|
بين التهدئة والتصعيد
طلعت الصفدى
الحوار المتمدن-العدد: 2231 - 2008 / 3 / 25 - 09:18
المحور:
القضية الفلسطينية
في البدء لا بد من التأكيد على أن مجمل الأحداث والتطورات والظواهر المختلفة في العالم مترابطة ، ولا يمكن فصل ما يجرى على الساحة الفلسطينية بمعزل عن التطورات على الساحة العربية والإقليمية والدولية . أن ابرز التحديات التي تواجه شعبنا الفلسطيني في هذه المرحلة ، هي استمرار الاحتلال الاسرائيلى ، والعدوان المتواصل ، وبناء الجدار العنصري ، وتهويد القدس ، واستمرار نهب الاراضى والحصار على الشعب ، واعتبار خطة الفصل الاحادى هي الأساس لعملية السلام ، وحصار غزة ، واعتبارها كيانا معاديا ، وإعلان الحرب العدوانية على أهلها ، ومحاولاتها المحمومة للتأثير على المجتمع الدولي في مواجهة الإرهاب هذا في الوقت الذي تزداد معها التحديات على المستوى الاقليمى في المنطقة والذي يتمثل في العربدة الأمريكية وتزايد هيمنتها وعدوانيتها ، وتعميق تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل ، ومحاولاتها المحمومة لإعادة ترتيب أولويات المنطقة ، بما ينسجم مع المصالح الأمريكية النفطية والعسكرية.
ورغم الهجمة الشرسة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني ، فان كافة الممارسات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية قد فشلت في تغييب القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وليست قضية إنسانية ، ولازالت القضية الفلسطينية تتصدر ابرز القضايا الحساسة في العالم وفى المنطقة بسبب تأثيرها المباشر وتأثرها في الوضع الاقليمى وحتى العالمي. وتسعى الإدارة الأمريكية لمعالجة القضية الفلسطينية بالتواطؤ مع السياسة الإسرائيلية التي تهدف لخفض سقف مرجعية القرارات الدولية ، واستبدالها برؤية الرئيس بوش والضمانات التي قطعها على نفسه لشارون عام 2004 ، والتأكيد على يهودية الدولة العبرية.
إن حركة التحرر الوطني الفلسطيني بسبب من طبيعتها التحررية والديمقراطية ونزعتها للاستقلال الوطني الحقيقي ، لا يمكن أن تنفصل موضوعيا عن المحيط الواسع للقوى المناهضة للسياسة الأمريكية في العالم ، وهى ترتبط موضوعيا بقوى مقاومة التطبيع والهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة .
ان حجم التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وقواه السياسية والمجتمعية كبيرة ، وشعبنا الفلسطيني اليوم يعيش أحلك مراحل الكفاح الوطني بسبب التغيرات الكبيرة على الساحة الدولية والإقليمية والعربية التي أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على القضية الفلسطينية ، وبسبب من فقدان البوصلة الحقيقية للحركة الوطنية الفلسطينية ، وافتقارها لبرنامج موحد ، بإمكانه توحيد الشعب الفلسطيني ، والاستفادة من إبداعاته وتضحياته ، وفشلها في التعاطي مع المتغيرات في العالم بروح التمسك بالثوابت الوطنية ، وتزايد حدة التناقضات الداخلية التي أفقدت القضية الفلسطينية بعدها الجماهيري والشعبي .
لم تشهد القضية الفلسطينية في تاريخها المعاصر والحديث هذا الانقسام العمودي والافقى ، الذي طال كل بيت وحارة ومؤسسة وجامع ، والتي تحتاج لمسؤولية عالية من أجل إعادة النسيج الاجتماعي والوطني إلى طبيعته، ووضع إستراتيجية جديدة لمواجهة العدوان ، وإنهاء حالة الانقسام والانفصال. إن أحد أولويات الإستراتيجية الوطنية في نقد التجربة التفاوضية وإعادة النظر في محتواها وشكلها بروح من المسؤولية والحرص على المشروع الوطني ، ومعرفة لماذا لم تنجح المفاوضات طيلة السنوات الماضية في إجبار إسرائيل عن التخلي عن برنامجها الاستيطاني ؟؟؟ وربطها بما يجرى على الأرض من وقائع جديدة جوهرها الصهيوني العدواني ونهب الأرض ، وتعزيز الاستيطان ، وبناء جدار الفصل العنصري وتهويد القدس ، والإمعان في محاولات إذلال الشعب الفلسطيني وفرض عزلة دولية عليه ، وحصاره وكسر مقومات صموده هذه لا يمكن فصلها عن الواقع وتداعياته الخطيرة على الوجود الفلسطيني، ولقد بينت تجربة المفاوضات خلال الفترة السابقة التي فشلت في تحقيق أهداف شعبنا ولهذا فإننا ندعو مرة أخرى إلى تجميد المفاوضات مع الجانب الاسرائيلى وربط استئنافها بوقف الاستيطان وبناء الجدار والتوقف النهائي عن الاجتياح والاعتداءات اليومية التي تمارسها سلطات الاحتلال ، ومطالبة المجتمع الدولي للتدخل من اجل إلزام إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ، وان خارطة الطريق لا تشكل مدخلا حقيقيا لانجاز التقدم السياسي.
