|
مَناسكٌ نرجسيّة 6
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 - 07:51
المحور:
الادب والفن
قدّرَ لي ، والدنيا على أبواب موسم السّعود ، مصادفة أقلّ نحساً مما يُتحفني بها عادة ً تسكعي . غروبُ ذلك اليوم ، الخريفيّ ، كان مُزدهرًا بأضوائه ، إنما بلا وهم سعادةٍ دانية . رأيتني ، إذاً ، أحاذي سورَ حديقة البرلمان ، لأحيي من ثمّ في أحد الحراس بشاشته وخفارته لحصن الديمقراطية هذا ، الحصين . ولكنّ الرجل سرعان ما كشني ـ كدجاجةٍ من قريته ، البعيدة ، صارخاً في بهجتي : " إنزل من على الرصيف ، ولاه ! " . عندئذٍ ، قلتُ سأكفر بربّ الحاضرة ، إن لم تجلبَ ليَ فرحاً . مسرّتي ، إستعدتها على كلّ حال ، كما وقدميّ الطليقتين ، حينما مرّت بي فتيات ثلاث ، أنيقات المظهر ، عند الجادة المنعطفة من تدويرة " عرنوس " ، لتختلط تحت خميلةٍ ، عابرة ، ظلالنا . ثمّ ما عتمَ أن لبّس عليّ ، في إنفصال إحدى هاته النسوة عن رفيقتيها مودّعة ً ، وإتجاهها نحوَ التدويرة الاخرى ، " الشهبندر " . إذاك ، بانتْ صفحة وجهها ، مجليّة ً ، تحت الأضواء القويّة للشارع الرئيس .
ـ " فريدة .. ! " ندّت صيحتي ـ كآهةٍ مذهولة . ما تهيأ لي التأكد من ترداد الصدى ، المُنجاب . سوى أنّ خطى الفتاة ، العجولة نوعاً ، تبدّت لعينيّ أكثرَ تمهلاً . لاحق بصري من ثمّ عجيزتها ، المتبدية له أيضاُ أوفرَ رفاهاً ؛ بتكوّرها في ملبس ضيّق ، سماويّ اللون ، يُضافر تفجير تفاصيلها ، المثيرة ، ما تبوّج من برق الجوارب ، الأرجوانية النسيج . ندهتها بصوت مرتفع ، هذه المرّة . بيْدَ أنها إلتفتت نحوي لحظة وحسب ؛ لحظة ، كانت كافية ً لنجمَيْ " العذراء " و " الثور " ، كيما يتبادلان نظرات ساخرة ، مُهيمنة على المشهد المسائيّ . ندائي ، علاوة على مظهري البائس ، ما خففا بحال من إندفاع الخطى ، المستقيم والدائب ، والما لبث أن إنتهى عند بناية تقع في الدخلة الفاصلة بين حديقة " المزرعة " ومبنى " البنك المركزي " . ولجتُ خلف فتاتي ، حالما هبطتْ درجات القبو ، وكأنني ممغنط ٌ بأريج ، طائش ، من عطرها . فتحتْ باب الشقة ، المتوحّدة ثمة ، ليتوهّج من ثمّ المكان العتم بنور صادر عن الردهة . هادئة ً ، أشعلت سيكارة فيما تراوح قدميها برشاقةٍ على عتبة الباب الرئيس . خاطبتني على الأثر : " حسنٌ ، ها أنتَ تعرف الآن مكاني " . صامتاً ، رحتُ أتأمل أناقتها وتبرّجها ، هارباً من وخزة نظرتها . ولكن خيّل إليّ أن ملامح " فريدة " ، الفاتنة ، قد خلتْ من أيّ ذكرى سيئة ، لما إستطردتْ بالقول : " تعالَ ، متى أردتَ ، بعد الساعة العاشرة من مساء الجمعة . نحنُ هنا ، أمَاتٌ كادحات ! " .
