|
عليك بحماية مدخراتك زمن الشدة المباركية
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2232 - 2008 / 3 / 26 - 10:47
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
عندما تتحدث عن الإنهيار الإقتصادي في مصر ، فعليك أن تتحدث بصيغة الماضي ، إن كنت ترغب في الحديث عن نقطة زمنية تحدد بدايته ، و بصيغة الحاضر ، إن كنت تتحدث عن تطوره ، و تصاعد حدته ، و أثاره الرهيبة على الشعب المصري . الإنهيار الإقتصادي هو واقع معاش ، لا شيء من الماضي ، و لا هو أيضا شبح مستقبلي يتهددنا ، و إذا كانت قد فاتتنا فرصة التعامل معه ، عندما كان مجرد شبح مستقبلي يهددنا بقدومه ، فعلى الأقل علينا التعامل معه الأن ، في معركته لإفتراس الشعب المصري . منذ قديم الأزل ، و الشعب المصري عرضة لمثل تلك الإنهيارات الإقتصادية ، التي كانت إما بسبب ظروف طبيعية ، لا يد لإنسان بها ، كما في حالات إنخفاض منسوب الفيضان ، أو بسبب إجحافات الحكام ، و فسادهم ، و هذا السبب هو الذي يقف وراء الإنهيار الحالي ، أو ما يمكن تسميته بالشدة المباركية - على سبيل التشبيه بالشدة المستنصرية - مع مراعاة المسببات في الشدتين ، و المدة الزمنية لكل منهما ، و طريقة تعامل السلطة ، في العهدين مع أثار الشدتين . و لطول عهد الشعب المصري بالشدائد الإقتصادية الراجعة لفساد ، و إجحاف ، حكامه ، فإنه طور وسائلة التي قاوم بها تلك الإجحافات . في العصور السحيقة ، لجأ المصري ، الذي أثقلته المطالبات الضرائبية الرهيبة ، للهرب من بيته و أرضه ، إلى حرم بعض المعابد ، التي كان لها ميزة توفير الحماية للمعتصمين بها ، و يظل الهارب من المظالم ، مقيم مع رفاقه في المحنة ، في حرم تلك المعابد ، إلى أن تحل الأزمة ، و يُدعى الهاربين للعودة لديارهم ، و أعمالهم . و في العصر الروماني ، و عندما فقدت المعابد المصرية حصانتها ، و اتسع نطاق المظالم ، ليشمل كافة الطبقات ، بما فيها الطبقات التي كانت ثرية ، أصبح الهروب يتجه للمدن الكبرى ، للإختفاء في زحامها ، أو بالإنضمام لعصابات قطع الطريق ، حتى خلت قرى بأكملها بفرار جميع أبنائها ، و للعلم فقد إستمرت ظاهرة هروب سكان الريف من قراهم تتكرر حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر . هذا عندما كانت الأزمات تشتد ، و يفقد المصري صبره الذي إشتهر به ، و عرف عنه ، أما قبل أن تصل الأمور لتلك النقطة الخطيرة ، فقد طور المصري وسائل أخرى ، للتعامل مع مظاهر الإنهيار الإقتصادي ، و أهمها ظاهرة إنهيار قيمة العملة المحلية ، بإنهيار قيمتها الشرائية ، نتيجة الإرتفاع المستمر في الأسعار ، مع ثبات الدخول . منذ زمن بعيد ، عرف المصري أن العملة التي في يده ، ليست بالشيء الذي يمكن الوثوق به ، و ذلك لخضوعها لتلاعب الحكام ، أو لسوء إدارتهم للشئون الإقتصادية ، أو للإثنين معاً . و بالتالي فقد أدرك المصري ، ان إدخار تلك العملة ، لا يعني أبداً حصانة ضد غوائل المستقبل ، فما يدخره اليوم ، سيصبح بلا قيمة غدا ، أو بعد غد . لهذا لجأ المصري ، بحذقه الإقتصادي الفطري ، الذي تطور نتيجة طول خبرته بطبيعة حكامه ، لسلاح أخر ، هو تحويل مدخراته إلى أشكال أخرى ، يصعب التلاعب في قيمتها ، لحفظ نتاج شقائه بعيداً عن يد اللصوص الكبار . ابن الريف ، كان كلما تجمعت في يده مدخرات ، يهرع إلى شراء ، أي قطعة أرض زراعية متاحة ، و لو كانت بضعة قراريط ، أو حتى بضعة أسهم ، لهذا يُلحظ ، حتى الأن ، ظاهرة توزع ملكيات الكثير من المزارعين المصريين ، على أماكن متفرقة ، في زمام قراهم ، أو حتى في زمام القرى المحيطة بقراهم . أما لو كانت المدخرات لا تكفي لشراء قطعة أرض ، مهما صغرت ، أو لو لم تتوافر فرصة لشراء أي أرض ، لقلة المعروض ، فكان الفلاح المصري يلجأ لشراء حلي لزوجته ، فكان يحصل على منفعتين في ذات الوقت ، فهي حلي لإستعمال نساء أسرته ، و في ذات الوقت هي مدخرات تعين على نكبات الزمن . و تلك الظاهرة ، و أعني ظاهرة الإدخار في الحلي ، لم تكن فقط معروفة في الريف ، بل إنها أشهر وسائل الإدخار ، التي عرفها المصري ، ابن المدينة ، مضافة لشراء العقارات ، في شكل منزل ، أو حتى حصة في منزل ، أو محل تجاري . في الوقت الحاضر ، و في عصر الشدة المباركية الراهنة ، و التي إستطالت حتى وصلت اليوم إلى ربع قرن ، و هناك مخطط لمدها من ثلاثين إلى أربعين عام أخرى ، لتكون - لو حدث المحظور و نجح المخطط - أطول شدة عرفتها مصر ، و لتضرب الرقم الذي عرفته مصر ، و سائر الإمبراطوري الرومانية ، في القرن الثالث الميلادي ، و التي عرفت بأزمة القرن الثالث ، و التي إستغرقت نصف قرن تقريبا ، أصبح النصح بإتباع وسائل المحافظة على المدخرات ، من تآكل قيمتها ، ضرورة ، بل و أمانه ، و ليست ترف ، و ليست تآمر على العملة المحلية . الكثير من المصريين ، لازالوا يحتفظون بمدخراتهم ، بالعملة المحلية ، التي تتناقص قوتها الشرائية بمعدل شبه شهري ، و بشكل خطير ، حتى برغم الفوائد التي تعطيها البنوك ، و تلك المدخرات ، الكثير منها ، هي مدخرات لأجل بعيد ، مثل المساعدة في تغطية تكاليف تزوج الأبناء ، أو الإدخار لأيام التقاعد ، أو للإستعانة بها على نوائب الدهر ، أو مدخرات ، يدخرها ، الشاب ، و الشابة ، من حصيلة العمل ، من أجل الزواج ، و من المعلوم ، و في ظل ظروف كهذه التي تعيشها مصر حالياً ، فإن الإدخار لمدى طويل ، بعملة محلية ، تديرها أيدي فاسدة - لا تتمتع بأي روح وطنية ، و ينعدم فيها الضمير - يصبح خطير جداً للمدخر . لقد غدا من الضروري للشعب المصري ، أن يعود لوسائل دفاعه القديمة ، ضد فساد حكامة ، و تلاعبهم بقيمة عملته . لقد أصبح من الضروري العودة للإدخار في الأرض الزراعية ، و العقارات ، و الحلي الذهبية ، و ربما العملات الأجنبية القوية - و لا أعني أبدا الدولار الأمريكي - مثلما كان المصري في العصر العثماني ، يدخر بالعملة الذهبية لمدينة البندقية ، فينيسيا ، أو بعملة مارية تريزا ، النمساوية . فمهما كانت مدخراتك ضئيلة ، و لكنها لأجل طويل ، أي