امنحوا الخليجيات حق المشاركة السياسية ..وناقشوا قضاياهن الملحة عبر مجلسكم الموقر يا قادة
منذ أن تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربي وحتى يومنا هذا الذي يعقد فيه دورته الرابعة والعشرين لم تتضمن جلسات المجلس الموقر جلسة واحدة ،أو بند واحد من بنود قائمة العمل فيه أي مناقشة تختص بقضايا ومشاكل و هموم وتطلعات وآمال و احتياجات نساء الخليج العربي وفتياته على الرغم من فرص التعليم والعمل والثقافة العالية التي حصلت عليها النساء في هذه الدول منذ ما بعد أيام الطفرة الاقتصادية وتطور البنى التحتية الخاصة بتعليمها وعملها في بعض هذه الدول وحتى انعقاد القمة الخليجية الحالية في دولة الكويت وبخاصة فيما يتعلق بتطوير التعليم العام والتطوير الجامعي ،وتطوير الأسرة ،و تطوير قطاعات العمل التي تشارك فيها المرأة الخليجية في قوى الإنتاج ،وبخاصة عملها في مجالات التعليم والصحة و الإعلام والمجال الاجتماعي ،ومجال الإعلام والثقافة وكذلك مجال العمل التطوعي في هيئات وجمعيات المجتمع المدني المسموح بها في بعض دول المجلس .
ونستغرب نحن النساء الخليجيات تهميش القيادات الخليجية الحاكمة لدورنا كنساء في دول المجلس .وكأن قضايانا منفصلة عن قضايا دولنا الخاصة بالمجال السياسي والاقتصادي إضافة إلى قضاياها الأمنية والاستراتيجية .
ونحن إذ ندعو اليوم قادة الخليج المجتمعين في الكويت إلى ضرورة الالتفات لقضايانا المشتركة عبر مجلسهم ندرك تماما حجم الدور الطليعي الذي يجب أن نضطلع به كنساء خليجيات في المرحلة القادمة خصوصا إذا ما علم القادة أن شريحة كبيرة من اللواتي تلقين علم وثقافة عالية ،وأثبتن كفاءة واتزاناً من نساء وفتيات الخليج يرغبن في إشراكهن في مناقشة هذه القضايا الملحة من خلال عبور بوابة المجلس الخليجي باعتبارهن يمثلن نصف المجتمع الخليجي بل أنهن كل المجتمع الخليجي .
إن أولى القضايا التي يجب ان تعرضها النساء الخليجيات على المجلس هي قضية مطالبة القادة بإدراك حقوق النساء السياسية والتي كفلها لهن الشارع والتي تعد من أكثر القضايا إلحاحا وحساسية حيث ان بعض دول المجلس الخليجي باستثناء عمان لا زالت تنظر إلى مشاركة المرأة السياسية نظرة المشكك والمرتاب في احقيتها في اكتساب المشاركة السياسية ..ففي السعودية مثلا لا نجد سوى امرأتين فقط تم انتخابهن كمستشارتين في مجلس الشورى وتم ذلك على استحياء على الرغم من الكفاءة العالية التي تتمتع بها نساء السعودية الاكاديميات في مجال البحوث التي تخدم مسيرة المرأة التنموية في المملكة والخليج العربي .في حين واجهت المرأة في الكويت آراء عدة معارضة لإكسابها حق المشاركة السياسية منكرين بذلك قانون التغيير الاجتماعي ،وضرورة التوفيق بين الشريعة والظروف المستجدة على الرغم من أن هذا التوفيق أثبته القرآن الكريم ذاته ..حدث هذا التمييز ضد المرأة الكويتية في حقوقها السياسية على الرغم من ان الكويت دولة ديموقراطية بسبب توظيف أصحاب الآراء المعارضة لإكسابها هذا الحق نصوص الاسلام لصالح ارائهم المعارضة والمخالفة للحقيقة التي منحت فيها المرأة في عصر الرسالة حقوقها السياسية ،على الرغم من أن دستور دولة الكويت يؤمن بمبدأ المساواة بين الرجال والنساء إلا ان قانون الانتخاب هو الذي فوت عليها فرصة اكسابها حق الترشيح والانتخاب حيث لا يجوزه إلا للرجال .حيث لا زالت المرأة الكويتية على الرغم من كفاءتها في تخريج الكوادر الرفيعة والتي تقلد بعضها المناصب القيادية لا تزال عاجزة حتى الان عن أداء دورها في المجال السياسي على الرغم من أن الرجل الكويتي يمنح هذا الحق ولو كان أميا لا يجيد فقط غير رسم اسمه .