*** لكلّ مساءٍ شِقوته وعلّة سياقه . ها أنا ذا هنا ، في أمسية يوم الجمعة ، المُصاقب موعد اللقاء ، المُرتقب ، متمددٌ على الأريكة وبيدي كتاب " اليوميات " ، المخطوط . ريحٌ خريفيّة ، مُتمادية الإدامة ، منعتني من قصدِ السوق ؛ أين الدروب المُبهجة ، المُنارة ، للحيّ الراقي ، المُعتادة على تسكعي المُتضجّر . لم أتعجل المضيّ إلى مسرّتي هذه ، ما دمتُ على موعدٍ مع مسرّة اخرى ، آجلة . وكذا الأمر ، فيما تناهى من صدى الإطلاقات الناريّة ، المُتناهية لسمعي آنئذٍ ، والتي لم أعبأ بها ما دامت متأتية من آماق أبعدَ من الحارَة وحربها ، الأهليّة . صفير " نوروْ " ، المألوف ، كان عليه أن يحثني للتناهض والتوجّه إلى الشرفة . أبصرته ثمة ، مستنداً على حائط المنزل المُجاور . ثمّ ما عتمَ ، وسط دهشتي ، أن تحرّكَ مُصعّداً نحوَ صدر الزقاق ، دونما إجابة لتلويحة يدي بمفتاح الباب ، الخارجيّ .
ـ " ما الأمر ، بالله عليك ؟ " ـ " قتلوا " عيسى " ؛ هذا كلّ ما في الأمر " أجابني بهدوء ، فيما سحنته مُضاءة بنذر عصيّة على العاطفة . أخذ كلّ منا يُحدّق بالآخر ، صامتاً دوماً . وأذكرُ من تلك البرهة ، أيضاً ، أنّ خصلات شعر صديقي ، البليلة ، أوحت لي بمكوثه زمناُ تحت المطر ؛ وأنّ المشهدَ ، اللاحق ، الذي شافه بصري كان أشبه بأضغاث كابوس . وكانت الجثة الرثة ، قد لاحت لعينيّ من بعيد ، متمددة إزاء بناء ، عشوائيّ ، من عدة أدوار ، مشغول من لدن أسر غريبة ، ريفيّة المصدر . ولكن ما كان ثمة مخلوق ، في هذه البقعة المدميّة ؛ اللهمّ إلا كلب شريد ، ما لبث أن فرّ إثرَ رمية من حجر ، غاضب . القتيل ، المتوحّد ، المستلقي على ظهره ، بدا برجليه المنثنيتين ، كما لو أنه فجأ الموتَ بإسترخاءٍ ، لا مبال . بيْدَ أنّ وجهه المغطى تماماً بالدم ، جعل فكرة خرقاء تعتملُ في نفسي . هكذا رأيتني أخرق الصمتَ ، متسائلاُ : " من أين لقريبنا ، " عيسى " ، هذه الجثة الجبارة ؟ " . ـ " لو لم نأتِ ، على عجل ، لما أبقت الكلاب على جثته " ، أجابني " نورو " وكأنما لم يفهم مُرادَ كلمتي . فيما بعد ، أدركتُ أنّ جواب صديقي هذا ، إنما كان من واردات هذيانه ولا شك . إذ كان هوَ ، بنفسه ، مع قريبنا المغدور ، في ذلك المساء اللعين ، الشاهد على الجريمة . كانا إذاً قادمَيْن من جهة حارَة الشراكسة ، حينما باغتهما خروج شبح رجل ، مترصّد . وعلمتُ منه كذلك ، أنّ " عيسى " ، الأعزل ، إندفع بلا وعي ، متحدّراً على الدرجات العتمة ، المُفضية لمدخل الزقاق ، فيما كانت الطلقات تلاحقه .
