خليل الجنابي
الحوار المتمدن-العدد: 2232 - 2008 / 3 / 26 - 11:03
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إن نشوء الحزب الشيوعي العراقي , كما هو الحال مع بقية الأحزاب الشيوعية الأُخرى كان يتطلب وجود الأرضية الخصبة والتربة الصالحة لنمو الأفكار التحررية الجديدة , تلك الأفكار التي تعطي القيمة الحقيقية للإنسان من أنه ( أثمن رأسمال ) وتلغي الفوارق الطبقية والعِرقية , وترفض تقسيم الناس على أساس أسياد وعبيد , وتنير الدرب للعمال وحلفائهم الفلاحين لإنتشالهم من الفاقة والفقر والعوز والتي إنتشرت بشكل سريع قبل مايقرب من 160 عام حين تم إصدار ( البيان الشيوعي ) من قِبل ماركس وإنجلس والذي تم نشره في شباط عام 1848 باللغة الألمانية , ثم تُرجم الى اللغتين الإنكليزية والفرنسية , وإنتشر بعد ذلك بكل اللغات العالمية , وتُرجم الى اللغة العربية من قِبل ( ميخائيل عطايا ) والمولود في دمشق والذي وصل الى موسكو عام 1853, وعمل في معهد ( لازاريف ) للغات الشرقية وألف قاموس عربي روسي , وتوفى في موسكو عام 1924 , لكن يبقى المترجم الأساسي للبيان هو الرفيق الطيب الذكر ( خالد بكداش ) وذلك عام 1933 , حيث بدأ الفصل الأول منه بالجملـة الآتيـة , ( ليس تأريخ كل مجتمع الى يومنا هذا سوى تأريخ صراع الطبقات ) . ومن هنا جاء البيان دعوة للنضال من أجل عالم جديد خال من الإستغلال الطبقي وملهم ومنظم لملايين البشر من أجل خيرهم وسعادتهم وحريتهم .
وفي الثلث الأول من القرن العشرين تشكلت نواتات الأحزاب الشيوعية في المنطقة العربية كالحزب الشيوعي الفلسطيني , الحزب الشيوعي الإسرائيلي , الحزب الشيوعي السوري - اللبناني , ثم الى حزبين منفصلين هما الحزب الشيوعي السوري والحزب الشيوعي اللبناني , الحزب الشيوعي العراقي , الحزب الشيوعي الأُردني , الحزب الشيوعي المصري , الحزب الشيوعي السوداني , الحزب الشيوعي الجزائري , الحزب الشيوعي التونسي , الحزب الشيوعي المغربي .
وهناك أسماء لامعة في هذه الأحزاب قدمت نفسها فداءً لأوطانها وسارت على دربهم الأجيال اللاحقة , فسقط الشهيد ( فرج الله الحلو ) مُعمِداً بدمه وجسمه – الذي أذابوه بحامض الأسيد – أرض سوريا ولبنان , وسقط الرفيق ( جورج حاوي ) شهيداً على نفس الدرب الطويل , ومن قبله سقط في السودان في عهد النميري الشهداء ( عبد الخالق محجوب , جوزيف قرنق والقائد العمالي الشفيع احمد الشيخ ) ومئات غيرهم . كما لعب الرفاق ( فؤاد نصار , بشير البرغوثي , توفيق طوبي , توفيق زياد , أميل حبيبي ) وآخرين , لعبوا دوراً كبيراً في النضال من أجل قضية الشعب الفلسطيني وحقه العادل والمشروع في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة على أرضه وضد الإحتلال الإسرائيلي وضم الأراضي العربية بالقوة والدفاع عن الحقوق المغتصبة للجماهير الكادحة وحقها في الحياة الحرة الكريمة , وضد الإضطهاد العنصري والتخلف والبطالة وتمتعها بالحقوق الديمقراطية والثقافية والإجتماعية .
