|
عمو لينين وحمامة وبطة
زينب محمد رضا الخفاجي
الحوار المتمدن-العدد: 2230 - 2008 / 3 / 24 - 04:32
المحور:
الادب والفن
رحل عنا بعيداً ..هكذا بسرعةٍ... وبدون حتى إنذار ... كان الغموض سيد الموقف بيننا .. أهو حي؟ وهل ياترى سكن التراب؟.. لم يكن يحق لنا أن نسأل عنه أو نذكر أسمه.. فقط كانت عندي(فرشة شعر) كنا نسميها (فرشة عمو سمير) وهذا هو المسموح الوحيد لذكر أسمه.. كنا نعيش أياماً ليس فيها لأي سؤال جواب .. توفي أبي .. وأيضاً بسرعةٍ وبدون إنذار.. مابال هذه العائلة مستعجلةً الرحيل.. أليس لنا حقٌ في وداع.. أمكتوبٌ علينا البكاء والدهشة والفزع من الأختفاء ومن الفجأة.. سرٌ دفينٌ حقيقةُ موتك .. وحتى اليوم لا أجد له جواب .. سألت الجميع ..وأيضاً لا جواب ..كيف؟.. أين؟ .. متى؟ .. لماذا؟ .. ولأجل من ركبت موجة اللارجعة؟ .. وحرمتنا منك حيث لا لقاء. عماي (سمير وستار) أحدهما ركب الموجة والثاني بعيدٌ غائبٌ عن فرحنا والأحزان.. أشفق عليه من وحدتهِ وغربته.. والبكاء بلا صدر يحمل عنه بعضُ ألم ٍ ويمسح من عينيهِ دموعاً تهطلُ كالشلال.. وأيضاً لأجل من هذا العذاب .. كلاهما محرومةٌ عيني من كحل لقائهما..وليس هناك غير الذكريات.. أمورٌ كثيرةٌ كنت صغيرةً على فهمها.. أجتماعاتٌ.... شعاراتٌ ....لونٌ أحمر.. و حمائمُ بيضاء تسكنُ القلب والورقة والجدران. يناديني (جدي حساني) هذا الشامخ الصبور الهاديء المتبسم دوماً .. ولأنني بُلبُلهُ الفتان .. سألني؟ ماذا يفعل في الأعلى عمك ستار؟ فأفتح عيني على وسعها ولأنني أكتم سر عمي .. أهمس في أذنه.. كعادتهِ يرسم الحمام.. فيعطيني مكافأتي البلبلية (قطعة الشوكولاتة .. وأبتسامتهُ الندية) ويقول لجدتي ستجننه تلك الحمائم وسيضيعه من يدينا هذا الطريق.. ولأنني بلبلٌ ينقل كل شيء بقيت قربه حتى أنفض من كلامه.. ثم أخذت أوراقي وألواني .. مشيت ببطء أمامه وأنا أغمض عيني حتى لا يراني.. ووضعت قدمي على أول درجة.. فقال (ها كرعة وين؟) فقلت سيعلمني عمي الفنان الرسم.. وسيعجبك حتماً بعدها رسمي .. ثم همست .. لا تخف لن أرسم حماماً وأغضبك .. هل سيرضيك لو رسمت بدلها بطة حمراء.. فيسألني لماذا بطة حمراء .. بطة لأرضيك وحمراء لأرضي عمي .. صعدت .. وكان يرسم صورة للينين.. فشهقت من هذا؟ فضحك من تغير ملامح وجهي وقال هذا( عمو لينين) ..ظلت حدقاتي تدور بسرعة وأصبح رأسي فجأة بالونة .. وكاد ينفجر.. كيف أكون بلبلاً فتاناً ولا علم لي بعمو لينين.. يجب أن أجده أولاً لأخبر جدي عنه.. نزلت بسرعة وجلست قرب جدتي وبكل هدوء سألتها ( بيبي وين ضامة أبنج لينين) فصاحت مستغربة(هذا يمة أمنين.. أكيد هاي سوالف عمج)..(بعد لترحين يمة).. ولكن كيف أستسلم وأجلس هكذا دون أن أجده.. هربتُ عائدةً لعمي.. وسألتهُ ( عمو عفية وين خاتل عمو لينين) .. فأشار الى كومة كتب تفترش الأرض وقال هناك؟.. أقتربت من هذه الكتب وبحلقت عيني فلم أجد شيئاً.. ثم تلفت يميناً ويساراً وقربت فمي من الكتب وقلت ..(عمو لينين أنت هنا ).. لم يجبني أحد فسألت عمي مرة أخرى هل لينين زعلان ... فتنهد طويلاً وقال أكيد الوضع لا يعجبه.. فقلت له طبعاً أنت على السرير وهو ينام في الكتب .. أكيد هو زعلان جداً لأنه لم يجبني... فضحك عمي طويلاً وكنت كثيراً ما أضحكه.. ظللت فترة طويلة كلما صعدت الى الغرفة وحدي أكلم عمو لينين ولكنه لا يجيبني .. حتى أني في يوم أخذت له(نستلة) حتى يخرج وأخذه لجدي لكنه رفض.. سافر عمي وأخذ معه الأوراق والألوان والحمائم البيضاء وترك لي كومة الكتب وعمو لينين والبطة..ثم تبعه عمي سمير وترك لي ملامح وجه تشبهه كثيراً وصوت جميل كان يغني معه .. حفظت كل أغاني فريد الأطرش التي يحبها.. فقط لأجله لأنني كنت أقول له (هذا محلو ليش تحبة).. فيغني لي (ساعة بقرب الحبيب ) فأغني معه وأضحك .. ونغني ونغني ونغني حتى نتعب وعندما ننشد الراحة أيضاً نغني.. وفي يوم أخرجت عمتي كل الكتب ووضعتها في السطح وأحرقتها كلها.. لم أكن أعلم لماذا هذا الخوف من الكتب ..ولم تشعل النار فيها .. كنت ما أزال أظن أن عمو لينين بها وأنه سيحترق قبل أن يراه جدي وآخذ مكافأتي.. اليوم عمي فهمت كل شيء ... ولكن بقى شيء لم أفهمه لماذا قتل عمي سمير.. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ نم قرير العين يا عمو حبيبي ... نم في الجبال حيث لا أستطيع أن أراك .. وسأغني لك أغنية سعاد محمد ( أوعدك وأنت بعيد تفضل حبيبي ...أوعدك دايماً فاكراك.. أوعدك ولا يوم حنساك). ووعداً مني يا عمي ستار..سٍاعلم أبنتي رسم الحمامة البيضاء بدون خوف ولا رياء ولن أدعها ترسم يوما نعامة تخفي رأسها وقت الشدة ولا حتى بطةً حمراء. زينب محمد رضا الخفاجي ٭(سمير)هو الشهيد ابو صابرين الذي استشهد في بشت ئشان في الاول من ايار ١٩٨٣
#زينب_محمد_رضا_الخفاجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرفوض ضوء النهار(تكملة لموضوع حوار في الجنة)
-
مرفوض ضوء النهار
-
دللول
-
لفة و برتقالة
-
اعتذار ومغفرة
-
حوار في الجنة
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|