وحيداً ، عدتُ أدراجي إلى الزقاق ، فيما المطر بدوره عادَ للتساقط موجة ً إثر موجة . وكالمسرنم ، وجدتني عندئذٍ أنعطف نحو دخلة " قادريكيْ " ، لأفتح من ثمّ باب الدار الكبيرة ، الذي لم يعرف ، عبر تاريخه الأزليّ ، مزلاجاً . إمتلأ داخلي برهبة حضور الطيف ، في إقترابي من البقعة المُظللة بهامة تينة السبيل . إذ بدا ثمة ، أمام باب تلك الحجرة ذاتها ، المسدود بجرم العمّ . خيّل إليّ عندئذٍ أنّ الحضورَ ذاكَ ، المُطيّف في العتمة ، قد ولى نحو مجهلته ، ما أن أحسّ بوجودٍ دخيل . وهوَ ذا " قادريكي " ، على الأثر ، يتطامن نحوي بظله العملاق . كلماتي ، البليلة بدموع السماء ، راحتْ إذاك تنهمرُ على مسمع العمّ . ـ " إذهبْ من هنا ، أنا لستُ حفارَ قبور ! " قطع كلماتي بصوته ، المُصمّ ـ كالرعد المدوّي للتو ، والمسبوق بالبرق النذير . باب الحجرة ، ما لبث أن غيّب الرجل الغاضب . بيْدَ أنني ، مُرتعشاً ، لبثتُ متسمّراً بمكاني ، فيما بصري يلاحق طيفَ الأمّ ، الثكلى للتوّ ، الهائم في الغلسة ثمة ؛ أين شجرة التين ، النائحة ، المُهتزة بفروعها وشرائطها .
*** في سرير ضمّني والغريبة ، أسدلتُ سجُفَ عينيّ على المنظر المدميّ ، المتخلف عن ذلك الليل ، الداهم ، من يوم الجمعة الفائت . إثر وصلة المضاجعة ، الصخابة ، حلّ الصمتُ مجدداً بيننا . مذ مستهل السهرة ، ما كان لي من حديث مع فتاتي ، سوى ذلك المتصل بأمر قريبنا ، المغدور . ضجرة ً ، ولا غرو ، تناهضتْ هيَ نحوَ بار الصالون ، العامر ، لتجتلب من ثمّ قدحين من الويسكي ، مُترعين . " بماذا تفكر ؟ " ، سألتني فيما تنفث بعصبيّة ضباب لفافتها . ـ " لا شيء " ـ " يبدو لي أنكَ تضايقت ، بسبب إستفهامي منك عن صديقكَ ذاك ، الذي كان شاهداً على الجريمة ؟ " لعنتها ، في سرّي ، لما كان من نبشها تربة خزيي . وعلى هذا ، رأيتني أطلقُ ضحكة ساخرة ، مصطنعة . حركتي هذه ، الطائشة ، جرحتها ولا شك . أفلتت جسدها من حضني ، ثمّ إستقامت على كوعها مثبتة بعينيّ عينيها السوداوين ، الغائمتين : ـ " إنكَ مُكابر . وحتى شعور الغيرة ، الطبيعي ، تودّ إنكاره " ـ " أرجوكِ ، " فريدة " ، لا حاجة بكِ لهذا الكلام " ـ " أنا أعرَفُ الناس بصفتي ، فهلا عرفتَ أنتَ نفسكَ ؟ " ـ " لقد بحثتُ عنكِ طويلاً . وتعذبتُ . هذا ما يتوجّب عليكِ معرفته " ـ " ما أن تُشبعَ رغبتكَ مني ، حتى أغدو بالنسبة لكَ جثة ً ، لا مشاعرَ لها " ـ " هلا هدأتِ ، على الأقل ؟ " ـ " إنكم سواءُ ، معشر الرجال . وأنتَ ، نفسكَ ، أحقّ بالرثاء " ، قالتها وظلّ إبتسامة ، بارقة بالسخط ، راحتْ ترتسم على شفتيها ، الرقيقتين . كدتُ أهمّ بصفعها ، وقد أثارتني بدورها . على أنني آثرتُ ، مُسالماً ، عدمَ تأجيج الموقف المتوتر . رأيتني هكذا أتناول إحدى الوسائد الصغيرة ، فأقذفها بحركة مازحة نحوَ فتاتي الغاضبة . خمَدتْ ثورتها ، من بعد ، فعادت للإسترخاء قربي . من جهتي ، إستسلمتُ من جديد للصمت والخمرة . لا جاذبَ ، مرئياً ، ليشدّني إلى أرض الواقع هذه ، المفترشة بالصخر ، القاسي . فلتفتح الغريبة ، إذاً ، ما شاءَ لها الحنينُ للبحر ، محارة َ قلبها . وكانت قد حدثتني قبلاً عن موطنها الأول ؛ " أوغاريت " ، عروس الساحل الفينيقيّ : الموج المُفضض ، وقد علاه زبدُ المدّ الصباحيّ ؛ مشاوير المساء ، الحميمة ، على " الكورنيش " ؛ ومسقط رأسها في " القريَة " ، المتفاخرة بكونه أضحى الآن أحد أحياء المدينة ، بإتصالها به عبرَ مدّ العمران والمواصلات . إلا أنّ " فريدة " ، المحتسية عدداً لا بأس به من الأقداح ، قد تناهتْ الليلة في الذكريات حدّ إهدار دموعها . ومن مجمل ما إستعادته ، إستقرّ في بئر ذاكرتي حصى مراهقةٍ ، مُداسة . كانت في الخامسة عشر من عمرها ، حينما حلّ مستأجرٌ ، غريب ، في بيت عمّها ؛ هذا المتداخل مع بيتهم خلل البستان المشترك ، المستزرع بالخضار وعبّاد الشمس ، والمظلل بالأشجار المثمرة والبريّة . قدمَ الشابُ من إحدى ضواحي " حلب " ، كيما يخدم جنديّته الإلزاميّة في القوى البحريّة . والمفروض أن يعود بعدئذٍ إلى موطنه ، ليواصل عمله ـ كمدرس إبتدائيّ . وكما هوَ مألوف في الأقاليم ، فقد كررَ الأستاذ حكاية ً معروفة التفاصيل ، لا أكثر . لم يعمد هوَ لإغواء فتاتنا . لا بل أبدى إنكفاءً ، مشهوداً ، قدّام حيويتها وجسارتها وفوّارة جسدها ، الساحر . إعتاد مُصادفتها أمام جبّ الماء ، المنزليّ ، وكأنما تترصّد حركاته . عندئذٍ ، تبادر إلى إملاء دلوه بهمّة ، متثاقلة ، فيما هيَ تتأمّل ملياً خضرة عينيه . وما كان مصادفة ، عل كلّ حال ، إنحسار ثوبها عن آخر نجمة ، منقشة في بيرق السروال ، المنمنم ، في كلّ مرة تسقي فيها شجيرات الحقل ، التي تبعد خطوات قليلة عن حجرته ولحاظه ، المشدوهة .
في ليلة صيف ، محفورة في ذاكرتها أبداً ، إنسلت الفتاة من فراشها ، مشتعلة البدن بالحرّ والرغبة المراهقة . متيقنة ً من نوم الجميع ، بما فيهم دويبات الدار ، وجدَتْ دربها إلى الفضيحة هادئاً . بدنوّها من حجرة الغريب ، الغارقة في عتمة بهيمة ، فقد خيّل إليها أن شبحه ثمة ، متناهض خلف الباب المُشرع . همّت بالتراجع ، أمام خوف دخيل داهم ، حينما ميّزت عيناها هيكل ماكنة الخياطة ، المتعطلة ، عن جسده شبه العاري ، المستلقي على الفراش ؛ الجسد الفحل ، المهوّم تحت ضوء البدر الساطع ، والمُلتحف بطانية تفوح منها رائحة الثكنة . دونما عناء ترددٍ أو تفكير ، إندسّت هيَ في فراشه وأعطته ظهرها الصلب ، الجريء ، فيما لحاظها تجول في أشباح الحقل ، النائمة . غطيط الشاب ، المُسترسل على سجيّته ، أفقدها رشدها . هيَ ذي تتثنى فقرة ً فقرة ، مُغرقة مؤخرتها الطريّة في مستنقع حلمه ، حتى جازَ لها الإطمئنان نوعاً لإفاقة صلبة ، غامضة ، للشيء المرجو . الصمت ، حلّ في الكون كله ، كيما يُتاح للطائر ، المذعور ، أن يخفق جنحه في فضاء جسدها ، المُتجرّد للتوّ . الكف الحبيبة ، الخشنة ، إمتدت نحو الرّدف ، محاصرة إياه ، كما يجدر بحصن بهيّ ، منيع . ثمّ بادرت هيَ لإستلام زمام الهجوم ، طالما تواصل السجال في أرض غيرَ مناسبة . الأفعوان الأخرس ، كان إذاً ينسلّ بحرمان العصور ، المزمن ، نحوَ فجوة فريسته ، الأشهى ، لما إنطلقت في العتمة المتراميَة صرخة ٌ ثاقبة .