وفي العراق ظهر عدد من المثقفين الذين تأثروا بالأفكار الماركسية وثورة أُوكتوبر الإشتراكية العظمى وحصلوا على بعض الكتب الماركسية من سوريا وغيرها , وإنكبوا على دراستها وتداولها بين عدد منهم , وظهرت أُولى الحلقات الماركسية التي عُرفت بجماعة الرحال والتي ضمت الى صفوفها ( حسين الرحال , عوني بكر صدقي , مصطفى علي , محمد احمد المدرس وعبد الله جدوع ) , وقد أصدر هؤلاء الرواد الأوائل مجلة علنية باسم
( الصحيفة ) , كانت تصدر مرتين في الشهر , وفي 28 / أيلول / 1924 صدر العدد الأول منها حيث عالجت فيه أوضاع العراق الإقتصادية والأجتماعية والفكرية , وركزت هجومها على الإستعمار والإقطاع والعنصرية والطائفية , إلا أن هذه المجلة لم تدم طويلاً فقد بادرت السلطات الحاكمة على غلقها بسبب توجهاتها الماركسية .
وفي عام 1927 تشكلت المجموعة الماركسية الأولى في البصرة , وضمت كلاً من ( عبد الحميد الخطيب , زكريا الياس , سامي نادر مصطفى وعبد الوهاب محمود ) , وفي 1928 تكونت خلية أُخرى في الناصرية , ضمت كلاً من ( يوسف سلمان يوسف – فهد , غالي زويد واحمد جمال الدين ) , واصدرت بياناً شيوعياً بخط يد ( فهد ) بعنوان ( ياعمال وفلاحي البلدان العربية إتحدوا ) , وقد عالج المنشور الوضع السياسي في البلاد والهيمنة البريطانية وكان يحمل توقيع الحزب الشيوعي العراقي , ووزع في الناصرية في كانون الأول 1932.
في 31 / آذار / 1934 , إنعقد في بغداد إجتماع تأسيسي حضره شيوعيون من مختلف أنحاء العراق وأعلنوا توحيد منظماتهم في تنظيم مركزي واحد باسم ( مكافحة الإستعمار والإستثمار) وتم إنتخاب أول لجنة مركزية له , وأصبح ( عاصم فليح ) أول سكرتير للحزب , والذي تغير إسمه فيما بعد الى ( الحزب الشيوعي العراقي ) بقرار من اللجنة المركزية في عام 1935 .
لقد لعب الرفيق الخالد ( يوسف سلمان يوسف – فهد ) دوراً بارزاً سواء في بناء خلايا الحزب في مدن العراق الجنوبية , أو في إقامة مركزه في بغداد وتأسيس الحزب . سافر الى موسكو عام 1935 للدراسة في جامعة ( كادحي الشرق ) وبقي هناك حتى 30 / كانون الأول 1938 ودرس العلوم الماركسية وأساليب التنظيم الشيوعي , وفي عام 1941 , تم إختيار ( فهد) سكرتيراً عاماً للحزب الشيوعي العراقي , الذي كان له الدور الرئيسي في الإعداد للمؤتمر الوطني الأول للحزب والذي تم فيه إعداد النظام الداخلي والبرنامج الخاص بالحزب .