ولعل المراة البحرينية ايضا لا تقل حسرة وألما عن المرأة في السعودية والمرأة في الكويت لا سيما إذا ما علمنا أن البحرينية دخلت الانتخابات البلدية ولكنها خسرتها ليس باعتبارها تجربة جديدة عليها وعلى المجتمع البحريني برمته بل لأن الرجل وقف ضد نيلها حق الانتخاب والترشيح ووظف النساء البحرينيات غير الواعيات سياسيا لأهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية ضدها ايضا ،إضافة إلى ان الجماعات الدينية التي حالت دون نيل البحرينيات حقهن يكونون قاعدة كبيرة حيث لعبت هذه الجماعات دورا كبيرا في الإقناع بعدم التصويت للمرأة.
أما المرأة الإماراتية فمثلها مثل شقيقتها في السعودية لم تمنح بعد حقها السياسي في الانتخاب على الرغم من أن رئيس دولة الإمارات لا يمانع ذلك ،وعلى الرغم من أن المرأة الإماراتية ساهمت في جميع المجالات في دولة الإمارات العصرية كالتربية والتعليم حتى أنها وصلت إلى درجة وكيل وزارة ومديرة لبنوك ومؤسسات حكومية اقتصادية فاعلة إضافة إلى مشاركتها في تمثيل دولتها عالميا في المنتديات السياسية والاقتصادية ومساهمتها بطرح آراءها السياسية .ووصولها إلى مستوى متقدم من الثقافة والمشاركة العلمية في مختلف ميادين الحياة ،وهذا يعني أنها تملك الاستعداد للمشاركة في العمل السياسي باعتبارها شريكا كاملا للرجل في كافة أوجه الحياة ،وان لها الحق الكامل في المشاركة السياسية ،وصناعة القرار السياسي بناءا على ما أعلنه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال لقائه مع ممثلات المنظمات الدولية في ديسمبر من عام 1997م وقال:"إنه لا مانع إطلاقا من انضمام المرأة للمجلس الوطني ،فهذا من حقها"مؤكدا بذلك إنه لا فرق بين المرأة والرجل في الإمارات إلا بالعمل".ويرى البعض أن الإماراتية عندما تم ترشيحها من قبل سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك لحضور جلسات المجلس الوطني الاتحادي كمستمعات هو بداية لانخراط الإماراتيات في العمل السياسي ،إضافة إلى السماح لخمس سيدات من بنات الإمارات للدخول للمجلس الاستشاري في إمارة الشارقة وذلك من قبل سمو حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى ولكنهن لا زلن ينتظرن حتى اليوم فرصة دخولهن للمجلس الوطني الاتحادي حيث أنهن بدخول هذا المجلس سيتمكن من المشاركة السياسية الفعلية والكاملة باعتبارها حق من حقوقها التي كفلها لها دستور دولة الإمارات .