*** " فريدة " ، عادت إلى إشعال سيكارة جديدة . بسمة ساخرة ، لاحت على شفتيها ، فيما كانت تتابع سيرتها : " فرّ المحاربُ ، بعيدَ لحظات من إفاقة جلبة الدار . ضاع في العتمة ، شبه عار ، متأبطاً بسطاره وملابسه العسكرية . حقيبة رثة حسب ، محتوية سترة مدنية وبعض لوازم تافهة ، تخلفت عن المستأجر ـ ذكرى لعاري . وكانت أصواتٌ فتيّة ، متهاتفة ، قد أحدقت بالحجرة ، ما عتمَ أن قطعها وصول إمرأة عمّي . أزاحت أولادها جانباً ، فيما تطلّ عليّ بيد تحمل مصباح الكيروسين . ثمّ ما لبثت أن وضعت المصباح على قاعدة ماكنة الخياطة ، وأنشأت تقذفني بشرر متوعّد من عينيها ـ كماكنة جهنميّة . لم تهتم هيَ لنظرات زوجها ، المُتطفلة ، المُسددة على عريي الملتحف بالبطانية ، بل طلبت من أحدهم الذهاب لإحضار الأمّ : " لتأتِ وتشهدَ ، بنفسها ، منظر ذريتها الصالحة " . والدتي المسكينة جاءت ، على كل حال ، وكانت على حالة محزنة من الإضطراب ، ليتلقاها العمّ يهياج حاقدٍ ، لم أع مفرداته ، المسعورة " . ضحكة طفوليّة ، ندّت من فم " فريدة " ، المُسترسلة في الحكاية : " عندما سألتني أمّي ، وهيَ تلطمني وتشدّ شعري ، عما فعلته بنفسي ، فإنني أجبتها ببراءة مروّعة : " إنه الدبّ " المطاربيْ " ، يا أمّاه " .
ـ " وما هذا ، أيضاً ؟ " سألتُ " فريدة " قاطعاً سردها . أوضحت لي وهيَ تعاود الإبتسام : " إنه ذكر الدبّ ، الجبليّ . وأهالي منطقتنا ، يعتقدون بإمتلاكه لشبق عجيب تجاه النساء ، وبالأخص العذراوات منهنّ . ويقال أنه يعمد طوال يومه إلى تشمم الدروب والحقول والينابيع ، بحثاً عن طريدته . والفتاة التي تحاول المقاومة ، يقتلها حالاً . ولكنه عادة ًيدع طريدته تمضي بسلام ، إذ أشبع وطره منها ، وربما أهداها فاكهة أحياناً ! " . ـ " كيف ظهر في حياتكِ ذاك الرجل ، الآخر ؛ " زين " ؟ " ـ " يبدو أن حكايتي أضجرتكَ ؟ " ـ " لا ، أبداً " ، قلتُ لها ، مظهراً إهتمامي ، فيما أصبّ الشراب الناريّ في كأسينا .
