهم أن يقفوا كأبطال في وجه جبروت أعدائهم مثل كل المناضلين الشرفاء القابعين في سجون العدو والذين دفعوا حياتهم ضريبة لأفكارهم وآرائهم وما نيلسون مانديلا ومروان البرغوثي سوى شمعتين احرقا انفسهما في سبيل أوطانهم فهم في أيدي أعدائم وتحت رحمة القيود مصرين على مواقفهم ويسخرون بل يسبون أعدائهم في عقر دارهم وليس كأوجلان وصدام بانوا على حقيقتهم المزيفة بأنهم أناس كانوا يخافون النوم لوحدهم ولا يستطيعون العيش بدون حرس وبدون من يبقى إلى جانبهم حتى يغفلون ويصبحوا نياماً وهم الذين كانوا يرعبون الملايين وقتلوهم لأنهم جبناء يخافون الحقيقة التي تنتظرهم وستبدي للعيان ماهيتهم و كيفيتهم التي طالما ظلت مخفية عن الناس وأكدوا لنا ولكل من كان يتابع جرائمهم بحق أنفسهم أولاً وبحق شعوبهم أكدوا بأنهم فرسان طواحين الهواء ( دونكيشوتيون ).