وتعد المرأة القطرية افضل حظا من المرأتين السعودية والإماراتية حيث منحتها قيادة بلادها حق الانتخاب والترشيح لأول مرة في 8 مارس 1998م ،وجاءت هذه الخطوة التي خاضتها المرأة القطرية رغم حداثة تجربتها في العمل السياسي الميداني ضمن إطار التغييرات الهامة والمستحدثة التي عاشها مجتمع دولة قطر السياسي منذ منتصف التسعينات وحتى الآن .حيث كثفت القيادة القطرية فرص إدماج المرأة ضمن المحور السياسي و إشراكها في التنمية بمختلف مساراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما تم وضع برنامج عمل لتوعية المرأة، والمجتمع القطري حول مشاركة القطريات في الانتخابات البرلمانية المقبلة وذلك من قبل المجلس الأعلى لشؤون الأسرة ،إضافة إلى أن لجنة شؤون المرأة قامت بدور طليعي هام لضمان حق النساء القطريات في المشاركة في مواقع السلطة وصنع القرار .وفي أول تجربة انتخابية تخوضها القطرية باعتبارها ناخبة ومرشحة بلغت نسبة النساء المقيدات في جدول الناخبين قرابة 45% من أجمالي عدد الناخبين.كما بلغت نسبة المرشحات 3% من إجمالي المرشحين (هن 6سيدات لم تفز أية واحدة منهن).كما مثلت نسبة المقترعات من إجمالي عدد الناخبات 77.4% مقابل 81.5%للرجال .وتعد هذه النسبة جيدة نظرا لحداثة التجربة كما أنها أيضا تعكس قدرة القطريات على التفاعل مع قضايا مجتمعهن وانطلاقة للوعي بأهمية العمل السياسي الميداني للنساء القطريات .
وعلى الرغم من فشل المرشحات القطريات الست في الانتخابات إلا أنهن لم يواجهن بالرفض الشديد من قبل شرائح المجتمع الذكوري في بلدهن بل كانت اراء المتشددين المعارضين لمنح القطريات حقهن السياسي والذي صدر عن رموز الحركة الاسلامية في قطر ورغم تقديمهم لمذكرة إلى مجلس الشورى القطري للمطالبة بمنع مشاركة المراة السياسية وهي القضية الأهم في سلم اولويات المجتمع القطري إلا ان هذا التيار المناهض لعمل المراة السياسي لم يكن مع ذلك عنيفا أو مندفعا كما هو الحال في البلدان الخليجية الأخرى ،كما أن ثمة اراء متحمسة وراغبة في نجاح التجربة الانتخابية للقطريات بل ومؤيدة لوجودها في المجلس البلدي إضافة إلى أن ثمة في المجتمع القطري ايضا من يفضل مشاركتها السياسية عن طريق التعيين لا الانتخاب .وعلى الرغم من ذلك إلا ان المرأة القطرية لا تزال حتى الآن رهينة للمنظومة الاجتماعية التقلدية وعدم اقتناع المرأة ذاتها بدور شقيقتها المرأة في العمل السياسي ،إضافة الى تدني نسبة الوعي بدور النساء في صنع القرار السياسي .
وتبدو المرأة العمانية أكثر حظا من كل نساء الخليج حيث منحتها السلطنة الكثير من الحقوق بدءا بالتعليم والعمل في المجال الاقتصادي والاجتماعي و انتهاءا بحقها في الترشيح والانتخاب حيث انها منحت الحق العام للمشاركة في انتخابات المجلس اختيارا وتشريحا .وأصبحت تنافس الرجل لشغل المقاعد المخصصة لعضوية المجلس في مختلف الولايات .و اصبح الفصل في الاختيار والترشيح ،هو صندوق الاقتراع وثقة المواطن العماني في من يختاره.كما تم تعيين أربع نساء من ضمن (41)عضوا وخمس نساء عام 2001م في مجلس الدولة ومجلس الشورى وذلك بغية توسيع دور العمانيات في المشاركة في رسم السياسات والخطط والبرامج التنموية الشاملة وهذا التمثيل في مجلسي الدولة والشورى اتاح لها فرصة المشاركة في مناقشة ودراسة القضايا والمشروعات التي تهم المجتمع منذ ان سمح لها في المرة الاولى باكتساب هذا الحق في عام 1994م إذ تم اختيار امراتين بمحافظة مسقط .واصبح من حق المراة الترشيح لعضوية المجلس .وفي عام 1997م تم تعيين 4نساء من ضمن 41عضوا في مجلس الدولة وذلك بهدف توسيع دور النساء العمانيات لرسم السياسات والخطط والبرامج التنموية للمجتمع العماني .