في عام 1947 تم إعتقال ( فهد ) ورفاقه زكي بسيم ( حازم ) , وحسين الشبيبي ( صارم ) بسبب الإنتماء الى الحركة الشيوعية والترويج لها , ثم الحكم عليهم بالإعدام , وبسبب الضغوط الدولية تم تخفيض الحكم الى المؤبد . وفي كانون الثاني من عام 1948 حدثت الإنتفاضة الجماهيرية التي عمت العراق شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً , والتي سُميت ( بوثبة كانون ) ضد النظام الملكي الذي أبرم معاهدة ( بورتسموث ) الجائرة مع بريطانيا والموقعة من قبل ( صالح جبر – بيفن ) , والتي فجرت بركاناً لم يهدأ إلا بإسقاط المعاهدة وإسقاط وزارة ( صالح جبر ) , حيث كان الرفاق ( فهد , حازم , صارم ) يقودون الإنتفاضة من داخل السجن , وطالب الرفيق ( فهد ) الحزب أن يصدر بياناً يبين فيه المطالب الوطنية وتجنيد الجماهير ودفعها للمطالبة بها وبكل الطرق الممكنة والتركيز على إلغاء معاهدة 1930 ومعاهدة بورتسموث وجلاء الجيوش الأجنبية , والمطالبة بالحريات الديمقراطية , وحرية التنظيم النقابي , ومحاسبة وزارة صالح جبر وجهاز الشرطة لسفك دماء أبناء الشعب الأبرياء , وحل المجلس النيابي وإطلاق سراح السجناء السياسيين , وحل مشكلة الغذاء , وتشكيل حكومة وطنية , علماً أن المعاهدة كانت تُلزِم العراق أن يسمح للجيوش البريطانية بالدخول إليه كلما إشتبكت في حرب في الشرق الأوسط وأن يُقدم لها التسهيلات والمساعدات في أراضيه ومياهه واجوائه . لقد سقط العديد من الشهداء في وثبة كانون كان من بينهم الطالب ( شمران علوان , جعفر الجواهري شقيق شاعرنا الكبير محمد مهدي الجواهري وكذلك قيس الآلوسي ) والعشرات من الجرحى . وبتاريخ 10 / شباط / 1949 وعلى أثر حرب فلسطين وإعلان الأحكام العرفيـة دفع الحكومـة العراقيـة أن تُعيد محاكمـة الرفاق ( فهد , حازم , صارم ) بشكل سريع والحكم عليهم بالإعدام مرة أُخرى .
في 14 و 15 / شباط / 1949 إعتلى الرفيق ( فهد ) ورفاقه الشجعان أُرجوحة الأبطال وهتف من على المشنقة ( الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق ) , وجرى تنفيذ الحكم في ساحتي المتحف وباب المعظم والباب الشرقي في بغداد , وبقيت جثث القادة الأبطال معلقة طوال اليوم بغية إرهاب رفاق الحزب وجماهيره , وتغنى الرفيق الشبيبي بمقطع من قصيدة الجواهري ( أتعلم أنت أم لا تعلم ... ) , ولما إستقر فوق خشبة الإعدام قال : ( من الصدف الجميلة أن يدقوا لي عمود المشنقة في نفس المكان الذي كنت أثير فيه الإنتفاضات الوطنية ) . ورغم الخسارة الكبيرة التي تعرض لها الحزب بفقدانه قيادته الشجاعة إلا أنه سار على نفس النهج الذي سار عليه الرفاق الأوائل وكانت مسيرته شاقة وعسيرة وطويلة وهو يحمل هموم الشعب والوطن , رافعاً راية ( وطن حر وشعب سعيد ) عالياً ومواصلاً المسيرة وهو يقدم خيرة أبنائه قرباناً لهذ الوطن , وعمَّد الشيوعيون بدمائهم الزكية الغالية أرض الرافدين , فواصلوا المسيرة الظافرة وهم يتصدرون النضالات الوطنية ويحركون الجماهير للمطالبة بحقوقها المغتصبة وحرياتها المسلوبة وبدون مبالغة لو مررنا على كل المقابر التي تملأ العراق من أدناه