لن تلجأ لها في القريب العاجل ، فعليك اللجوء لنفس الوسائل التي لجأ لها أجدادك ، لتحفظ قيمة تعبك ، من نهب حكامك . هذه نصيحة لوجه الله ، مبنية على إستعراض تاريخي ، و مبنية على المنطق ، و مدعومة بالمشاهدات الواقعية للأسعار المتصاعدة ، لكل شيء ، من الزيت ، و الألبان ، و مساحيق الغسيل ، إلى أراضي البناء ، و الشقق السكنية ، و الأطيان ، و العملات الأجنبية . إنها نصيحة لكل مصري أمين مجتهد ، يريد أن يدخر لمدى طويل ، مهما تواضعت مدخراته ، و يريد أن يحفظ قيمة تعب السنين من يد لصوص العصر ، و ليست نصيحة للمضاربين ، الذين يريدون المزيد من الثراء ، على حساب مزيد من إنهيار الجنيه المصري ، أي على حساب معاناة المواطن المصري ، فاتقوا الله ، في شعب مصر ، أيها المضاربين ، أما آل مبارك ، فلا بديل عن الإطاحة بهم ، بثورة شعبية سلمية - و أشدد على كلمة سلمية - لإنهاء هذه الشدة المزمنة .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معركتك الحقيقية ليست أمام مخبز ، أو كشك لبيع الخبز
-
أختي المصرية ، الثورة هي من أجل تأكيد ذاتك كإمرأة
-
الدم المصري ليس حلال على أحد
-
المناضل من أجل العدالة سيبقى ، الإختلاف في الوسيلة و الخطاب
-
الأحرار في أفريقيا ، و العبيد في الجزيرة العربية و شرم شيخ ا
...
-
الإعتراف بكوسوفا ، إعتراف و تكفير
-
أربعة و عشرين ميدالية ، لم تمنع إسقاط تشاوتشيسكو
-
إنما ينطق سعد الدين إبراهيم عن الهوى
-
ابنة مارجريت تاتشر ربعها عربي ، و توماس جفرسون فينيقي ، فماذ
...
-
طفل واحد لا يكفي
-
على آل سعود الإعتذار لنا ، نحن أهل السنة
-
لا لحصانة ديرتي وتر و المارينز في مصر
-
علينا ألا ننغلق ، علينا ألا نكرر خطأنا زمن الإمبراطورية الرو
...
-
الركلات و الهروات للضعفاء ، و للأقوياء ما أرادوا
-
حان وقت إسقاط أسرة أبو جيمي ، و بدون ضوء أخضر من أمريكا
-
هل من المحظور على المسلمين الترشيح لرئاسة الولايات المتحدة ا
...
-
هل يعد ج. د. بوش الإيرانيين برئيس مثل أبو جيمي ؟
-
لقد حطموا الذكاء المصري ، إنهم يريدونا عبيد
-
لن نقف أمام تكايا آل مبارك
-
مخاوفنا مبررة ، فالحرية الإقتصادية ليست مطلقة
المزيد.....
-
ما الطريقة الصحيحة لاستخدام الشوكة والسكين أثناء تناول الطعا
...
-
مصر.. القوات البحرية تنقذ 3 سائحين بريطانيين بعد فقدانهم خلا
...
-
لماذا تريد أوكرانيا ضرب العمق الروسي باستخدام صواريخ غربية ب
...
-
فون دير لايين تكشف عن أعضاء المفوضية الأوروبية الجديدة
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لقتلى قوات كييف في كورسك
-
المجر تكشف كيف تحمي مصر أوروبا
-
الجيش الإسرائيلي يعلن قتل 3 عناصر في -حزب الله- (فيديو)
-
-حماس- تدين بأشد العبارات قصف إسرائيل لمربع سكني مكتظ شرق مخ
...
-
بفيديوهات جنسية.. ضجة في العراق وتحرك أمني إثر ابتزاز شبكات
...
-
روسيا.. إطلاق أقمار صناعية للأغراض العسكرية
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|