|
ابراهيم الكوني : عزلة السرد بكل اللغات
فاروق سلوم
الحوار المتمدن-العدد: 2225 - 2008 / 3 / 19 - 05:57
المحور:
الادب والفن
لايشبع ابن آدم الاّ التراب – رواية نزيف الحجر في عزلته الثلجية عند جبال الألب ، يختار ابراهيم الكوني حوارات الذات واسئلتها المشتته القائمة منذ وقت ، اذ ان رفقة الذات بالنسبة اليه هي هم التداعيات الحرة وهم الاصغاء الى صوت الداخل ، وهو في عشرته الذاتية هذه يطرح اسئلة النهايات الكبرى لرجل صحراوي ، سافر عبر الرمل وعبر طرق المدن الحديثة .. ليصل غايته من اسئلة الأنسان في رحلة المجاهيل اليومية ، ثم يمضي الى الغابة الأوربية حيث يقيم .. ليجد سحر التكتم الحاني وتداعيات الأعماق وهي تعيد دورتها من الأصول الى النهايات الغريبة. الوجه الصحراوي : ان ملامح الطوارق التي تحكم حركة وجهه الستيني ، تمثل مرجعا لهويته ، باعتبار هذه الملامح مرتكزا خارجيا لاقناعا ، حيث تسند ذلك التفصيل البرّاني ، تراكمات واسئلة الرجل الصحراوي وسط غابة اوربية كثيفة مفرطة في السكون .. مفرطة في ألأرتواء ..لا في العطش كما هي الصحراء ، فبماذا يحاور الروائي ابراهيم الكوني - 1948 ..عطشه القديم وهو المنشغل برومانسيته الجديدة وسرده الذي يركب الرؤى والفلسفة والتداعيات والمراجع والأساطير ليصنع عملا روائيا تحكمه خبرات كثيرة وتؤثر فيه تجارب العمل الصحفي .. ومكتشفات المنقب .. وتداعيات السردي . ان تجربة الروائي ابراهيم الكوني – اصدر ستين كتابا بين الرواية والنص وترجم عالميا - تنطوي على رؤية ملغزة في عمقها حيث يرى الى الأساطير والحكايات ، على انها عرضا نقليا لأحداث وشخصيات يمكن ان توظف لخدمة السرد . انه يرى ان المنقول باعتباره ابن البداءة والفطرة ، وان كان شفاهيا بحكم ذاكرة الصحراء ، قمين بالتسجيل ولكن وفق صنعة الكاتب ، ولأن الكوني يتقن مهنة الصحفي مثلما يتقن فعل الكاتب ، فأنه يمنح نفسه حق اعادة الخلق في التنصيص والترميز ( اليست المعرفة هي تناسل فكري وخلق ورواية وتجدد ) .. أن ابراهيم الكوني يجترح لغته ويبتكر للحكاية اقنعة ومفاهيما وبنى .. وبذلك تندغم روح الفلسفة وروح الرواية ليصنعا عالما ..رواية المجوس .. التبر ونزيف الحجر – مثلا.. عند هذا الروائي المنتشر عالميا بكتبه الستين ، لغة جديدة لأستعمال الحكاية وموروثات النقل ومعارف الصحراوي وهو يحمل ذاكرة مليئة وحافظة تضم كل مرجع . كيف يكون للصحراوي ارشيفا او مكتبة او سلسلة مراجع .. ان كل الذي يملكه تلك الحافظة التي توثق كل شيء ، ويبدو ان الكوني قد استثمر ثقافة الصحراء وهو الطوارقي المثقل بألأرث بحيث تبدو رواياته ونصوص كتبه سردا تاريخيا ووثائقيا الى حد ما .. ( نداء ماكان بعيدا – الفائز بجائزة الشيخ زايد 2008 ) واسترسالا فلسفيا ، ونصوصا وروايات يدور وسطها اشخاص مبتكرين يحملون هم الكاتب نفسه لأيصال رسائل ومضامين ومرموزات كما في كتابه – التبر 1997 . ان بعض النقاد يتصدى لأسلوبية الكوني بأنها اقل من متطلبات التقنية الروائية .. وانه يمتلك مطاولة الكتابة الممتدة لفرط مالديه من معلومات واستعمالات لكل حكمة ..