إلى أقصاه لوجدنا في كل منها رُفاة الشيوعيين المعروفين وغير المعروفين الذين أراد الطغاة إخفاء معالمهم وأسمائهم , كي لا يتركوا لهم أثراً يشهد على وحشيتهم وفاشيتهم . وفي تمـوز عـام 1931 سقط أول شيوعي في تأريخ العـراق وهو الشهـيد ( حسن العياش ) عامل السكك ومن أعوان الرفيق ( فهد ) على أثر الإضرابات والإحتجاجات الصاخبة التي عمت العراق إحتجاجاً على مرسوم ( زيادة الضرائب ) من قِبل الحكومـة ( ضريبة بلدية ) حيث قادته جمعية ( أرباب الصنائع ) في بغداد وإمتد الى الناصرية والبصرة وأنحاء العراق الأُخرى , وهو ليس أول وآخر من سقط ويسقط قُرباناً للشعب والوطن , وخلال مسيرته الحافلة بالإنتصارات والإخفاقات ومروره بمختلف المصائب والمحن إلا أنه ظل مرفوع الهامة , غير مبال بالتضحيات مهما عظمت , وفي كل مرة ينهض فيها مُعافى رافداً الحركة الوطنية بنبضه ويتصدر معها نضالات الجماهير المطلبية والدفاع عن حقوق العمال والفلاحين والكسبة وشغيلة اليد والفكر وباقي قطاعات الشعب الأخرى من الطلبة والشباب والنساء ويحثهم على تشكيل منظماتهم المهنية ونقاباتهم الخاصة , وفي 14 / نيسان / 1948 , إجتمع في ( ساحة السباع ) في بغداد ممثلون من أغلب ثانويات ومعاهد العراق وأسسوا منظمتهم الطلابيـة ( إتحاد الطلبـة العام ) , وقد حضر الإجتماع شاعر العرب الكبير ( محمد مهدي الجواهري ) والقى قصيدتـه العصماء ( يوم الشهيد ) في تأبين أخيه ( جعفر ) الذي سقط شهيداً في وثبة كانون , كما لعبت النساء الواعيات في تكوين ( رابطة المرأة العراقية ) , التي تصدرت مع الرجل نضالات الشعب الوطنية وسقط منهن الشهيدات في خُضم المعارك مع السلطات الرجعية والدكتاتورية , فسقطت فتاة الجسر عندما تعرضت الجموع الحاشدة لرصاص السلطة على الجسر القديم في وثبة كانون عام 1948 , والذي سُمي فيما بعد بـ ( جسر الشهداء ) , وأصبحن على يقين من أن تحرير المرأة لا يتم إلا بتحرير المجتمع ولمكانتهن ودورهن في النضال الوطني تم قبولهن في الإتحاد النسائي الديمقراطي العالمي عام 1953 , وحضورهن كان بارزاً في تشريع أول قانون للأحوال الشخصية في تأريخ العراق عام 1959 . اما العمال فدورهم كبير في التلاحم مع قطاعات الشعب المختلفة وكانوا حراس أُمناء يذودون بكل جسارة عن أبناء وطنهم وهم يجابهون البطش والتنكيل , وعندما إشتد عودهم أسسوا نقاباتهم وإتحادهم العام , الى جانب الفلاحين الذين لعبوا دوراً بطولياً وهم يصدون مع إخوانهم العمال كل حيف يقع على الفئات الإجتماعية الأخرى من أجل الحريات والحقوق الديمقراطية فكان حضورهم يعطي القوة والثبات للمتظاهرين والذود عنهم ضد حملات البطش والتنكيل من قِبل السلطات الغاشمة , ولم يتوان الشبيبة عن الركب فسارعوا الى أن يحتلوا موقعاً متميزاً في المسيرة الظافرة فأسسوا ( إتحاد الشبيبة الديمقراطي في العراق ) , وكانوا من الروافد والمنابع المهمة للحزب الشيوعي العراقي على طول تاريخه المجيد . أما انصار السلام فوقفوا بكل عزم ضد القمع الوحشي والتنكيل بالمناضلين ومناصرة مطالبهم المشروعة وضد الحروب وتفعيل مفهوم السلام بين الشعوب وحل