ومن هذا يتضح لنا أن المرأة الخليجية التي لم تمنحها حكومتها حق الانتخاب والترشيح والعمل السياسي هي المرأة السعودية والإماراتية حيث لم يمنحن حق هذه المشاركة ولكن ليس معنى هذا ان بقية نساء الخليج هن افضل حالا من نساء السعودية والامارات إذ لازالت نسب مشاركة المرأة الخليجية في الانتخابات والترشيح لا تتعدى 3% فثمة رفض لممارسة النساء الخليجيات للعمل السياسي نتيجة لقيم هذه المجتمعات التقليدية التي لا تزال حتى الان تقبع في التخلف من ناحية قبول التغيير في أدوار النساء حيث تقف مجتمعاتهن الذكورية كما تقف النساء فيها في مفترق طرق بين قيم الحداثة والتطور وبين منظومة القيم الاجتماعية السائدة في منطقة الخليج العربي .ولعل الأمر فيما يتعلق بمسالة مشاركة النساء الخليجيات الميدانية الفعلية في مجال العمل السياسي والذي يعكسه الواقع الفعلي لهذه الدول والذي يبدو الأكثر تعقيدا وذلك انطلاقا من القول "إن التغيرات المجتمعية التي أصابت المجتمع العربي والخليجي على وجه الخصوص خلال العقود الأربعة الماضية .قد ساهمت في زيادة السطوة الفكرية للجماعات السلفية المتشددة وأحدثت بل وألحقت على أصعدة كثيرة نكوصا مجتمعيا .
وهذا الأمر وسواه يجعلني كامرأة خليجية أطالب قادة مجلس التعاون المجتمعين في الكويت بضرورة تبني مجلس التعاون الخليجي لقضايا المرأة الخليجية وبخاصة مناقشة قضية نيلها لحقوقها السياسية (حق الانتخاب والترشيح في المجالس النيابية ،ومجالس الشورى ) ،إضافة إلى مناقشة منحها حق المشاركة في صنع القرار في جميع مناحي الحياة ،وإتاحة الفرصة لهن لنيل هذه الحقوق دون تمييز ،حيث على القادة أيضا إفساح المجال أمام الخليجيات لمناقشة توليهن المناصب السياسية العليا كرئاسة الوزراء وغيرها في دول المجلس،والسماح لهن أيضا بعرض ومناقشة مشاكلهن أو العقبات التي تقف دون تقدمهن في مجال المال والأعمال ودنيا الاقتصاد على الرغم من الأرصدة النسائية الهائلة المجمدة في البنوك والمصارف ،إضافة إلى مناقشة بطالة النسا ء الخليجيات عبر المجلس واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها وذلك بالسماح للنساء الخليجيات بالعمل في دول المجلس وبخاصة في مجال التدريس والصحة والإعلام والعمل الاجتماعي وهذا من شأنه أن يفتح سوق جديدة لتبادل العمالة النسائية الخليجية حسب الاتفاق المسبق بين هذه الدول.إضافة إلى مناقشة كافة القضايا المتعلقة بالمرأة الخليجية لأنها هي الأجدر والأكثر معرفة بحاجات المجتمع النسائي وضروراته التي لا مناص منها .
فهل ستشهد نساء الخليج مناقشة واقعية فعلية لقضاياهن المصيرية الملحة والمشتركة عبر بوابة مجلس التعاون الخليجي وبمشاركتهن أيضا ؟ وهل سيأتي اليوم الذي تقف فيه قيادات دول المجلس الخليجي سندا حقيقيا للمرأة الخليجية وتقف هذه القيادات في وجه العادات والتقاليد والنظرة المحدودة جدا لدور النساء الخليجيات فتضع قضية إكسابهن حق المشاركة السياسية ضمن القضايا الهامة التي يجب الاهتمام بها في منطقة الخليج العربي ،وتعمد هذه القيادات إلى توجيه التنمية نحو وضع استراتيجيات من شأنها أن تسهم في تغيير المفاهيم القديمة والراسخة في عقول أبناء الخليج من أجل استيعاب التطوير الذاتي ،والتغيير في أدوار النساء الخليجيات بهدف تمكينهن من المشاركة الفعلية في صياغة وصناعة مصير أوطانهن ؟ فمتى سيتحقق هذا الحلم يا قادة الخليج؟!
صحافية سعودية
سيهات / محافظة القطيف المنطقة الشرقية