ظهرَ السيكلوب ، إذاً ، في ظرف مناسب ، مألوف . لم يتكرّم الرجلُ على شقيقة أرملته بعرض " السترة " ، بلا سببٍ وجيه . كان في حدود الأربعين من عمره ، وبدون ذريّة . وسبق له الزواج من إمرأة اخرى ، طردته بعد أقل من شهر على الزفة . منذئذٍ ، عاش متبطلاً ، متسكعاً ؛ هوَ العالة أصلاً على أمّه ، العجوز ، شبه الضريرة . بدورها ، حظيت هذه المرأة بصيتٍ غير طيّب في " القرية " ؛ وأنها ساحرة ، شريرة . ويقالُ أنها تعهّدت في بيتها حيّة ، رقطاء ، وكانت تطعمها فاخر الطرائد من صيد إبنها . حتى إذا دبّ الجفاء بينهما ، فإنها راحت تربّي أداتها تلك ، الموسويّة ، على ضغينته . يستسلم العاق للنوم ، في قيلولة صيف حار ، ولا تلبث الحيّة أن تزحف نحوه . ولكن عين سيكلوبنا ، الوحيدة ، كانت أكثر يقظة . أطلق ببرود خرطوشتين من بندقيته على هدية الأمّ ، السامّة ، ثمّ ما عتم أن مضى بالجيفة إليها . " لن تفرحَ طويلاً ! روح الحيّة هذه ، حلتْ مذ اللحظة في جسد إمرأة ، ستهلككَ " ، كان الأخرقُ يرددُ ، متفاخراً ، وصيّة أمّه .
هكذا وافق العمّ على قران " فريدة " بزين الرجال . قررت إمرأته ، تشفياً ، أن تكون الحجرة تلك ، الشاهدة على الفضيحة ، مأوىً للزوجين ، السعيدين . وما كان للعريس إلا أن يُسرّ للأمر ؛ هوَ المتشرد ، بلا سقفٍ ، بعدما سبق لأخوته أن طردوه من بيت الأمّ ، إثر وفاتها . " فريدة " ، حاولت الهربَ في تلك الليلة ، الإعتباطيّة ، التي عمّدتْ بها عروساً . فما وجدَ أولي أمرها مناصاً إلا تقييدها ، عارية ، إلى السرير ، كيما لا تعيد المحاولة . حتى إذا دخل عليها " زين " بأسماله وترنحه ، الثمل ، فقد هزّ رأسه أسفاً . بادرَ إلى حلّ وثاقها ، ومن ثمّ رميَ ملابسها إليها . " سأنام على ا؟لأرض ، فهذا مريحٌ لظهري . بإمكانكِ شغل السرير ، ما طاب ذلك لكِ ! " ، قال لها بلا مبالاة وهوَ يتثاءب . ولكنه إستطردَ يوصيها بحرص ، يقظٍ : " سيكون باب الحجرة موصداً ، دوماً .. هه ؟ " . لم يصدّق نبوءة أمّه ، تماماً . كان قلقاُ من إحتمال آخر ؛ وهوَ أن تكون العجوز قد سبق لها ، قبيل موتها ، أن ربّت حيّة اخرى ، مهلكة .
* يليه الفصل الثالث من الرواية ، وهوَ بعنوان " أقاليمٌ مُنجّمة "
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سطوٌ على المنزل الأول
-
مَناسكً نرجسيّة 5
-
القبلة المنقذة في فيلم للأطفال
-
مَناسكٌ نرجسيّة 4
-
من جسر ثورا إلى عين الخضرة
-
مَناسكٌ نرجسيّة 3
-
مَناسكٌ نرجسيّة 2
-
مَناسكٌ نرجسيّة *
-
دعاء الكروان : تحفة الفن السابع
-
ميرَاثٌ مَلعون 5
-
ميرَاثٌ مَلعون 4
-
ذهبٌ لأبوابها
-
ميرَاثٌ مَلعون 3
-
ميرَاثٌ مَلعون 2
-
ميرَاثٌ مَلعون *
-
كيف نستعيد أسيرنا السوري ؟
-
أختنا الباكستانية ، الجسورة
-
جنس وأجناس 4 : تصحير السينما المصرية
-
زهْرُ الصَبّار : عوضاً عن النهاية
-
زهْرُ الصَبّار 13 : المقام ، الغرماء
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|