الخلافات يالطرق السلمية ونبذ العنف , وإنعقد مؤتمرهم التأسيسي في يغداد في 14 / تموز / 1954 , وحضره 130 مندوباً من مختلف المدن العراقية أمثال ( الشيخ عبد الكريم الماشطة , طلعت الشيباني , المحامي توفيق منير , صفاء الحافظ , د . نزيهة الدليمي , الفنان يوسف العاني , عامر عبد الله , نظيمة عبد الباقي ) , وقد تعرضت حركة السلم في العراق الى هجمة شرسة من قبل العصابات الفاشية في إنقلاب شباط الأسود , وقد إستشهد العديد من قادتها أمثال ( توفيق منير , ماجد محمد أمين , جلال الأوقاتي ) . وكذلك جرت الأمور مع منتسبي المهن الأخرى كالمهندسين والأطباء المحامين والمدرسين والأدباء والصحفيين والفنانين وغيرهم , إنتظموا في نقاباتهم الخاصة ودافعوا بكل ثبات عن قضاياهم النقابية وعن القضايا الوطنية . وتوالت الأحداث وتوالت معها بصمات الحزب الشيوعي العراقي على مجريات الأمور اللاحقة , ففي وثبة تشرين المجيدة عام 1952 التي قادها الطلبة الى جانب العمال والفلاحين وإضراباتهم التي أرعبت الحكم الملكي مروراً بـ ( إنتفاضة الحي ) البطلة التي سيطرت فيها الجماهير على المدينة لمدة ستة أيام , وسقط خلالها الشهداء ( كاظم الصائغ , حميد فرحان الهنول , والشهيدة ركية شويلية ) , وبعد أن أُلقي القبض على العنصريــن القيادييـــن ( علي الشيخ حمود وعطا الدباس ) , حُكم عليهما بالإعدام شنقاً حتى الموت بمحكمة صورية سريعة , ونُفذ الحكم بتأريخ 10 / 1 / 1956 .
إن المآثر البطولية كثيرة , حيث أنها غطت كل المدن والأقضية والنواحي , فمن نضالات عمال الميناء والمصافي في البصرة الى عمال السكك والشالجية في بغداد , ومن مسيرة عمال النفط في حديثة التي توجهت الى بغداد مشياً على الأقدام , ومن إضراب عمال كاورباغي في كركوك الذي راح ضحيته 16 عاملاً وجرح أكثر من 30 آخرين الى إضرابات عمال النفط في كي ثري وعين زالة في الموصل وعمال النفط في مصافي الدورة , الى إعتصامات الطلاب في كلياتهم ومعاهدهم ومدارسهم وفي كل انحاء العراق , حيث كانت قمة هذه الإحتجاجات إبان العدوان الثلاثي الغاشم ( الإنكليزي الفرنسي الإسرائيلي ) على الشقيقة مصر عندما أممت قناة السويس عام 1956 . لقد لعب الحزب الشيوعي العراقي دوراً مميزاً في كل الأحداث التي مرت وإستمرت جهوده مع باقي أطراف الحركـة الوطنية إنطلاقاً من نظرته العلمية الصائبة والقائلة ( قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية ) , وتكللت هذه المساعي بإنبثاق ( جبهة الإتحاد الوطني ) التي كان لها الفضل في إنتصار ثورة 14 تموز عام 1958, تلك الثورة العظيمة التي أعادت للعراق حريته وإستقلاله وأخرجته من الأحلاف العسكرية التي كانت تكبله كـ ( حلف بغداد ) المقبور , الذي كان يضم كلاً من ( بريطانيا , العراق , إيران , تركيا , الباكستان ) , وإصدار قانون رقم ( 80 ) الخاص بالتعامل مع شركات النفط الأجنبية حيث أعاد للعراق سيادته على أكثر من ( 99% ) من الأراضي التي كانت بحوزتها , وإصدار قانون العمل وقانون الإصلاح الزراعي الذي أعاد فيه للفلاح حقه المغتصب من قِبل الإقطاعيين , وإصدار قانون