او تاريخ .. او فلسفة . ولكنه رغم كل استطراد يمزج في الرواية بين لغة ثرية بالوعي والخبرات وبين حدث منقول لتتحول الرواية الى نص ممكن كما في كتابه الأخير – نداء ماكان بعيدا . وهكذا استطاع ابراهيم الكوني بداب ومطاولة غريبين ان يصدر منذ اوائل التسعينيات الى اليوم ستين كتابا بالفرنسية والألمانية والأنكليزية والعربية .. بعض المصادر تقول انه ترجم الى اكثر من اربعين لغة متاحة في العالم اليوم .. وبرغم اية ملاحظة يمكن ان نقولها على هذا القول لكن الكوني فائز بعدد من الجوائز المهمة واحدها وسام الفروسية الفرنسي وهو من الأوسمة الرفيعة كما منحته سويسرا ارفع جوائزها الخاصة عن كل اعماله المترجمة الى الألمانية .. الراجلة في طرق الصحراء: انه لمن الصعب تحديد ملامح محدده لروائي كامن في اعمال ابراهيم الكوني ، ذلك انه يرتدي حلة المؤرّخ .. وبهذه الطريقة لفت انتباه الغرب .. كما ارتدى لبوس الفيلسوف .. في جوهر النصوص .. كما استجمع عدته الأنثروبولوجية مع خبرات الكتابة المسترسلة ليقدم زادا صحراويا خاصا يحكي قصة اولئك الذين يمضون في طريق الرمال نحو ابتكار عناصر الحياة المستحيلة وبين اولئك الذين يحلمون في صناعة حياة ..- نزيف الحجر - 1995 و تتوازى الفلسفة والفعل الروائي عند الكوني كما في – عشب الليل اذ يرمي رؤيته محاولا تجاوز مأزق التركيب في عملية الكتابة ..بحيث تصطدم الرؤى الفلسفية مع واقعية الأحداث لكنها تسترسل بفعل ضغط السرد .. دون ان يكترث لخسائر الروائي لصالح الفيلسوف ( بعض الصحفيين يمنحون الكوني صفة الفيلسوف والمؤرخ والروائي ، وهو غير سعيد كما يبدو بكل مبالغات الأعلام العربي اذ يجد ان المثقفين والصحفيين العرب تحكمهم اهواء واهتمامات غير الثقافة رغم ظهورهم بصفتهم الأعلامية او الثقافية ) .. من جهة اخرى تشتغل الفلسفة عند الكوني على جعل المتن الروائي حاملا لهموم فلسفية في التأمل والسؤال والكشف ( الحياة لا تحتمل حياة أخرى أبدا.الإنسان يعيش شقيا جدّا إذا جاء نبأ يقول بان ثمّة إنسانا في الكون الأبدي يدبّ ويتنفّس بعمق ويستمتع وحيدا ) انه يحمل في سرده هموم التذكر العميق منذ طفولته و يستعرض الصحراوي وهو( يعيش العمر كله يمشي خلف الدواب) انه يبتكر لنا رؤية لمعاناة نتخيلها ولانعرفها عن سكان الصحراء والطوارق وصراعهم وسط الرمل .. مثلما يستعرض لنا استاتيكية الجدل ذاك في فنون وموسيقى وحنين يعيشه ابطال رواياته .. ورجال ذخيرة الذاكرة لديه .. أن رواياته تستقصي - حياة الصحراء، واعماق المكان حينما تكون حياة البادية رحيل دائم، فالتجلي هنا آسر، وأبعاده خليقة بالمتابعة حينما ترى قبائل الطوارق وهم اهله وقبيلته المنتشرة .. يقطعون الصحراء بحثاً عن حلم يعيد للحياة بريقها، ذاك الحلم المرتبط بالماء دائماً. اذ لا تخلو روايات الكوني من هذا الهاجس الإنساني في البحث عن الماء .. انه لمن الممكن القول ان الكوني استطاع أن يخلق طريقه في الأبهار وسط ثقافات اخرى .. حيث استقبلت رواياته وترجمت الى لغات عديدة مثلما حظيت اعماله بأهتمام دور النشر العربية – الدار العربية للدراسات والنشر – الساعة الآداب ودور اخرى .. ان