وفى الجانب الأخر لا يمكن النظر إلى إطلاق الصواريخ كشكل مقاوم وحيد وبشكل منفصل عن الواقع الماساوى وتداعياته الحياتية على الشعب الفلسطيني خصوصا في غزة ، وما تحدثه من تضحيات وخسائر فادحة جراء ردات الفعل الصهيوني على إطلاقها ، والترويج وكأن العمل المقاوم في تعارض مع العمل الجماهيري والشعبي ، وإذا كنا نؤكد أن الظواهر والإحداث مترابطة وكل منها يؤثر في الآخر ، فإننا نقول إذا كانت تجربة المفاوضات عبر الفترة السابقة لم تحقق أهداف شعبنا ، وفشلت في إحداث تغيير جوهري بسبب عدم جدية الاحتلال الاسرائيلى ، وتهربه من استحقاقات عملية السلام ، وبسبب غياب الإستراتيجية الحقيقية للمفاوضات وعدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية ، فان إطلاق الصواريخ أيضا لم يحقق الهدف على الرغم من التهويل الاعلامى ، وعملية الخداع والتزييف ، وكأن ميزان الرعب قد تحقق ، بل على العكس زادت معاناة الشعب الفلسطيني ، ولم تقرب شعبنا من تحقيق أهدافه وأفقدته بعده العربي والدولي ، ووصمت شعبنا بالإرهاب .
إن المخرج الحقيقي هو الجمع الناجح بين عملية التفاوض والفعل الشعبي ، والانتفاضة الشعبية والجماهيرية التي فقدت قوتها ودافعتيها وإن هناك حاجة وضرورة موضوعية ومهمة وطنية لنعيد للانتفاضة الشعبية دورها الحقيقي ، و التوقف عن العمل الانفرادي والأجندات الخارجية، وتشكيل جبهة مقاومة موحدة بمرجعية سياسية كما أكدت عليها وثيقة الوفاق الوطني ، لقد تأثرت الانتفاضة وتحولت من انتفاضة شعبية وجماهيرية ذات أهداف محددة باتجاه العسكرة وتضارب الأجندات والأهداف ، ألحقت ضررا وتأثيرات سلبية على وضع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى، وفرضت عليه طابعا دفاعيا بدل أن تحافظ على طابعها الهجومي استنادا إلى الحق المشروع في النضال والمقاومة باعتبارها حركة تحرر وطني ، لقد استغلت إسرائيل العمليات التفجيرية رغم روح التضحية العالية لمنفذيها لتنفيذ أخطر مشروع توسعي عنصري في بناء الجدار العنصري وفى عملية ضم الاراضى والحصار المتواصل ..أليس من الواجب إعادة النظر في هذه الأساليب والبحث عن ابداعات أخرى لمواجهة الاحتلال تستند إلى الجماهير ؟؟
إن المعركة الحقيقة ليست في غزة ، وإلا لماذا انسحبت إسرائيل منها ؟؟؟ إن المعركة الحاسمة والحقيقية في الضفة الغربية التي تحاول إسرائيل تطويقها وابتلاع أكبر مساحة منها ، وضمها إليها ، وتقسيم أوصالها وتحويل شعبنا الفلسطيني إلى مجموعات سكانية ، يجرى محاصرتهم وتحويلهم تحت الضغط والحصار إلى البحث عن الضرورات المعيشية ، وإفقاد القضية الفلسطينية بعدها التحرري والاجتماعي ، وما يجرى في غزة ألان لا يمكن تسميته إلا تساوقا في عملية حرف النضال الفلسطيني الموحد عن المعركة الحقيقية بوعي أو بدون وعى ، وبدلا من أن تتحول غزة إلى إسناد حقيقي للنضال والكفاح في الضفة الغربية لمواجهة مشاريع الضم والقضم، فإنها باتت تشكل خنجرا في خاصرة الوطن .