الأحوال الشخصية الذي أعاد للمرأة مكانتها اللائقة في المجتمع . هذه وغيرها من المكتسبات هي التي جعلته هدفاً من قِبل الإستعمار وحلفائه في الداخل والخارج , والتي تحالفت فيما بينها لإسقاط الثورة التي زحزحت المواقع الإستعمارية في المنطقة , إنها الردة التي خططت لها الدوائر الأجنبية في الخارج ونفذها أقطابهم في الداخل لإعادة ( الحصان الجامح الى حضيرته ) , ونتيجة لهذه المساعي المحمومة أفلح الإنقلابيون في 8 / شباط / 1963 , وأسقطوا النظام الوطني , وأجهزوا على مكتسباته التي ارعبتهم , وأغرقوا العراق ببحر من دم , وقتلوا الزعيم الشهيد ( عبد الكريم قاسم ) وصحبه الأبرار والمئات والآلاف من كوادر وأعضاء وأصدقاء الحزب الشيوعي العراقي وفي مقدمتهم الرفيق ( محمد حسين الرضي - سلام عادل - ) السكرتير الأول للحزب والذي مثلوا به أبشع تمثيل وهو يدافع بكل إباء وشموخ عن الحزب وعن مبادئه الشيوعية , الى جانب الرفاق الآخرين محمد حسين أبو العيس , حسن عوينة , جمال الحيدري , محمد صالح العبلي , نافع يونس , حمزة سلمان , عبد الجبار وهبي ( أبو سعيد ) , عزيز الشيخ , متي الشيخ , جورج تلو , عبد الرحيم شريف , طالب عبد الجبار , نافع عبد الرحمن شخيتم , عبد الأمير سعيد , محمد الخضري , ستار خضير , شاكر محمود , كاظم الجاسم , علي البرزنجي , وحميد الدجيلي , وغيرهم .
لقد تصور الفاشست أنهم إجتثوا الجذور الشيوعية من العراق الى الأبد , لكنهم فوجئوا بالحركة البطولية التي قام بها الشهيد ( حسن سريع ) ورفاقه الشجعان في 3 / تموز / 1963 , والتي أثبتت رغم إنتكاستها أن الحزب الشيوعي العراقي ( باقٍ وأعمار الطغاة قصيرُ ) .
إن الأفكار السامية التي يرفعها الشيوعيون على اكتافهم لأجيال عديدة دفاعاً عن مصالح العمال والفلاحين والكسبة والشباب والطلبة والنساء وأصحاب المهن الحرة والمثقفين وكل قطاعات الشعب الأُخرى , إن هذه الأفكار النبيلة هي التي تجعلهم محط أنظار قوى الردة والرجعية والتخلف للتآمر عليهم محاولين بكل خُبث وحقد إخراجهم من دائرة الضوء الذي ينيرون به طريق شعبهم الوعر المليء بالويلات والمآسي والمحن , ونضالهم الدؤوب الذي لا يعرف الهوادة والكلل من أجل خير ومصلحة الشعب والوطن جعلهم يدخلون قلوب الناس وضمائرهم , فهم على مَر الزمن يزدادون لمعاناً وبريقاً كالذهب الخالص مهما دخلت الشوائب في عناصره النقية سُرعان ما تُطرد الى الخارج ويزداد بريقه . إنه الحزب الوحيد الذي يضم في صفوفه من كل الألوان والأجناس والقوميات ووقف الى جانب قضاياها القومية العادلة , وساند الشعب الكوردي في نضاله العادل من اجل نيل حقوقه القومية , ورسم لهم الطريق الصحيح في الحكم الذاتي وصاغ شعار ( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان ) , كما رفع شعار ( السلم في كوردستان ) عندما تعرض الشعب الكوردي للحرب وقصف القرى وسكانها المسالمين بحجة مطاردة ( العُصاة ) , كما إلتحقت فصائله المسلحة ( الأنصار) بالحركة الكوردية المسلحة وروت دماؤهم الطاهرة هضاب وجبال كوردستان الحبيبة مع فصائل القوى والأحزاب الكوردستانية المناضلة الأخرى .