الروائي عند الكوني يشتغل على السرد الواقعي الى ابعد حد يمكن ان يتحمله الخيال ليكون من منظومته التعبيرية فنتازيا .. وظلال من حياة الصحراء بكل طاقتها على خلق الوهم البصري .. وخلق الأحداث ايضا . ولعل فكرة المكان ستكون مركز اهتمام الكوني كلما تقلب في انشغالاته اذ تركز اعماله على المكان بصفته وطناً ومنفى، وبصفته هوية و انتماء وفنتازيا مفتوحة لكل احتمال تستدعيه حركة الرواية وشخوصها ( انا شتغل بتداعي حر استعيد فيه مراجعي دون ان اقف عند مخاوف محددة .. ان كل مرجعية او ذاكرة بالنسبة للروائي هي عدة تجعله يتحاشى السرد العام الى اصول السرد – يقول الكوني ) .. لقد فاز الكوني بجائزة الدولة الاستثنائية في سويسرا وهو أول أجنبي - عربي تمنحه سويسرا الجائزة التي غالبا ماتمنح لمؤلف متميز كل خمس أو ست سنوات، وكثيرا ما تحجب كما حدث في السنوات العشر الأخيرة. وتبلغ قيمتها المادية أضعاف جوائز الدولة التقديرية التي سبق للكوني أن فاز في أولها عام 1995 عن روايته "نزيف الحجر"، وفاز بالثانية عام 2001 عن ملحمة "المجوس". و فاز الكوني خلال هذه الأعوام بجوائز أخرى مثل جائزة لجنة التضامن الفرنسية عن رواية "واو الصغرى" عام 2002 أو جائزة اللجنة اليابانية للترجمة عن روايته "التبر" عام 1997. وقد فاز أخيرا بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2007 – 2008 أن صدور ملحمته "المجوس" مترجمة الى الفرنسية من قبل أثار ردود فعل واسعة في الصحافة الأدبية .. حيث صوره الملحق الأدبي لليبراسيون انه مثل نبوءة جديد ة يظهر وسط الصحراء في صورة الروائي الذي يحمل ذاكرته المثقلة بالمعرفة والتذكر - أن الخلاص سيجيء عندما ينزف الردان المقدس ويسيل الدم من الحجر. حيث تولد المعجزة التي ستغسل اللعنة، وتتطهر الأرض ويغمر الصحراء الطوفان .. بهذه الطريقة يقفل الكوني احداث روايته نزيف الحجر ويواصل المضي كل يوم وسط الغابة السويسرية نحو جبال مثقلة بالثلج .. وهو يتذكر صحراء عطشى وعيون الطوارق وهي تبحث عن الماء طوال العمر ..
#فاروق_سلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اوراق الدفتر لاتكفي لكلمة
-
امنية ثالثة للوليتا
-
البنفسجة التي في بلادي
-
ناشطات عراقيات ودعوة .. وارتجالات
-
مارك جينكنز : تماثيل الشارع ..امتداد للفن الشعبي
-
عاموس عوز : روايتي تقول ..لن يزول الفلسطينيون
-
نبرة ثالثة للغربة والطريق وحده يغني
-
زها حديد 2008 : الفنتازيا اهم من العمارة
-
احتضن جواد سليم
-
وارد بدر السالم : الجنوب المحتمل .. الكتابة في درجة 100 فهرن
...
-
التوكّينية تثمر بعد سيد الخواتم
-
حكايات : من يشتري العناق وبغداد عاصمة الثقافة بعد 9 اعوام !
-
لاتقتلوا مايكل مور : الحرب على الحقيقة !
-
شيفرات لقدسية البلاهة
-
ذهب يرسم المنائر والخبزة تنتظر البياض
-
مسافة للأرق والليل يرمي للفتاة اكليلها
-
ورقة لأعتراف حميم
-
تشغلني الغابة .. اشك في الخبز
-
كآبة الوردة القاتمة على شفتيك
-
شاعر يكتب تاريخا : الأرق طريق العزلة ..طريق الخلاص الشعري
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|