|
اغتصاب
خيري حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 2228 - 2008 / 3 / 22 - 07:09
المحور:
الادب والفن
كانت تتهادى وجدائلها تميل نحو اليمين والشمال. جمالها خافر خجول، وتفّاح وجهها متورّد وصدرها ناهد. كانت تخشى السير وحيدة في شوارع الحيّ. لكنّ والدتها كانت تعتمد عليها في قضاء الكثير من الحاجات. توفّي والدها وعمرها سنتين، ولم يرزقها القدر سوى هذه الابنة. - ماجدة .. انتظري قليلاً يا صغيرة. وما أن شاهدته حتّى سارعت الخطى هاربة من ظلّه الثقيل. كانت رائحته مقرفة، ولحيته تتدلّى كالخرطوم بالقرب من صدره. ملابسه صفراء من كثرة الاستعمال، عريضة وعليها بقع كثيرة من الدهن ومخلّفات الطعام. وكثيراً ما كانت تتقيّأ بعد أن تنتهي المطاردة بسقوطها منهكة بالقرب من المنزل. - يا إلهي .. لماذا لم يرزقنا المولى شقيقاً يحمينا شرّ أشباه الرجال أمثال المدعو الحاج سنان. كانت أمّها تنهرها كثيراً وتصيح في وجهها. هذا حاج يا ابنتي! من يصدّق حكايتنا؟ أرجوك احذري منه إذا كانت روايتك صحيحة وابتعدي عنه قدر الإمكان.
أخذت ماجدة حذرها كلّما كانت تعبر الطريق الى المنزل ذهاباً وإياباً. كانت تدرك بأنّها إذا وقعت بين يديه فلن يرحمها مهما تعذّرت وصرخت وتمنّعت. وكانت لا تعي لماذا يلاحقها وهو الذي يمتلك زوجتين وعشرة أولاد، وعدا عن كلّ هذا، كان عمره يتجاوز الأربعين وهي ما زالت في عنفوان الشباب. - يا ربّي إبعث لي خطيباً شاباً يدرك مشاعري كامرأة. هل قلت امرأة! رحمتك يا ربّ، أنا لم أتجاوز الخامسة عشر من عمري، لم اعرف المدرسة وكان طموحي مساعدة أمّي في قضاء حاجاتنا اليومية. وأخذت تفكّر مطوّلاً وتتساءل: - تُرى، أليس بإمكان ابن جارنا محمّد مساعدتنا؟ كانت على وشك مفاتحته بالأمر، لكنّ الخجل ألجمها، احتارت في أمرها، ولم تجد بدّاً من الصبر ومراعاة الحذر الشديد.
وفي أحد الأيام الباردة، طلبت منها والدتها أن تذهب الى أحد بيوت الأفاضل الذين تقدّموا بوجبة عشاءٍ فاخرة للعائلة المُعْدَمَة. كانت الأم ترغب بالذهاب لإحضار الطعام بنفسها، لكنّ ماجدة أشفقت على حالها بعد أن أنهكها الروماتيزم. سارعت ماجدة الخُطى الى منزل ذلك الرجل الذي كثيراً ما كان يتذكّرها ووالدتها. كان يغمرهم بفضله ويقدّم لهما الملابس الجديدة بين الحين والآخر. لم يقدّم لهما ملابساً عتيقة أو مستعملة احتراماً لمشاعرهما. وكان الطعام تلك الليلة ساخناً وشهيّاً.
شاهدها الحاج سِنان عند ناصية الشارع، وضع طرف ثوبه الرماديّ القذر بين أسنانه وأخذ يركض اتّجاهها. كان يدرك بأنّها بطيئة الحركة بسبب القدر الذي كانت تحمله. أمسكها أخيراً من جدائل شعرها وصاح: - تهربين من الحاج سنان؟ - دخلك يا ربّي .. دَعني أرجوك. - أنت حليلتي يا ماجدة .. أنا أحبّ خدودك ونهدك يا قطر الندى. - أنت بعمر جدّي يا خنزير. ضربها على وجهها وعصر كتفيها وقال: - الرجال قوّامون على النساء يا هبلة. ضربته على عصب ساقه، شعر ببعض الألم، لكنّ هذا العداء زاده إصراراً على التمسّك بأطرافها. أخذ القدر من يديها وشمّ رائحة الأرز واللحم المتصاعدة من غطائه. ثبّت جسدها الصغير بكتفه وتناول من القدر قطعة لحم كبيرة وتناولها على عجل. ثمّ وضع القدر على الأرض وسارع بشقّ ثوبها من الخلف. قذفها الى ألأرض بعنف وشبق، وكانت الشهقات تتوالى من فمه الذي كان يلمع تحت أشعة القمر. مسح بكمّ دشداشه قطرات الزيت عن فمه ولحيته، وانقض على حلمات الفتاة التي صرخت كالغزال الجريح في وجه القمر. لكنّ البرد عند ساعة المغيب ترك الشوارع مظلمة وخاوية. كانت ماجدة وحدها في مواجهة فحل لا يعرف الرحمة. أخرج عضوه وهمس كالمجنون "سأتزوّجك". شعرت بألمٍ لا يوصف حين ولجها. كانت براءتها قد شقّت الى قسمين. عالمها الطفوليّ تلطّخ بدماء أنثى لم تنضج ثمارها بعد. وامتزجت الدموع بسوائل حارقة وابتسامة رجل بقي طريح الأرض بعد أن قضى حاجته كحيوان خبا بعد هياج استمرّ لحظات. - لا تخبري أحداً يا ماجدة .. غداً سنعيد الكرّة.
لم تكن تعرف هل الدماء التي لطّخت ثيابها دماءها أم دماء سنان؟ لم تكن تعرف من تألم في نهاية المطاف، جسدها البضّ الذي تمزّق تحت ثقل سنان، أم روحه التي بقيت معلّقة عند طرف قطعة الزجاج التي غرستها في رقبته؟. كانت الدماء تنفر من أصل رقبته، وكان سنان يجأر كالتيس الذبيح. نظرت إليه وهدير البحر يتكسّر في زرقة عينيها. أمسكت قطعة زجاج حادّة أخرى وغرستها في صدره. انتفض جسده عدّة مرّات قبل أن يخمد ميّتاً. تناولت ماجدة القدر ومضت الى والدتها. كانت في تلك اللحظة قد أدركت بأنّ الطفلة البريئة التي كانت تسكنها قد ماتت والى الأبد.
#خيري_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|