أمام هذا الواقع والإحداث التي تهدد ليست القضية الفلسطينية بل والوجود الفلسطيني على أرضه ، والمحاولات المحمومة لإجراء عمليات الترانسفير إما عبر البوابة المصرية أو الأردنية ، فإننا ننظر إلى التهدئة الشاملة في الضفة الغربية وغزة كمعركة نضالية تتطلبها المصلحة الوطنية ، وتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه ،خصوصا أن الحركة الصهيونية تعيش على الإرهاب والعدوان ، والتوتر الدائم ، وتحتاج لذرائع لاستمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني ، وتتهرب حكومة إسرائيل من استحقاقات عملية السلام ، والتهدئة ليست في مصلحتها، ولهذا فإننا مع التهدئة الشاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة ،و رفع الحصار الجائر عن شعبنا ، والتهدئة في نظرنا لا تعنى بأي حال من الأحوال التوقف عن مقاومة الاحتلال ، بل تتطلب إعادة الاعتبار للفعل الشعبي والجماهيري ، وتطوير الانتفاضة التي توقفت فعاليتها بسبب الأدوات غير الناجعة ، والحسابات الضيقة ، ولإفساح المجال لكل القوى الوطنية والجماهير الشعبية ومكونات المجتمع الفلسطيني للمساهمة في دورها ، بعد أن جرى تعطيلها وتحييدها وإخراجها من ساحة الصراع ، وخصوصا أن نموذج قرية بلعين الكفاحي أثبت جدواه برغم عنف الاحتلال وجبروته ، كما تتطلب الساحة الفلسطينية فورا إنهاء حالة الانقسام بأسرع وقت ممكن ، والتجاوب مع المبادرة اليمنية ، بروح من المسؤولية العالية ، وتوحيد قوى شعبنا في مواجهة العدوان والاحتلال المتواصل على شعبنا .
#طلعت_الصفدى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شدوا الهمة.. وارفعوا راية الوطن والحزب .. 3/4
-
شدوا الهمة... وارفعوا راية الوطن والحزب 2/4
-
شدوا الهمة .. وارفعوا راية الوطن والحزب ...!!! 1/4
-
عشية انعقاد المؤتمر العام الرابع لحزب الشعب الفلسطيني أي حزب
...
-
رسالة الخداع والزيف الأمريكية/ رد على رد فريق التواصل الالكت
...
-
لماذا رحلت أيها الرفيق د.جورج حبش دون موعد ؟؟
-
معبر رفح بين الكسب الموهوم... والخسارة الإستراتيجية!!!
-
ارفعوا أيديكم عن الكاتب التقدمي عمر حلمي الغول.......!!!
-
بلعين .... والكفاح الجماهيري
-
عن أي ديمقراطية تتحدثون...؟؟؟
-
جرائم الشرف... من المسئول؟؟؟
-
لم يرتضها لحماره... فارتضاها لشعبه...!!!
-
هل تعلمنا الدرس .. من شيخ المناضلين د. حيدر عبد الشافي؟؟؟
-
تهنئة من القلب والفكر..!!
-
لماذا يا غزة؟؟؟؟
-
في غزة... أبو عمار يبعث حيا...!!!
-
- أنا بوليس - ....!!!!! I AM POLICE -….!!!! -
-
انتبهوا.. انتبهوا..لا تظلموا الشيعة فانهم من عروبتنا !!!!
-
مؤتمر الخريف... عوامل النجاح والفشل...!!!
-
الزحف على الأقدام .... أرحم منكم !!!
المزيد.....
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
-
زاخاروفا ترد على تصريحات بودولياك حول صاروخ -أوريشنيك-
-
خلافات داخل فريق ترامب الانتقالي تصل إلى الشتائم والاعتداء ا
...
-
الخارجية الإماراتية: نتابع عن كثب قضية اختفاء المواطن المولد
...
-
ظهور بحيرة حمم بركانية إثر ثوران بركان جريندافيك في إيسلندا
...
-
وزارة الصحة اللبنانية تكشف حصيلة القتلى والجرحى منذ بدء -ا
...
-
-فايننشال تايمز-: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا و
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|