إن كل الخيرين من أبناء شعبنا العراقي عرباً وأكراداً وتركماناً وكلدوآشوريين والسريان والأرمن ومن المسلمين والمسيحيين والإزيديين والصابئة المندائيين الذين يحتفلون بالذكرى الـ ( 74 ) لتاسيس حزب الشهداء , يحتفلون اليوم وهم على قناعة تامة بأن التلاحم بين هذه المكونات هو السبيل الوحيد نحو بناء عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي تسوده رايات الوئام والمحبة والسلام وتكريس المصالحة الوطنية , ومستقر كامل السيادة . وإن التناحر والإستئثار بالسلطة وتهميش الآخرين وكسب المغانم الحزبية الضيقة لم يؤد إلا الى منفعة أعداء العراق والقوات الأجنبية التي تحتل ارضه والتي ستجد لها الأسباب والذرائع لإطالة تواجدها . كما أن التشتت بين مكونات الشعب العراقي يفسح المجال للقوى الرجعية والإرهابية أن توجه نيران حقدها الأعمى على طوائفه الدينية والقومية التي كانت عنوان وحدته , وما هجومها الأهوج على الأعزاء من اليزيديين والصابئة المندائيين والمسيحيين وقتل وتهجير الآلاف منهم إلا دليل على نهجهم المتخلف الذي لا يصلح لغير القرون الوسطى والحجرية , إذن ماذا نسمي إختطاف وقتل رجل الدين وداعية المحبة والسلام وأصحابه الشهيد المطران ( بولص فرج دحو ) والذي خرج لتوه من كنيسته التي صلى فيها متضرعاً الى الله تعالى أن يحفظ العراق والعراقيين !؟ , ماذا نسمي تفجير مقام الإمامين العسكريين في سامراء وتأليب الفرقة والإقتتال بين الشيعة والسنة !؟ , ماذا نسمي هدم الأماكن الدينية المقدسة والجوامع والحسينيات والكنائس والمعابد والبُنى التحتية !؟ , ماذا نسمي قتل العلماء والأطباء والمهندسين والأساتذة والمثقفين والصحفيين !؟ , ماذا نسمي قتل الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء !؟ , ماذا نسمي القتل العمد مع سبق الإصرار للسياسيين وأصحاب الرأي !؟ , إنها بلا شك الردة الرجعية المقيتة التي تريد أن تزعزع الأمن والإستقرار في هذا الوطن وتوقف طموحه المشروع للعيش بسلام بعد سنوات عجاف من الحكم الديكتاتوري البغيض والحصار والحرمان والمرض والجوع .
وبهذه المناسبة العزيزة على نفوس كل الشيوعيين وأصدقائهم لا يسعني إلا أن ابعث باسمى آيات التحية والمحبة والوفاء مع باقة ورد حمراء ومن مختلف الألوان الى كل الذين بنوا هذا الصرح الشامخ الأحياء منهم والشهداء , وان نحذو حذوهم في حرصهم الشديد على سلامة ومكانة حزبهم العتيد , فالموقف السليم الذي يجب أن نتخذه في هذه الظروف الحرجة يجب أن يصب في مصلحة الحزب وتعزيز شأنه وحشد الجماهير حوله وحول برنامجه وتوجهه الجاد من أجل دفع العملية السياسية الى مسارها الصحيح بعيداً عن المحاصصة والطائفية , وأن نتجرد من أية أُمور شخصية , لأن ألواننا ستكون باهته لا روح فيها عندما نتنابز بالأسماء , فالحزب هو الأمانة التي سلمها لنا الرفاق الذين ضحوا بحياتهم وزهرة شبابهم جيلاً بعد جيل , فلنجعل من هذه الذكرى الخالدة مناسبة لأن نضع ماعندنا من زهور جميلة في سلة واحدة , ولنحملها جميعاً وبشكل مشترك , لأن الوقت قد حان لأن نجلس على طاولة مستديرة واحدة وننشد داخل السرب ( سنمضي سنمضي الى ما نريد وطن حر وشعب سعيد ) .
#خليل_الجنابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