باسم السعيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2225 - 2008 / 3 / 19 - 05:48
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
كل الذي تراه العين ويتخيله العقل رأيته، الحدث اليومي الذي يجتاح معالم الحياة تسطَّر امام ناظريَّ، لست وحدي .. المئات رأوه.. شمّوا رائحته، اصابتهم تلك القشعريرة التي تعصف برغبتك في البقاء على قيد الحياة.. إنها معالم الطريق المكرورة ذاتها.. بقرفها ..وغباوتها.
كنت عائداً الى بيتي متهالكاً من يوم متعب في الأساس .. مليئاً بالمتاعب المضافة ذاتها، كان نصيبي منه الكدُّ والنحس معاً.. وصلت ، فتحت باب السيارة وترجلت، اغلقته خلفي على ذاكرة تركتها خارج أسوار الدار، ودلفت الى منآي عن الشارع، مملكتي التي لاأملك منها سوى أمل واه في الخصوصية التي لم يعد يمتلك أياً منها أحد.
في العادة أول وجه اتطلع اليه في البيت هو وجه أمي،أقبل يديها وأغترف من حبها الذي لاحدود له لأعتاش عليه .. بقية باقية من الإنسانية التي تختفي رويداً من كل شيء خارج مملكتي.
دفعت باب غرفتها كعادتي، رأيتها جالسة على سريرها الخشبي العتيق الذي يشي بكم هائل من الإنتماء الى العائلة،كان ظهرها الى الباب، سلَّمت عليها فالتفتت إلي بكلمة (هلة يمّة) الحبيبة، وجمت حين رأيت عواطف السلمان تجلس في غرفة أمي، تناديني بـ (هله يمّة) .. ماذا تفعل عواطف السلمان في غرفة أمي؟؟
ذعرت .. حين وجدتني أرد عليها بـ (هلة يمة كيفك؟) .. كأن لاشعوري مستسلم الى حقيقة أن عواطف السلمان هي أمي، إقتربت منها (مستغرباً) تصرُّفي وقبّلت يدها، مستفسراً عن صحتها، وكانت ترد عليَّ بكل كلمات أمي.
أين أمي؟؟
كان ذهني يتساءل، وقلبي يخفق في حضرة عواطف السمان كما يخفق في حضرة أمي.. عجيب ما يحصل.. لم أكن (في الحقيقة) أبحث عن أمي، بل كانت ذاكرتي تتضح في كل لحظة .. كانت عواطف السلمان هي أمي،كلما حاولت أن اتذكر وجه أمي كان وجه عواطف السلمان يبرز الى الواجهة في ذاكرة متقنة.
جلست بالقرب منها بكل الخشوع الذي ينتابني عادة في حضرتها، كان عقلي يلاحظ أننا (أنا وعواطف السلمان) في العمر نفسه، أو تكبرني هي بقليل.. لكنها بلا شك كانت أمي، كل ذكريات طفولتي عنها وصباي تجيء بصورة عواطف السلمان.
بدأ الشك يدب في عقلي .. هل أنا واهم؟؟ أم ان عواطف السلمان هي أمي فعلاً؟
تطلعت طويلاً في وجهها ... عجيب أنني لم أعد أرى فيه سوى وجه أمي ، وفي صوتها صوت أمي، وفي حنانها حنان أمي.
كففت عن القلق.. قبَّلت كلتا يديها وسألتها أن تدعو لي ، وخرجت من غرفتها، لكن ليس من قلبها.
#باسم_السعيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